ليبيا الثورة... تفاؤل حذر مع استمرار بقاء القذافي

شبكة النبأ: على الرغ من من عدم اكتمال الصورة في ليبيا، بعد اشهر من مسلسل القتال بين الثوار والقذافي، الا ان بوادر الحراك الاجتماعي الحر بات يتسع ويتجلى بشكل كبير في المناطق المحررة من براثن الديكتاتور.

لكن في الوقت ذاته ورغم انحسار نفوذه في البلاد بشكل كبير لا يزال الطاغية بمثل تحديا صعبا امام الشعب الليبي، سيما انه بدى مستقتلا في سبيل بقائه بالسلطة، الامر الذي دفع بقوات الناتو الى محاولة اغتياله عدت مرات.

ويبدو أن حلف شمال الاطلسي يحاول قتل القذافي خلال الغارات الجوية الاخيرة على طرابلس رغم نفيه ذلك ولكنه يخاطر بذلك بتقليص المساندة الدولية لحملته. وفي الوقت الذي يتسائل البعض هل هذا من الحكمة السياسية سيظل سؤالا بلا اجابة لان القذافي لا يحظى بنفس المعاملة التي يوليها القانون الدولي لاسامة بن لادن، الذي قتل في هجوم امريكي في باكستان، وهل سيكون قتل رئيس دولة عن عمد شيء يحظى بالتقدير بين زعماء الدول الاخرى؟

دورا كبيرا للاسلام

فقد بدأ احياء الثقافة الاسلامية في شرق ليبيا الذي تسيطر عليه المعارضة المسلحة بعد عقود من القيود الصارمة التي فرضها الزعيم الليبي معمر القذافي على العبادة لكن علماء دين يقولون ان هذا لن يكون مصدرا جديدا للتطرف الديني كما قد يخشى الغرب.

وباتت القيود على العبادة من التاريخ في شرق ليبيا منذ سيطرت عليه المعارضة المسلحة ويرى رجال الدين دورا اكبر للاسلام في البلاد اذا أسقط القذافي في نهاية المطاف.

وفي ظل الحكم الشمولي للقذافي الذي يجمع بين الاشتراكية والاسلام كانت العبادة تخضع لقيود محكمة وكان اي مظهر من مظاهر الاسلام السياسي او المتشدد يقابل بحملات أمنية عنيفة.

لكن المجتمع الليبي ظل يتسم بالمحافظة الدينية ويجري الان احياء هذا من جديد في الشرق الذي تسيطر عليه المعارضة.

وفي مؤشرات على انتشار المظاهر الدينية أطلق بعض اعضاء المعارضة المسلحة لحى اطول وتباع الكتب الدينية جيدا ويجري اعداد خطط لاقامة المزيد من المراكز لدراسة الشريعة وكل هذه الامور تحت حكم القذافي كانت لتؤدي الى الاعتقال والسجن.

ويقول اسامة الصلابي وهو رجل دين معروف واستاذ للشريعة في بنغازي عاصمة المعارضة المسلحة ان الوضع في ليبيا الحرة سيعود الى طبيعته وهي الحالة الطبيعية لممارسة الدين في الحياة وفي اخلاق الناس وأساليبهم وعودتهم الى المساجد.

وعلى الرغم من غارات حلف الاطلسي على قوات القذافي ومدرعاته فان مقاتلي المعارضة لم يستطيعوا احراز تقدم كبير في قاعدة نفوذ القذافي بالغرب بعد أن فشلوا في أن يسددوا له الضربة القاضية في بداية الانتفاضة. بحسب رويترز.

ويقول سالم جابر اكبر رجل دين في الشرق ورئيس الهيئة المشرفة على مساجده ان تقدم المعارضة المسلحة البطيء في ميدان المعركة أفاد قضية الاسلام في ليبيا. وأضاف جابر أن الاسلاميين والعلمانيين يتقاربون للوصول الى طريق وسط.

وخططه لانشاء المزيد من مدارس الشريعة والاقبال على اطلاق اللحى الطويلة والدعوات الجماهيرية للجهاد ضد القذافي قد تثير قلق البعض في الغرب حيث يرتبط الجهاد والمدارس الاسلامية بالتشدد الديني.

وقال قائد أمريكي بحلف شمال الاطلسي الشهر الماضي ان معلومات المخابرات رصدت "بعض" عناصر القاعدة في صفوف المعارضة المسلحة.

