شبكة النبأ: ان المساواة ليست ليست
جذرية بين الآمر وبين من عليه ان يطيع بالمقدار نفسه الذي يبين من له
حق الحصول على اجابة.. من اجل ذلك لم يمنح حق الحصول على رد الا بصفة
استثنائية.
على سبيل المثال لقد منح القاضي الذي يقوم بدراسة موضوع عن الجريمة
او الى القاضي الذي يعمل على تدريس مادة جنائية.. وقد اتخذت الدول
الاشتراكية والفاشية هذا الحق ليس بصفة استثنائية انما بصفة دائمة..
كان سكان هذه البلاد يعرفون انهم – في اي لحظة – يتعرضون للإلزام
بالاجابة عن مثل هذه الاسئلة: ماذا فعلوا بالامس؟ ما افكارهم الداخلية؟
عمّ كانوا يتحدثون؟ وهل هم على علاقة بفلان من الناس؟ انه هذا السؤال
الآمر الذي يليه: لا تكذب قل الحقيقة.. هو الوصية الحادية عشرة التي
عجزوا عن مقاومتها هذا السؤال الذي حولهم الى مجموعة من افراد اقرب ما
يكونون الى الاطفال.. غير انه كان يظهر من حين الى اخر احد الافراد (ج)
يرفض وباصرار الادلاء بما كان يتبادله من حديث مع فلان وكي يعبر عن
اعتراضه (وغالبا ما تكون الوسيلة الوحيدة) النطق عوضا عن الحقيقة
باكذوبة.
غير ان الشرطة كانت تعرف الحقيقة لانها كانت تضع عنده اجهزة تنصت..
لم يكن ذلك التصرف بدافع الرغبة في ادانتهم له انما لا لشيء سوى الرغبة
في معرفة حقيقة كان (ج) يخفيها.. ببساطة كان هدف الشرطة التمسك بحقها
في الحصول على الرد الصحيح... ذلك كان مقطع من رواية الخلود للروائي
التشيكي ميلان كونديرا.
في خضم ما حدث في تونس ومصر، اكدت تصريحات السياسيين الامريكيين
والاوربيين على حرية التعبير وعدم منع المواطنين من استخدام الشبكة
العنكبوتية ووسائل الاتصال الحديثة الاخرى.. ونتذكر دائما ما كانت
تحدثه من ضجة كبيرة تلك الاعتقالات للكتاب والصحفيين وايضا لأصحاب
المدونات التي كثيرا ما يتم حجبها واعتقال اصحابها تحت دواعي المحافظة
على الامن القومي او التخابر مع جهات اجنبية.
البيت الابيض وعلى لسان الناطق الرسمي باسمه يشجب التضييق على حرية
تبادل المعلومات على الانترنت الذي قامت به مصر قبل تنحي مبارك..
ووزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون تسعى لجعل استخدام الانترنت
حقا من حقوق الانسان الطبيعية.
ومبدأ حقوق الانسان يرجع الى قرنين من الزمان لكنه لم يبلغ قمة مجده
الا في منتصف سنوات السبعينات من القرن الماضي، انها الفترة التي تم
فيها عزل الكسندر سولجنستين من روسيا.. كانت شخصيته الخارقة قد اخمدت
مفكري الغرب.. بفضله وبعد خمسين عاما اعترفوا بوجود معسكرات تجمع في
روسيا الاشتراكية وحتى رجال التقدم وافقوا على انه ليس من العدل وضع
بعض الافراد من اجل معتقداتهم في السجن ولمواجهة موقفهم الجديد وجدوا
حجة ممتازة: الاشتراكيون يعتدون على حقوق الانسان التي نادت بها رسميا
الثورة الفرنسية بذلك وبفضل سولجنستين وجدت عبارة حقوق الانسان مكانها
في عبارات عصرنا.
بموازاة الاساليب الدكتاتورية العتيقة التي درجت عليها للحفاظ على
حكمها هل نحن بازاء دكتاتوريات جديدة هي الانترنت ويدخل بضمنه الفيس
بوك وتويتر واليوتيوب تلك الادوات الجديدة لدكتاتوريات التواصل
الاجتماعي؟
معظم الدكتاتوريين يحظرون أو يحدون من حرية الكلام، والتجمع،
والصحافة وهي حريات رئيسية في باب حريات الانسان وحقوقه.
ما الذي تعنيه الدكتاتورية؟
في موسوعة ويكبيديا والتي عرفت مؤخرا انها مصدر معتمد في الجامعات
العراقية وفي الدراسات العليا لتلك الجامعات تقول تلك الموسوعة في
تعريفها للدكتاتورية:
كلمة دكتاتورية من الفعل (dictate) أي يملي والمصدر dictation اي
إملاء.
والفعل يملي هو اصدار الامر في قضية ومسالة ما بصيغة الامر الذي لا
يناقش او يرد.
وهو تعريف دقيق للدكتاتورية كما شهدنا الكثير من فصولها في تجارب
الشعوب منذ قرون طويلة وحتى الان.
والاملاء قرارات لاتعارض ممن تملى عليهم بل هم ازاءها عليهم القبول
والطاعة المطلقة..وهو ما تنبه له ميلان كونديرا في دقة تعبيره (افراد
اقرب مايكونون الى الاطفال)... هم اطفال في تلقي تلك الاوامر وفي تلقي
الاشئلة التي يطرحا عليهم الدكتاتور.
هل يمكن ان يكون الدكتاتور في كل واحد منا. ونحن نلاحظ اننا نطرح
الاسئلة ونرفض الاجابات التي نعتقدها خطأ ونرفض عدم الاجابة في الوقت
نفسه.. السنا في قراراتنا وسلوكنا نقترب من ذلك الدكتاتور ونحن نعامل
الاخرين ليس على قدم المساواة بل احيانا بتكبر وغرور.
جميعنا لديه الرغبة في ان يملي على الاخرين مايريده في افكاره وفي
ماكله وفي ملبسه وفي طريقة جلوسه ومشيه وتصرفه.. كلنا دكتاتور في
مملكته الصغيرة.. البيت والشارع والمدرسة والدائرة الحكومية.. عاش
الدكتاتور. |