
شبكة النبأ: أخيرا وليس آخرا استكان
الرئيس اليمني الى قرار الشعب، بعد ان دفع بالمقابل ثمن باهض قبل أن
يتنحى بشكل وان كان غير رسمي الى حد الآن، لكن وبحسب المراقبين ان
الأمر بات محسوما بشكل قطعي، بعد أن خرجت الأمور من دائرة السيطرة
الدولية مؤخرا.
فرحيل علي عبد الله الى السعودية بشكل قسري وضع نهاية لفترة حكمه،
بعد اشهر من الاحتجاجات الشعبية المتواصلة والمكلفة، خصوصا بعد سقوط
المئات من الضحايا المدنيين الذي جابهوا مماطلة الرئيس بتصعيد لهجة
الاحتجاجات، قبل ان ينزلق الوضع الى معارك دموية شهدتها العاصمة وبعض
المدن الأخرى.
فيما يسود الغموض حول مصير السلطة في تلك الدولة التي تعاني من
انقسام اجتماعي ونشاط ملحوظ للمسلحين المنتمين لتنظيم القاعدة الارهابي،
في الوقت الذي يتداعى اقتصادها للانهيار.
فراغ السلطة
ففي كل دقيقة يقضيها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بعيدا عن
بلاده تقربه خطوة جديدة من نهاية حكمه الذي جاوز ثلاثة عقود من الزمن.
وصالح الذي اصيب في هجوم صاروخي على دار قصر الرئاسة في العاصمة
اليمنية صنعاء يوم الجمعة موجود في السعودية طلبا للعلاج في لحظة حاسمة
من عمر الانتفاضة الشعبية الناشبة في اليمن منذ اربعة أشهر.
ووسط تضارب التقارير لا تزال عدة امور غامضة منها مدى خطورة اصابة
صالح وما اذا كان قد ترك اي ابناء او ابناء اخوة في محاولة لابقاء قبضة
اسرته على السلطة وما اذا كان سيعود الى اليمن مرة اخرى.
وقال المحلل السياسي المقيم في صنعاء علي سيف حسن "كل ما نعرفه هو
اننا في لحظة بالغة الخطورة." واضاف ان هناك تصورين يجب وضعهما في
الاعتبار.. الاول هو ان صالح (69 عاما) ترك فراغا سيندفع اقاربه كي
يشغلوه مما سيؤدي الى اشتباكات مع خصوم صالح القبليين والى حرب اهلية..
والثاني هو ان السعودية ربما تتوسط في اتفاق لانقاذ ماء الوجه لتسمح
لصالح بمغادرة البلاد ونقل السلطة.
ويعتمد الكثير في ذلك على موقف السعودية نفسها في الساعات والايام
المقبلة. فهي اكبر مانح لليمن وتمول حكومة صالح وتزود جيشه بالعتاد
وتقدم الدعم للمستشفيات.
وتشترك السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم في حدود يصل طولها الى
1500 كيلومتر مع اليمن وكانت حتى وقت قريب هي والولايات المتحدة تدعمان
صالح كحليف ضد جناح للقاعدة يتخذ من اليمن مقرا له.
وبعدما اتضح في ابريل نيسان ومايو ايار الماضيين ان المحتجين
المناهضين للحكومة في شوارع اليمن ليس لديهم اي نية للتوقف عن مطالبتهم
صالح بالتنحي تدخلت السعودية ودول الخليج العربية ثلاث مرات للتوسط في
اتفاق بين صالح والمعارضة.. وهي محاولات انهارت كلها في اللحظات
الاخيرة. بحسب رويترز.
لكن السعودية التي تمول القبائل لمحاربة القاعدة لم تتخذ الخطوة
الحاسمة بعد بسحب دعمها المالي فيما يرجع على الأرجح الى عدم اليقين
بشأن كيفية شغل فراغ السلطة.
واذا بقي صالح في السعودية فسيصبح ثاني زعيم عربي يلجأ للمملكة بعد
الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي فر اليها يوم 14 يناير كانون
الثاني بعد احتجاجات اجبرته على الهروب. وسيكون ثالث رئيس يسقط في "الربيع
العربي" الذي شهد ايضا سقوط الرئيس المصري حسني مبارك.
وقال المحلل السياسي السعودي خالد الدخيل إن صالح ما كان ليسافر الى
السعودية الا اذا كان يعتزم التماس مخرج. واضاف الدخيل "رئيس البرلمان
ورئيس الوزراء والرئيس هنا اذن فالحكومة بالفعل هنا. "هذا سيسهل ترتيب
تنحي علي عبد الله صالح."
ونقلت العشائر المتنازعة والنخب السياسية معركتها الى شوارع صنعاء
قبل أسبوعين. ولقي نحو 200 شخص حتفهم في القتال وفر الآلاف من المدينة.
