شبكة النبأ: لا شك أن الوقت الراهن
لإنقاذ الثورات العربية المتعثرة منذ أشهر مازال قائماً، فان
الإستراتيجيات لإحياء الديمقراطية قائمة في ظل الأنظمة الفتية، لكن شبح
الانقسامات الدينية والقبلية والطائفية بات يهدد الانتفاضات التي
اجتاحت العالم العربي بوعود من الحرية ووحدة الهوية الوطنية التي شغلت
بال المنطقة.
فبدءا من أزقة إمبابة المصرية التي شهدت معارك شوارع بين المسلمين
والأقباط، إلى البحرين وريف دمشق حيث الإجراءات الصارمة التي أثارت
المخاوف من تسوية الحسابات الطائفية، تبقى مسألة الهوية الوطنية هي
التي قد تحدد مصير ربيع العرب.
فهل يمكن للثورات العربية أن تشكل بديلا يتماشى مع التنوع القبلي
والطائفي والعرقي والديني في العالم العربي؟
هناك أشارت إلى أن الأمثلة السابقة أثبتت فشلها، منها حكم الرجال
الأقوياء في مصر وسوريا وليبيا واليمن، والتوازن الهش بين المجتمعات في
لبنان والعراق، والأنظمة الأبوية القمعية في منطقة الخليج.
خبراء في صحيفة نييورك تايمز قالوا بأن الثورات بطريقة ما ستستعيد
الشعور بالهوية الوطنية، محذرين من أن البديل سيكون التفكك والصراع
والحرب الأهلية.
إن الأمن والاستقرار كانا المبررين اللذين يقدمهما الرجال الأقوياء
في العالم العربي من أجل القمع، وغالبا ما يكون ذلك بتصديق من الأمم
المتحدة، مشيرة إلى أن جوهر الثورات في ربيع العرب يكمن في أن الشعوب
تستطيع أن تتصور بديلا لذلك.
لكن حتى النشطاء يقرون بأن المنطقة لا تملك حتى الآن النموذج الذي
يحترم التنوع والتسامح دون الانزلاق إلى مزيد من الهويات المثيرة
للخلاف.
ففي تونس ظهرت انشقاقات بين سكان المناطق الساحلية ذوي التوجه
العلماني، وسكان الداخل الأكثر قربا إلى الدين والتقاليد.
وبدا ذلك جليا عندما قال وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي إن
النخبة الساحلية التي كانت تسيطر على الحكومة لن تقبل بانتصار انتخابي
يمكن أن يحققه حزب النهضة الإسلامي الذي يستقطب سكان الداخل.
وفي القاهرة مهد الشعور بالهوية الوطنية الذي شهد زخما في الثورة
التي جمعت المسلمين والمسيحيين في ميدان التحرير ورفع خلالها شعار ارفع
رأسك أنت مصري الطريق أمام أسبوع من العنف الديني بين الأقباط
والمسلمين، مما يعكس التوترات الكامنة التي أخمدتها الدولة الدكتاتورية
أو سمحت لها بالتفاقم.
وفي ليبيا يقر مؤيدو العقيد معمر القذافي بأن حكومته راهنت على
التنافسات العشائرية والانقسامات المحتملة للبقاء في السلطة، في بلد
يُعرف بالاختلافات الإقليمية العميقة.
المسؤولون يقولون إن العشائر الممتدة على نطاق واسع في الغرب، والتي
ينتمي إليها معظم جنود القذافي، لن تقبل بأي ثورة تظهر في الشرق، مهما
قدم الثوار من وعود بالمواطنة العالمية في ليبيا الديمقراطية. أما
الثوار، فيقولون إن الثورة تستطيع أن تشكل هوية جديدة.
وعلى الصعيد الدولي فأن المساعدات الاقتصادية والمالية للديمقراطيات
العربية الجديدة ستكون متواضعة مقارنة بالمساعدة التي قدمتها أميركا
لأوروبا قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية والتي بلغت 120 مليار
دولار بأسعار هذه الأيام.
