العراق... دولة الكاتم أم دولة القانون؟

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: غنية هي السياسة بمصطلحاتها المتنوعة بين ابوابها الرئيسية كالدبلوماسية والعلاقات العامة والفكر السياسي وادارة الازمات وغيرها والتي تنطوي تحتها الآلاف من هذه الكلمات والموجودة في قواميس خاصة بفنون السياسة وعلومه، وفي العراق (حيث تجد كل جديد وغريب) برزت العديد من المصطلحات المبتكرة والتي ربما لم يسمع بها كبار الساسة في دول العالم الاخرى، ومنها على سبيل العموم لا الحصر (سياسة الكاتم) والتي راحت تفرض ارادات جديدة على قوى لها وزنها وثقلها في العملية السياسية الجارية في العراق وتغير العديد من المعادلات الموجودة على ارض الواقع، وباتت ترهب الجميع وبلا استثناء حيث تكفي رصاصة واحدة من مسدس يحوي كاتم للصوت لتغلق ملف ذاك السياسي او الاعلامي او الناشط والى الابد.

وقد جاء اغتيال علي فيصل اللامي الرئيس التنفيذي لهيئة المسألة والعدالة (الهيئة التي تقف وراء منع عودة البعثيين الى السلطة واجتثاث من تبقى منهم داخل مفاصل الدولة العراقية الحيوية والتي سببت قراراتها الكثير من الجدل والخلافات بين السياسيين والاحزاب في اطار المصالحة الوطنية) على منوال هذه السياسة المرعبة والتي لا تعرف الرحمة او الشفقة، وفي خضم هذه الاحداث المرتبكة في العراق يطرح نفس السؤال الذي طالما طرح لكن من دون جواب وهو لمصلحة من يحدث هذا؟ والى متى؟

اغتيال علي اللامي

فقد شيع العشرات في بغداد مؤخراً جثمان المدير التنفيذي لهيئة المساءلة والعدالة علي اللامي الذي اغتيل برصاص مسلحين، وسط مخاوف من ان يتسبب اغتياله بزيادة التوترات في بلد يشهد اعمال عنف يومية، وكان مسلحون مجهولون اغتالوا اللامي باسلحة مزودة بكواتم للصوت عندما كان داخل سيارته في منطقة القناة شرق بغداد، واكد السياسي القريب من المدير التنفيذي لهيئة المساءلة انتفاض قنبر ان اللامي "كان متوجها من شارع فلسطين نحو منزله في شرق بغداد حين اعترض مسلحون سيارته التي كان يقودها شقيقه بعدما كانوا يتتبعونها لفترة"، واضاف لقد "اطلقوا النار على راس اللامي، واعلنت وفاته بعد وصوله الى المستشفى بحوالى عشرين دقيقة"، وحمل العشرات من اقارب اللامي ورفاقه في العمل واهالي مدينة الصدر التي تسكنها غالبية شيعية كبيرة في شرق بغداد، جثمان اللامي الذي غطي بالعلم العراقي لينقل الى مثواه الاخير في مدينة النجف، ولدى وصول جثمانه الى النجف (150 كلم جنوب بغداد) شارك المئات بتشييعه قبل ان يدفن في مقبرتها، التي تعد من اكبر المقابر الاسلامية في العالم، وقالت النائبة سميرة الموسوي عن قائمة "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي ان "هذه الحادثة تمثل دليلا على استمرار سياسة البعث الدموية ورسالة باننا موجودون ونستطيع العودة للسلطة"، وطالبت بـ"اتخاذ خطوات جدية لوضع قوانين تمنع عودة البعث باي شكل من الاشكال"، واكدت رفضها "للضغوط الاميركية على السياسيين العراقيين خلال الاعوام السبعة الماضية لاستيعاب البعثيين"، وشددت على انه "لا يمكن ان نترك اجيالنا يعيشون تحت ظل الخوف والرعب ويجب ان نستمر برفض البعثيين وبشكل اكثر قوة"، ومنعت هيئة المساءلة والعدالة التي تعمل على اجتثاث حزب البعث الذي كان يحكم البلاد ايام النظام السابق، عدة مئات من المرشحين من المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من مارس/اذار 2010، لارتباطهم بحزب البعث، وتعرضت الهيئة الى انتقادات حادة وخصوصا ان مديرها التنفيذي علي اللامي والمشرف عليها احمد الجلبي شاركا في الانتخابات التشريعية. بحسب فرانس برس.

