مسؤولية الحكومة في بناء المجتمع النموذجي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: تتكون الحكومة من مجموعة قادة سياسيين يعلنون قدرتهم على ادارة شؤون الدولة والمجتمع على أفضل وجه، يقودهم قائد أعلى هو رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية بحسب ما ينص عليه الدستور، لكن في مجمل الاحوال يتحمل أعضاء الحكومة ورئيسهم المسؤولية الدستورية والاخلاقية في بناء المجتمع بطريقة عصرية تليق بكرامة الانسان وتلبي حاجاته المتعددة، لذا لابد أن تتصدى الحكومة لاحتياجات الناس وتقدم مصالحهم على مصالح أعضائها، وهو ما يحدث في الانظمة الديمقراطية السليمة التي تستطيع توفير الاجواء الطبيعية لحركة المجتمع في ميادين الانتاج الفكري والمادي معا.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في الكتاب المعنون (من عبق المرجعية): (يستقر الناس في جوّ لا ظلم فيه ولا جور، ولا عنف ولا إرهاب، ولا قيود ولا اغلال، ولا سجن ولا تعذيب، ولا مشاكل ولا فقر، ولذا كان العمران والرقي، والمحبة والثقة، إبان تطبيق الاسلام امرا عاديا لم يجده العالم في هذا اليوم).

إذن هناك شروط ينبغي أن توفرها الحكومة للمجتمع لكي يصبح أكثر وعيا وأكثر استعدادا للتطور والابداع، ومن اهم السياسات الواجب تنفيذها على الارض سياسة العدل والانصاف والتعامل مع الجميع وفق مقتضيات المصلحة العامة، وفي هذه الحالة تكون النتائج مؤكدة في صالح المجتمع حيث يسود الرخاء وتعم الفضيلة، وتنتشر ثقافة العدل والانصاف بين عموم افراد المجتمع، لكن يبقى المحرك والدافع الاول لصنع مثل هذا المجتمع هو سلوك الحكومةوسبل ادارتها للمجتمع، حيث يزول الفقر بعد أن تنتفي اسبابه من واقع المجتمع، وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه قائلا: (لماذا الفقر، والاقتصاد سليم، والسياسة عادلة، والمجتمع فضيل) ؟

إن مجمل الاضطرابات التي تحدث في المجتمعات إنما يكون سببها غياب العدالة في التعامل الحكومي مع مكونات الشعب، وهذا ما أثبتته الوقائع الراهنة في الدول الواقعة ضمن منطقة الشرق الاوسط، حيث الطغيان الحكومي بلغ ذروته في هذه الدول، فهبّت الشعوب على حكوماتها كي تستعيد حقوقها وكرامتها وهو امر لابد أن يحدث مهما كان جبروت الحكومات ودرجة قمعها لشعوبها، ففي هذه البلدان التي تشكل غالبية إسلامية، تعيش الشعوب فقيرة مضطهدة، والسبب واضح تماما هو غياب النظام السياسي السليم، في وقت تدّعي معظم أنظمة هذه الدول بأنها تنتمي الى الاسلام، في الوقت الذي تعج فيه بلدانها بالفقر والفقراء وهو ما يتناقض مع الاسلام.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد بالكتاب نفسه: (في البلد الاسلامي في وقت حكم الاسلام الصحيح، يلزم أن لا يوجد حتى فقير واحد، فالضمان الاجتماعي في الاسلام يحتم على الحاكم الاسلامي أن يزيل الفقر نهائيا).

ويضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلا بهذا الخصوص: (كان الامام علي بن ابي طالب – عليه السلام- رئيس اكبر حكومة اسلامية لا نظير لها اليوم سواء من حيث القوة او العدد، لان الامام كان يحكم زهاء خمسين دولة من دول عالم اليوم، وليس في دولته من فقير).

اذن ليس الخلل في سعة المجتمع إنما في طريقة ادارته، وفي طبيعة الحكم ومدى احتكامه الى تعاليم الاسلام التي تؤكد على العدل والمساواة والانصاف وحق الرأي والتكافل وما الى ذلك من أساليب عملية تساعد المجتمعات على الاستقرار والتطور والمعاصرة، لذا لايبد أن تعي الحكومات الحالية أن القضاء على الفقر يقع في مقدمة الاولويات الواجب تنفيذها وهذا لا يحدث ولن يتحقق من دون التخطيط المسبق والسليم للوصول الى هذا الهدف ناهيك عن أهمية التطبيق السليم للبرامج والخطط الهادفة الى بناء المجتمع النموذجي.

يقول سماحة المرجع الشيرازي ناصحا الحكام والحكومات في هذا الصدد: (سعادة الدنيا والاخرة رهينة مثلث، يشكل طرفاه الاقتصاد السليم، والسياسة العادلة، والطرف الثالث الفضيلة).

ومثل هذا الهدف الكبير لن يتحقق ما لم تسعى الحكومات بجدية لبناء الانسان نفسه، والقضاء على الفقر اولا، فليس هناك تطور ولا ابداع في ظل اجواء الفقر المدقع، وطالما بقي الانسان يعاني من الشحة والعوز ويفتقد الى الحاجات المادية الاساسية فإنه يبقى ممسوخا ذا شخصية ضعيفة، ولا يعرف ماذا يريد، ولا كيف يوظف طاقاته بصورة صحيحة، يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (لو صنعت من الكارتون شكلا على هيئة انسان فهل يصبح انسانا مع انه لا روح فيه ولا يتكلم ولا يرى ولا يفكر؟).

لهذا يحتاج المجتمع لكي يبني نفسه الى الانسان الواعي المفكر والعامل في آن، وهذا لا يتحقق من دون مساعدة الجهد الحكومي وهو من أهم واجبات الحكومات تجاه شعوبها، من اجل بناء المجتمع المتوازن والمنتج في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/آيار/2011 - 22/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م