حكومة المالكي ونهاية المائة يوم... مفترق طرق جديد

 

شبكة النبأ: في مداخلة جرت بين الكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية علي حسين عبيد، والباحث السياسي في مركز الإمام الشيرازي للدارسات والبحوث الأستاذ عدنان الصالحي أثناء الاجتماع الصباحي لأعضاء مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، والتي تناول فيها الحضور انتهاء فترة المائة يوم، (مهلة المالكي التي طلبها لنفسه)، قال عبيد، "قاربت مدة المائة يوم التي حددها رئيس الوزراء لوزرائه، كي تتضح قدراتهم الفعلية على إدارة وزاراتهم، بمهنية واضحة، تقلل فرص وثغرات الفساد، وتستأصل الفاسدين من مناصبهم، ناهيك عن وضعها للخطط العملية التي تثبت مهنية وكفاءة هذا الوزير أو ذاك وكفاءة كوادر الوزارة".

وتابع، "لو تابعنا ما يجري على الأرض بخصوص عمل الوزارات، وما قدمته من أعمال ملموسة للمواطن خلال المدة الماضية، فإننا نستطيع أن نؤكد الفشل الوزاري الجماعي تقريبا في هذا المجال، وذلك من خلال متابعة المواطنين للمتغيرات على الارض، فمثلا لم تتحسن الكهرباء قيد أنملة، بل أحيانا تراجعت حصة الكهرباء المقدمة للمواطن، عما قدمته الوزارة له في مثل هذا الوقت من العام الماضي، ولا نريد الخوض في عمل الوزارات الأخرى كالتربية والتعليم والصحة والتجارة والبلديات وغيرها".

ويرى الكاتب علي حسين عبيد، "أما طبيعة وماهية البرامج التي وضعتها الوزارات ومدى القدرة على تطبيقها، فإن المواطن غير معني بمتابعة أو دراسة هذه الخطط، وليس مسؤولا عن البت فيها من حيث فشلها او نجاحها، بل هناك جهات رقابية معنية بهذا الشأن هي التي ينبغي أن تحدد مدى نجاح او فشل هذه الخطط، ومدى كفاءة الوزير وكوادره، على تحويل الخطط والافكار الى عمل واضح يقدم خدمات ملموسة للشعب".

ويضيف، "هناك رسائل تُبَث بين حين وآخر، من قبل بعض السياسيين (وهم جميعا مشتركون في إدارة الشأن التنفيذي) يقولون في هذه الر سائل، إن المئة يوم لا تكفي للوزرات كي تحسّن من أعمالها، بل ذهب بعضهم الى أن مئة يوم اخرى لا تكفي ايضا، فيما صرّح أحدهم أن عشرات الاعوام لا تكفي الوزارات لتغيير واقع الحال العراقي، وهو قول يثير الاستغراب حقا، لكنه يبدو واقعيا اذا ما تأملناه جيدا، ناهيك عن الاشهر الستة التي حددها التيار الصدري للحكومة، كي تثبت نجاحها وكفاءة وزاراتها، وتحدث تغييرا واضحا في الخدمات وما شابه".

ويستدرك عبيد، "بالعودة الى الرأي الذي يقول أن عشرات السنوات لا تكفي للتغيير، إذ يبدو هذا الرأي  واقعيا، خاصة فيما لو بقيت أسباب فشل الوزارات والوزراء قائمة، نعم هناك أسباب تقف وراء ضعف الوزارات، وعدم تمتعها بالمهنية المطلوبة، وغياب المعايير الضابطة لهذه الاعمال، واذا بقيت هذه الاسباب موجودة على الارض، فإن الوزرات ستكرر فشلها بالقيام بدورها لسنوات متتالية، إذن فالمطلوب في هذا الصدد، هو معرفة الاسباب (اسباب الفساد) وتحديدها بصورة واضحة من لدن المعنيين، ثم العمل الفوري المبرمج والحازم على إزالتها، أو العمل على مكافحتها باستمرار للحد منها وتقليل تأثيراتها، وفي حالة انتفاء اسباب الفشل، فإن الوزرات جميعها ستنجح في أعمالها وستنهض بصورة صحيحة بالادوار المناطة بها".