وقال جابر انه لا يوجد ما يقلق الغرب لكنه اختار ما قد يبدو مثلا أعلى غريبا لدعم وجهة نظره فقال ان الناس يريدون اسلاما اقرب الى المطبق في السعودية في اشارة الى المذهب الوهابي. ويرى جابر أن الاسلام في السعودية لم يؤثر عليها سياسيا وأنه نجح في العالم الحديث.

ويقول خبراء في الاسلام ان التفسير المتشدد للشريعة الاسلامية الذي يتبناه زعماء تنظيم القاعدة يستلهم المنهج السلفي اكثر مما يستلهم المذهب الوهابي. وقال شيوخ وهابيون في السعودية ان الهجمات الانتحارية تتنافى مع الاسلام.

والعلامات على وجود السلفية في ليبيا تحت حكم القذافي ضئيلة وهي أقل منها في مصر او المغرب كما أنه ليس هناك وجود مثبت لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي في ليبيا.

وقال الصلابي ان فتح المزيد من المدارس لتدريس الشريعة سيقلل احتمال التطرف. وأضاف أنه حين يكون للعلماء دور في تعليم الناس وفهمهم للدين فلن يكون هناط تطرف او ارهاب أو أفكار منحرفة.

وسيكون من الصعب اعادة تعريف دور الاسلام في ليبيا الجديدة نظرا لمستويات التدين المتباينة بين الناس والقلق من التطرف الديني في الداخل والخارج.

ومنذ تولي الزعيم الليبي الحكم عام 1969 فرضت قيود صارمة على الدين او اي قضية او فلسفة أخرى يمكن أن تخرج الليبيين عن سيطرة القذافي. وكان الاسلاميون من أبرز ضحايا حكمه المطلق.

وقتلت قوات الامن اكثر من الف سجين عام 1996 في سجن ابو سليم بطرابلس وهو المعتقل الحكومي الرئيسي للمشتبه في أنهم اسلاميون متشددون فيما كان على الارجح اكثر أعمال القمع دموية التي ارتكبها القذافي.

وكان من الممكن أن تجلب اللحى الطويلة التي يطلقها الرجال المتدينون او مجرد التردد على المساجد المتاعب.

وقال الصلابي "كان (القذافي) يمنع الناس من ترديد الشعارات الدينية.. الله في المسجد فقط اما العالم الخارجي لا والا سيذهبون الى السجن."

وتعتزم المعارضة المسلحة في نهاية المطاف وضع دستور جديد يحل محل مباديء الحكم التي وضعها القذافي. وكان أعضاء بالمجلس الوطني الانتقالي المعارض قالوا انهم يريدون نظاما ديمقراطيا علمانيا واجراء انتخابات حرة وهي التصريحات التي لاقت صدى لدى القوى الغربية التي ضغطت من أجل تدخل عسكري اجنبي ضد قوات القذافي.

لكن الصلابي وجابر يؤكدان أن الشريعة الاسلامية ستلعب دورا رئيسيا في المجتمع الليبي بعد رحيل القذافي. وقال الصلابي انه لن يكون هناك قانون يتعارض مع الشريعة لكن هذا لا يعني أنها ستكون دولة دينية. وأضاف أن الجدل بدأ بالفعل بين مسلمين متشددين ومعتدلين بشأن دور الاسلام في ليبيا بعد القذافي لكنه حتى الان لم يؤد الى توتر او صراع.

وقال انه لا يوجد توتر بل خلافات عادية مضيفا أن هذه هي المرة الاولى التي يجري فيها جدل من هذا النوع وأشار الى أن الناس هم من سيحسمون هذا الجدل. ويقول جابر ايضا ان القرار لليبيين.

وتابع قائلا انه يجب أن يعكس الدستور تركيبة الشعب والشعب مسلم وبالتالي فان المطلوب هو أن تكون الشريعة مصدرا للدستور ثم يقترع الناس عليه واذا كانوا يريدون تغييره فالامر متروك لهم.

الثوار يزدادون ثقة

فيما يجد نظام الزعيم الليبي معمر القذافي نفسه في مواجهة مصاعب جديدة بعد مغادرة وزير النفط البلاد وفي وقت يستمر فيه قصف الائتلاف الدولي الداعم للثوار الذين يريدون تمثيل مصالح البلاد في منظمة اوبك. وصرح متحدث باسم الثوار ان المجلس الانتقالي الوطني يريد ان يمثل ليبيا في الاجتماع المقبل لمنظمة الدول المصدرة للنفط في فيينا في 8 حزيران/يونيو.

