ليس بوسعنا السيطرة على سلوك
الآخرين ولا نستطيع التصرف سوى بالطريقة التي نريد للآخرين أن يتصرفوا
بها
السلام الأهلي وحده هو الذي يجعل المستحيل ممكنا والمثالي واقعيا
ونشوب الحروب والنزاعات المسلحة أمرا ممتنعا والتمتع بمحاسن النظام
الديمقراطي حقيقة معيشة. اللافت للنظر أن الناس لهم حقوق طبيعية
يتمتعون بها بحكم القانون الطبيعي وكثيرا ما تتعرض هذه الحقوق الى
الانتهاك من بعضهم ضد البعض، ولذلك يؤلفون حكومة جيدة لحماية هذه
الحقوق الفردية وضمان الاستقرار والأمن وتمتعهم بالحريات.
بيد أن الحكومة التمثيلية كثيرا ما تتخطى الهدف الموكول اليها
وتحيد عن دورها وتمارس الاستبداد باسم الديمقراطية والملكية الفردية
باسم الملكية الجماعية ويحتاج الشعب الى أجهزة رقابة ومحاسبة للحد من
التسلط والاحتكار ويكون للناس الحق في الثورة من أجل مقاومة الفساد
وتصحيح الأوضاع.
كل من يستخدم القوة بدون أن يكون له حق بذلك، كما يفعل كل الناس في
المجتمع، دون سند قانوني، يضع نفسه في حالة حرب مع أولئك الذين يستخدم
القوة ضدهم.
المشكل هو كيف نجمع بين التسامح الديني والابداع الثقافي وبين
الالتزام بالقيم والرخاء المادي وبين السلام الاجتماعي والتطور
الاقتصادي وبين التعايش الفكري بين الأفراد والتنافس النزيه بين القوى
وبين تحقيق المصالح الشخصية والتعاطف مع الآخرين والتضحية من أجلهم. ان
الشعب يستطيع أن يستمر دون مال ومنافع لكنه لا يقدر على البقاء دون
نظام عادل وحكومة جيدة.
ان الفروق الفردية ضرورية لتطوير المهارات وتنمية الحريات وتحقيق
الاضافة والانخراط في تجارب الخلق والابداع ولكن يجب ألا تتحول الى سبب
للفرقة والتباغض والى مصدر للخلاف والتصادم. ان هيمنة الظلم يؤدي الى
خراب العمران ويهدد تماسك المجتمع وأن العدل هو فضيلة ضرورية لقيام
الكيانات السياسية واستمرارها.
ان مهام الحكام هي العناية بالأجساد عن طريق اتباع منهج السياسة
الحيوية وتدبير النفوس عن طريق الارشاد العقلي الى الدين الحقيقي دون
فرض شكل من الاعتقاد على الجميع وتبنيه كمذهب رسمي للدولة. وان الحكام
ينتظرون الطاعة من الأفراد من خلال سلطة الاقناع وليس الارغام ويتوجهون
الى الناس بالنصح والتحذير والتوجيه والتنبيه وليس بالتخويف والاخضاع
وفرض العقوبات والالزام بالقوة.
لكن من العبث دعوة شعب اعتاد الاعتماد على سلطة مركزية الى اختيار
ممثلين لتلك السلطة بين وقت وآخر، فهذه الممارسة النادرة والقصيرة
لاختيارهم الحر، مهما كانت أهميتها، لن تمنعهم من أن يفقدوا تدريجيا
قدراتهم على التفكير والاحساس والتصرف بأنفسهم وبالتالي من السقوط
تدريجيا دون مستوى البشرية.
ان المطلوب من صناع القرار هو ترسيخ القيم الديمقراطية في المجتمع
عن طريق التدريب المتواصل على الانتخاب والتداول السلمي وارساء تقاليد
مؤسساتية مبنية على المشاركة واحترام القانون وقبول نتائج اللعبة
السياسية. وان العدالة لا تعني توزيع المنافع وفق المجهود والاستحقاق
وانما القيام بإجراءات عادلة لفائدة الفئات القل حظا والدفاع عن
الحريات والحقوق الفردية باعتبارها مبادئ تاريخية لا يمكن التفويت فيها
بأي شكل.
