كيف أسهم أوباما في تعزيز اليمين الصهيوني؟

صالح النعامي

سيذكر التاريخ الأسبوع الماضي، كنقطة تحول فارقة وحاسمة في حسم موازين القوى داخل الحلبة الحزبية في إسرائيل، لصالح اليمين المتطرف بزعامة الليكود وحلفائه. والمفارقة إن هذا التحول لم يكن بفعل تطور داخلي إسرائيلي، بل كنتاج سلوك الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي أقنع الرأي العام الإسرائيلي إن بإمكانه الرهان فقط على اليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتناهو. صحيح إن المجتمع الإسرائيلي يمر في عملية انزياح واضحة نحو اليمين، لكن خضوع أوباما المهين أمام نتنياهو سرع إلى حد كبير من وتيرة هذا الانزياح، والتي وجدت تعبيرها الواضح في الزيادة الكبيرة في شعبية نتنياهو، الذي كان حتى قبل أقل من أسبوعين يتخلف وراء زعيمة المعارضة تسيفي ليفني، في نفس الوقت فقد تعاظم التأييد لحزب الليكود، الذي كان منقسماً على نفسه، وينشغل قادته في الوقيعة ببعضهم البعض.

مكافأة التعنت

كثيرون هم قادة اليسار والمتحدثون باسمه الذين دعوا نتنياهو عشية توجهه للواشنطن بالعدول عن نيته والبقاء في تل أبيب حتى لا تتحول هذه الزيارة إلى مصدر تهديد خطير للذخر الاستراتيجي المتمثل في العلاقات الخاصة التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة. وكان لسان حال قادة اليسار يقول: إن زيارة نتنياهو ستنتهي بصدام حتمي مع أوباما، سيما في ظل تأكيد نتنياهو عشية زيارته بأنه لن يتراجع عن مواقفه الرافضة لأبسط متطلبات استئناف عملية التسوية السياسية للصراع، ليس هذا فحسب، بل إن نتنياهو اختار التوجه لواشنطن في اليوم الذي صادقت حكومته على بناء المئات من الوحدات السكنية في المستوطنات المحيطة بالقدس المحتلة.

وقد زاد من اغراء قادة اليسار الصهيوني لانتقاد نتنياهو حقيقة أن أوباما قد ألقى خطابه الموجه للعرب والمسلمين بينما كان نتنياهو يركب الطائرة متجهاً نحو واشنطن، حيث شدد أوباما في هذا الخطاب على إنه يتوجب على إسرائيل الانسحاب إلى حدود عام 1967، وهو ما تم تصويره من قبل متحدثي اليسار على إنه بداية " معركة إنزال أيدي " بين نتنياهو وأوباما، نتائجها معروفة سلفاً، محذرين من أن هذه الزيارة ستفضي إلى إحد سيناريوهين: فإما أن يضطر للاستجابة للضغوط التي سيمارسها عليه أوباما، ويلتزم بهذا الشكل أو ذاك، بالموافقة على دولة فلسطينية في حدود 1967، وإما المخاطرة بأزمة كبيرة في العلاقات مع واشنطن في وقت يحتاج فيه الكيان الصهيوني التعاون الأمريكي لتجاوز الكثير من الأزمات، وعلى رأسها استحقاق أيلول، المتمثل في توجه السلطة الفلسطينية للحصول على اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.

 لكن اليسار الصهيوني استيقظ على كابوس مرعب، عندما فاجأ أوباما الجميع بخضوعه المطلق لنتنياهو، فقد " لحس " في خطابه أمام مؤتمر " أيباك " كل ما اعتبر نقيضاً للموقف الإسرائيلي في خطابه الموجه للعالمين العربي والإسلامي. فتدارك أوباما الأمر، فإقامة الدولة على حدود عام 1967، لا يعني بالمطلق أن تنسحب إسرائيل للحدود التي كانت قائمة قبل حرب الأيام الستة، كما إنه تبنى موقف نتنياهو من المصالحة، عندما شدد على إن أحد اً لا يمكنه الطلب من إسرائيل استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية في ظل وجود حكومة " بمشاركة حماس "، مع العلم إن أوباما يعي إن حركة حماس لن تشارك في الحكومة القادمة، مطلقاً، علاوة على إن برنامج الحكومة سيكون برنامج رئيس السلطة محمود عباس.

 ليس هذا فحسب، بل إن أوباما حرص على أن يقوم مساعدوه بتسريب بعض ما جاء في لقائه بنتنياهو، سيما طمأنته له، بأنه شخصياً سيعمل على اقناع أكبر عدد من الدول الأوروبية بعدم تأييد الخطوة الفلسطينية بالحصول على اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.

رصاصة الرحمة لليسار الصهيوني

أن أوضح دليل على المسافة الطويلة التي قطعها أوباما للتوافق مع نتنياهو هي الرسالة التي وقع عليها العشرات من الشخصيات الهامة في اليسار الصهيوني والتي دعت حكومة العالم بعدم الخضوع لطلب أوباما بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة. فحتى هذه الشخصيات التي تضم رئيس الكنيست الأسبق أفراهام بورغ، ومدير عام وزارة الخارجية إيلي لئيل، وغيرهم لم تعد تقبل الطريقة التي خنع بها أوباما لنتنياهو على هذا النحو، وليس ذلك من باب الحرص على حقوق الفلسطينيين، بل لأن هذه الشخصيات تدرك حجم الأذى الذي ألحقه أوباما باليسار الصهيوني، ومدى اسهامه في تعزيز اليمين. وتعتقد هذه الشخصيات إن مثل هذه الرسالة قد تنبه أوباما يأن حرصه على استرضاء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، يعزز في المقابل اليمين المتطرف في إسرائيل بشكل غير مسبوق. لقد حطم أوباما الأسس المنطقية التي يستند إليها اليسار الصهيوني الذي ظل ينتقد نتنياهو وسياساته. ولقد تعاظم التأييد الجماهيري لنتنياهو ولليمين الصهيوني، وتهاوى اليسار، لأن لسان حال رجل الشارع الإسرائيلي يقول: إن مواقف اليمين المتطرف التي يعبر عنها نتنياهو تحديداً هي التي تؤتي أكلها، وليس اللغة التوافقية والمنضبطة التي يتسم بها خطاب الوسط واليسار في إسرائيل.

من هنا، فإننا على موعد مع إسدال الستار على مرحلة جديدة في كل ما يتعلق بها بواقع موازين القوى الحزبية في إسرائيل، محركها باراك حسين أوباما.

www.naamy.net

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/حزيران/2011 - 3/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م