واعلن المسؤول الاعلامي في المجلس الوطني الانتقالي محمود شمام "نريد الحضور وسندرس آلية الحضور قانونيا"، مذكرا بان المجلس لا يعلم ما اذا كانت اوبك ستوجه له دعوة، وذلك في وقت يبذل فيه المجلس قصارى جهوده للاعتراف به محاورا شرعيا في ليبيا.

وكان الثوار الذين يسيطرون على شرق البلاد اعلنوا في مطلع ايار/مايو انهم لا يعتزمون استئناف تصدير النفط وان اولوياتهم في الوقت الحالي هي حماية المنشآت النفطية. واوضح شمام ان المسؤول عن قطاع النفط في ليبيا شكري غانم موجود في منزله في فيينا لكن دون ان يؤكد انشقاقه. وقال ان المعارضة "لن تفكر باي منشق ما لم يعلن علنا على شاشات التلفزيون انشقاقه وانضمامه للثورة"."

وكان مصدر قريب من الحكومة التونسية اعلن لوكالة فرانس برس ان غانم غادر ليبيا في 14 ايار/مايو وانه في تونس، وافاد بعد ذلك مصدر في فندق جربة، بجنوب تونس، ان غانم غادر الفندق ولم تعرف وجهته. بحسب فرانس برس.

الا ان النظام صمد حتى بعد انشقاق العديد من اعضائه لا سيما وزير الخارجية موسى كوسا في اواخر اذار/مارس عندما توجه الى بريطانيا بعد عشرة ايام على بدء غارات التحالف الدولي.

واكد وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه ان هذه الضربات الحقت اضرارا جسيمة بالجيش الليبي، وقدر ان ثلث المعدات الثقيلة ونصف مخزون الذخائر تم تدميرها. ولا تزال الغارات شبه يومية فوق العاصمة. استهدفت مقاتلات الحلف الاطلسي مبنيين رسميين في وسط طرابلس مما ادى اصابة موظفين بجروح، بحسب النظام.

وفي محاولة لايجاد حل للازمة، حاولت روسيا التي انتقدت التدخل الدولي العسكري ان تطرح نفسها وسيطا من خلال استقبال موفدين من النظام الليبي في موسكو.

واوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف انه من الضروري "اقناع كل اطراف النزاع بان الحل العسكري للوضع غير مجد وان علينا اعلان وقف لاطلاق النار باسرع وقت". واضاف انه سيستقبل ايضا مبعوثين من الثوار في موعد لم يحدد بعد.

وكما حصل خلال مواجهات اخرى في مطلع ايار/مايو، فقد سقط العديد من القذائف في الاراضي التونسية مما اثار غضب السلطات التي هددت برفع شكوى امام الامم المتحدة. وادت اعمال العنف المستمرة في ليبيا منذ اندلاع الثورة قبل ثلاثة اشهر الى سقوط الاف القتلى، بحسب مدعي عام محكمة الجزاء الدولية، والى نزوح اكثر من 750 الف شخص، بحسب الامم المتحدة.

كما ان النظام لم يفرض رقابة على المهربين الذين يساعدون الاف اللاجئين على الهروب الى اوروبا. واعلنت المفوضية العليا للاجئين الثلاثاء ان 14 الف لاجئ وصلوا بحرا الى ايطاليا او مالطا قادمين من ليبيا في الاشهر الثلاثة الماضية.

جدل حول حماية الامم المتحدة

من جانب آخر تمثل القرارات التي أصدرتها الامم المتحدة بشأن ليبيا في الآونة الاخيرة سابقة في دعم الاجراءات الدولية لحماية المدنيين لكن محللين ودبلوماسيين يقولون ان ما ترتب على هذا من جمود في الحرب الاهلية قد يؤدي الى التراجع عن هذا التقدم.

وعبرت روسيا والصين وقوى أخرى عن استيائها من انحياز المنظمة الدولية فيما يبدو لطرف على حساب الاخر في صراع داخلي ليس في ليبيا وحسب بل ايضا في ساحل العاج حيث قاد قرار صادر عن مجلس الامن الدولي الى الاطاحة بالرئيس المنتهية ولايته.

