جيوش القهر!

مهند السماوي

يتباحث الجميع في اسباب قوة اسرائيل وتقدمها على العرب، ويتناسون اهم عوامل القوة والتقدم والمتمثلة بالاختيار بين نموذج الاستبداد والاستعباد من جهة وبين النموذج المثالي المتمثل بالديمقراطية والحرية من جهة اخرى!.

تحتفل اسرائيل سنويا بضحايا جيشها واجهزتها الامنية الاخرى من يهود واخرين ينتسبون لعرب دروز وسنة ومسيحيين وبدو وقوميات اخرى قاتلوا معها!... بينما لا تحتفل الجيوش العربية سوى بضحايا القهر الداخلي والصراعات العبثية الاخرى!.

ان تكون مهمة الجيش الدفاع عن الاوطان ومساندة الامم الاخرى فتلك هي الحالة الطبيعية التي ترفع الصبغة اللاانسانية لتلك المهنة ولو مؤقتا! ولكن ان تكون المهمة قهر الشعوب واذلالها فتلك هي المهمة الشاذة التي ترمز الى الانحطاط بكافة صوره وهي انزال للقيمة الانسانية الى ادنى المراتب الحيوانية!...

الظاهر ان تلك الحالة الشاذة التي طال امدها هي الطبيعية في حالة هذه الامة التي يتبارى البعض بدون ادنى خجل من اعتبارها اعظم الامم واكثرها تحضرا ورقيا... الخ من التفاهات التي يملئون وسائل الاعلام بها منذ عقود خلت حتى اصبحت المقولة الجزئية مثل الجيش الباسل الشجاع من الالقاب المزيفة التي يعرفها الصغار قبل الكبار في واقع لا يمكن الفرار من سوداويته!.

جيوش القهر العربية تتبارى في حلبة القمع الوحشي تنفيذا لرغبات وأوامر جلاديها بطريقة بهيمية يحتار المرء في اختيار اشد الكلمات فحشا وسوداوية لوصفها!... قتلت جيوش القهر من شعوبها اكثر مما قتلت من عدوها الرسمي المفترض! وتولت عملية ادامة الاذلال والاستعباد الى اجل غير مسمى من قبل اشاوس اذا دخلوا قرية افسدوها، نطلق عليهم ابطالا ونضع على صدورهم الاوسمة وهم اشد جبنا ونذالة ممن يحمل تلك الاوصاف!.

ان اردت البحث عن جيشا حرا بكل معنى الكلمة فلن تجده في عالمنا العربي! بل تجد عصابات اجرامية تحت غطاء اسم الجيش تنتظر اشارة الانقضاض على شعوبها المتعبة الجريحة والعطشى للحرية والتي تريد ان تمنحهم الفرصة ايضا لكي يكونوا احرارا في دنياهم بعد ان فقدوا كل التزام ديني واخلاقي وانساني!... لكن هيهات ان تجد من يصغي لذلك الصوت الداعي لنصرته وكأننا في اجواء معركة كربلاء الابدية!.

اول علامة دخول المرء ولو مجبرا الى جيوش القهر هي ان تنتزع منه كل خصال الانسان الحر بدعوى الضبط العسكري واطاعة الاوامر مهما كانت نوعيتها وتحويله الى مسخ بشع! وحينها لن تجد امامك سوى قاتل محترف ينتظر امر التنفيذ ولا يمتلك ردة فعل ناتجة من ضمير حي مستتر او خجل مؤقت لعله يواري سوأته!.

نفقات جيوش القهر السنوية تفوق بمجموعها نفقات اقوى الامم المتحضرة وتستنزف الخزائن من جرائها ولن تجد للتنمية موردا من ورائها! ولكن اذا اتيت الى الواقع فلن تجد لهم مقدرة الدفاع!... فتلك ممالك الخليج مازالت تحت الحماية الغربية واقصى جهد لجيوشها هي الاشتراك في قمع الثورة البحرينية وكأنها تمثل قبائل معادية تستحق السلب والنهب، تحت ستار من الاكاذيب الوقحة ومن قبل حدثت محاربة ثورة الحوثيين في اليمن او ذكريات القمع السابقة لثورات الاحساء وظفار الماضية.

اما جيوش المغرب العربي، فلا تختلف كثيرا عن المشرق في قمعها الداخلي وصراعاتها العبثية مع الجوار!... فجيش القهر المغربي مازال سلاحا فتاكا بيد ملكه، يحارب به الداخل او يقمع به متمردي الصحراء ويتصدى للجزائر اذا رغبا معا باللعب! بينما بداخل مملكته سبتة ومليلة محتلتان لا يجرؤ على تحريرهما ولا يجد حرج من ذلك!... اما الجزائر المجاورة فالحرب الاهلية والانقلابات باقية تشهد الفظائع والفساد والتحكم بالبلاد والصراع الثابت مع المغرب!....

