حتى ينجح الحوار في البحرين

عبد الواحد ناصر البحراني

بعد صمت طويل صاحبه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد الشعب الاعزل في البحرين جاءت دعوة ملك البحرين للحوار مع المعارضة أوائل شهر تموز المقبل. ويعتقد البعض أن هذه الدعوة تأتي لذر الرماد في العيون والإيحاء بأن الحكومة البحرينية تقوم بإصلاحات سياسية وأنها جادة في ذلك. لكن حقيقة الأمر غير ذلك. فهذا التحرك الحكومي يأتي بعد الضغط الإعلامي الكبير الذي مارسته وسائل الإعلام الغربية وتقارير منظمات حقوق الإنسان عن جرائم خطيرة وانتهاكات كبيرة بحق المواطنين في البحرين. الأمر الذي أحرج حلفاء الحكومة البحرينية في الغرب ووضعهم في موقف محرج أمام شعوبهم. وقد بدا هذا واضحاً في خطاب الرئيس الأمريكي أوباما الذي لمح فيه إلى جزء من هذه الانتهاكات وأدان العنف المتبع ضد طائفة من المسلمين هناك.

لكن السؤال المطروح هو لماذا لم يتم الإعلان عن فتح الحوار بشكل فوري مع المعارضة إذا كان هناك نية حقيقية للقيام به؟ ولماذا يحتاج الأمر إلى شهر كامل حتى يبدأ؟ البعض يقول بأن الحكومة البحرينية تريد أن تستخدم الوقت كغطاء شرعي لفرض المزيد من الضغط على المعارضة التي إن حاولت أن تقاوم الإملاءات المفروضة عليها فإنها سوف تجابه بالقوة المفرطة والقمع اللامحدود.

ويستغرب أطراف كثيرون في المعارضة البحرينية أن يجري الحديث عن الحوار في ظل أجواء متوترة في الشارع البحريني والشعور بالاحتقان. خاصة وأن إجراءات القمع الحكومي وأحكام الإعدام التي اتخذت ما تزال سارية المفعول. كما أن الانتهاكات التي يتعرض لها مختلف فئات الشعب ما تزال مستمرة في حين أن مئات المعتقلين من الأطباء والنساء وسجناء الرأي ما زالوا في غياهب السجون. فهل من المعقول إذاً أن يتحاور الإنسان مع من يستمر في محاولة تركيعه وإذلاله؟

لقد طُرٍد آلاف البحرينيين من وظائفهم فقط لأنهم خرجوا في مسيرات سلمية معبرين عن رغبتهم بالإصلاح السياسي أو لأنهم ينتمون إلى مذهب معين وهم يعانون اليوم من قلة الموارد المالية وشظف العيش. فكيف تريد هذه الحكومة من مواطنيها أن يمدوا أيديهم لمن يحاربهم في لقمة عيشهم ويضيق عليهم حتى في ممارسة عبادتهم لله في مساجدهم.

إن الحوار الحقيقي يجب أن يسبقه إزالة كل هذه الإجراءات التعسفية التي اتخذت من قبل الحكومة البحرينية مع ضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين وإعادة الموظفين المفصولين إلى أماكن عملهم والطلاب إلى جامعاتهم وإعادة إطلاق منحهم لأنها حقوق لهم وليست منّة من أحد.

إن هذه الإجراءات ليست شروطاً مسبقة من قبل المعارضة ولا تنازلاً من قبل الحكومة بل هي ضرورة ملحة لنجاح هذا الحوار. ويبدو هذا حتمياً في ظل وجود أزمة ثقة حقيقية بين الحكومة والمعارضة لا سيما وأن هذه الأخيرة تشعر بأن الحكومة قد طعنتها من الخلف في المرة السابقة.

ففي الوقت الذي كانت مبادرة ولي العهد للحوار مع المعارضة سارية قامت جهات أخرى في نفس الحكومة باستدعاء قوات درع الجزيرة وتفاقم الأمر لينتهي باقتحام دوار اللؤلؤة وبدء عملية عسكرية كبيرة ضد العشب الأعزل. إذاً فكيف للمعارضة أن تقبل بحوار مع حكومة قد تنقلب على نفسها في أي وقت تشاء؟

إن حزمة الإجراءات السالف ذكرها هي اساس لا بد منه لضمان سير العربة بالاتجاه الصحيح ولمعرفة جدية الحكومة في طرحها للحوار. وإذا ما أريد لهذا الحوار أن يكلل بالنجاح فيجب أن يكون في جو من التفاهم وحالة حقيقية من السلامة الوطنية. وإلا فكيف يفسر بقاء قوات درع الجزيرة في البحرين طالما رفعت حالة الطوارئ أو كما يحلو للحكومة البحرينية تسميتها بقانون السلامة الوطنية؟

إن مشاركة جميع الأطراف السياسية في الحوار هو أساس نجاحه. لكن أساس هذه المشاركة يجب أن يكون الحرية في الطرح ومناقشة جميع الخيارات السياسية للخروج بالبلاد من الأزمة السياسية الراهنة. وعندما نقول جميع الخيارات فإنه ليس أقل من أن يتم مناقشة الملكية الدستورية كقاعدة لانطلاق هذا الحوار. وهذا إن تمّ فإنه يكون بداية جيدة للجميع ويعبر عن توجه حقيقي من قبل الحكومة للحوار الجاد والبناء.

ولا مانع من أن يتواجد في جلسات الحوار ممثلون عن منظمات حقوقية غربية لتوثيق ما يجري وتعزيز النتائج التي يتم التوصل إليها. ولا نعتقد بأن هذا يعتبر تدخلاً خارجياً في شؤون البحرين لأنه اقل بكثير من إدخال قوات خارجية إلى أراضي المملكة بحجة اتفاقيات أمنية ولا يصل إلى مستوى الأسطول الأمريكي الخامس المتواجد على اراضي البحرين منذ زمن غير بعيد.

إن مستقبل البحرين يتعلق بنجاح هذا الحوار والمعارضة البحرينية تدرك أن الحكومة البحرينية تسعى لإخراج البلاد من هذه الأزمة لكن يجب أن تكون منطلقات هذا الحوار نابعة من مطالب الشعب وليس من رغبة السلطة. فالشعب هو أساس السلطات وهومن يقر بشرعية الحكومات. أما أن تعتقد الحكومة بأنها هي من يمن على الشعب بسلطتها عليه فهذا نهج ومبدأ خاطئ. وإذا بني الحوار على هذا الأساس فلا خير فيه ولا نتوقع نجاحه.

إن مصلحة البحرين وشعبها وحكومتها تقتضي أن تتضافر جهود الجميع في تقريب وجهات النظر بعيداً عن الاتهامات والتخوين والتشكيك بالولاء والوطنية. فالكل بات يدرك أن ما جرى لم يكن في مصلحة البحرين في شيء إلا انه أوقع البلاد في مآسي هي في غنى عنها ونأمل أن تزول في القريب العاجل بإذن الله تعالى. والله ولي التوفيق.

Nasirbahrani@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/حزيران/2011 - 3/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م