إصدارات جديدة: مفارقات الدولة والمجتمع في الخليج والجزيرة العربية

 

 

 

الكتاب: الحداثة المغلولة.. مفارقات الدولة والمجتمع في الخليج والجزيرة العربية

الكاتب: أحمد شهاب

الناشر: مركز دلتا للدراسات المعمقة، ودار التنوير للنشر والفرابي للتوزيع

عرض: د. الياس طربيه

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: يكتسب الكتاب الذي أصدره مؤخراً الباحث الكويتي أحمد شهاب أهمية خاصة لجهة كونه استجابة راهنة، نقدية وتحليلية لواقع الدولة والمجتمع في مجتمعات الخليج والجزيرة العربية.

على أن مرجع راهنية هذا الكتاب هو في الأفكار التي أوردها الباحث وتتماهى الى حدّ بعيد مع التحولات العاصفة والجذرية في المنطقة ولا سيما في منطقة الخليج. وهذا ما يمنح الكتاب صفته المعرفية حيث تشكل الأطروحات التي قدمها المؤلف مجالاً واسعاً للنقاش والتداول حول واقع ومستقبل الدولة والمجتمع في بلدان مجلس التعاون الخليجي.

المحور الفكري الذي تدور حوله اطروحات المؤلف هو مسعاه في تأهيل نظرية الاستتباع التي تجد نموذجها الحسي في التجربة الحداثوية في المجتمعات النفطية. وهي تجربة نمت على هامش «الاقتصاد الريعي»، ولم تستطع أن تتجاوز المفاهيم التقليدية لثقافة البداوة. فقد بدت حداثة هذه المجتمعات مقيّدة بالأغلال، ولم تتعدَّ القشرة الخارجية للتحديث خصوصاً في حقل الاجتماع السياسي، ومسار الحياة السياسية والمدنية في الخليج.

يحكي الكتاب سيرة الديموقراطية المتعثرة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، والأسباب الحقيقية والعميقة لهذا التعثّر. وقد تطرّق المؤلف الى ما أسماه بالمسألة الديموقراطية في الخليج التي نمت وانطلق السجال الحار بصددها في تسعينيات القرن المنصرم وصولاً الى السنوات الأولى من القرن الجاري. وهو أمر بدا متصلاً اتصالاً وثيقاً بالتحولات العميقة التي تسبب بها احتلال الكويت من جانب نظام صدام حسين، وما ترتب على هذا الحدث المدوّي من تفاعلات وتبدلات قلبت المعايير الفكرية والسياسية رأساً على عقب.

يشير المؤلف الى إشكالية مركزية مؤداها أن قبول الموجة الديموقراطية في الخليج لم تكن من جانب السلطات الحاكمة ونخبها إلا من قبيل التكيّف العارض مع شروط وظروف الزمن العالمي الجديد.

