البحرين وثورة الحرية... ضياع الفرصة أم خسارة معركة؟

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يلقي الكثير من المتابعين باللوم على ما حدث في البحرين على قيادات المعارضة الشيعية، معتبرين الأخيرة غير قادرة على إيجاد الأرضية المشتركة لتحقيق الأهداف التي يطمح إليها الشعب المنكوب.

الا ان المنتقدين يغضون الطرف عن الحقيقة المجردة التي تفيد الى كون السلطات البحرينية هي من تملك مفاتيح الحلول، وهي في الوقت ذاته من كان يراوغ المطالب الشرعية للشعب، وهي من قام باستباحة البلاد والعباد بعد استقدامها لقوات أجنبية لقمع المحتجين.

وعودة على بدء، يبدو ان البعض يسعى الى ايجاد حالة من الشقاق بين قيادة المعارضة وقاعدتها الشعبية عبر إشاعة الاتهامات من جهة، وإفشاء مشاعر الإحباط واليأس من جهة أخرى، متناسين في الوقت ذاته أيضا إن طريق الحرية بالغ الوعورة، وقد يتخلله الكثير من الخسائر والآلام.

هل فشلت المعارضة

فمع انتهاء الاحكام العرفية في البحرين يتساءل نشطاء المعارضة عما اذا كانوا قد أضاعوا ما يعتقد انها الفرصة الاولى الحقيقية للديمقراطية في منطقة الخليج.

فبعد فترة وجيزة من خروج شبان البحرين مستلهمين الانتفاضتين الشعبيتين في تونس ومصر الى ساحة اللؤلؤة في أوائل فبراير شباط الماضي عرضت الحكومة الحوار مع أحزاب المعارضة بشأن اصلاحات سياسية. لكن المحادثات لم تبدأ قط.

وبعد أسابيع من المناقشات وراء الستار اشتدت خلالها التوترات الطائفية بين الاغلبية الشيعية والاقلية السنية التي اعتبرت أسرة ال خليفة الحاكمة حامية لها تدفقت القوات السعودية على البلاد يوم 15 مارس اذار وتم اعلان الاحكام العرفية في اليوم التالي وفضت قوات الامن الاعتصام في ساحة اللؤلؤة يوم 16 مارس.

ويقول منتقدون ان جمعية الوفاق الوطني الاسلامية الشيعية وهي الحزب المعارض الرئيسي في البلاد والتي يتزعمها الشيخ علي سلمان فشلت في الامساك بالزعامة خلال الاضطرابات مما سمح للمتشددين داخل الاسرة الحاكمة وبين المعارضة الشيعية بتوجيه دفة الاحداث.

وقال دبلوماسي غربي "يا لها من فرصة ضائعة. كان يتعين على الوفاق أن تكون أكثر ايمانا بموقفها وأن تتقدم الاخرين وتجلس الى طاولة المفاوضات. أنا واثق من أنهم سيأسفون على ضياعها." وتابع انه عندما تستأنف المفاوضات في نهاية الامر "سيكون سقف المطالب أدنى" والاصلاحات ربما تكون انتكست عشر سنوات.

ووافق حمد بن عيسى ال خليفة عاهل البحرين على اجراء محادثات بشأن الديمقراطية عام 2001 لكن المعارضة قاطعت الانتخابات في 2002 لان المجلس الاعلى بالبرلمان الذي تعينه الاسرة الحاكمة سيحتفظ بسلطاته الكبيرة.

وشاركت سبعة أحزاب معارضة منها الوفاق في انتخابات عام 2006 لكن المتشددين انشقوا عليها ليؤسسوا حركة حق. وعاد حسن المشيمع زعيم حركة حق من المنفى خلال الاحتجاجات يوم 26 فبراير وأعلن مع جماعات أخرى في الثامن من مارس انه يريد تحويل المملكة الى جمهورية. وكان ذلك بمثابة ناقوس خطر بالنسبة للسعودية التي تدعم البحرين ماليا في مسعى للحد من نفوذ ايران الشيعية في الجزيرة الصغيرة.