وينوه، "بكلمة أوضح نحن كشعب، وكموظفين، وكوزراء، نحتاج الى سياقات عمل جديدة يحكمها القانون الحازم، ويدعمها الفعل الهادف الى تنمية النهج الاخلاقي، والعرفي الرافض للفساد بكل انواعه، إذن نحن كشعب وحكومة نحتاج الى ثقافة رفض الرشوة ومكافحة الفساد والمفسدين قانونيا واجتماعيا".

ويتابع عبيد، "تشيع بين الناس قيم غريبة على المجتمع العراقي، هذا ما يحدث في هذه المرحلة المعقّدة، إن الرشوة واستغلال المنصب والنفوذ والاثراء على حساب الآخرين، صارت قيما ينظر إليها الشعب وكأنها واقع حال فرض نفسه على الجميع، لهذا نحن كشعب نحتاج الى استنهاض القيم المضادة الرافضة لهذا النوع من القيم الدخيلة، يُقال أحيانا أن فلانا كوَّن نفسه، فشيَّد دارا حديثة، واقتنى سيارة فارهة، وسجّل في البنك رصيدا ضخما، وطور حياته المادية بصورة لافتة ومذهلة أحيانا، لا أحد يسأل كيف حدث هذا التطور المادي المباغت، ولا احد يسأل عن مصادر وطرق وأساليب هذا الاثراء الفاحش والسريع، بل هناك من يتمنى أن يفعل المثل، وهناك من يصف هذا السلوك بأنه (شطارة)، لهذا السبب وأمثاله، لا يمكن للوزراء ان ينجحوا في عملهم، ولا يمكن للوزرات أن تؤدي ما عليها بالطريقة المقبولة، وفعلا فيما لو بقي الحال على ما هو عليه، سنبقى في هذا الوضع الكارثي عشرات السنين".

ويختتم، إن حكومتنا لا تحتاج الى مئة يوم أخرى للتصحيح وإثبات الكفاءة، ما تحتاجه (هي والشعب) هو وضع السبل الكفيلة بقلع الفساد من جذوره، والقضاء على الفاسدين والمفسدين فورا، وذلك بسن تشريعات سريعة ورادعة وفورية في آن، عنذاك قد لا تفكر الحكومة او حتى الشعب، بعدد الايام او الشهور التي نحتاجها للتغيير، إننا باختصار نحتاج الى آلية حازمة قوية، ذات خطوات اجرائية واضحة، تلجم الفساد وأهله، وتكبح جماحه بقوانين صارمة، وضاربة في الوقت نفسه".

مفترق طرق

فيما قال عدنان الصالحي، "(مائة يوم) الحل المؤقت الذي قررت الحكومة العراقية تقديمه كعرض تهدئة للتظاهرات التي اندلعت في 25 شباط في ساحة التحرير وبعض المدن العراقية الأخرى، والتي طالبت بتحسين الخدمات ومحاربة  المحسوبية والفساد ومحاسبة المتورطين، هذا (العرض) أصبح مشكلة حقيقية تضاف الى مشاكل الوضع السياسي عموما".

ويتابع، "لا نعرف لماذا اقترحت الحكومة هذه المدة التي بقيت تفسيراتها متفاوتة، ففي الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة انه مقياس لمعرفة مكامن الخلل في الحكومة الجديدة والوزراء الجدد ليس الا، وهو ليس بعصا سحرية لإنهاء قضايا تحتاج الى سنوات، في قبال ذلك فان المتظاهرين الذين كتموا أنفاسهم لحين 10 حزيران حيث انتهاء المهلة، فأنهم يؤكدون بان ما عنته الحكومة هو تنفيذ مطالبهم بشكل كامل وان أي تلاعب بالألفاظ هو هروب من الوعود والالتفاف عليها".