لكن الأهم ليس قيمة المساعدة بل فاعليتها، فتونس ومصر اللتان أسقطتا
دكتاتوريهما تأثرتا اقتصاديا بسبب الطابع السلمي للثورتين، ولمساعدتهما
فهما تحتاجان جدولا ماليا وتجاريا يؤدي إلى نتائج ملموسة، كما يعطي
إشارة إيجابية للجيران بعدم التخوف.
إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي تحركوا بسرعة
على جبهة المساعدات، فالرئيس باراك أوباما تعهد بملياري دولار لمصر في
الأسبوع الماضي، وأعلن الاتحاد الأوروبي تقديم 1.7 مليار دولار إضافية
في ميزانيته لدول الجوار، وعادة ما يذهب ثلثا هذه الميزانية لدول شمال
أفريقيا والشرق الأوسط، ومن جهته أعلن البنك الدولي تقديم حزمة من 6
مليارات دولار.
أن هذه التعهدات تبين أن الدول الغربية تعلمت شيئا عبر العقود
الماضية، فكما قال الرئيس أوباما الأسبوع الماضي التجارة ليست مجرد
مساعدة، وأميركا بحاجة لتشجيع الاستثمار الخاص في هذه الأماكن وليس
المساعدة فقط.
وبالتزامن مع هذا التوجه الأميركي، يعمل الاتحاد الأوروبي على
مراجعة سياسته تجاه دول الحوار، فهو يقر بالحاجة إلى تغيير الطريقة
التي يساعد بها دول جواره بما فيها الدول الواقعة جنوبي البحر المتوسط
مثل تونس ومصر.
ويقول المسؤولون الأوروبيون إنهم أخطؤوا عندما فضلوا الاستقرار على
الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية، كما فشلوا في بناء سياسة مساءلة
سليمة، وهم الآن يعملون لمكافأة الإصلاحات ومعاقبة التراجع وتقديم
المساعدات بطريقة تناسب كل بلد على حدة.
إن أوباما والزعماء الآخرين يشيرون إلى قصة نجاح إعادة بناء دول
أوروبا الشرقية كنموذج للعامل العربي، لكنها تشير إلى اختلاف الشروط،
فالدول التي خرجت من الشيوعية كانت ذات هدف محدد وتحملت الآلام لتفوز
بالمكاسب، فهي كانت تطمح للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد
الأوروبي، ولديها حوافز اقتصادية وأمنية قوية تساعدها على التماسك
والاستمرار أثناء سنوات الانتقال.
أما فيما يتعلق بالربيع العربي فإنه ليس موحدا إلا في أهدافه
المرجوة، فهناك خلافات طائفية وقبلية موجودة في بلدان عربية عدة، وأكدت
أن جماهير شابة بدون عمل تستعجل الحصول على الوظائف والقضاء على الفساد،
ولا يوجد أي سعي للانضمام إلى أي اتحاد أو منظمة، مما يعني غياب شروط
ومقاييس تُفرض مقابل العضوية وما يتطلب ذلك من إصلاحات كما كان أمر دول
أوروبا الشرقية مع حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
أن النوايا الحسنة التي أبداها الغرب حتى الآن يمكن أن تلقى عقبات
بيروقراطية، كما أن الوقت هو جوهر المسألة بينما يستعد التونسيون
والمصريون للذهاب إلى صناديق الاقتراع في وقت لاحق من هذا العام، وربما
سيصوتون لصالح المتطرفين الإسلاميين الذين يقدمون الخدمات الاجتماعية
مثل حركة حماس في قطاع غزة.
إلى أن أفضل طريقة للتغلب على الوقت هو أن تبذل الحكومات الغربية كل
ما في وسعها لدعم قوى المجتمع المدني، وهي المؤسسات الخيرية والمجموعات
التجارية والمرأة والشباب والمحامون والمنظمات الصحية ومروجو القيم
الديمقراطية، الذين هم خارج الحكومة. وقالت إن هؤلاء هم الذين يمكن أن
يقدموا أفضل مساعدة يراها السكان المحليون على أرض الواقع.
