مواجهة اولى:
في الستينيات من القرن الماضي ظهر فيلم امريكي يحمل عنوان (سحر
البرجوزاية الخفي) والفيلم يحكي عن تأثير الطبقة الموسرة على العناصر
الثورية من الطبقات الفقيرة عندما تصل هذه الى السلطة.
وفي العراق مررنا بهذه التجربة مرات عدة في القرن الماضي وفي هذا
القرن...
فالعناصر الثورية يمكن تقسيمها الى عناصر من طبقات مسحوقة تسعى
لبناء مجتمع يكون عادلاً معها وينصفها بمساواتها مع غيرها.
وعناصر، تجد في العمل الثوري وسيلة للوصول بعقيدة تؤمن بها او
ايدلوجيا الى مرحلة التطبيق من خلال استلام السلطة.
وعناصر تحاول من خلال العمل السياسي ان تؤكد ذاتا مهملة تعيش على
هامش الحياة الاجتماعية، وليس لها أي اعتبار.
واخيراً عناصر حسبت للأمر حسابه واعدت العدة للوصول الى الثراء
والمكانة الاجتماعية من خلال الحكم وتحت يافطة العمل الثوري.
وبانقلاب عسكري او ثورة شعبية، او مؤامرة محكمة على الحكم يمسك
الثوريون بزمام السلطة ويتحولون بين عشية وضحاها من معارضين مضطهدين
الى حكام يضطهدون...
وهنا تبدو الطبقات الموسرة ساخرة مما يجري لاعنة من ذهب ومرحبة بمن
جاء ترحيبا يشوبه التحفظ ليس الغرض منه سوى تجنب الاصطدام ليس ضروريا
ولا ينفعها بحال... بل ان هذه الطبقة تحاول الالتفاف على الحكام الجدد.
فالعناصر التي كانت منبوذة قبل ايام ومحتقرة تصبح ضيوف شرف في صالات
القصور.. تعزف لها الموسيقى ويغني لها المطربون، وتقدم لها المشروبات
الروحية سيدات وأوانس يفوح منهن اريج العطور الباريسية ويرتدين من
الثياب ما يثير العواطف المكبوتة وما يبعث على اغراء لا يقاوم...
ولكن ما ان تزحف السلطة من تحت اقدامهم حتى يجدوا انفسهم مرة اخرى
موضع احتقار ومهما حاولوا ادامة العلاقة مع الطبقات العليا فانهم يظلون
كالريح التي تطرد من باب لباب فهذه الطبقات تنبذ من فقد زمام الامر
وتتوجه للجديد الذي يمسك به.
مواجهة ثانية:
وتتلخص هذه في قضية الجائع الذي يجد نفسه امام مائدة عامرة بما لذ
وطاب، وانه في موقع يستطيع فيه ان يأكل ما يشاء كما ونوعاً.. فالمائدة
وان كانت للدولة فانها تصبح مائدته.
تحاول العناصر الثورية في بداية استلامها السلطة ان تحتفظ بطهارتها
ونزاهتها وتقاوم كل اغراء... لكن يدها تبدأ تلامس الحرام تدريجيا حتى
تمسك به بكامل قبضتها... وتبدأ ايضاً بخلق عوامل التخفي واظهار النزاهة
ردحاً من الزمن حتى اذا مرت الاشهر او السنين اصبحت السرقة العلنية
والخيانة العلنية ليست محرمة بل موضع تفاخر.. وبخلاف الطبقات الموسرة
بالوراثة او بالعمل التي لا تتبجح عادة بما تمتلك من مال فان الطبقة
الحاكمة تحاول لفت النظر الى ثرائها والتفاخر به، واظهار تميزها من
خلال قصور ذات بناء فنطازي ومواكب سيارات للابناء والاحفاد، وولائم
فخمة لا تنقطع، وتباهي نسائي بالمجوهرات وصبغة الشعر الشقراء... وعدوان
على الناس في النوادي والاماكن العامة دون ذنب اقترفوه... ويصل الامر
حد اطلاق الرصاص دون مبرر، وتهديد من ينافس في مقاولة او تجارة فان لم
ينفع التهديد فهناك مجال للتصفية تمر دون حساب.
فالحاكم لا يحاسب نفسه... وهو يشعر انه يملك الدولة وما فيها ليس من
مال فحسب بل حتى من البشر... ويرافق ذلك كله تصفيق للفئة المنافقة
والتي ترغب العيش على الفضلات او النتائج العرضية لعملية النهب التي
يمارسها الحكام...
نحن بالطبع لا نريد ان نتهم حكماً بعينه ذهب او هو قائم الآن، او
سوف يأتي انما تحدثنا عن ظاهرة هي صفة مشتركة للجميع عندما تغيب ارادة
الشعب ويفتقد كل وسيلة للحساب. |