ودعا حمد ملك البحرين الى محادثات بشأن الاصلاح "دون شروط مسبقة" اعتبارا من الاول من يوليو تموز. لكن الحدود لم تكن واضحة. ومع وجود زعماء المعارضة في السجن وابتعاد المحتجين عن الشارع وتعرض الوفاق للهجوم يوميا في وسائل الاعلام الحكومية سيكون للحكومة اليد العليا في توجيه المحادثات بعيدا عن الاصلاحات البرلمانية.

وتقول منيرة فخرو من جماعة وعد المعارضة العلمانية ان الوفاق شلها الخوف من ان تفقد الشارع -فقد تشدد المحتجون الشيعة بعد مقتل رفاقهم عندما أقدمت قوات الامن على محاولة فاشلة لاخلاء ساحة الاعتصام يوم 17 فبراير.

وقالت فخرو "تحليلي هو انه بعد كل هذا الغضب وسقوط قتلى بين الشيعة مال الشارع باتجاه المشيمع. كان علي سلمان يخشى أنه اذا قبل عرض ولي العهد دون تأكيدات سيخدع في نهاية الامر." وأضافت "قلت لهم .. ولي العهد يريد الاقتراب منكم لكنه وحده لان لا أحد من أسرته يسانده يجب ان تساندوه."

والمشيمع ومؤيدو الجمهورية ضمن 21 رجلا يواجهون محاكمة عسكرية. ومن بين المتهمين كذلك ابراهيم شريف الزعيم السني لحركة وعد وبعض النشطاء الشيعة المستقلين الذين برزوا في الاحتجاجات.

ويقول سلمان وهو رجل دين ولد عام 1965 انه لم يتفق مع تصعيد الاحتجاجات أو الدعوة لاقامة جمهورية وأقر ان هذا عقد موقف الوفاق وبقية حركات المعارضة.

وقال في مكتب الوفاق المطل على مياه الخليج "هناك رأي يفيد بأننا تأخرنا في الاستجابة للدعوة للحوار لكن كانت لدينا اسبابنا." وأضاف "لم نشارك في محادثات علنية لكننا أجرينا محادثات مغلقة. أجتمعت مع ولي العهد ثلاث مرات وحدنا خلال الازمة واجتمع فريق عملي مع فريق عمله كل يوم تقريبا. لكن لم تتحقق نتائج حتى 13 مارس."

وفي ذلك اليوم قال ولي العهد مرة اخرى انه مهتم بالحوار وحدد هذه المرة سبعة مباديء يجب ان يرتكز عليها الحوار منها حكومة ممثلة للاطياف السياسية وبرلمان يتمتع بصلاحيات كامله.

وفي يوم 14 مارس قالت الوفاق وست جماعات معارضة أخرى انها تريد توضيحات قبل الدخول في محادثات مباشرة مع ولي العهد.

ولكن الحكومة وزعماء السنة يوردون نظرية أخرى وراء ما بدا تباطؤا من المعارضة في الدخول في مفاوضات وهي أن الوفاق كانت تنتظر موافقة ايران.

وقال عبد العزيز بن مبارك ال خليفة المستشار الدولي الكبير بهيئة شؤون الاعلام "نعتقد ذلك. كيف اذا تفسرون عدم حضورهم الى مائدة المفاوضات.." وأضاف "نحتاج الى زعيم رشيد وعملي لا يتطلع الى مباركة قبل أن يقدم على مبادرة اصلاح سياسي." وأضاف "لم نشهد ظهور قيادة من جانبهم ولم ينفصلوا عن عناصر متطرفة أو يأتوا الى طاولة المفاوضات."

ويذهب الشيخ عبد اللطيف المحمود زعيم تجمع الوحدة الوطنية الذي يهيمن عليه السنة والذي ظهر ليعادل المعارضة الشيعية أثناء الاضطرابات الى أبعد من ذلك.

فيقول "في الاسبوع الثاني من مارس كان رجال الدين يقولون لجماهير الشيعة ان المهدي المنتظر على وشك الظهور. وجعلهم ذلك يحجمون عن المحادثات اذ اعتقدوا أن الدولة الشيعية اصبحت وشيكة."