يرى المؤلف أنه استجابة للضغوط المفروضة من الداخل والخارج، أقرت الأنظمة الخليجية، بضرورة مواكبة متطلبات الإصلاح السياسي، ثم راحت تنظر في مطالب المواطنين، وتعترف بحقهم في المشاركة السياسية. حتى لقد تبين لها أن مثل هذه الاستجابات هي الخطوات التي يمكن أن تمنحها الشرعية على الصعيد الداخلي، وأمام المجتمع الدولي، وإن كانت قد سعت في الوقت نفسه الى التقليل من أكلاف التحول نحو الديموقراطية وتحجيم مساحات الإصلاح السياسي. ويضيف الباحث أحمد شهاب واصفاً الطبيعة الداخلية التي تحكم العلاقة بين النخبة والسلطة فيقول في المقدمة: «في ما يشبه الحيرة السياسية والتردد بين حدّي الجمود والتغيير، أن الأحزاب والجماعات السياسية في دول الخليج تطلّعت الى الممارسة الديموقراطية بوصفها الوسيلة المأمونة للدخول في ساحة! المشاركة السياسية، وتالياً الخروج من طوق العزلة والتهميش التي تفرضها الحكومات عليها. فالديموقراطية باتت لدى شرائح وقطاعات واسعة من النخب الخليجية الأداة الفضلى للدخول في السلطة عبر إحراج الحكومات أمام العالم. كما غدت لديها قناعات راسخة بأن حكوماتها سوف تصبح أمام فكّي القبول بتوسعة مساحات المشاركة السياسية، أو الظهور على صورة أنظمة الاستبداد المطلق. حتى أن العديد من الأحزاب المتحفظة على الديموقراطية لأسباب أيديولوجية، لم تتوان من التدثر بأثوابها، لكونها الطريق الآمن للوصول الى الحكم، أو المشاركة في السلطة في حدها الأدنى. أما ما يُرمز اليه بمقولة الإصلاح السياسي فلم يتعدَ لدى أغلب القائلين بها، والساعين لتحقيقها، مجرد السير نحو الاقتراب من فضائل الديموقراطية ثم أن جلّ ما بدا من طموحات النخب المشار اليها هو  حرية التعبير عن الرأي، والمشاركة في السلطة، لكن من دون المساس بالهياكل الأساسية للحكم القائم. فالحديث عن تداول السلطة والتغيير السياسي في الخليج، يأتي على الجملة تحت سقف اتفاق ضمني/ داخلي قوامه اجتناب أي تغيير جوهري قد يؤدي الى ! المساس بالأُسَر الحاكمة، بل هو يستهدف كل ما هو دونها، نظراً الى طبيعة الحكو الوراثي السائد.

الى ذلك، يشير شهاب الى إشكالية أساسية ذات صلة بمسألة الحكم الوراثي في الخليج،  لم تعد تشكل المعضلة الأساسية، ذاك أن الوراثة في الحكم حسب الثقافة الشائعة بدت وكأنها من عوامل التقدم. ففي حين يُنظر اليها من عدد من المحللين كدافع للاستقرار، مقارنة بأحوال العديد من الدول العربية المتاخمة للمنطقة الخليجية، وذلك لشعور الأسر الحاكمة أنها خارج منطقة الاستهداف. يُرى اليها في المقابل كعامل تراجع وفشل أمام مشاريع التحديث والتنمية السياسية. والسبب يعود - بحسب هذه الرؤية - الى تكلّس أنظمة الحكم، وعدم استجابتها لمتطلبات التغيير، وسيادة العقلية التقليدية وسرعة هرمها. غير أن القول من هذا الوجه يبقى يعتمد تحديداً على مقدار الفرص المتاحة لموضعة الأسرة الحاكمة ! داخل المنظومة القانونية للدولة، وعلى حاكمية القانون على جميع مفاصل الدولة.

تأسيساً على هذه الأطروحات التي يقدّمها الباحث أحمد شهاب، ظهرت أزمة الإصلاح السياسي والتحديث في الدول الخليجية على نحو أعمق مما يتصوره الكثيرون. فهي أزمة بنيوية لا يمكن حلها أو مفارقة أسوارها المغلقة بمجرد إجراءات شكلية من خلال صناديق الاقتراع، أو سوى ذلك مما هو موجود في تقاليد الديموقراطية الغربية. ذلك أن أزمة الاصلاح السياسي كما يقول شهاب. تعدى مسألة قبول أو رفض مفهوم الديموقراطية، لتصل الى القلق على ماهية الدولة ذاتها، حيث التداخل العميق بين مفهوم الدولة ومفهوم السلطة. ففي الواقع لا يبدو حتى الآن أن هناك تمايزاً حقيقياً بين المفهومين كما هو الحال في الدولة الغربية الحديثة، وذلك نظراً لطبيعة الحكم الوراثي. وهو ما أسس لحدود هلامية بين ما هو من اختصاص وصلاحيات الأسرة الحاكمة، وما هو من! طبائع الحكم القائم والدولة الجامعة.

هذه المحاولة الفكرية من جانب باحث خليجي تعكس في الواقع، مستوى الحراك المعرفي الذي بلغته النخب في رؤيتها النقدية لمجتمعاتها. وهو ما يطلق منفسحاً من التفاول حول إمكان بلورة نهضة فكرية موازية للتحولات التي تعصف اليوم في المنطقة عموماً، وفي المجال الخليجي على وجه الخصوص.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/حزيران/2011 - 28/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م