ولم يحصل اللامي (47 عاما) وهو اب لستة اطفال على مقعد بينما حظي الجلبي على مقعد، ويحمل اللامي شهادتين جامعيتين في الرياضيات، وعين مديرا تنفيذيا لهيئة المساءلة والعدالة في شباط/فبراير 2004، وتاتي عملية الاغتيال هذه في وقت تشهد البلاد تصاعدا تدريجيا في اعمال العنف والاغتيال اليومية، وذلك قبل اشهر قليلة من انسحاب القوات الاميركية من العراق المقرر بنهاية العام الحالي، وقال النائب محمد خليل من كتلة التحالف الكردستاني وينتمي الى الحزب الوطني الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني ان "اغتيال اللامي رسالة واضحة بان للارهابيين قدرة على الوصول الى اي مسؤول والدليل واضح بان البعثيين هم من استهدف اللامي"، وحول تاثير ذلك على مسار المصالحة الوطنية، قال ان "الامر يعرقل العملية السياسية عموم، لكننا لن نقبل بان نتصالح مع من تلطخت ايديهم بدماء العراقيين"، وراى خليل ان "هيئة المساءلة والعدالة دستورية وستستمر في عملها والحادث سيعطي دافعا اكبر للعاملين فيها لمواصلة عملهم"، بدوره اعتبر النائب حيدر اللامي عن "القائمة العراقية" بزعامة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي، ان "مقتل اللامي يدل على ان دائرة الاجتثاث والانتقام لا ينتج عنها الا القتل والانتقام"، واضاف "ناسف لاراقة دم اي عراقي ونقول ان ثقافة الانتقام والاجتثاث وردت الينا مع المحتل من خارج البلاد"، وتابع "آن الاوان لنبدأ بمصالحة وطنية حقيقية"، وفي تزايد واضح لاعمال العنف التي استهدف في اغلبها قوات الامن، حيث قتل مؤخراً تسعة عسكريين عراقيين بهجمات متفرقة كما قتل تسعة اشخاص اخرين بينهم عقيد في الشرطة واصيب 25 اخرون في هجمات متفرقة في بغداد وشماله، وجاء ذلك بعد ساعات على مقتل 19 عراقيا وجنديين اميركيين في سلسلة هجمات هزت بغداد، وقال المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد احسان الشمري ان "اللامي كان يمثل اهمية كبيرة على المستوى السياسي والتنفيذي في ادارة الدولة لذا فان اغتياله سينعكس سلبا وسيؤدي الى الاضرار بمسار المصالحة الوطنية"، واشار الشمري الذي يرى ان عملية الاغتيال كانت مدبرة، الى ان "اللامي سبق ان تحدث عن سعي اميركي لقتله، غير ان هناك اطرافا اخرى، بينها الذين تضرروا من الانتخابات الاخيرة، والبعثيون الذين ترصدوا له اضافة لمجاميع مسلحة ترتبط بتنظيم القاعدة"، وتابع ان "اللامي، اوقف المشروع الاميركي لاعادة البعث الى الساحة السياسية بطريقة اخرى وبوجه آخر، كما ان الاستخبارات الاميركية تعتقد انه عضو في قوة القدس الايرانية وانه كان مشرفا على عمليات تفجير واغتيال"، وحول تاثير مقتل اللامي على عمل الهيئة، اشار الى "احتمال استبدال اعضاء الهيئة بآخرين بعيدين عن الانتماءات الحزبية او الى مكانية تجميد عملها".