ويؤكد الصالحي على ان اقتراب المهلة من الانتهاء فان جملة احتمالات قد تطفوا على المشهد السياسي العراقي منها:

أولا:  قيام تظاهرات واعتصامات كبرى في عموم مدن العراق وخصوصا العاصمة العراقية بغداد بالتزامن مع تدهور امني واضح يشهده الوضع، يحاول إرباك الحكومة وضرب الصورة الأمنية المستقرة نسبيا التي ما فتئ رئيس الحكومة السيد المالكي  بالتذكير بدوره في تثبيتها على انه الانجاز الأكبر لحكومته في الدورة السابق، هذا الوضع قد تشارك فيه كتل سياسية من خارج الحكومة تحاول ركب الموجة بغية تشديد الخناق على رئيس الحكومة من اجل إشراكها في المناصب الرسمية وتحقيق الإستراتيجية الخاصة بتلك الكتل حتى ولو كان على حساب مطالب المتظاهرين المشروعة او إضعاف الحكومة وجعلها تسير برجل واحدة الى نهاية المطاف بغية هز صورة رئيس الحكومة  وزعزعة الثقة بباقي الكتل السياسية مستقبلا.

ثانيا: إجراء تنسيق بين كتل سياسية مشتركة في الحكومة الحالية،  لاستغلال الحدث ودعم التظاهرات بشكل خفي والتنظيم لها بشكل متقن يستمر حتى إسقاط حكومة السيد المالكي المثخنة بالجراح والتي جاءت خارج رغبة تلك الكتل، ودعم دول إقليمية لهذه الحالة بغية جذب الأنظار عما يحدث فيها، وبلا شك فان هذا الوضع سيكون ذهبي للقاعدة والعناصر المسلحة لشن هجمات مختلفة وقد تكون موقع التجمعات الاعتصامية إحدى هذه الأهداف بغية إسقاط اكبر عدد من الضحايا ورفع مشاعر الغضب ضد الحكومة وفرصة إثبات الوجود لتنظيم القاعدة على رغم الضربات التي تلقاها في العراق .

ثالثا: احتمالية طلب السيد المالكي سحب الثقة عن الحكومة الحالية ومطالبته بحكومة أغلبية سياسية، مضافا لها ترشيق بعض المناصب والوزارات بغية تخلصه من الضغط الشعبي وإلقاء الكرة في ملعب البرلمان وتحميله نتائج المحاصة الحزبية، حيث ردد (رئيس الحكومة) سلفا بأنه غير راضي عن كثير من الأسماء من الوزراء وان بعض الأسماء أرسلت إليه عبر الهاتف المحمول ولم يأخذ الوقت الكافي لتفحص (السيفيات) الخاصة بكل مرشح للوزارة .

رابعا: احتمالية اتفاق (مفاجئ) بين الكتل السياسية يركز على دعم الحكومة الحالية والمطالبة بفترة زمنية أخرى لإعطاء الفرصة للحكومة بشكل كاف ومعقول وتنفيذ جزئي لمطالب بعض الجهات السياسية بشكل يرمم الوضع السياسي ومحاولة الاتصال ببعض الجهات المسلحة او المعارضة لغرض إقناعها بقبول التفاوض وفق سقف محدد من الشروط مقابل التوقف عن دعمها للتظاهرات، ومحاولة الأحزاب المشكلة للحكومة باحتواء وامتصاص الزخم الموجود لدى الكثيرين من أتباعها الطالبين بالتغيير الإصلاحي او الحكومي  مقابل تنازلات حكومية.

بين هذا وذاك من الاحتمالات يبقى الموقف الأمريكي حيال ما يدور في العراق لا يختلف كثيرا عما يجري أو يشابهه في المنطقة عموما، فهنالك أراء تدور ألان في فلك السياسية الأمريكية تتحدث عن (ربيع أمريكي) أيضا، منطلق من دعم الجهد السياسي الأمريكي الخارجي للمجتمع المدني عموما وتقوية دور منظمات المجتمع المدني في التغيير، وكسر الشوكة المتمثلة بالتسلط او ما يسمون (الرافضون للتغيير) او أتباع السياسات الانغلاقية، ويذهب أصحاب هذا الرأي بان قتل زعيم تنظيم القاعدة إسامة بن لادن هو رسالة واضحة باتجاه ضرب التعصب والتطرف والدكتاتورية والبدء بنغمة أمريكية جديدة للعالم تعتمد (القوة الناعمة) أسلوب للتغيير، وقد تكون إستراتيجية الأمريكان بعد انسحابهم (المفترض) نهاية هذا العام من العراق تنسجم مع الطريقة الجديدة في إدارة أمور هذا البلد الذي لا يزال يعاني من مشاكل حقيقية وكبيرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/آيار/2011 - 21/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م