شبكة النبأ: وضعت المحكمة الاسبانية
العليا حدا لجدل ودعاوى مارثونية حول حق المرأة (وهنا الممرضة) بارتداء
ما يناسبها... وتعود تلك القضية مثار الجدل الى العام 2008، حين أجبرت
إدارة مستشفى سان رافائيل الأهلي في مدينة قادس، جنوب إسبانيا،
الممرضات، على ارتداء التنورة بدل البنطلون، مما أثار انزعاج العاملات
لأنهن يتضايقن في العمل من التنورة ويفضلن البنطلون في عملهن. ووقفت
الكثير من الهيئات والجمعيات النسائية ونقابات العمال مع الممرضات،
بينما أصرت إدارة المستشفى على موقفها، وبين أخذ ورد مدة طويلة، وإصرار
الطرفين على موقفهما، وطال الجدل حول الموضوع، حتى قررت الممرضات
التقدم بدعوى قضائية ضد قرار الإدارة إجبارهن على ارتداء التنورة،
وأوضحن في الدعوى أن ارتداء التنورة غير مريح لهن في عملهن، وبقيت
القضية تراوح مكانها بين المحاكم، حتى وصلت إلى المحكمة العليا في
إقليم الأندلس التي أعطت الحق لإدارة المستشفى في اتخاذ قراراتها،
قائلة: «إن قرار إدارة المستشفى لا يشكل أي تمييز ضد المرأة ولا يلحق
بها أي ضرر». لكن الممرضات لم يقبلن بالقرار، وقررن مواصلة السعي إلى
الحصول على حقهن في الملبس، وقررن رفع القضية إلى المحكمة العليا
الإسبانية، التي قضت مؤخرا بحق الممرضات في ارتداء التنورة أو البنطلون
حسب رغبتهن.
وقالت المحكمة: «إن إجبار الممرضات على ارتداء التنورة مقابل ارتداء
العاملين من الرجال للبنطلون يشكل تمييزا ضد المرأة، وهو غير مقبول
وغير مبرر». وقد استبشرت الممرضات والجمعيات النسائية ونقابات العمال
بالقرار، واعتبرن ذلك انتصارا للمرأة بصورة عامة، وعلقت أديلا ساستري:
«كنا نشعر أننا بقينا وحيدات، وفي الوقت نفسه كنا على ثقة بأننا سنحصل
على حقنا عاجلا أو آجلا، لكن لا نعرف متى، وكنا متفقات على أنه حتى لو
لم نحصل نحن على حقنا الآن، فسوف تتواصل الدعوة لمن يأتي بعدنا.
اذكر في العام 2004 نشرت الصحف خبرا عن تجمع مائة شخص في شارع رئيسي
في نيويورك وهم يرددون هتاف: نريد ارتداء التنورة. وصرخ أحد المتظاهرين:
(لا نريدكم ان تسمونا بأسماء النساء... نحن رجال لكننا نرغب في أن يكون
لنا الحق في ارتداء التنورة).
وزاد هؤلاء المتظاهرون بتذكير الناس بأنّ التنورة أصلها رجالي وليس
نسائياً... ويحيلون الى سكان الجبال في اسكتلندا وطبقة النبلاء
الأوروبيين في القرن السادس عشر في أعقاب النهضة الكبرى في أوروبا.
فاللباس ونوعه حق شخصي وهو في الكثير من المجتمعات يمثل تراكما
ثقافيا لا يمكن لأية قوانين ان تغير منه او تنقلب عليه.
في مجتمعاتنا الشرقية تسود النظرة الى المرأة والرجل عبر نوع اللباس
الذي يرتديه، وتتحدد أحيانا قيم الشرف الشخصي من خلال اللباس وخصوصا
لباس المرأة، وقد علق في الاذهان لعقود طويلة في الوعي الجمعي للمجتمع
العراقي ان العباءة هي المرادف لشرف المرأة... فالمرأة التي ترتدي
العباءة شريفة والتي لا ترتديها غير ذلك.