واختفى الامام اثاني عشر للتيار الرئيسي للشيعة في القرن التاسع في العراق ويعتقد كثيرون انه سيظهر يوما.

وأشار المحمود كذلك الى أن البحرية الامريكية كانت تنسق مع الوفاق وأن ايران ربما كانت تخطط لتدخل عسكري. بحسب رويترز.

ويتعجب زعماء الوفاق لهذه الاتهامات. ويقولون انهم لا يتطلعون الى نظام حكم رجال الدين على غرار ايران وأن أغلب شيعة البحرين على أي حال يسترشدون بأية الله العظمى علي السيستاني في العراق باعتباره مرجعيتهم في الشؤون الدينية. وأبرز رجال الدين الشيعة في البحرين هو الشيخ عيسى القاسم.

وأمضى المحمود وسلمان وغيرهما من الشخصيات الحكومية والمعارضة البارزة أغلب يوم 13 مارس في مكاتب الوفاق فيما اتضح انها محادثات غير مجدية في اللحظة الاخيرة قبل التدخل السعودي الحاسم.

وكانت الوفاق تريد ضمانات من ولي العهد فيما يتعلق بالانتخابات ووضع دستور جديد قبل الدخول في محادثات علنية مباشرة.

وكان المحمود يريد من الاسرة الحاكمة أن تضمن التمثيل في البرلمان ورفع النسبة المطلوبة للموافقة على التعديلات الدستورية لتجنب أن يصبح السنة دائما رهنا للتفوق العددي للشيعة.

وفي علامة على انعدام الثقة السائدة الان يقول المحمود انه عندما وردت أنباء تدخل القوات السعودية وقف سلمان وأعلن "سنستنجد بايران." وتقول الوفاق انه لم يقل ذلك.

حكومة لا تفي بوعودها

من جهتها انتقدت افتتاحية صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الحكومة البحرينية التى تعهدت برفع حالة الطوارئ وبدأ "حوار جاد شامل"، دون وضع "شروط مسبقة" حول الإصلاحات، وقالت إنه برغم أهمية هذه التعهدات، إلا أن المملكة قدمت وعودا متشابهة قبل ذلك، ولم توف بها.

ورغم أن الملك حمد بن عيسى آل خليفة تعهد بأن "الإصلاح مهمة لا يجوز أن نتجاهلها"، إلا أنه فشل فى ذكر تغييرات بعينها من شأنها أن ترضى المتظاهرين الشيعة، مثل زيادة التمثيل فى الحكومة أو زيادة الحصول على الوظائف المناسبة سواء فى الجيش أو الشرطة. ورأت "نيويورك تايمز" أن تحذير وزارة العدل "المخيف" بأن المزيد من تحدى السلطة سيسفر عن "عواقب" لا يحمد عقباها حتى بعد رفع قانون الطوارئ، أمر لا يوحى بالثقة. وأفادت تقارير إخبارية بأن الوزارة تعتبر الاحتجاجات "أفعالا إجرامية".

ومضت الافتتاحية تقول إن البحرين التى كانت تعرف بكونها أحد أكثر دول الخليج ليبرالية، شنت حملة لا هوادة فيها، فعلى الأقل لقى 30 شخصا مصرعهم منذ شهر مارس المنصرم، وألقى القبض على مئات غيرهم منهم زعماء سياسيين. وباتت المستشفى فى العاصمة، المنامة جزءا من المعركة، فمدخلها أغلقته الدبابات والجنود الذين أخذوا جرحى المتظاهرين الساعين للحصول على العلاج، إلى السجن.

وقالت رغم أن البحرين يوجد بها قاعدة "الأسطول الخامس الأمريكى"، ورغم مساعى الرئيس الأمريكى، باراك أوباما لاستخدام الدبلوماسية الهادئة، إلا أنه لم يستطع أن يحقق شيئا، ولكنه استخدم خطابا أشد لهجة فى خطابه عن الربيع العربى، وقال إن السبيل الوحيد للمضى قدما للحكومة والمعارضة هو الانخراط فى حوار. ودعت الافتتاحية أوباما للضغط على الحكومة البحرينية لعمل الإصلاحات السياسية الحقيقية، ووضع نهاية للاضطرابات وحملات القمع.

