شبكة النبأ: هناك حالتان متناقضتان
تماما في شخصية المريض بالفصام: الأولى في حالة التخدر والجمود نضع له
يده على أذنه مثل المتحدث في الموبايل، أو نوقفه على قدم واحدة مثل
اللقلق، يبقى في تلك الوضعية الصعبة لمدة طويلة جدا تتجاوز الساعات،
والثانية فانه ينقلب من الجمود التام الى وضع هجومي فيقتل دون تصميم أو
تنبيه، إذ قد يهجم على طبيبه أو معالجه.. ومن هو أمامه ليخنقه، أو قد
يكلم شخصا وهميا ويحادثه. هو في ذلك كله يظن ان الشخص موجود بالفعل، أو
معالجه شيطان يسعى لقتله، لذلك فهو ينفذ كل ما يخطر في باله وما يرد في
فكره دون وعي ولا تحكيم إرادة وعقل.
أشد ما يميز المريض بالفصام هو فقدانه العلاقة مع عالم الواقع، إذ
يصبح غريبا عن واقعه ومحيطه وكأنه يعيش في محيط خاص به لا يمت بصلة
لعالم الناس الذين هم حوله، هكذا فانه يعيش في عالمه بشكل لا مبال،
فيبدو جامدا دون حراك، مطيعا، منقطعا كالتمثال، أو كالأصم الأبكم.
يلاحظ عليه انه يعيش حلما داخليا، قل أن تجعله الحوادث المحيطة
والوقائع الخارجية يعود للواقع بل بالعكس يبقى بعيدا عما حوله ويزول
وعيه بالحقيقة، بل ان وعيه بنفسه وشخصيته يصبحان معدومين تماما.
يطلقون عليهم في مجتمعاتنا المحلية استخفافا، رعاية، يبدون فقراء
حال، يجوبون الشوارع والطرقات، يتحدثون مع أنفسهم..
إذا شئنا وصف سلوكه الشخصي لوجدنا انه يقوم أحيانا عديدة ببعض
الحركات الغريبة أو التشنجات اللا طبيعية. فوق ذلك فالمريض بالفصام
يهمل حاجياته الأساسية الغذائية منها والبيولوجية المختلفة فلا الطعام
ولا المحافظة على الحياة ولا غريزة البقاء تبقى ذات فعالية وتأثير في
سلوكه ومتطلباته ودوافعه.
أسباب المرض
تظهر أعراضه على الشخص، يحصل هذا الجنون بين سني الثالثة عشرة
والثلاثين. يكون الشخص ممتازا أو طبيعيا عاديا وفجأة تبدو عليه غرابة
في السلوك فيضحك أو يبكي بشكل لا سوي وبدون سبب أو يتوه في حالات جمود
وانطواء أو يقوم ببعض الحركات الغريبة اللا مألوفة... شيئا فشيئا يفقد
الأحاسيس والعواطف تجاه أهله وزملائه ومحيطه فيصبح كل شيء لديه جامدا،
لا يهمه ولا يثيره ولا ينتبه له، فلا عواطف ولا محبة ولا بغض ولا تفضيل.
ينقطع تماما عن الواقع والمحيط ثم تبدو عليه حالات الهلوسة ويهمل
حاجياته ونفسه وبيته وذويه.
من أسباب هذا المرض ما هي عضوية كالهزال البدني والاضطرابات في
الغدد الجنسية. ان المرأة عندما تصاب به ينبت الشعر في وجهها، بعكس
ما يحصل لدى الرجل عندما يقع فيه.
إلا ان الأسباب النفسية عديدة في هذا المجال، قد تكون هي الأساسية،
منها وضع الشخص العادي في مواقف فوق طاقاته النفسية وقدراته أو
إمكانياته: تكليف الإنسان، مثلا، أن يقوم بعمل شاق عليه أو لا يحبه ولا
يطيقه أولا يستطيع القيام به كالسجين والعاطل عن العمل والمديون..بمعنى
ثان، الإنسان إذا وضع في حقل أو مجال أقوى منه واصطدم به وأحس بضعفه
تجاهه فان (الأنا) هنا تقع في اضطراب انفعالي ومشاكل نفسية انفعالية.
قد لا يجد هذا الصراع حلوله إلا في المرض النفسي العصبي أولا ثم العقلي
فيما بعد. إن تكليف النفس ما لا في وسعها قد يؤدي، مع وجود عوامل عديدة،
الى الوقوع فيما يسميه علم النفس بهذيان العظمة أو جنون الاضطهاد حيث
يقول الشخص عن نفسه انه أحدى الشخصيات العظيمة ولطالما نسمع من يقول
انه الرئيس أو الزعيم الفلاني أو ما أشبه. أما في هذيان الاضطهاد
فيعتقد المريض انه ملاحق من قبل هذا أو ذاك، يودون قتله أو إزعاجه،
ملاحقته واضطهاده فيعيش تحت وطأة هذه الاعتقادات القسرية والموجهة بقوة
لوعيه وسلوكه.
إذن، إن تكليف الشخص، ما لا طاقة ولا قدرة له عليه قد ينهي صراعه مع
وضعيته الاجتماعية النفسية هذه بان يقع في الفشل، وسقوطه في حل هو
الهروب من الواقع أي من وضعيته المذكورة الى عالم الخيال حيث يعيش كما
يحلو له بلا متاعب ولا مضاعفات، في الوهم، في الحالات اللاسوية
والمرضية، في المرض العقلي.
العلاج الطبي والنفسي يوجد في المصحات
العقلية
البدني: يقوم أولا على تقوية الصحة العامة داخل المستشفيات والصدمات
الكهربائية أو إجراء جراحة في الدماغ أو العلاج بالانسولين لكون دم
المريض فيه نسبة السكر تزداد.
العلاج النفساني: هو أيضا نافع ولازم، يقوم على احياء الثقة بنفس
المريض، وتوطيد العلاقة مع المعالج النفسي، تعويده على أن يقوم بعمل
سهل في حدود إمكانياته ليلحظ نجاحه، لكي نضعه في جو يشعر فيه انه ناجح
وذو أهمية وتقدير، عمل له منافعه، تبرز فيه إمكانياته وشخصيته
المحترمة، انه شخص قادر يؤدي دورا في بيئته.
إن إعادة تأهيل المريض يقوم هنا على إعادة تلاؤمه مع بيئته وخلق
التوازن معها. بهذا يتخلص من الاضطرابات ومن عالم الوهم والانزواء من
عالم الهروب من الواقع. هذا في سبيل ان ينتقل الى إحساسه بالثقة بنفسه
وبإمكانياته ضمن بيئة تقدره، تحتاج إليه، حيث تتوفر الطمأنينة والراحة
له.
اللجوء للطبيب النفسي أو العقلي شيء يجب أن يكون مثل اللجوء للطبيب
البدني: أي، بلا توهم ولا خجل، لا عيب مطلقا من ذلك. ان تقدم علم النفس
والطب العقلي والنفسي لمن أهم العوامل المكونة لسعادة الإنسان،سلامته
العصبية، النفسية والعقلية. |