التحريض على قتل اللامي

في سياق متصل وبعد اغتال مسلحون مجهولون المدير التنفيذي في هيئة المساءلة والعدالة علي اللامي، بأسلحة كاتمة للصوت، شرق بغداد، اتهم مدير مكتب اللامي «الأطراف السياسية التي اجتمعت في اربيل وأقرت عودة البعثيين إلى سدة الحكم» بالتحريض على قتل اللامي، وقال مراقبون إن دوافع عدة تقف وراء تصفية اللامي، كلها يتمحور حول مسؤوليته عن ملف اجتثاث البعث، وأعلنت قيادة العمليات في بغداد مصرع اللامي، بمسدسات كاتمة للصوت عندما كان يقود سيارته الخاصة من دون حماية، وأكد ضابط رفيع المستوى، فضل عدم ذكر اسمه، في تصريحه أن «عملية اغتيال اللامي نفذت قرابة الثامنة و50 دقيقة مساءً شرق طريق القناة السريع وتحديداً في المنطقة المحصورة بين وزارة النقل وساحة وهران باتجاه حي الحبيبية المحاذي لمدينة الصدر»، وأضاف إن «المعلومات الأولية تفيد أن ثلاثة أشخاص تقلهم سيارة «هيونداي»، حديثة الطراز فتحوا النار على الضحية عندما كان يقود سيارته الخاصة ومعه شخص آخر ولاذوا بالفرار»، ولفت الى أن «اللامي لم يفارق الحياة في الحال وفشلت كل محاولات إنقاذه لأن أصيب من مسافة قريبة في مناطق الصدر والرأس فيما نجى شقيقه»، وتابع المصدر إن منطقة الحادث تخضع لإجراءات أمنية مشددة، ضمن قاطع عمليات الفرقة 11 من الجيش، وجاء اغتيال اللامي، في ظل احتقان سياسي وخلافات تهدد العملية السياسية، لا سيما الخلاف حول اتفاق اربيل واتهام «القائمة العراقية» بزعامة اياد علاوي كتلة «ائتلاف دولة القانون» بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي بعدم تطبيقه، وكان علاوي هدد مؤخراً باتخاذ إجراءات شديدة في حال لم ينفذ الاتفاق الذي ينص أحد بنوده على إعادة هيكلة هيئة المساءلة والعدالة، وكانت تحركات موازية تبذل منذ شهور لاستبدال طاقم الهيئة، وأعلنت لجنة «المصالحة الوطنية» في مجلس النواب، عن تشكيل لجنة للحوار مع الكتل السياسية لتشكيل لجنة سباعية تختار مجلساً جديداً لهيئة «المساءلة والعدالة»، وفي أول رد فعل للهيئة، حمل مدير مكتب اللامي مظفر البطاط، خلال مؤتمر صحافي «الأطراف السياسية التي اجتمعت في اربيل وأقرت عودة البعثيين إلى سدة الحكم المسؤولية عن اغتيال مدير الهيئة». بحسب رويترز.

ووجه البطاط اتهامات الى سياسيين عراقيين بالتحريض على قتل اللامي وقال، «نتهم ظافر العاني (قيادي في العراقية) وتصريحاته ضد الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة ونتهم كذلك حيدر الملا (الناطق باسم العراقية) الذي طالما صرح ضد الهيئة وهذه التصريحات أعطت المسوغ للنيل من اللامي»، وأكد «ان اللامي تلقى تهديد بالتصفية عبر البريد الإلكتروني والهاتف النقال من سياسيين عراقيين، ومن القوات الأميركية»، وهدد بفضح أسمائهم في وقت لاحق وقال، «لم يكن علي اللامي يكترث لتهديدات التي وصلت إليه من جهات عدة، بينها تهديدات وصلته عبر الرسائل الإلكترونية وعبر الهواتف النقالة سأكشف في مؤتمر صحافي أسماء السياسيين الذين ارسلوا رسائلهم إلى اللامي وكذلك تهديدات القوات المحتلة»، ويعتبر اللامي أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في المشهد السياسي العراقي والأكثر تأثيراً في رسم خريطته، على رغم كونه موظفاً من الدرجة الرابعة، وقال أحمد البندر (محلل سياسي) إن «هناك ثلاث جهات لها مصلحة في تصفية اللامي هي «القاعدة»، إذا افترضنا أنها تنتقم لسنة العراق من الذين ربطوا مصيرهم بحزب البعث، ثم مؤيدو نظام صدام لما طالهم من قرارات اجتثاث، يرون فيها تعسفاً وانتقاماً بدوافع مذهبية، وحزب البعث كونه المتضرر المباشر من إجراءات الاجتثاث وقد وجد في شخص اللامي حجر عثرة أفشل مخططات أميركية لإعادتهم الى الحياة السياسية عامي 2007 و2008، والطرف الأخير قوى سياسية من الداخل والخارج من الشيعة والسنة يرون في اللامي عقبة دون تنفيذ مشروع سياسي قائم على مهادنة البعثيين والمسلحين لضمان استمرار أحزاب السلطة في الحكم»، وكانت القوات الأميركية اعتقلت اللامي في مطار بغداد عام 2008 واتهمته بالارتباط مع المجموعات الخاصة المرتبطة بدورها بإيران، لكنها أطلقت سراحه بعد عامين، وأسست هيئة «المساءلة والعدالة» عام 2006 لتحل محل هيئة «اجتثاث البعث» التي شكلت في عهد الحاكم المدني الأميركي بول بريمر عام 2003.