حوار دون شروط

وكانت وكالة انباء البحرين الممولة من السلطة قد قالت ان الملك حمد بن عيسى ال خليفة دعا الى "حوار للتوافق الوطني... دون شروط مسبقة" بدءا من أول يوليو تموز.

وقالت الوكالة ان الملك دعا "الجميع للمبادرة الى الاشتراك فيه (الحوار) من خلال استشراف المستقبل واستخلاص المرئيات من أجل دفع عجلة الاصلاح لمزيد من التطور في كافة المجالات والمساهمة في ترسيخ قواعد المشروع الاصلاحي."

ونقلت الوكالة عن الملك قوله "نوجه السلطتين التنفيذية والتشريعية للدعوة لحوار للتوافق الوطني بشأن الوضع الامثل لمملكة البحرين واتخاذ جميع الاجراءات اللازمة للتحضير لهذا الحوار الجاد والشامل- ودون شروط."

وساد الهدوء يوم الاربعاء شوارع العاصمة المنامة وتقلص المعسكر الذي أقيم الى جوار دوار اللؤلؤة الذي كان محور الاحتجاجات الى عدد محدود من المدرعات. وعرض ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى ال خلفية حوارا حول الاصلاح في خطاب له يوم الثلاثاء.

وبينما كان الشيخ حمد يلقي كلمته استدعى الادعاء العسكري أربعة أعضاء من حركة الوفاق الوطني الاسلامية الشيعية المعارضة ومنهم زعيم الحركة ونبيل رجب النشط في مجال حقوق الانسان لاستجوابهم. وقال بعض المعارف انه تم الافرج عنهم بعد ساعات.

وقال جمال فخرو وهو عضو سني بالبرلمان ان نهاية الاحكام العرفية واعلان الحوار تطور ايجابي وان اتخاذ أي موقف سلبي من ذلك سيكون مخزيا.

ويحاول نشطاء تنظيم مسيرات في القرى التي تسكنها أغلبية شيعية ودعا البعض للعودة الى دوار اللؤلؤة الذي اعتصم فيه المحتجون لمدة زادت على شهر. ومع انتهاء حالة السلامة الوطنية التي تفرض فيها الاحكام العرفية بالبحرين لم يعد بامكان الادعاء العسكري استدعاء مدنيين لكن ستظل المحاكم العسكرية تنظر في عدة قضايا بدأت منذ فرض الاحكام العرفية يوم 15 مارس اذار.

ويحاكم 21 شخصية معارضة منهم سبعة خارج البلاد امام محكمة عسكرية لاتهامات بالسعي للاطاحة بالنظام وأغلبهم من أحزاب دعت الى قيام نظام جمهوري. ويقول نشطاء في مجال حقوق الانسان انهم تعرضوا للتعذيب. ومن الممكن أن تشعل أي أحكام تصدر في المستقبل احتجاجات.

وتدعو جماعات اسلامية سنية الى اصدار أحكام بالاعدام وعدم اصدار أوامر ملكية بالعفو. وكتب على لافتة وضعت أمام مقر جماعة أصالة وعليها صورة مشنقة "لا للعفو عن رؤوس الفتنة يجب استئصال البؤر المريضة".

ومنذ أن استدعت البحرين قوات من المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة لمساعدتها في القضاء على حركة الاحتجاجات شنت السلطات أيضا حملة اعتقالات وأقالت الافا من وظائفهم الحكومية بعد ان شاركوا في الاحتجاجات وكان أغلبهم من الشيعة. كما هدمت عشرات من مساجد الشيعة ولقي أربعة حتفهم أثناء الحجز.

ويقول نشطاء لحقوق الانسان ان عدد الذين ما زالوا محتجزين ليس واضحا. وألقي القبض على عشرات الاطباء والممرضات وتم التخلص من المديرين الشيعة في الخدمات الصحية.