ان التوافق مبني على وجود أحزاب لها برامج مستقلة ومميزة وتستدعي
مشاركة سياسية من طرف الأفراد وان المشاركات تتطلب بناء شركات تعمل على
توسيع دائرة المشاركات والابتعاد عن التأييد العاطفي والتشجيع التلقائي
والعمل على الاختيار الحر والمتبصر للبرامج وللتوجهات.
ان المشاركة ضرورية من أجل تقوية درجة الوعي ومساحة التأثير وتدعم
مساحة الديمقراطية في المجتمع وتزيد من شروط نجاح التجارب السياسية
الناشئة وتقلص من فرص الانقضاض على الحكم وتفسح المجال لبناء مشروع
مجتمعي مشترك وتضاعف مجهود الموطنين من أجل الاستقلالية والابتكار.
كلما حصل توافق بين اللاعبين السياسيين تضاعفت منافع الناس وعملت
قيم الصداقة والتراحم وضعفت دوافع العدوان وغرائز الاقصاء والتمييز. من
هذا المنطلق كان الالتزام الأخلاقي والقيمي هو المطلب الذي لا استغناء
عنه من أجل انجاح التوافق السياسي والتشارك الحزبي والمؤسساتي وان
الفضيلة الأولى التي يجب أن يتصف بها المشاركون هي الجنوح الى الاعتدال
في كل شيء والزيادة في المساواة في أحوال الناس المادية والمعنوية
واحلال المشاركات مكان النفوذ الفردي.
لا يحق للسلطة التشريعية أو أي سلطة عليا، أن تعطي سلطة لنفسها
للحكم بموجب مراسيم كيفية مرتجلة، لكنها ملزمة بأن تقيم العدل والفصل
في حقوق الناس بموجب قوانين معلنة وثابتة، ومن جانب قضاة معروفين
ومخولين بإصدار القرارات.
على هذا النحو ينبغي أن توجه أسهم النقد نحو الطغاة الذين يبنون
حقوقهم في الغطرسة على الامتياز والتفرد ويجب الشروع الجدي في بداية
كيان سياسي جديد تتخذ فيه القرارات بالتشاور والتوافق والتشريك
للأغلبية مع احترام آراء الأقلية وذلك لأن الأشياء تتضمن التناقض وتحقق
التوافق من خلال التفاعل.
زد على ذلك يطرح البعض ضرورة التوجه الى النظام التلقائي الذي يعطي
للمجتمع المدني سلطة أعلى من سلطة الدولة ويشترط التوفيق والتعايش بين
النظام التلقائي الذي تسير وفقه الجماعات و يتكون من الأعراف والتقاليد
ويكون معقدا والتنظيم القانوني والاداري الذي تتبعه الدولة ويكون بسيطا
وشفافا.
النظام التلقائي ينشأ من توازن جميع العناصر التي تؤثر فيه وبتفاعل
جميع تلك الأفعال فيما بينها.
ان الأوكد بالنسبة الى أجنحة الأمة والوطن من دعاة الحرية ومن أنصار
العروبة ومجتهدي الاسلام ورفاق الكادحين أن يتفقوا على كلمة سواء من
أجل الاحتكام الى الارادة الشعبية والوفاء الى مبادئ الثورة.
أليست الأمة التي يفقد فيها الأفراد القدرة على تحقيق أشياء كبيرة
بمفردهم، دون الحصول على وسائل لتحقيقها بجهود مشتركة، سترتد سريعا الى
البربرية. ؟ وكيف يؤدي مبدا التشارك والتأثير المتبادل للناس الى تطوير
العقل البشري وحشد المشاعر والقلوب والأفكار من أجل تحصيل الخير العام؟
* كاتب فلسفي
............................................
المراجع:
الفردية والمجتمع المدني، مفاهيم الليبرتارية
وروادها، سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى
2008،
السلام والتوافق الدولي، مفاهيم الليبرتارية
وروادها، سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى
2008،
التشكيك في السلطة، مفاهيم الليبرتارية وروادها،
سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008.
الحقوق الفردية، مفاهيم الليبرتارية وروادها، سلسلة
مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008،
النظام التلقائي، مفاهيم الليبرتارية وروادها، سلسلة
مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008، |