واتسم الهجوم الصاروخي على صالح قبل يومين والذي قتل فيه سبعة اشخاص
وأصيب فيه رئيس الوزراء واثنان من نوابه ورئيسا مجلسي البرلمان بدقته
واتقانه وبالوشاية من الداخل.
ويقول محللو معهد ستراتفور لدراسات المخابرات إن صالح والاخرين
كانوا في المسجد داخل قصره لذلك فانها ليست سوى دسيسة من أحد المقربين
من صالح هي التي رصدت موقعه. وبعبارة أخرى كانت تلك محاولة اغتيال.
وأنحى صالح الذي لم يصدر عنه سوى تسجيل صوتي بعد الهجوم باللائمة في
الاعتداء على "عصابة خارجة عن النظام والقانون" لكنها كانت في الأغلب
محاولة انقلاب برغم عدم اعلان اي جهة المسؤولية عنها. واضاف المحللون "هذا
ليس عمل رجال القبائل بل تدبير عسكريين تلقوا دعما من افراد من النظام
يعتقد انهم قريبون لصالح.
"ولهذا السبب يشتبه ستراتفور في ان ابرز مناوئي صالح داخل الجيش
اللواء علي محسن الأحمر الذي كان يلتزم الهدوء على نحو واضح في الأيام
القليلة الماضية والذي يحظى باحترام كبير بين رجال الحرس القديم في
اليمن كان ضالعا في مؤامرة الانقلاب على ما يبدو."
ووقف علي محسن وجنرالات اخرين خلف الثوار يوم 21 مارس اذار بعدما
قتل القناصة 52 محتجا في ميدان بصنعاء.
وفي علامة اخرى على ان صالح ربما يكون يعد العدة للخروج من السلطة
اصطحب ايضا 35 من اقاربه معه الى السعودية غير انه من غير الواضح عدد
ابنائه وابناء اخوته الذين يرافقونه. والكثير منهم يتقلد مناصب في
الجهاز الحكومي.
ويقول صالح ان كل ما يسعى اليه هو "خروج مشرف" واصر في المفاوضات مع
دول الخليج العربية على اتفاق نقل السلطة على ضمانات بعدم ملاحقته
قضائيا وقد حصل عليها بالفعل.
وربما تأتي اشارة أيضا بشأن كيفية رد فعل اليمنيين على رحيل صالح من
قادة الجيش ممن انشقوا وانضموا الى القبائل والمحتجين المناهضين
للحكومة.
وقد يقنع هدوء العنف الذي يدفع اليمن إلى حافة الحرب الأهلية
السعودية على ان رحيل صالح نهائيا ربما يقدم فرصة لليمن لاستعادة قدر
من الأمن والاستقرار.
وقال محجوب زويري استاذ التاريخ بجامعة قطر "(المتظاهرون) ارادوا
مغادرة الرئيس للبلاد. هذا (رحيل صالح) من المحتمل ان يمثل استجابة
لأحد طلبات المتظاهرين. اعتقد انه يتعين علينا النظر فيما حدث في
الأيام القليلة الماضية فقد غير الآليات المحركة داخل المشهد السياسي
اليمني."
نقطة تحول
في السياق ذاته يرى العديد من المواطنين العرب انهم حققوا انتصارا
جديدا في مسعاهم للاطاحة بالحكام الاستبداديين في المنطقة واستبعدوا
فكرة عودة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الى السلطة مجددا بعد سفره
لتلقي العلاج في السعودية.
وقال حسين خليل (27 عاما) وهو مصري يعمل موظفا في بنك وشارك في
الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك في وقت سابق العام
الجاري "هذا يشير الى سقوط ثالث نظام عربي مستبد وسيمنح دفعة كبيرة لمن
يكافحون في سوريا وليبيا."
وقال زكي بني ارشيد وهو قيادي بارز في حركة الاخوان المسلمين
بالاردن ان رحيل صالح يمثل نقطة تحول ليست فقط "للثورة" اليمنية لكنه
يمثل ايضا دفعة كبيرة للتغيرات الحالية في المنطقة العربية وبداية
انتصار حقيقي.
وقال الفريد سمعان الامين العام لاتحاد الادباء في العراق ان سفر
صالح تحرك لحفظ ماء الوجه ليترك السلطة. واضاف ان الرئيس اليمني ربما
يكون ادرك ان الهجوم القادم قد لا يبقيه على قيد الحياة.
وقال سامي الفرج رئيس مركز الكويت للدراسات الاستراتيجية انهم اذا
ارادوا ان يمنحوا صالح مخرجا على اساس اصابته فانه يتعين عليهم اولا
معالجة قضايا المحتجين والقبائل المعارضة.