وقد ساد في وقت من أوقات حكم نظام صدام حسين ان أي جزء من ساق
الفتاة إذا ظهر من تحت التنورة يلطخ بالصبغ الأسود من قبل رجال الشرطة،
وكان ذلك بأمر خير الله طلفاح حينما كان محافظاً لبغداد عام 1969،
فاتجهت الفتيات في تلك الأيام الى تفضيل البنطلون على التنورة.
انتشر البنطلون والعباءة الخليجية وتراجعت التنورة عن مكانتها ورغم
ذلك بقيت قيم الشرف مرتبطة بنوع الزي في الكثير من مناطق العراق... في
أحدث نزاع سمعت عنه ان احد الرجال الذي يرتدي العقال العربي قد طالب
بسبعة ملايين دينار عراقي تعويضا عن شرف العقال المهدور حين أوهمه
مجموعة من الحشاشين ان فلان قد اسقط عقاله ولم يسقط سهوا كما ظن وقتها...
سبق ذلك، التهديد بالهجوم برشاشات الكلاشنكوف والأسلحة الخفيفة على
المتهم الذي لم تثبت إدانته.
بعد العام 2003 انتشر القاط الرجالي لباسا مميزا للتعبير عن التغيير
السياسي والاقتصادي الحاصل في العراق، والقاط مع رباط العنق هو
البروفايل الجديد لساسة العراق بعد ذلك العام... وهم يرتدونه في جميع
الاوقات، اوقات العمل واوقات الاستراحة، انه المرادف الموضوعي لقيم
السلطة والمكانة السياسية الجديدة.. حتى مراقبي كراجات النقل الداخلي،
وكثيرا ما أشاهدهم، يرتدون القاط وربطة العنق رغم ان عملهم عادة تحت
الشمس والغبار المتطاير طيلة اليوم.. لباس لا يتناسب مع أجواء العمل
لكنه القاط ايقونة السلطة والقوة وشعار الانتماء الى الجهاز الحكومي..
وهناك جهة سياسية تمتاز بارتداء محاسيبها لهذا القاط في جميع المناسبات
والتجمعات تعرفهم من قاطهم.
ترافق هذا القاط الرجالي مع مستويات متصاعدة من الفساد السياسي
والمالي تحت تسميات متعددة مع تصاعد الأصوات الداعية لقمع المرأة وهضم
حقوقها... وقد نالت المرأة العراقية الكثير من الأذى جراء تلك الأصوات.
لم ترتبط قيم الشرف او الرجولة مع القاط الرجالي بل اصبحت ترتبط قيم
الفساد والامبالاة والتسيب والتعدي على حقوق الاخرين والتجاوز على
المال العام وعلى الممتلكات العامة مع من يرتدون ذلك القاط.
احدث سجال على الساحة العراقية هو ميناء مبارك الذي تعتزم الكويت
إنشاؤه وهي ستفعل ذلك وسيتم انجازه قبل اي مشروع تتحدث الحكومة
العراقية عن انجازه وتضع الخطط لذلك وتفتح باب العطاءات وتوقع مع
المستثمرين وتؤلف اللجان التي بدورها تؤلف لجانا داخلية ضمن تلك
اللجان.
هذا السجال هو نتيجة لما وصل اليه حال القاط الرجالي المترافق مع
عمليات الفساد السياسي المنظمة... قد تكون الفكرة خيالية الا ان الكاتب
يرى ان عدم صعود قيم الرجولة والشرف المتعارف عليها مع ارتداء القاط
الرجالي قاد الى ما يحدث الان من تعدّ من قبل امارة صغيرة على جميع ما
يمثله العراق.
لو ان الطبقة السياسية العراقية فعلت ما فعلته الممرضات الاسبانبات
لمدة ثلاث سنوات وشرعت في العمل ضد اعداءها ونفذت ما خطط له على الورق
منذ العام 2003 بإنشاء ميناء الفاو الكبير لما تجرأت الكويت على
التفكير بمشروع ميناء مبارك.
موقفان امام الطبقة السياسية العراقية اما موقف المتظاهرين في مدينة
نيويورك او موقف الممرضات الاسبانيات... ولا أستطيع الشرح والتفسير
أكثر من ذلك. |