قلة من الرجال، على مر التأريخ، من يصنعون الاحداث وعلى يديهم تحدث
الانعطافات، وهذا ما اشار اليه القرآن الحكيم في سورة الواقعة (ثلة من
الاولين وثلة من الآخرين) الآية 39 – 40، حتى ان اصحاب وانصار الانبياء
والمصلحين كانوا قلة في وسط ملايين البشر؛ لكن كل واحد منهم اصبح فيما
بعد امة.
في التأريخ العراقي الحديث والمعاصر هناك رجال كثر واجهوا
الديكتاتورية وعملوا من اجل الشعب العراقي، لم يبخلوا بشيء في سبيل
تحقيق المصلحة الوطنية دون مصلحتهم الشخصية، حتى حفروا اسمائهم بحروف
لا تمحى على وريقات واحبار الكتاب والمؤرخين العراقيين والعرب، ومن
امثالهم محمد رضا الشبيبي وجعفر ابو التمن والشيخ محمود الحفيد وشعلان
ابو الجون والشهيد الصدر الاول والشهيد الصدر الثاني والسادة شهداء آل
الحكيم وغيرهم الكثير والكثير ممن لا تحضرني اسمائهم.
لكن التأريخ وكتابه لم يكن منصفا دائما خصوصا عندما يمر على بعض
الشخوص دون تقييم؛ ومن جملتهم السيد حسن الشيرازي الذي نحن على ابواب
ذكراه الثانية والثلاثين، والذي تميزت حياته ومواقفه، بالتالي :
1. اول من تنبه الى الفكر المنحل لحزب البعث (الاقصائي الآحادي
الهجين) والذي اريد له ان يكون بديلا للفكر الاسلامي في ستينيات القرن
الماضي.
2. اول من حذر من حزب البعث عند مجيئه الى السلطة عام 1963 عندما
حاول مسخ الفكر الاسلامي وتلويث التأريخ العربي بإبعاد الاحزاب
الاسلامية عن اهدافها الحقيقية.
3. اول من اكد على ضرورة اشراف المرجعية على العمل الحركي الاسلامي
ضمانا لعدم انحرافه عن مساره واهدافه.
4. اول من حذر من تحول الاحزاب الاسلامية الى احزاب سلطوية، كما
يحدث اليوم. وفي هذا يقول الشهيد حسن الشيرازي في كتابه (كلمة الاسلام)
ان لم تضطلع المرجعية بدور الاشراف والنظارة على عمل الاحزاب فان
الاحزاب الاسلامية ستحول السلطة الى هدف وليس وسيلة.
ان في مسيرة الشهيد الحافلة المليئة بالبطولة والشجاعة، مواقف لا
تنسى ومنها موقفه حينما القى قصيدته (زعيمنا الكرار) امام سلطة بعث
1963، وهي في اوج قوتها وسطوتها، بمناسبة ذكرى ولادة الامام علي عليه
السلام، والتي من جاء في بعضها :
دستورنا القرآن نهتف باسمه وشعارنا في العالم الاسلام
وزعيمنا الكرار لا ميشيل***لا ماركس لا القسيس لا الحاخام
جاؤوا فكانت لعنة حمراء***ومضوا فكانت فرحة بيضاء
ويل العراق فليله لا ينقضي***حتى تقوم حكومة الاسلام
القصيدة تدل بما لا يقبل الشك، ان الشهيد لا يخشى في الحق لومة لائم
ولا يتوانى عن قول الحق عند سلطان جائر... لذا سارع البعثيون حين
وصولهم الى السلطة ثانية بانقلاب عام 1968 الى اتهامه بالتخطيط
والتدبير لانقلاب على النظام بالتعاون مع رشيد مصلح الذي كان حاكما
عسكريا واليد اليمنى لعبد السلام عارف، ليبقى الاول في المواقف وحتى في
الاعتقال والتهم... فهو اول رجل من الحوزة العلمية يعتقل بهكذا تهمة.
وحتى في اعتقاله لعب دورا مميزا في قصر النهاية وسجن بعقوبة، وكان
النظام قاب قوسين او ادنى من تنفيذ حكم الاعدام بحقه لولا تدخل رؤساء
بعض الدول العربية والاسلامية والوفود الشعبية التي كانت تتقاطر يوميا
لزيارته في سجن ديالى، ما دفع النظام لتحويل العقوبة من التصفية
الجسدية للإبعاد القسري الى خارج العراق.
ولم يؤثر الابعاد في نشاط الشهيد رغم ما لحق به من آثار تعذيب
لازمته حتى لحظة استشهاده، فأسس الحوزة العلمية في سوريا وفتح في لبنان
مركزا للتعليم الديني سماه (مدرسة الامام المهدي) وكانت لبنة لأجل
تخريج العلماء والخطباء. كما فتح (دار الصادق) للطباعة والنشر والتي
قدمت خدمات جليلة الى العالم الاسلامي قاطبة.
وفي اليوم السابع لوفاة الشهيد الصدر الاول من عام 1979، كان الشهيد
حسن الشيرازي يقيم مجلس عزاء له في بيروت، وهو في الطريق اليه استهدفته
اليد الآثمة لمخابرات النظام البعثي برصاصات غادرة استقرت في رأسه
الطاهر، ليسجل ترتيبه الذي لن يقبل غيره حيا كان ام ميتا؛ اول معارض
للنظام يتعرض للاغتيال خارج العراق من قبل اجهزة النظام البعثي.
ورغم كل ما قدمه الشهيد من مواقف وبطولات واعمال جليلة وتضحية ما
بعدها تضحية ناذرا نفسه لقضيتي الاسلام والعراق، فاننا اليوم نقف
متعجبين لان احدا لم ينصفه لا من الكتاب والمؤرخين والمهتمين بشأن
العراق السياسي المعاصر ولا من القوى السياسية العراقية والاسلامية ولا
من الحكومة التي كان يفترض بها ان تحتفي بتكريم الشهداء من خلال نقش
اسمائهم في الشوارع او تسمية الاماكن العامة او المدارس بأسمائهم او
حتى ادخال مواقفهم في المناهج الدراسية لتبقى في ذاكرة الاجيال... وحتى
لا تمر ذكرى استشهادهم مرور الكرام. |