الجيش الموريتاني لا يترك فسحة من الوقت حتى يقوم بأنقلاب يؤسس لمرحلة جديدة من الفساد!.

الجيش التونسي كان سيف القهر وقلعة الاستبداد في البلاد منذ الاستقلال الشكلي عن فرنسا!... والجيش الليبي الذي سلم كل شيء للغرب كي يقبل بجلاده حاكما! اثبت جدارة فائقة في الابادة وارتكاب الفظائع التي لا يقبلها اي انسان لديه ذرة اخلاق وانسانية!.

الجيش السوداني لا يختلف عن الاخرين بل هو علامة اخرى مميزة لكثرة الانقلابات المتحكمة بمصير البلاد منذ استقلالها حتى اوصلها الى حالة الانقسام والابادة في الجنوب ودارفور وغيرها ويقوده مجرم مطارد من العدالة الدولية!.

 لاتختلف جيوش المواجهة عن جيوش الاسناد في شيء!... فالجيش الاردني ليس سوى حرس ملكي وتاريخه المجيد يتلخص في تأسيسه على يد قائده غلوب باشا وفي مجازر ايلول 1970 وقمع الثورات الشعبية بين الحين والاخر وصموده معروف في حرب 1967!... اما زميله اللبناني فهو المتفرج على كل انتهاك خارجي او مذبحة الحرب الاهلية بيد الاحزاب التي تفوقه قوة ووحشية ولو بقيت عليه لما تحرر الجنوب ولو بعد قرن!.

اما الجيش العراقي السابق فلم يزد عن كونه اداة بيد عصابات اجرامية عاثت في الارض اجراما وفسادا وبقي يمثل القهر الطائفي حتى انهياره عام 2003! وتاريخه الاسود لا يمكن تلميعه او نسيانه ومحوه من الذاكرة!.

اما الجيش المصري فلا يمكن نسيان الاستبداد والفساد الذي ارسى دعائمه في عام 1952 وحروبه الخارجية لا تكفي لمحو هزائمه فيها ولا قهره لشعبه طوال تلك المدة الطويلة وزميله الاخر الجيش السوري له هو الاخر تاريخا اسودا في القمع الوحشي لا ينافسه سوى قلة!.

ان تاريخ تلك الجيوش هو سلسلة متصلة من المذلة والانحطاط والاجرام ولا يمكن الاستهانة ابدا بما قاموا به فضلا عن تبريره بل الاولى هو اجراء عملية محاسبة قاسية حتى لا تتكرر المأساة اذا اريد للنهضة ان تسير وفق ارادة الشعوب.

الخيانة العظمى والصغرى:

ما تقوم به جيوش القهر العربية(الليبي والسوري واليمني والبحريني) من حرب دموية علنية على شعوبها الثائرة هو خيانة عظمى لا يمكن التهاون تجاهها ولا يمكن اعتبارها مرحلة سوداء ضمن تاريخ ناصع، بل ينبغي اعادة تقييم تلك الجيوش واعتبارها جيوشا من المرتزقة لا تنطبق عليها اوصاف الوطنية والبطولة الزائفة وعليه فأن اول عملية للثورات المنتصرة هي بناء جيوشا وطنية لا تخضع لاحد وتكون محترفة وخاضعة للسلطة المدنية وقوانين حقوق الانسان حتى تصبح حارسة للحريات والديمقراطيات كما هو الحال في الامم الحرة.

ان عملية الوقوف على الحياد اثناء الثورة (كما حصل في الثورتين التونسية والمصرية) هو خيانة صغرى ولا يمكن قبولها واعطائها تفسيرات مضللة وخاطئة، لان الواجب الوطني يفرض الاشتراك في الثورة والوقوف بحزم امام الطغاة كما يحصل عادة في الثورات الشعبية التي اجتاحت العالم والتي تشترك كافة الفئات لغرض ازالة الكابوس الجاثم على صدرها بينما نلاحظ ان جيوش القهر تقوم بتثبيت دعائمه والاستفادة من مزاياه!.

ان كل ثورة تتأخر في نجاحها هي وصمة عار في جبين جيوش القهر الهمجية، وان كل شهيد يسقط هو جريمة مع سبق الاصرار يحاسبون عليها في محكمة التاريخ اذا اهملها المنتصرون تحت تأثير نخب النصر!.

ان الجرائم المروعة التي حصلت اثناء الثورات العربية المعاصرة هو اعادة الوعي ولو جزئيا الى الذات الجريحة والتي من اهمها الخروج من دائرة الخديعة الكبرى المتمثلة باعتبار جيوش القهر هي جيوشا وطنية!.

يا بئسكم ايها الجبناء الخونة عندما تركعون للأنذال وتدكون بيوت الابرياء بالاسلحة الفتاكة وتطاردون الاحرار بدلا من ان تقبلوا ايديهم الساعية الى تحريركم من العبودية والاغلال التي في اعناقكم!...

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/حزيران/2011 - 4/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م