واليمن بلد جبلي يعد امتلاك السلاح فيه امرا مألوفا. وهو ممزق بفعل
الخلافات القبلية التي استغلها صالح بمهارة طيلة 33 عاما للبقاء في
السلطة. وتغير ذلك الامر عندما خرج المحتجون ضده مستلهمين ثورات "الربيع
العربي".
وقال عبد الرحمن حسين (30 عاما) وهو صحفي مصري ان من مصلحة السعودية
انهاء الاحداث في اليمن لانها لا تريد ان تتجاوز المشكلة الحدود بين
البلدين.
وقال حسن نافعة استاذ العلوم السياسية المصري ان السعودية لن تواجه
انتقادات من الشعب العربي لمنحها المأوى للحكام المخلوعين شريطة الا
يستغل هؤلاء المملكة للتدخل في شؤون بلدانهم من هناك. واضاف "الربيع
العربي مستمر والشعوب العربية في حالة فوران. الشعوب العربية في حالة
رفض تام للنظم الحالية.التحدي الوحيد هو ماذا سوف يأتي بعد ذلك..
التحدي هو كيف يكون شكل النظم الجديدة والحكام القادمين.."
غموض على راس الدولة
في الوقت ذاته يسود غموض كبير على رأس الدولة فيما يحتفل الشباب
الذين يقودون منذ اشهر انتفاضة واسعة ب"هروب" علي عبد الله صالح
معتبرين انه "سقوط للنظام". واكدت مصادر قريبة من الرئاسة ان احمد نجل
الرئيس اليمني وقائد الحرس الجمهوري، موجود في قصر الرئاسة بينما نائب
الرئيس عبد ربه منصور الذي يفترض ان يدير شؤون البلاد في غياب الرئيس
بموجب الدستور، موجود في منزله.
واكد المصدر ان اجتماعا عقد مؤخرا ضم عبد ربه منصور مع ابناء واخوة
وابناء اخوة الرئيس الذين يشغلون ارفع المناصب في المنظومة العسكرية
والامنية في اليمن، دون ان يرشح اي شيء عن هذا الاجتماع.
وذكر المصدر ان الاجتماع ضم نائب الرئيس مع اخوي الرئيس علي صالح
الاحمر مدير مكتب القائد الاعلى للقوات المسلحة وقائد العمليات
العسكرية، ومحمد صالح قائد القوات الجوية.
كما ضم نجله احمد وابني اخيه طارق محمد عبد الله صالح قائد الحرس
الخاص، وابن اخيه ويحيى محمد عبدالله صالح قائد الامن المركزي.
ولم يصدر اي بيان رسمي بشأن اجراءات ادارة شؤون البلاد في غياب صالح،
فيما استمر التلفزيون اليمني ببث الاغاني المؤيدة للرئيس. وفي الشارع،
يحتفل الشباب ب"هروب" صالح، وب"سقوط النظام".
ويهتف عشرات المتظاهرين المتحمسين في ساحة الاعتصام في صنعاء "حرية
حرية اليوم عيد الحرية". وهتف آخرون "خلاص، سقط النظام" واخرون "اليوم
يمن جديدة".
اما في تعز (جنوب صنعاء)، فينظم الالاف مسيرة وصلت الى ساحة
الاعتصام التي تمكن المحتجون من احتلالها مجددا بعد طردهم منها بالقوة
الاسبوع الماضي. ويشارك في المسيرة الالاف الرجال والنساء الذين
يحتفلون بمغادرة صالح. ويهتف المتظاهرون "حرية، حرية" و"يا شباب يا
شباب علي عبدالله هرب".
ميدانيا، بدا الوضع هادئا تماما في صنعاء بعد ان سمعت طلقات نارية
متقطعة خلال الليل، وتبدو الشوارع خالية تماما من حركة المرور. وكانت
مصادر قبلية اكدت ان الشيخ صادق الاحمر زعيم قبائل حاشد مستعد لهدنة
بعد جهود بذلتها السعودية للتهدئة.
من جهتهم، دعا "شباب الثورة السلمية" الى تشكيل لجان حماية للدفاع
عن المنشآت العامة في وجه المخربين واللصوص. واطلقت هذه الدعوة بعد ان
شهدت تعز، وهي من اكبر مدن اليمن، السبت عمليات نهب وسطو تكثفت بعد
انسحاب قوات الامن من وسط المدينة.
وعلى صعيد آخر، قتل تسعة جنود يمنيين في كمينين نصبهما عناصر من
القاعدة في محيط مدينة زنجبار الجنوبية التي يسطير عليها التنظيم،
حسبما افاد مسؤول عسكري. واعلن المسؤول ان قافلة عسكرية تعرضت "لكمين
في منطقة دوفس جنوب زنجبار مما ادى الى مقتل ستة عسكريين آخريم
بالاضافة الى خسائر كبيرة في العتاد".