ويراود الشك أستاذ علم السياسة بجامعة كولومبيا البروفيسور ألفرد
ستيبان، بشأن مستقبل الديمقراطية في كل من مصر وتونس وقال حان الوقت
لنتساءل عما إن كانت كل من مصر وتونس ستكمل التحولات الديمقراطية فيها,
ففي الوقت الذي خبت فيه شعلة الاحتجاجات في تونس, فإنها تبلغ أوجها في
مصر. ولقد زرت البلدين كليهما حيث يقارن العديد من الناشطين
الديمقراطيين الوضع فيهما مع أكثر من عشرين محاولة انتقال ديمقراطي في
مختلف أنحاء العالم فشل بعضها ونجح الآخر حيث قمت بمراقبتها وتحليلها.
هناك هاجس يجب استبعاده فورا فبرغم القلق من التنافر بين الإسلام
والديمقراطية فإن هناك أكثر من 500 مليون مسلم يعيشون في دول تصنف على
أنها ذات غالبية مسلمة وتعتبر دولا ديمقراطية، مثل إندونيسيا وتركيا
وبنغلاديش والسنغال ومالي وألبانيا ولكن لم تكن هناك دولة عربية واحدة
تصنف كدولة ديمقراطية خلال معظم السنوات الأربعين الماضية. وعليه فإن
التحول الديمقراطي سواء في مصر أو تونس سيكون بالغ الأهمية بالنسبة
للعالم العربي أجمعه.
ويستطرد الكاتب فيقول أعتقد أن فرص التحول إلى الديمقراطية في تونس
جيدة بشكل مدهش قبل نهاية هذا العام.
والعامل الرئيسي هنا أن الجيش لا يعقد التحول الديمقراطي فتونس
تمتلك جيشا صغير العدد قوامه 36,000 فرد وتم حكمها منذ استقلالها عام
1956 من قبل زعيمين غير ديمقراطيين، حاولا إبعاد الجيش عن السياسة.
أمد الصراع
وتساءل خبراء بشأن مدى فترة الاحتجاجات في الشرق الأوسط من أجل
التغيير والتحول إلى الديمقراطية؟ وقال إن الصراع بين الشعوب الثائرة
والحكام المستبدين لن ينتهي في فترة قصيرة، وإن جليد شتاء العرب بدأ
بالذوبان منذ سقوط نظامي تونس ومصر.
يقول الكاتب الأميركي لاري داياموند وهو عضو بارز في معهد هووفر
ومعهد سبوغلي للدراسات الدولية ومدير مركز تطوير الديمقراطية وحكم
القانون في جامعة ستانفورد في مجمل مقاله الذي نشرته مجلة فورين أفيرز
الأميركية أنه يبدو أن جليد شتاء العالم العربي الذي استمر عقودا قد
بدأ أخيرا بالذوبان بعدما أطاحت المظاهرات الحاشدة بكل من الرئيس
التونسي زين العابدين بن علي في يناير/ كانون الثاني الماضي وبالرئيس
المصري حسني مبارك في فبراير/ شباط.
كما يبدو أن الديكتاتوريين العرب الذين وصفهم بالفاسدين سيتهاوون
الواحد بعد الآخر خلال ما يعرف بالربيع العربي وأن هذا يذكر ما جرى
لجليد شتاء دول شرق أوروبا عام 1989 حينما انهارت الديكتاتوريات هناك
الواحدة تلو الأخرى, وكان من الممكن نهاية المطاف تخيل موجة من التحول
الديمقراطي بالعالم العربي أسوة بالتحولات الإقليمية بسبعينيات القرن
الماضي بكل من إسبانيا واليونان والبرتغال وما تبع ذلك بأميركا
اللاتينية.
ويعتقد خبراء إن فترة التغيير في العالم العربي قصيرة ولن تنتهي
نهاية لطيفة وستكون هناك موجات من المد والجزر خلال صراع طويل الأمد من
أجل رسم مستقبل العالم العربي السياسي وهناك حظوظ كبيرة للولايات
المتحدة ولم تكن الحاجة ماسة إلى المبادئ الثابتة والتفهم الواضح
والتفكير الإستراتيجي بعيد المدى, أكثر مما هي عليه الآن. |