الدعوة يتهم البعث والقاعدة

الى ذلك اتهم حزب الدعوة الإسلامية، حزب البعث المنحل وتنظيم القاعدة باغتيال مدير هيئة المساءلة والعدالة علي اللامي، مشيرا إلى أن هذه العمليات لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، حسب بيان للحزب، وأوضح البيان "ضمن مسلسل الاجرام الذي تنفذه عصابات البعث البائد وبقايا تنظيم القاعدة، اغتالت الايادي الاثمة، المدير التنفيذي لهيئة المساءلة والعدالة الشهيد علي فيصل اللامي"، لافتا إلى أن "هذه الاعمال الارهابية لن تعيد عقارب الساعة الى الوراء لان الشعب العراقي عرف طريق الحرية ولن يفرط بنظامه الديمقراطي، وان دماء الشهيد اللامي ستبقى صرخة بوجه كل من يسعى للعمل على اعادة البعث البائد الى الحياة السياسية في العراق"، ويذكر انه جرت عدة محاولات لإزاحة اللامي عن هيئة «المساءلة والعدالة» ومنها محاولة «حزب الدعوة»، حيث فشلت بإيصال وليد الحلي ليحل محله، وكان اللامي أصدر قرارات باجتثاث مئات المرشحين الى الانتخابات النيابية، بينهم نائب رئيس الوزراء الحالي صالح المطلك، وظافر العاني و «القيادي في القائمة العراقية» راسم العوادي، كما اجتثت قرارات «المساءلة والعدالة» في شباط (فبراير) الماضي 376 ضابطاً كبيراً في الجيش والشرطة، بينهم 20 قائداً رفيع المستوى، إضافة إلى مدير الاستخبارات العسكرية. بحسب اصوات العراق.

وكذلك رئيس الاتحاد العراقي المركزي لكرة القدم حسين سعيد الذي أعرب عن أسفه لوجود قرار اجتثاث بحقه الامر الذي يمنعه من الدخول في الانتخابات المقبلة لاتحاد اللعبة خلال الشهر المقبل، مبينا انه سيرفع دعوى قضائية للطعن بقرار الهيئة، وكان علي اللامي قد ادلى بتصريحات صحفية مفادها أن قرار اجتثاث رئيس الاتحاد العراقي المركزي بكرة القدم قرار نال مصادقة محكمة التمييز، وهذا القرار اتخذ من مدة ليست بالقليلة وتم تبليغ وزارة الشباب والرياضة واللجنة الاولمبية الوطنية العراقية واتحاد كرة القدم بضرورة العمل بذلك القرار الصادر من قبل المحكمة والقاضي باجتثاث حسين سعيد من تولي مهام جديدة اذا رشح اليها في النقابات او منظمات المجتمع لانه مشمول بالاجتثاث، وقال حسين سعيد انه "ليس من حق هيئة المساءلة ان تقصيني وتبعدني من الترشيح لمنصب رئاسة أحدى منظمات المجتمع الدولي فيما ينص قانون الاجتثاث على منصب تعيين مدير عام فما فوق"، عادا ذلك "تدخل حكومي سافر في قضية كرة القدم"، وتابع "ساقوم برفع شكوى قضائية الى الحكومة المركزية والمحاكم الخاصة من اجل الطعن بقرار هيئة المساءلة والعدالة لأنه تدخل سافر ولا يمت الى الحقيقية بصلة فالجميع يعرف ان حسين سعيد لم يكن بعثيا او مرتبطا بحزب، الامر الذي  يجعلني ابلغ الاتحاد الدولي (فيفا) من اجل التدخل لدى الحكومة  بغية رفع الظلم والجور الذي لحق بي جراء أحقاد شخصية متناسين انني خدمت العراق لاعبا واداريا في اشد الظروف".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/حزيران/2011 - 2/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م