منصب أم مصيبة

لطيف القصاب

تقول التجربة المؤكدة ان الشعوب والمجتمعات الانسانية ظلت دائما محافظة على روح الفكاهة والمرح في انتقاداتها لمظاهر الاستبداد وبعض انواع الجرائم السياسية التي ترزح تحت وطأتها، وحتى عندما يخضع هذا الشعب او ذاك الى اعتى قوى القمع والتسلط والدكتاتورية تبقى لتعليقاته الساخرة مساحاتها الخاصة البعيدة عن متناول سلطات القهر واجهزة مكافحة الفكر الحر.

في ايام صدام ازدهرت تعليقات سياسية سرية لاذعة وكان مكانها الطبيعي انذاك ما يعرف محليا بالمرافق العامة، وقد احصى الخبراء لهذا النوع من التعليقات المرحاضية ايجابيات جمة، ففضلا عن مجالات التنفيس السياسي هناك فوائد صحية عديدة لعل من ابرزها المساعدة في تخليص الجسم من بعض مشاكل الجهاز الهضمي المزعجة كحالات الإمساك القولوني على سبيل المثال لا الحصر.

غير ان لجوء التعليق السياسي الى اشكال العمل السري يفقده الكثير من خصائص الجذب ويؤدي به الى مصير النسيان والتجاهل العاجل مهما انطوى عليه من عبارات معبرة واصاب كبد الحقيقة بصدق وتشخيص لا غش فيه. وبحسب باحثين في سايكولوجية الجماهير فان التعبير السياسي العلني المغلف بالطرافة يتفوق على نظيره السري من حيث قوة وحجم التأثير الذي يحدثه في اوساط الراي العام.

وحتى من دون الاسترشاد بأقوال المختصين في العلوم الاجتماعية فاننا نشهد جميعا بمدى القوة التي تحدثها انشودة سياسية او هوسة سياسية او حتى عبارة سياسية بشرط ان تختزن في اعماقها عوامل الصدق وحسن التشخيص وان يتسنى لأحد الدهاة القاؤها في محضر عام، تماما كما حدث مؤخرا مع الراحل (ابو انعام) حين هتف من الناصرية قائلا: يا ساقطين يا أولاد الساقطين!

بعد تصويت مجلس النواب على قرار اختيار ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية بسلة واحدة، وبفضل جو الحرية النسبي الذي ينعم به العراقيون حتى الان استمعت الى تعليقات سياسية علنية كثيرة تدور حول فكرة أن منصب رئيس الجمهورية في دورته الحالية والمستقبلية هو منصب رمزي يفتقر الى صلاحيات واسعة حتى بالقياس الى ما كان عليه في الدورة الماضية، وبالتالي فان منصب فخامة الرئيس لا يحتمل كل هذا العدد من النواب لاسيما وان من النواب المرشحين من تنازل عن المنصب بصورة طوعية (اعلاميا)، ومنهم من جوبه برفض شديد على اكثر من صعيد سياسي واجتماعي وديني.

 وعلى الرغم من ان طابع التعليقات التي وصلتني كان في غالبيته علنيا ويشتمل على نبرة الصدق وسلامة التشخيص غير انني نسيتها جميعا ما عدا رسالة نصية واحدة وردتني وقد تكون وصلت الى قسم من القراء ايضا. المهم ان هذه الرسالة تقول: نعزي انفسنا وانفسكم بمصاب انتخاب نائب ثالث للرئيس!

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/آيار/2011 - 25/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م