وتقول وسائل اعلام حكومية ان العاملين في المجال الطبي خزنوا أسلحة في دوار اللؤلؤة ومستشفى مجاور. وينفي الاطباء الذين أفرج عنهم هذه المزاعم قائلين انهم أجبروا على التوقيع على اعترافات وتسجيلها.

وقال دبلوماسي "ستجرى بعض الاصلاحات السطحية لكن سيكون هناك نهج متشدد.. ستقل عدد نقاط التفتيش لكن لن يكون من السهل دخول قرى الشيعة."

واختفت الدبابات وغيرها من العربات التابعة للجيش من أمام الوزارات والحي المالي لكن عددا من المدرعات الصغيرة التابعة للحرس الوطني متمركزة حول دوار اللؤلؤة. وأعادت البحرين تسمية الساحة بتقاطع الفاروق. وقالت صحف موالية للحكومة ان نقاط تفتيش أمنية ستظل موجودة دوما في مواقع سيتم تحديدها.

ودعا الناشطون عبر صفحة "ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير" الى التظاهر "بقوة في مختلف الميادين" للتعبير عن "انطلاقة حقيقية من شأنها قلب المعادلة مع النظام والاحتلال السعودي" وللتاكيد "بان ثورتنا لم ولن تنتهي حتى ينتزع شعبنا من أبناء الطائفتين الكريمتين حقهم المشروع في تقرير المصير".

وفي توجيهات الى المتظاهرين، اكد الناشطون ضرورة التظاهر في الشوارع والميادين العامة و"تجنب التظاهر في الازقة الداخلية". وتابعوا ان "الحركة يجب ان تعود في الاماكن المهمة والامامية تمهيدا للعودة المحتومة بإذن الله لميدان الشهداء" في اشارة الى دوار اللؤلؤة الذي شكل في السابق معقل الحركة الاحتجاجية.

واكدت ناشطة بحرينية معارضة انه سيتم تنظيم تظاهرة في المنامة في فترة بعد الظهر كما يفترض ان تنظم تظاهرات في القرى الشيعية.

من جانبها، دعت منظمة العفو الدولية في بيان السلطات البحرينية الى "عدم استخدام القوة المفرطة مع المحتجين" الذين ينوون التظاهر.

ودعا مدير المنظمة للشرق الاوسط وشمال افريقيا مالكوم سمارت السلطات في المملكة الى "عدم تكرار الاخطاء نفسها التي ارتكبتها في شباط/فبراير واذار/مارس حين استخدمت قوات الامن القوة لقمع تظاهرات كانت سلمية لدرجة كبيرة". كما دعا السلطات الى السماح للمواطنين "بممارسة حقهم بحرية التعبير والتجمع بشكل سلمي". بحسب فرانس برس.

لا استقرار في البحرين عن طريق القمع

من جهته حذر زعيم المعارضة الشيعية في البحرين الشيخ علي سلمان في مقابلة مع وكالة فرانس برس من ان هذه المملكة الخليجية الصغيرة لن تشهد استقرارا في ظل استمرار سياسة القمع التي تمارسها السلطات حاليا، كما يقول.

وقال سلمان الامين العام لجمعية الوفاق التي تمثل التيار الشيعي الرئيس في البلاد "البحرين بكل تأكيد مطالبة باصلاحات جدية. الاكيد انه لن يكون هنالك استقرار عن طريق القمع".

وكانت حركة الوفاق اكبر الحركات السياسية في البلاد سحبت نوابها ال 18 في البرلمان وذلك احتجاجا على قمع عنيف لمتظاهرون شيعة كانوا سيطروا على شوارع المنامة بين منتصف شباط/فبراير ومنتصف آذار/مارس.

ولا يزال نائبان من اعضاء الجمعية رهن الاعتقال واعلنت الوفاق انها لا تعتزم المشاركة في انتخابات جزئية في ايلول/سبتمبر لتعويض نوابها المستقيلين في البرلمان الذي يضم 40 نائبا.

وقبل ايام من رفع حالة الطوارىء في الاول من حزيران/يونيو، حذر الشيخ علي سلمان من انه "ليس هناك من حل امني" لمشاكل البلاد مؤكدا انه "هناك حاجة للاصلاح السياسي. بدون هذا الاصلاح سيستمر الوضع السيء ولن يكون هناك استقرار حقيقي".

