التمديد للقوات الاميركية والمزايدات على امن البلد

نزار حيدر

على الكتل السياسية في العراق ان تحذر من مغبة ظاهرة المزايدات على حساب امن البلد واستقراره ومصالح المواطن وحاجياته اليومية، فعلى زعماء الكتل الى ان يتحدثوا بصوت مرتفع بشان موقفهم من التمديد للقوات الاميركية، فلا يسروا شيئا ويعلنوا نقيضه، فان العراقيين سيكتشفوا تناقضاتهم ونفاقهم ان عاجلا ام آجلا، وعندها سيحاسبونهم حسابا عسيرا.

 ان المكان الطبيعي لمناقشة موضوع التمديد من عدمه، ونوعيته ومدته وفحواه وكل تفاصيله، هو مجلس النواب حصرا، على غرار ما حصل في المرة السابقة، عندما شرع المجلس الاتفاقية الامنية والاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة والتي كانت قد صادقت عليها الحكومة وبعثتها اليه لتصديقها وتشريعها، اما ان تتراشق الكتل السياسية وتستعرض عضلات (الوطنية) في وسائل الاعلام، فهذا امر مرفوض جملة وتفصيلا، لانه يعرض امن البلد للخطر، فالمزايدات والخطاب الاعلامي لا يساهم في اتخاذ القرار الحكيم والصحيح والسليم في واحدة من اخطر القضايا التي تمس امن البلد وسيادته واستقلاله ومستقبله.

 يجب على مجلس النواب ان يأخذ بزمام المبادرة بيده، فيناقش الامر بهدوء وروية بعد ان يستمع الى الخبراء والفنيين في الوزارات الامنية، وتحديدا في وزارتي الدفاع والداخلية، والذين سيحددون حاجة العراق للتمديد من عدمه من الناحية اللوجستية فقط، اما القرار السياسي بشان هذا الموضوع فيعود الى مجلس النواب الذي سيناقش القرار الذي ستتخذه الحكومة العراقية بهذا الشأن، والتي ستأخذ بنظر الاعتبار كذلك موقف الراي العام العراقي الذي يكره، بكل تأكيد، ان يرى، ولو ليوم واحد اضافي، قوات اجنبية في بلاده، واذا كان لابد من تحقيق التوافق السياسي بهذا الصدد، فانه قائم وموجود سواء تحت قبة البرلمان او في مجلس الوزراء، فما الداعي، اذن، للتراشق والمزايدات والنزاعات الفارغة؟.

ويجب ان نتذكر بان حالة الاحتلال التي كانت توصف بها القوات الاجنبية في العراق قد انتهت بدخول الاتفاقية الامنية والاستراتيجية الحالية بين بغداد وواشنطن حيز التنفيذ قبل اكثر من عام، ولهذا السبب فاذا تم التمديد لهذه القوات، على اساس اتفاقية جديدة، وضمن الشروط الجديدة التي سيتم الاتفاق عليها بين بغداد وواشنطن، فعندها سوف تطلق عليها صفة (قوات صديقة) تختلف مهامها كليا عما هو الحال عليها لحد الان، حالها حال اية قوات اخرى موجودة في اي بلد آخر تربطه بالولايات المتحدة علاقات استراتيجية، وكلنا نعرف بان هناك اكثر من (1000) قاعدة عسكرية اميركية في اكثر من (130) بلدا حول العالم، وفي عدد من القارات، بما فيها اوربا والاميركيتين واستراليا، مر على بعضها اكثر من نصف قرن كما هو الحال بالنسبة الى القواعد العسكرية الاميركية الموجودة في اليابان والمانيا وكوريا الجنوبية، اما بالنسبة للبلاد العربية، فان في اغلبها قواعد عسكرية اميركية بما فيها دول الخليج الست والاردن ومصر والمغرب وغيرها، كما ان هناك العديد من القواعد العسكرية الاميركية في عدد من الدول الاسلامية وعلى راسها تركيا، ولا ننسى هنا دولة قطر التي فيها اكبر قاعدة عسكرية اميركية في العالم والتي تغطي جغرافيا ثلثي مساحة الامارة.

 اذا ما تقرر التمديد للقوات الاميركية، فسوف لن تكون قوات مقاتلة باي شكل من الاشكال، كما انها سوف لن تتواجد في الشارع العراقي ابدا وانما داخل معسكراتها فقط، وستنحصر مهامها في التدريب والدعم اللوجستي للقوات العراقية والاجهزة الامنية، وربما من هذا المنطلق تتجه الحكومة العراقية للتمديد، طبعا بالاضافة الى مهامها الامنية كحماية السفارة الاميركية في بغداد.

