اليمن وحتمية السقوط بين فكي التقسيم وهيمنة القاعدة

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: المتتبع لما حدث في اليمن من حركة احتجاجات واسعة يلاحظ إن ما بدأ من ثورة  تهدف إلى إسقاط الرئيس علي عبد الله صالح، ثم الانزلاق الخطير إلى حرب داخلية، ما ان ليكون لولا بعض العوامل السلبية المتراكمة مسبقا، خصوصا فيما يتعلق بسيطرة أنصار الرئيس صالح وعائلة الأحمر على السلطة والمال.

فالقتال الذي خلف مؤخرا 130 قتيلا في عشرة أيام لا علاقة له تقريبا بثورة الشباب الذين اعتصموا منذ بداية كانون الثاني الماضي مقتدين بما حدث من ثورات في المنطقة، في الوقت الذي تسبب تفاقمم الأوضاع الى تهميش الولايات المتحدة والجهود الإقليمية الهادفة إلى ترتيب خروج الرئيس صالح وتنظيم انتقال سلمي إلى الانتخابات، لكن عزم مقاتلي الأحمر في الأسبوع الماضي دفع المراقبين إلى توقع غرق اليمن في قتال بين طرفين متكافئين لا يملك أي منهما القدرة على الحسم.

استمرار القتال سيصرف جهود القوات الحكومية عن عمليات مكافحة الإرهاب، وهو ما يؤدي إلى خلق فراغ يستغله المتطرفون مما سيؤثر على جهود الولايات المتحدة التي نقلت تجهيزات أمنية وعسكرية مهمة إلى اليمن من أجل ضرب فرع القاعدة في الجزيرة العربية، والتي سيطر موالون لها على مبان في زنجبار عاصمة محافظة أبين الجنوبية.

ويعتقد محللون سياسيون أن اللاعب الثاني في اليمن هو الجنرال علي محسن الأحمر الذي يقود الفرقة الأولى مدرع ودفع بجنوده لحماية المحتجين المعتصمين بعدما استهدفهم قناصة وقتلوا عددا منهم، لكنه لم يستخدم قواته ضد الرئيس صالح.

إنه حتى عهد قريب كانت المصالح المالية والاقتصادية بين عائلتي صالح والأحمر مرتبطة بشكل وثيق، لكن الاحتجاجات التي استهدفت الحكم الاستبدادي للرئيس صالح فتحت التوتر المشتعل منذ فترة طويلة حول تقاسم غنائم السلطة، ومنذ 23 مايو/أيار الماضي دخلت القوات الموالية للرئيس صالح في قتال عنيف ضد المسلحين القبليين لعائلة الأحمر.

تقول رئيسة المحللين في المجموعة الدولية للأزمات أبريل آلي إن القتال بين المجموعتين يهدد بإغراق اليمن في حرب أهلية، وهذا بالتأكيد يلقى بظلاله على جهود المحتجين الذين كانوا يأملون تغييرا هادئا للسلطة.

أما عائلة الأحمر كانت حليفة للرئيس صالح منذ ساعدته على تولي السلطة عام 1978. وكان الشيخ عبد الله الأحمر أبرز شيوخ اليمن وزعيم قبيلة حاشد التي ينتمي إليها الرئيس صالح، وعندما توفي عام 2007 لم يستطع أي من أبنائه العشرة احتلال مكانته بمن فيهم خلفه وهو ابنه صادق الأحمر. ورغم استمرار نفوذهم وثرائهم، عمد الرئيس صالح تدريجيا إلى تركيز السلطة حوله وتوزيعها بين ابنه أحمد علي عبد الله صالح وأبناء إخوانه، وهنا بدأت القطيعة تنمو بين العائلتين كما تقول آلي.

وفي انتخابات 2006 وقف حميد الأحمر -وهو ابن عبد الله الأحمر وأحد كبار رجال الأعمال في اليمن- إلى جانب خصوم الرئيس صالح، بينما بقي والده في صف الرئيس. وفي عام 2009 تحدث حميد إلى قناة الجزيرة ودعا إلى رحيل صالح، وقال إنه متهم بالخيانة العظمى، واتهمه بتحويل اليمن إلى مؤسسة عائلية.

أما صالح فقد وعد بالرحيل ثلاث مرات وفي كل مرة يتراجع، وكانت آخر مرة تراجع فيها الشهر الماضي عندما رفض اتفاقا يضمن حصانته من الملاحقة مقابل التخلي عن السلطة، وبدلا من ذلك اشتد القتال في الشوارع عندما هاجمت قواته مقر الشيخ صادق الأحمر.

وقال مدير مركز الدراسات المستقبلية في صنعاء فارس السقاف عندما ظهرت فكرة تولي السلطة بعد صالح، رأى أبناء الأحمر أنهم أولى بها من ابن الرئيس صالح، وأضاف وهذا ما أدى إلى نقطة تحول في العلاقة بين عائلة الأحمر وصالح، وهذا هو سبب قرار صالح مهاجمتهم واعتبارهم منافسه السياسي الرئيسي.

ويقول محللون إن الجنرال محسن الأحمر ربما يحاول أن يجعل من نفسه وطنيا محايدا، وربما يشترك مع المحتجين في شكوكهم تجاه طموحات عائلة الأحمر.

