منهج  تركيز المركز وتهميش الهامش

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: منذ عقود وربما منذ أزمان، كانت مناطق الاطراف البعيدة عن مركز صنع القرار  السياسي والثقافي، تعاني من العزل أو التهميش في أفضل الحالات، فالسلطة السياسية تتركز في العاصمة والحكومة المركزية، أما السلطة الثقافية وما يتبعها من امتيازات، فإنها تتركز في العاصمة أيضا، هنا نرغب بالحديث عن تعامل المركز الثقافي مع الهامش، وطبيعة العلاقة الرابطة بينهما.

بخصوص الثقافة العراقية المعاصرة، فيما يتعلق بالتأريخ المنظور على الأقل، وتحديدا  من أواخر النصف الاول من القرن الماضي، حين تحوَّل العراق من الحكم الملكي الى الجمهوري، كان الهامش تابعا بامتياز للمركز، ليس في الميدان السياسي فحسب، إنما بخصوص تسليط الضوء الاعلامي، وصنع القرار، والحراك الثقافي كله كان يتركّز في العاصمة، وهذا النهج الثقافي يمثل حصيلة نهج سياسي قائم على تركيز السلطة في المركز وتهميش الاطراف.

لذا كانت ثقافتنا تعاني طيلة التأريخ المذكور، من غطرسة المركز، وتفضيله لنفسه ورموزه وتوابعه على حساب الهامش الأوسع، ويبدو ذلك جليا من خلال تركيز الاضواء الاعلامية، والتسويق، وصنع الكاتب، أو الشاعر، أو الفنان، وحصر ذلك في العاصمة، أما المحافظات والمدن ومناطق الريف، فإن ما يصل إليها من ضوء الاعلام هو فتات لايتسق مع المواهب، والطاقات التي تزخر بها الهوامش، لهذا السبب كان المبدع العراقي يفرّ من مكانه المهمَّش الى العاصمة، طلبا للضوء الاعلامي، وترسيخا لإسمه، وهو يعرف أنه بالقدوم الى العاصمة، إنما يختصر الطريق لعملية الترسيخ المطلوبة كي يتخلص من الظلم الذي تتعرض له الاطراف في الغالب.

بعد نيسان 2003 انتهى الحكم الجمهوري القائم على تركيز السلطات، وانتشرت سلطة لا مركزية، وتكوّنت حكومات محلية في المحافظات، وتعددت وسائل الاعلام كافة في المدن والارياف، بحيث اصبح في كل محافظة، عدد من الصحف والاذاعات وحتى الفضائيات الأرضية المحلية، وهناك مراسلون لمعظم القنوات الفضائية المهمة في عموم المحافظات، الامر الذي جعل من الضوء الاعلامي متاحا على نحو واسع، لتغطية الأنشطة الثقافية بأنواعها، وهذا ما قلل كثيرا من سطوة المركز على الهامش، لاسيما ما يتعلق بتسليط الضوء الاعلامي على المثقفين والمبدعين عموما.

فهل انتهت سطوة المركز الثقافي على الهامش؟ وهل تقوم وسائل الاعلام لاسيما الفضائيات من خلال مراسليها بما ينبغي عليها حيال الانشطة الثقافية في الاطراف سواء المحافظات أو حتى الاقضية النائية؟.

إن الموضوعية تتطلب الانصاف، فالحال قد تغيّر كثيرا عما كان عليه قبل 2003 بخصوص الضوء الاعلامي المسلَّط على الانشطة الثقافية، ولكن لايزال هناك بون بين المركز والهامش في هذا المجال، ولا يزال هناك تقصير في تغطية الفعاليات الثقافية من قبل الفضائيات المهمة التي تتابعها، وهناك أسباب تدفع هؤلاء المراسلين الى التغاضي عن نقل الحراك الثقافي، بل هناك بعض القنوات تمنع مراسليها احيانا من تسليط الضوء على الثقافة، وتوجّه بالاهتمام بالسياسة او الاقتصاد، في حين أننا جميعا نعرف أن الثقافة هي التي تقود الميادين الأخرى واذا أخطأت الثقافة أخطأ الجميع، وإذا حُجِّم دور الثقافة هزلت الامة كما يقول العارفون.

وطالما أن الاعلام الفضائي عبر شاشة التلفاز أكثر انتشار وتفاعلا مع الشعب، فإن دوره سيكون أكثر تأثيرا في نشر الثقافة المتوازنة، ولا نعرف لماذا لاتهتم البرامج المعنية بنشاط الاطراف مثلما تهتم بنشاط المركز، ولا نعرف ايضا لماذا لاتوجّه القنوات الفضائية المهمة مراسليها بضرورة تغطية الانشطة الثقافية في المحافظات في حين يتراكض هؤلاء المراسلون الى تغطية أنشطة حكومية أو شبه رسمية لاتتجاوز أهمية الثقافة قطعا.

إذن لا تزال هناك بقايا من النهج القديم القائم على تركيز المركز وتهميش الهامش، لذا نتمنى على المعنيين في القنوات الفضائية بوصفها أكثر وأوسع وأسرع تأثيرا في المشاهدين، أن توجّه مراسليها خارج العاصمة بضرورة متابعة الانشطة الثقافية المتعددة، بل وتفضيلها على بعض المؤتمرات والانشطة الضعيفة (كالندوات المفبركة، والمؤتمرات السطحية، والمهرجانات الشكلية، وما شابه).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/آيار/2011 - 20/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م