واضاف "اذا كانت االعقلية التي ستستمر في ادارة شؤون البلاد هي العقلية التي نراها (...) مع غياب العلاج المناسب للازمة وهو العلاج السياسي، فهذا معناه ان حالة المرض ستستمر في جسد البحرين".

وكان الشيخ علي سلمان قاد حركة احتجاج في البحرين مستوحاة من ثورتي تونس ومصر. واعتصم متظاهرون في دوار اللؤلؤة بالعاصمة المنامة الذي تحول الى مركز احتجاج اشبه بساحة التحرير بالنسبة لمحتجي القاهرة.

ورفعت جمعية الوفاق وستة مجموعات معارضة اخرى سقف مطالبها للدعوة الى ملكية دستورية حقيقية في هذه المملكة التي تحكمها منذ اكثر من قرنين اسرة آل خليفة السنية.

ويعني تحقيق هذا الطلب اضافة الى رحيل رئيس الوزراء (منذ عقود) الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة عم الملك حمد بن عيسى آل خليفة، اضعاف سلطات آل خليفة. ولم يتردد بعض المتظاهرين في المطالبة برحيل آل خليفة عن الحكم.

غير ان الشيخ علي سلمان اكد ان " الشعب يريد اصلاح النظام" وانه "لم نرفع يوما شعار اسقاط النظام".

واوضح ان المتظاهرين كانوا يقلدون المتظاهرين في تونس لكن غالبيتهم هي مع الملكية الدستورية. وقال "كان الناس يرددون الشعار بلكنة تونسية (..) اجرينا استفتاء بين هؤلاء الناس ومعظمهم قال انه يريد ملكية دستورية".

بيد ان الشيخ سلمان الذي كان قاد المعارضة الشيعية لقبول المشاركة في انتخابات 2006، قال ان ذلك لم يؤد الى نتيجة. واضاف ان "الموقف الاولي بين القوى السياسية منذ قرار الانسحاب من مجلس النواب هو عدم التوجة الى الانتخابات. القرار النهائي سيتخذ في الايام القليلة القادمة".

واكد "جربنا المشاركة (في البرلمان) ولم نستطع ان نغير قانونا واحدا" مشيرا الى التعطيل الذي يمارسه مجلس الشيوخ المعين من الملك. كما اشتكى من توقيف نائبين من مجموعته هما مطر مطر وجواد فيروز اللذين قال انهما معتقلين في مكان سري.

واكد الشيخ علي سلمان "منذ اعتقال النائبين (السابقين) لا معلومات عنهما. لم يتصلا حتى باهاليهما"، مضيفا "هذا نائب لا يعرف مكان اعتقاله، ولم يلتق به اهله، فما بالك بالمواطن العادي؟". واضاف "يجب ان يعرف النظام ان ما حصل في الشهرين الماضيين لن يمحى من ذاكرة الناس. الشعب لن ينسى، وسيعمل الشعب على توثيقها ورفعها الى المنظمات البحرينية، وفي حال اغلقت ابوابها، سيسعى الى رفعها لكل من يسمع".

واكد زعيم الوفاق ان جمعيته لا تسعى لاقامة دولة دينية على الطريقة الايرانية بل الى دولة مدنية. وقال "اكدنا اكثر من مرة ان مطالبا وطنية. كررنا اننا لا نريد دولة دينية بل مدنية. لا نريد ولاية الفقيه في البحرين ولا يمكن تطبيقها". واضاف "نطالب بملكية دستورية، يملك فيها ال خليفة، ولا نريد لايران ان تتدخل في شؤوننا الداخلية ولا السعودية ايضا".

تغيير قيادات المعارضة

الى ذلك قال رجل دين سني انه يتعين على المعارضة البحرينية أن تغير قياداتها كي يتسنى للدولة الخليجية المنقسمة أن تمضي قدما في المصالحة السياسية بعد سحق حركة مطالبة بالديمقراطية تقودها الاغلبية الشيعية.