وقال كريستوفر بوسيك من معهد كارنيغي للسلام إن المحتجين يريدون المحاسبة والحكم الرشيد، ولا يريدون ذهاب عائلة ومجيء أخرى. لكن هجوم صالح على منزل صادق الأحمر غيّر من نظرة بعض المحتجين لهم كما يقول عيسى عبد الله وهو أحد المعتصمين بساحة التغيير، إذ كثير من الناس بمن فيهم بعض رجال القبائل كانت لهم نظرة سلبية تجاه عائلة الأحمر، لكن هجوم صالح عليهم جعل منهم أبطالا.

وقال بوسيك إن عائلة الأحمر مسلحة لكنها لا تملك القدرة على إسقاط صالح، كما أن قوات الحكومة لا تملك القدرة على هزيمة عائلة الأحمر، وهذا قد يستمر طويلا ويمكن أن يتحول إلى الأسوأ.

دور القاعدة المقبل

ما ماجرى من شد وجذب يدخل تنظيم القاعدة حالة عرضية فإن التنظيم سيكون أسعد الأطراف بانهيار اليمن، فالقوات اليمنية التي دربتها الولايات المتحدة على مكافحة الناشطين الإسلاميين مشغولة هذه الأيام بحماية نظام الرئيس علي عبد الله صالح مما يمنح عناصر القاعدة حرية التحرك والتجنيد كما يعرقل مهمات التجسس والعمليات الأميركية الخاصة.

يقول السفير الأميركي الأسبق في اليمن إدموند هال قوله إن الأمور تأخذ منحى سلبيا خطيرا، فالحكومة تعاني من الفوضى ومجال نشاط القاعدة يتسع.

لكن تقارير أخرى تقول إن الحديث عن سيطرة القاعدة على مدن في الأيام الأخيرة أمر مبالغ فيه، إذ يقول مدير قسم الشرق الأوسط بالمعهد الوطني الديمقراطي ليزلي كامبل إن المسلحين الذين استولوا على زنجبار سكان محليون وليسوا من القاعدة.

غير إن القاعدة كي تنفذ عملياتها لا تحتاج للسيطرة على مناطق في الأراضي المعدمة التي كانت مهد أجداد أسامة بن لادن، ويقول هال إن مثل هذه الأماكن تعد ملجأ طبيعيا وآمنا وهم يحاولون إعادة تشكيل وضع يشبه ذلك الذي كان في أفغانستان.

ويشرح هال الأمر بقوله إنه لا يرى للقاعدة إستراتيجية الاستيلاء على الأرض، بل انتهاز فرصة الفوضى وغياب النظام من أجل العمل لمهاجمة أميركا.

ويعتبر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب فرع اليمن يعتبر أكثر الأطراف تهديدا لأميركا إذ حاول تنفيذ عمليات على التراب الأميركي عشية أعياد الميلاد عام 2009 وتبنى إرسال طرود مفخخة من اليمن إلى أميركا.

وقبل أسبوع واحد من اغتيال أسامة بن لادن، أطلقت طائرة أميركية بدون طيار صاروخا لاغتيال أنور العولقي، وهو أحد ناشطي القاعدة في اليمن، لكنها فشلت في إصابته.

الولايات المتحدة وثقت علاقاتها الأمنية مع نظام الرئيس صالح بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 من أجل الحصول على دعم عمليات مكافحة الإرهاب في اليمن، الذي يتمتع بموقع إستراتيجي ويجاور المملكة العربية السعودية، وبمرور السنوات انتقل مستشارون أميركيون لتدريب القوات اليمنية على مطاردة واستهداف عناصر القاعدة، وبنت الاستخبارات المركزية الأميركية علاقات وثيقة مع نظيرتها اليمنية.

وهناك وثائق سربها موقع ويكيليكس تتحدث عن اختراق متعاطفين مع القاعدة للاستخبارات اليمنية على مدى العقد الماضي، كما أن مسؤولين أميركيين يتهمون الأجهزة الأمنية اليمنية بتدبير هجمات إرهابية في اليمن للحصول على دعم الخارج والداخل ضد القاعدة.

ويقول كريستوفر بوسيك من معهد كارنيغي للسلام إن السلطة بدأت تنهار في اليمن والقاعدة تسيطر على الأماكن غير الخاضعة للدولة وتسعى للتخطيط والتدريب وتصعيد عملياتها.

ومن جهته يقول بروس هوفمان وهو خبير مكافحة الإرهاب بجامعة جورج تاون إن عدم الاستقرار يضر بجهود مكافحة الإرهاب ويحد من التواصل مع الأجهزة الأمنية اليمنية، كما يقول مسؤول أميركي رفض الكشف عن هويته صحيح أن اليمنيين مشغولين بالتوتر الداخلي، لكن هذا لا يعني أن الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب متوقفة.

يقول السفير هال ما نحتاجه هو تجاوز عنق الزجاجة والانتقال لمرحلة ما بعد صالح، وآمل أن يحدث ذلك بأسرع ما يمكن لأن الوقت لا يحالفنا، وكلما طال غياب النظام، زادت سيطرة القاعدة.

ويؤكد خبراء أن أميركا لا تملك حظوظا كثيرة لقلب الوضع لصالحها ضد القاعدة في اليمن، فحملة القصف باستخدام طائرات من دون طيار في شمال باكستان لا يمكن تكرارها في اليمن لأن سي.آي.أي لا تملك شبكة مخبرين في اليمن كما يوجد لديها في باكستان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/حزيران/2011 - 4/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م