حتى أعمارنا.. في تراجع!

زاهر الزبيدي

ليس غريباً أن تفقد السعادة في وطنك وليس أشد من ذلك غرابة أن تفقد عمرك.. ففي وطن مثل العراق معلقة على جدرانه صور لآلاف الأشياء المفقودة.. أحلام وأمنيات ومفقودين.. فالعالم يفتخر بأن أعمار سكانه في تزايد مستمر ومنها اليابان التي تحتوي على أكثر معمري العالم حين أعلن نادي المعمرين اليابانيين رقما قياسيا جديدا بلغ 40399 معمرا بزيادة 4123 عضوا عن الأعوام الماضية حسب بيانات وزارة الصحة اليابانية.. ولكننا في العراق.. لم نعد نفقد الأمان أو السعادة أو الحلم.. بل أصبحنا نفقد أعمارنا.. حسبنا الله ونعم الوكيل.

ففي تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية، أوضح أن متوسط أعمار الرجال في العراق تراجع من 65 عام الى 62 عاماً أي أننا فقدنا ثلاثة سنوات من أعمارنا.. وبخلاف نسائنا اللاتي حافظن على متوسط أعمارهن عن 70 عاماً (الحمد لله).

وبخلاف كل الرجال في العالم الذين شملهم التقرير والذين زاد معدل أعمارهم من 66 الى 68 عاماً فالرجال العراقيين هم المميزون في هذا الموضوع لكونهم أعمارهم في تنازل.. وليس للعمليات الإرهابية دورٌ أساسيّ فيه لكونها تقصف وتنهي العمر لا تقصره.. ولو حاولنا الوقوف على أكثر الأسباب تأثيراً في هذا الموضوع نرى أن عدم الشعور بالسعادة أحدها وعدم وجود نظام صحي تكفله الحكومة بجدية بالغة بضمنها التوعية الصحية للمخاطر التي نستلذ بها في بعض الأحيان وعدم ممارسة الرياضة.. وعدم توفير مساحة راحة من الأوقات التي يقضيها الرجل العراقي في العمل.. فقبل عقود من الزمن كان الرجل العراقي الموظف له دوام رسمي قد يصل الى الساعة الثانية ظهراً وبعدها يكون متفرغاً بشكل كامل لممارسة حياتهم الطبيعية والذهاب لبعض المناطق السياحية التي لم تكن مكتظة وتربية أبناءه.

أما اليوم فتراه يلهث وراء لقمة عيشه وأهله بعدما أنهكه التضخم الذي أتي على كل إيراداته الثابتة، تقريباً، سنوياً.. ناهيك عن الخوف الذي أصبح شيئاً لصيقاً به بل أضحى يرافقه كظله من أن تقصف العمليات الإرهابية عمره بعبوة أو كاتم أو لاصقة..

وهنا أود أن أركز على موضوع من تلك المسببات وهو تغذيتنا.. فالكثير من العراقيين لا زالوا يفتقدون الى النظام الغذائي المتوازن وطريقة تناوله ويميلون بشدة الى بعض الأغذية المشهورة واللذيذة طبعاً ولكنها في نظر الآخرين، أولئك اللذين أعمارهم في تزايد، إهانة كبيرة لأجسادهم وأعمارهم.. ومنها تلك الأغذية الغنية بالمواد الدهنية النشويات والسكريات والتي تتسبب في فقدان الشخص لحياته بفعل ارتفاع الكولسترول في الدم.. وهذا الكولسترول القليل منا من أجرى تحليلاً كاملاً ليعرف مستوى الخطر الذي يدهم حياته ففي خارج الوطن العربي حدد معدل 200 هو أما للعرب فقد أزيد ليصبح 250 لكون نظامنا العربي الغذائي هو من تسبب في هدر سني عمرنا.. والقليل جداً منا من أجرى هذا لفحص البسيط ليعرف متى ستنغلق أوردته بفعل الـ (الباجة، الكاهي والقيمر، الباقلاء بالدهن الحر.. الخ ) وهي جميعها مع عدم وجود رياضة تتسبب فعلاً في زيادة مادة الكوليسترول في الدم وبالتالي لمشاكل لا يحمد عقباها.. أهمها انك سوف لن تفارق المستشفيات لفترة طويلة.

عند مرورك بشوارع بغداد التي تنتشر فيها تلك المطاعم ترى الناس في الشوارع يلتهمون كميات كبيرة من تلك المواد.. ففي الوقت الذي يتناول فيه،طويل العمر، في الخارج أنواع من الحبوب على إفطاره.. نرى رجالنا وهم يستخدمون أقوى مساحيق الغسيل لإزالة دهون الإفطار من أيديهم وأفواههم !!

ترى من المسؤول عن بث الوعي الصحي وبيان آثار التغذية غير الصحية على أعمارنا ؟ ومن المسؤول عن سرقة ثلاثة سنين من أعمار رجالنا ؟.. جميعنا مسئولون.. نحن والحكومة والمجتمع بأكمله.. ولكن بدايتنا اليوم لتصحيح الخطأ تجنبنا أهدار أموال كثيرة في المستقبل القريب على العلاج وأتباع نظام غذائي بسيط ويحقق الاكتفاء الصحي يوفر لنا مبالغ كبيرة قد نستثمرها في السياحة لإدخال نوعاً من السعادة المفقودة عسى أن تطول أعمارنا... بعد عمر طويل أنشاء الله !

