ان المتابع للمواقع العربية والجرائد والمجلات في الآونة الاخيرة؛
يجد ان الكتّاب العرب قد انبرت اقلامهم لكل صغيرة وكبيرة بحيث تصدروا
لكل جديد، ومهروا اوراقهم بخلاصة افكارهم وتصوراتهم ووجهات نظرهم عن كل
ما يحيط بهم من احداث، ولعل ما شهدته المنطقة من تطورات قد اشعل جذوة
الفكر لديهم وألهب ألبابهم فسارعوا ليضعوا ذلك الفكر بين يدي القارئ؛
ليعلنوا عن مشاركة فاعلة مع الحدث، وكأنهم يعلنوا عن موت حقبة طويلة من
التخلف والخوف؛ الى حد الموت، وكأن الوضع النفسي الخاص بهم وبالمجتمع
بأسره بات يقول : اننا موجودون، ولن نسمح للخوف ان يوقفنا عن التعبير
عما يختلج في صدورنا، ولكأنهم يحاولون ان يُخرجوا عقودا من الكبت
والضياع بين ثنايا اوراقهم؛ التي شعروا بان هامشا كبيرا جدا من الحرية
بات يحيط بهم.
ولقد تجاوبت تلك المواقع سواء المطبوعة او المقروءة مع هذا السيل
الجارف من المقالات والافكار، واطلقت لهم العنان ليداووا جراحات امتهم
ما استطاعوا؛ لعلهم يساهمون في صناعة الحدث؛ فما الدافع ورا ء هذه
الانطلاقة الفكرية الصارخة؟ وهل هي انعكاس لحالة الاحتقان الجديدة في
المنطقة؟ وهل هي ظاهرة صحية تستحق الثناء والتقدير؟ وكيف يمكن
استثمارها بالشكل الصحيح الذي يضمن بقاؤها، بل ورقيّها؟
قلنا : لقد منحت المواقع والصحف والمجلات مساحة كبيرة من الحرية
للمثقف العربي ان يعبر عن نفسه بما يُتقن، فهب كل منهم يدلي بدلوه في
جانب من جوانب المعرفة البشرية، وكان لكتّاب المقالات نصيب لا يقل قدرة
وقدرا في المشاركة بقوة مع الكل الفاعل في رسم لوحة المعرفة التي تتطور
وتنمو بفعل ابناء الجيل؛ مستندة في ذلك لما تنجزه أياديهم وعقولهم على
ارض الواقع، فشهدنا موجة او ثورة او سيلا جارفا من المقالات التي عالجت
الاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية بشكل دقيق ومتقن،
حتى انهم لم يتركوا شاردة ولا واردة الا انبروا اليها يسطرون باقلامهم
خلاصة فكرهم وتصوراتهم واقتراحاتهم، بمسئولية عالية وفكر متقد.
ان هذا الواقع الجديد او الحراك الفكري الرائع، يؤكد بما لا يدع
مجالا للشك؛ وجود واقع جديد مختلف تماما لدى العرب - كاتبا وقارئا -،
فبعد ان كنا نجلس في اخر الصف المهتم بالكتابة والقراءة، او بالقراءة
على وجه التحديد، نجد ان المثقف العربي يخطو خطوة جيدة، وربما تبشر
بخطوات واسعة نحو مستقبل مشرق يتميز بالمتابعة والتحقيق والتدقيق
والاشتراك مع كل جديد في هذا العالم الذي بات اكثر ضيقا بسكانه من ذي
قبل.
والملاحظ ان الكاتب اليوم بات يكتب عن كل ما حوله من احداث، وهذا
يدل على انه بات اكثر تحملا للمسئولية من ذي قبل، كما انه يريد ان يسجل
اسمه مشاركا في رسم كل جديد على ساحته العربية او على الاقل القطرية،
غير ان الدافع وراء هذا الحراك يمكن توصيفه بما ذكرنا من رغبتهم الملحة
ليكون لهم نصيب من الجهد في صناعة كل جديد في هذا الوطن، كذلك ان ما
قدمته المواقع والصحف من هامش كبير من الحرية دفعهم للانطلاق بل
والتحليق باقلامهم؛ ليعبروا عن كل ما يكتنفهم من امال واحلام وهموم،
واضعين نصب اعينهم رسم مستقبل اكثر اشراقا لجيل قادم.
كما كان للصحافة الالكترونية ايضا دور كبير في اثراء هذا الجانب بعد
ان اكتسبت ثقة الكتّاب من خلال مصداقيتها وبعدها الكبير عن كل ما يقلل
من هيبتها، فاصبحت تزار يوما بعد يوم، بل وفي بعض الاحيان عدة مرات من
قبل نفس القارئ؛ لانه وجد فيها ضالته في الخبر وفي المقال الذي يعبر
عما يعتلج صدره من مواجع والام او طموحات.
ان هذه الظاهرة تعتبر من الظواهر الايجابية التي تستحق الدراسة
والاهتمام من قبل المسئول العربي، بحيث يفتح لها افاق ارحب للانطلاق؛
اذ من شان ذلك ان ينعكس على كل مكونات الامة، وبالتالي يمكن من خلال
استثمارها في الجانب الايجابي الغير مقيد بماذا تكتب؟ والى اي حد؟ ومتى
تتوقف؟ يمكن لها ان تتفاعل جيدا مع احاسيس الناس ووجدانهم، بحيث تساهم
في بناء مجتمع جديد يمكن ان ينطلق نحو القراءة و يكون الجيل القادم
اكثر تفتحا واستنارة وابداعا ومشاركة لكل امال وطموحات امته.
moha_astal@hotmail.com |