 ان التمديد للقوات الاميركية في العراق من عدمه هو قرار سيادي لا يحق لاحد كائنا من كان ان يتدخل فيه، سلبا او ايجابا، كما ان على الولايات المتحدة الاميركية نفسها ان لا تمارس اي نوع من الضغط على الحكومة العراقية، باتجاه التمديد، ولتدع مؤسسات الدولة العراقية تأخذ وقتها اللازم والكافي لدراسة الموضوع قبل التسرع في اتخاذ القرار الخاطئ، فواشنطن تعرف اكثر من غيرها، مدى صعوبة الوضع السياسي المعقد في العراق والمأزوم بما فيه الكفاية، وهو لا يتحمل ازمة جديدة قد تعصف به وتدفعه باتجاه الانهيار، وهو الامر الذي ليس لصالح احد ابدا.

 يجب ان يتخذ القرار تحت قبة البرلمان في اطار الدستور حصرا، وتحديدا في اطار المادتين الدستوريتين 7؛ ثانيا، و8 والتي تحرم ان يتحول العراق الى منطلق للعدوان على جيرانه باية صورة من الصور، فالعراق الجديد لا يريد ان يكون بؤرة ازمات متتالية في المنطقة والعالم كما كان عليه الحال في عهد النظام الديكتاتوري البائد.

 ان العبرة ليست في التمديد من عدمه، فكما قلنا سلفا، فهناك قرابة (130) دولة حول العالم تتواجد فيها قوات اميركية بشتى الصنوف، وانما العبرة في نوعية التمديد، فاذا جاء هذا التمديد على حساب سيادة العراق فيجب ان يقاوم بشتى السبل والطرق، اما اذا جاء التمديد متناغما مع احتفاظ العراق بقراره السيادي على ارضه ومياهه واجوائه، وهو المأمول في حال التمديد، فان ذلك امر لا ضير فيه، وربما سيكون لصالح امن العراق واستقراره، لا ادري، فان الامر متروك، كما اسلفت، الى مجلس النواب بعد ان يستمع الى الخبراء والفنيين في الوزارات الامنية، وهو سيشبه حال التواجد العسكري الاميركي في اي بلد من بلدان العالم، والتي بعضها منافس عنيد للولايات المتحدة، ان على الصعيد الاقتصادي او التكنلوجي او السياسي او حتى العسكري في بعض الاحيان، كما هو الحال بالنسبة الى المانيا واليابان وكندا واستراليا وغيرها من دول العالم الصناعية.

ان مصادقة مجلس النواب على نواب الرئيس، يمثل الحد الفاصل الذي فرق بين الاتجاه الذي تسير فيه الكتل السياسية والاتجاه الذي يسير فيه الشعب العراقي تتقدمه المرجعية الدينية التي كانت قد تحدثت بلسان العراقيين عندما دعت في بيانها في شباط المنصرم الكتل السياسية الى التوقف عن استحداث المناصب الزائدة التي تستنزف ميزانية البلد على حساب محرومية العراقيين.

 لقد اثبتت الكتل السياسية، بهذا القرار، وبما لا يدع مجالا للشك، انها لا تتنافس فيما بينها من اجل المسارعة لتحقيق مصالح الناخب وتحسين حياته المعيشية، فهي لا تتنافس في برامجها الانتخابية الحقيقية ابدا، لتوفير فرص العمل مثلا والتعليم وتحسين الدخل اليومي للفرد العراقي وتحسين الخدمات، وانما هي تتنازع على المناصب فقط، فاذا حصل احدهم على منصب عاد الى منزله من دون ان يفكر بانجاز ابدا، خاصة وان الكثير من هذه المناصب وهمية وليست حقيقية، الهدف منها هو ترضية هذا الطرف او ذاك، وليس من اجل تحسين اداء مؤسسات الدولة.

 ولانها تتنازع على المناصب، لذلك بقيت الحكومة عرجاء لم تكتمل حقائبها الوزارية لحد الان على الرغم من مرور قرابة عام ونصف العام على الانتخابات النيابية الاخيرة، كما ان الازمة الخانقة بين الكتل في تزايد يوما بعد يوم، ما يعني انهم يكذبون على العراقيين عندما يقولون في الاعلام فقط بانهم اتفقوا، اذ يبدو انهم لم يتفقوا الا على ان لا يتفقوا فحسب.

 لو انهم ينجزون بمقدار ما يتنازعون، لربما غفر لهم المواطن نزاعاتهم الممجوجة، الا انهم لا ينجزون معشار ما يتنازعون عليه، ولذلك فقد ثبت للمواطن انهم يتنازعون على المناصب ولا يتنافسون على خدمته ابدا.

* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/حزيران/2011 - 2/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م