وقال الشيخ عبد اللطيف المحمود رئيس تجمع الوحدة الوطنية البحريني ان زعماء المعارضة الشيعية في البحرين الذين يتبنون برنامجا طائفيا والمتصلين بالقيادة الدينية في ايران خطفوا الحركة الديمقراطية التي بدأت في فبراير شباط عندما احتل محتجون يستلهمون انتفاضات في تونس ومصر ميدانا رئيسيا في المنامة. بحسب رويترز.

وقاد المحمود فريقا من المفاوضين السنة بالتنسيق مع ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى ال خليفة لاجراء محادثات مع المعارضة قبل أيام من دخول قوات سعودية الى البحرين لمساعدة الحكومة في فض حركة الاحتجاج واعتقال زعمائها في منتصف مارس اذار.

واتهم الزعماء الشيعة بقيادة الشيخ علي سلمان زعيم جمعية الوفاق كبرى جماعات المعارضة بمحاولة تهميش الاسرة الحاكمة في المحادثات حول الاصلاح السياسي وبتلقي أوامر من ايران وهو اتهام يوجهه السنة عادة الى الوفاق.

وقال المحمود في مقابلة "عندما نحب أن ندخل في عملية اصلاحية يجب أن يشترك فيها كل الاطراف... رؤيتنا أن للمجتمع ثلاث قوى.. النظام.. السنة.. الشيعة وهذه الاصلاحات السياسية والدستورية يجب الاتفاق عليها بين هذه القوى الثلاث.

"الموضوع الان أن الحركة السياسية الشيعية.. الاشكالية عندهم الان أنهم لن يعيدوا تكوين أنفسهم. القيادات السياسية والجمعيات السبع فشلت في ادارة الحوار وبالتالي ليس معنى ذلك أننا نلغي الطائفة الشيعية ولا نلغي الجمعيات السياسية الشيعية.

"المطلوب أنهم يعيدوا فيما بينهم تكوين أنفسهم ويقدموا أنفسهم للمجتمع من جديد.. خاصة حسب ما أظنه أنهم سيغيرون القيادات السياسية لهذه الجمعيات.. خاصة جمعية الوفاق."

الأقل تفاؤل

من جانب آخر اشار اول استطلاع لمؤسسة غالوب في دول الخليج العربية الى ان البحرينيين اقل تفاؤلا من جيرانهم في دول الخليج الاخرى. وقال المسوولون عن الاستطلاع ان ذلك ربما يكون مرتبطا بالاضطرابات التي شهدتها البحرين في الاونة الاخيرة.

كما توصلت مؤسسة غالوب التي افتتحت مركزا اقليميا لها في الامارات في الاونة الاخيرة الى ان النساء في دول الخليج العربية يلتحقن بالتعليم العالي بمعدلات اكبر من الرجال لكنهن ما زلن ينشئن اسرا كبيرة العدد الامر الذي يشير الى احتمال تسارع معدلات نمو جيل الشباب في المنطقة.

لكن على الرغم من ارتفاع نسبة التعليم في البحرين لم تزد نسبة المواطنين الذين قيموا حياتهم على نحو ايجابي عن %27 في المملكة التي شهدت احتجاجات استمرت اكثر من شهر في فبراير شباط للمطالبة باصلاحات ديموقراطية.

وقال مركز غالوب في ابو ظبي ان %64 ممن شملهم الاستطلاع ذكروا انهم يعانون. واشار الاستطلاع الى ان المعدل المتوسط للذين يعتبرون في//حالة ازدهار// في دول الخليج مرتفع الى نحو مثلي المعدل في البحرين. واعطى نحو %44 ممن شملهم الاستطلاع توقعات ايجابية وهي نسبة تماثل تقريبا نظيرتها في الدول ذات الدخل المرتفع.

وقالت داليا مجاهد مديرة مركز غالوب في ابو ظبي «في البحرين نسبة المصنفين في حالة ازدهار تتراجع باطراد في السنوات الماضية». واضافت «ينبغي ان ياخذ صناع السياسة ذلك على محمل الجد لأن مؤشر الرضا والتقييم يرتبط بالاستقرار».

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/حزيران/2011 - 4/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م