الضمان الاجتماعي والاستقرار السياسي الأكيد

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: في عالم اليوم تسعى الحكومات لأسعاد شعوبها، وتسعى لتوفير المقومات اللازمة لتحقيق هذا الهدف، ويقف الضمان الاجتماعي والصحي في مقدمة الاهداف التي تسعى لها الحكومات، من أجل النجاح في مهامها، وهو ما يتيح لها حاضرا ومستقبلا سياسيا أفضل، فالمستقبل السياسي لرئيس الحكومة وأعضائها، محكوم بمدى قدرة هؤلاء على تحقيق القبول الشعبي، وهذا لايتحقق ما لم يشعر المواطن بأنه مكفول إقتصاديا وصحيا، من قبل حكومته رئيسا وأعضاءاً.

وقد تنبّهت الحكومة الاسلامية لهذا الشرط الهام، وسعت الى تحقيق المقومات المساعدة لتحقيق الاستقرار السياسي، من خلال إسعاد الشعب وتحقيق الضمانات الاكيدة في مجالات الحياة الضرورية، التي تتعلق بصحة الانسان، وتوفير احتياجاته المهمة كافة، ولعل التغاضي الحكومي لتحقيق الضمان الاجتماعي والصحي خاصة، يقف في مقدمة الاسباب التي تدفع الشعوب للانتفاض على حكوماتها، وهو ما يحدث اليوم في دول الشرق الاوسط، فلقد جزعت هذه الشعوب من الظلم الذي تتعرض له من حكوماتها، ومن اهمال هذه الحكومات لحقوق الناس في الضمان الاجتماعي، وفي توفير الحياة التي تليق بالكرامة الانسانية، وهو ما تحقق في ظل حكومة الرسول الاعظم – صلى الله عليه وآله وسلم- ومن بعدها في الدولة الاسلامية التي قادها الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، حيث تم توفير الضمان الاجتماعي للشعب وقلّ الفقر لدرجة تصل حالة الاستغراب في حالة رؤية مواطن فقير في عموم الدولة الاسلامية التي كانت تضم ما يقارب خمسين دولة من دول اليوم.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام) بهذا الصدد: (الضمان الاجتماعي في الإسلام صبابة الإنسانية في قمّتها، ولذا فإنّ الإسلام حيث ينطلق من زاوية الإنسانية، يصب هذا الضمان بما توافق الإنسانية في أعمق أبعادها الفضيلة، وبتأكيد لم ير التاريخ قبل الإسلام، ولم تسجل الحضارات بعد الإسلام حتى اليوم ضماناً إجتماعياً بعمق الضمان الإجتماعي في الإسلام).

وهكذا صار الاهتمام بجانب الضمان الاجتماعي كبيرا وأساسيا، لأسباب عديدة أهمها إيفاء الحكومة بواجباتها تجاه الشعب، ثم الاستقرار السياسي الكبير الذي يتبع شرط التوفير المؤكد للضمان الاجتماعي والصحي وسواهما من احتياجات الناس، ولذلك كانت تعاليم الاسلام واضحة في هذا الخصوص، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي بكتابه نفسه قائلا في مجال التشريعات الضامنة لحقوق المسلم: (في نصوص الشريعة الإسلامية زخم كبير من ذلك، وهو إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على مدى اهتمام الإسلام بالتأكيد على هذا الجانب الإجتماعي المهم، حيث تكرر نقل ذلك عن نبي الإسلام صلی الله عليه و آله والأئمة من العترة الطاهرة عليهم السلام).

ولكن توفير الضمان الاجتماعي يتطلب من الحكومات توفير الاسباب والوسائل القادرة على تحقيقه، وأهمها بناء الاقتصاد المتين من خلال الاهتمام بالموارد وتنويعها، وهذا ما دفع الدولة الاسلامية للاهتمام بالزراعة والعمران، من أجل توفير الموارد الازمة للوصول الى الهدف الاساسي المتمثل بالضمان الاجتماعي، لهذا كان الاهتمام بالزراعة كبيرا، كونها تشكل رافدا اقتصاديا مهما لدعم قدرات الحكومة على تحقيق ما تتطلبه الحياة الكريمة للمواطن، بالاضافة الى حماية الحكومة من السقوط الحتمي في حالة اهمالها لمطالب الناس، وانشغالها بمصالحها فقط، وقد ذكر سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد قائلا في كتابه نفسه:

لقد (اتخذ الإسلام سياسة حكيمة، في ازدياد العمران والزراعة، التي بهما تكون رفعة الدولة أو سقوطها).

لذلك كان الاهتمام الحكومي بالزراعة والموارد والاقتصاد كبيرا، والسبب يتعلق بالدرجة الاولى بتوفير الشروط اللازمة لتحقيق الضمان الاجتماعي والصحي، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا بهذا الخصوص: (أمّا الزراعات، فهي أيضاً كانت بكثرة هائلة منقطعة النظير ـ حتى بالنسبة إلى هذه الأيام التي سهلت فيها الزراعات، وصنعت مكائن تعمل لإستخراج المياه ورش البذور والحصاد وغيرها، فالعراق كان يسمّى بـ أرض السواد- لأنّ الشخص في العراق أين ما كان يذهب أو يحل، يبصر ـ بمرمى بصره ـ الزراعات، وكان يقول واصفو مزارع العراق: إنّها لا يوجد فيها فدان غير مزروع).

وهكذا استطاعت الحكومة الاسلامية أن توفر للمواطن حاجاته الاساسية، وهو ما كفل لها النجاح والتفوق والاستقرار، الذي حقق لها نجاحات متواصلة في النمو والازدهار المضطرد، على العكس مما تقوم به بعض الحكومات الحالية التي تدّعي الاسلام، ولكنها تعجز عن توفير أبسط ظروف الحياة اللائقة بالانسان، لذا عليها الرجوع الى صفحات التأريخ لأخذ الدروس اللازمة التي حققتها الدولة الاسلامية في هذا المجال، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (لو مات شخص وعليه ديون، فليس على النظام الحاكم من دينه شيء أبداً). ثم يضيف سماحته قائلا: (فهل هناك ضمان إجتماعي كما في الإسلام)؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/حزيران/2011 - 2/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م