واوضح ان القافلة قدمت من مدينة عدن (جنوب) لتعزيز اللواء
الميكانيكي 25 المحاصر من قبل عناصر القاعدة في زنجبار، عاصمة محافظة
ابين. واضاف المسؤول انه في وقت لاحق "تعرضت قافلة اخرى لكمين ثان في
منطقة الكود (قرب زنجبار) وادى ذلك الى مقتل ثلاثة 3 عسكريين واصابة
ستة بجروح".
وقتل عشرات العسكريين والمدنيين اضافة الى عدد من عناصر القاعدة في
مواجهات مستمرة بين التنظيم والقوات الامنية منذ السيطرة على زنجبار
قبل اكثر من اسبوع.
اطول زعيم يمني بقاء في الحكم
- صالح كرئيس: يستغل صالح الممسك بزمام السلطة منذ اكثر من ثلاثة
عقود من الزمن الصراعات الداخلية مع المتمردين الحوثيين في الشمال
والمتمردين الماركسيين في الجنوب وعناصر القاعدة في الشرق للحصول على
معونات خارجية ودعم عسكري وتقوية قاعدة نفوذه. واستخدمت القاعدة اليمن
بالفعل لشن هجمات في السعودية والولايات المتحدة في العامين الماضيين.
- اشرف صالح على توحيد شطري اليمن الشمالي والجنوبي عام 1990 وحال
دون دفع المتمردين والانفصاليين اليمن كي يصبح دولة فاشلة.
- انتخبه البرلمان رئيسا في اكتوبر تشرين الاول عام 1994 وانتخب
بالاقتراع المباشر للمرة الاولى في سبتمبر ايلول عام 1999 حيث فاز
بنسبة 96.3 في المئة من الاصوات. وكان اخر مرة ينتخب فيها لدورة جديدة
مدتها سبع سنوات عام 2006.
- تحولت مجموعة من حلفاء صالح الى المحتجين المحبطين من تفشي الفساد
وارتفاع البطالة. ويعيش نحو 40 في المئة من السكان على دولارين في
اليوم أو أقل ويعاني ثلثهم من جوع مزمن.
- وقدم صالح عدة تنازلات شفهية خلال الاحتجاجات كان اخرها تعهده
بالتنحي خلال اسابيع مقابل منحه حصانة من الملاحقة القضائية. ووافقت
المعارضة على خطة السلام التي توسطت فيها دول مجلس التعاون الخليجي.
- غير ان صالح لم يوقع بعد على أي اتفاق واوقد احدث رفض له في 22
مايو ايار شرارة مزيد من احتجاجات الشوارع في صنعاء وهذه المرة بين
قوات الامن التابعة له واتحاد قبائل حاشد القوي الذي يقوده صادق الاحمر
الذي تدعم عائلته الاحتجاجات المطالبة بالاطاحة بصالح.
- أجبر القتال الاف السكان على الفرار من صنعاء وزاد من احتمالات
الفوضى وهو ما سيفيد القاعدة في جزيرة العرب ومقرها اليمن ويهدد
السعودية اكبر مصدر للنفط في العالم. وقتل اكثر من 370 شخصا في انحاء
اليمن منذ يناير كانون الثاني عندما بدأت الاحتجاجات ضد الحكومة.
- أصيب صالح عندما سقطت قذائف على قصره يوم الجمعة. وانحت الحكومة
باللائمة في الهجوم على رجال القبائل لكن صادق الاحمر حمل الحكومة
المسؤولية للمساعدة في تبرير تصعيد قتالها في شوارع العاصمة.
- تفاصيل حياته..
- ولد صالح عام 1942 في قبيلة تعيش قرب صنعاء وتلقى تعليما محدودا
قبل أن يلتحق بالجيش كضابط صف عام 1958.
- ذاع صيته لاول مرة عندما عينه الرئيس الاسبق أحمد الغشمي وهو من
قبيلة حاشد التي ينتمي اليها صالح حاكما عسكريا لتعز ثاني أكبر مدينة
في اليمن الشمالي. وعندما اغتيل الغشمي في انفجار سيارة ملغومة في عام
1978 حل صالح محله.
- وزاد احكام قبضته على زمام السلطة من التوتر مع الجنوب وتصاعدت
اشتباكات متفرقة لتتحول الى صراع مفتوح بين الدولتين عام 1979. ومضت
الحرب بشكل سيء بالنسبة لصالح.
- الا ان صالح سحق محاولة للاطاحة به بعد شهور من توليه السلطة في
اليمن الشمالي وحقق نصرا كاسحا عندما حاول الجنوبيون الانفصال في عام
1994. |