ثمانية ملايين عراقي خارج التغطية الصحية

كم هي مؤلمة كلمة "خارج التغطية" فعلى سبيل المثال أن تكون خارج تغطية شبكة الاتصالات معناه أنك توقفت على الاتصال مع العالم الخارجي وأصبحت تعرف أخبار ما تراه عيناك فقط وهو ليس واسعاً طبعاً.. أما أن تكون خارج التغطية الصحية فهذا معنا أن أحد ما في الحكومة بم يستطع أن يستهدفك وبيتك بالخطط الصحية التي تضعها المؤسسات الصحية في البلد..

 والخطط الصحية قد تكون الأهم بين الخطط التي تقوم بها الحكومة في التخفيف من وطأة الأمراض التي استوطنت الوطن بعدما غابت عنه النظرة الواضحة لكل مساحته من حيث شمولها بخطط صحية واضحة مستهدفة فيها المناطق النائية والقرى التي تقبع في أقصى خارطة العراق.. وتلك التي تدرج على خرائطه حتى..

وعدد ثمانية ملايين عراقي قد يمثلون نسبة 27% من العراقيين، لكوننا لا نمتلك إحصائية سكانية معترف بها، رقماً كبيراً كشفته وزارة الصحة عن دراسة أجرتها لمعرفة مستوى إداء مؤسساتها الصحية في عموم العراق. فعلى الرغم من ما تم تخصيصه من مبالغ بموجب الموازنات الاتحادية خلال السنوات الثمان السابقة إلا إن الوزارة لم تتمكن من إيجاد وسائل التغطية اللازمة لكافة مناطق وقوى العراق ومد شبكة واسعة من المراكز الصحية المجهزة بالتقنيات الطبية الحديثة التي تكفل تقديم العلاج المناسب لأبناء الشعب ممن تتقطع بهم السبل في الوصول الى مراكز المدن للعلاج.. وزيارة واحدة لشارع السعدون، مركز العيادات الطبية الخاصة، حتى ترى الكثير من العراقيين، من كافة الأعمار، وهم يفترشون الأرصفة من شدة المرض ومن شدة الإرهاق الذي يكابدوه من جراء سفرهم لمسافات طويلة لغرض الحصول على المعاينة والعلاج في بغداد لعدم توفر الأطباء التخصصيين في مناطق سكنهم النائية ناهيك عن المبالغ الكبيرة التي يتكبدوها جراء تلك العملية حيث أشرت معاينة الأطباء ارتفاعاً كبيراً قد تصل فيه في بعض الأحيان لعشرين ألف دينار ناهيك عن أسعار الأدوية الباهظة جداً..

وسفر الكثير من العراقيين للعلاج في دول الجوار وإنفاق المبالغ الطائلة على تنظيم حياتهم الصحية بسبب عدم الثقة التي ترواد اغلبهم من حال الواقع الصحي ومؤسساته في العراق.

القطاع الصحي بحاجة ماسة الى أن يتم بناءه وفق احدث طرق بناء المراكز الصحية العالمية وحاله حال إي قطاع أخر في العراق ساهمت ضعف الرقابة والفساد المالي والإداري الذي طال مرافقه في تأخر نهوضه بسرعة تنناسب وحجم التحديات التي تواجهنا بتعرض العراق الى الهجمات الإرهابية ودخوله في حالة الطوارئ القصوى بسببها، ووجود ضغط مستمر وكبير على تلك المؤسسات، القديمة منها، تسبب بتردي خدماتها.

 كذلك فأن الشعب العراقي بفعل الخلل الناتج عن ضعف الخدمات وانتشار النفايات في الشوارع وقرب المجمعات السكنية تسبب في زيادة انتشار الأمراض المختلفة بسبب زيادة حجم النواقل للأمراض كالذباب والبعوض والقوارض سيكون بحاجة الى مؤسسة صحية رصينة تستمد رصانتها من التطور الكبير في تلك المؤسسات عالمياً فعلى جميع المشاريع الصحية أن تتطابق والمواصفات العالمية لها.. كذلك فعلى أحد ما أن يفكر بجدية بنظام الضمان الصحي لموظفي الدولة والذي كان متبعاً في فترة الثمانينات وبالأخص في مؤسسات وزارة النفط حيث ساعد هذا النظام في إسناد العوائل العراقية وتوفير مبالغ كبيرة مقابل استقطاع محدود من رواتبهم حيث كان الموظف يجري فحص الطبيب وشراء الدواء المخصص وعمل مسح إشعاعي وأيه حالة صحية تتطلبها حالته مقابل استقطاع بسيط من راتبه الشهري وهذا دعم أضافي حكومي تقدمة الحكومة لموظفي مؤسساتها فنظام الضمان الصحي لكل العراقيين أمر مهم جداً وقد سمعنا الكثير ممن طبلوا له في الحملات الانتخابية العراقية الأخيرة وأصبح كعنصر يزيد من زخم قبول المرشحين ودخل في مناهجهم الانتخابية حبراً على ورق.. عسى أن لا يبقى كذلك.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/آيار/2011 - 27/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م