ويقول دبلوماسيون انه نتيجة لهذا ربما لا ترغب روسيا والصين اللتان تتمتعان بحق النقض (الفيتو) في السماح بتبني اجراءات صارمة على نطاق واسع في المستقبل سواء يضطلع بها ائتلاف كما هو الوضع في ليبيا او قوات حفظ سلام تابعة للامم المتحدة كما حدث في ساحل العاج.

ولا يشكك احد في مبدأ حماية المدنيين خلال صراع مسلح وهي الفكرة المدرجة على جدول أعمال مجلس الامن الدولي منذ اكثر من عشر سنوات. لكن مشككين يخشون أن تستغل القوى الغربية - التي عقدت العزم على الاطاحة بالزعماء التي لا ترغب فيهم - هذا كغطاء.

وفي العموم يزيد هذا احتمال "التدخل في الشؤون الداخلية" للدول ذات السيادة وهي مسألة من المحرمات بالنسبة لموسكو وبكين منذ عقود من الزمن.

فيما يتعلق بليبيا أجاز قرار صدر عن مجلس الامن الدولي في 17 مارس اذار "اتخاذ كل الاجراءات اللازمة" لحماية المدنيين في الوقت الذي بدا فيه ان طرابلس عقدت العزم على سحق المعارضة المسلحة التي سيطرت على الشرق. وأدت الغارات الجوية والصاروخية الغربية على قوات الزعيم الليبي معمر القذافي الى تقهقرها بعيدا عن بنغازي معقل المعارضة. كانت هذه هي المرة الاولى التي يجيز فيها المجلس القيام بعمل عسكري لحماية السكان في احدى الدول. بحسب رويترز.

في ساحل العاج أدى قرار بصياغة مماثلة وتمت الموافقة عليه في 30 مارس اذار الى قيام قوات حفظ السلام الفرنسية والتابعة للامم المتحدة بعمل عسكري انتهى بعد ذلك باثني عشر يوما بالقاء القبض على لوران جباجبو الذي كان قد رفض التخلي عن الحكم بعد انتخابات رئاسية قالت الامم المتحدة انه خسرها. نتيجة لهذا تولى الحسن واتارا منافس جبابو الفائز بالانتخابات رئاسة ساحل العاج.

وبعد صدور القرارين فرحت جماعات حقوق الانسان بما اعتبرتها ارادة جديدة لدى الامم المتحدة لتطبيق المباديء التي كانت تكتفي دائما بالحديث عنها.

وفي مواجهة دعوة جامعة الدول العربية للامم المتحدة لاتخاذ اجراء بشأن ليبيا ودعم دول غرب افريقيا بشأن ساحل العاج امتنعت روسيا والصين عن التصويت على مشروع القرار الاول وصوتتا لصالح الثاني.

لكنهما سرعان ما أوضحتا أن الامم المتحدة معرضة لخطر تجاوز سلطتها بحيث لا تحمي المدنيين وانما تساند فصيلا ما في حرب أهلية.

وخلال مناقشات بمجلس الامن الدولي قال مندوب روسيا فيتالي تشوركين ان "من غير المقبول أن ينجر جنود قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة الى صراع مسلح وبالتالي يقفون في صف أحد الاطراف."

وقال مندوب الصين لي باو دونغ "يجب الا تكون هناك اي محاولة لتغيير النظام او الاشتراك في حرب أهلية لدولة ما من جانب اي طرف باسم حماية المدنيين." كما عبرت البرازيل والهند وجنوب افريقيا الاعضاء بمجلس الامن الدولي عن نفس المخاوف.

ولم تغب هذه التداعيات عن الدبلوماسيين الغربيين الذين كانوا يأملون أن يمثل اعتماد مجلس الامن قرارين عن ليبيا وساحل العاج سابقة. وقال دبلوماسي "كانت هناك فرصة لاستحداث نموذج لحماية المدنيين في ليبيا. لكن الان سيكون من الصعب جدا في المستقبل اقناع روسيا والصين بدعم تلك العمليات."

وقد تكون هناك خسارة فورية اذا حاول الغرب السعي لاتخاذ اجراء من خلال مجلس الامن الدولي تجاه سوريا بسبب الحملة العنيفة التي تشنها على المحتجين المناهضين للحكومة. وعلق دبلوماسي "بعض الناس حذرون في سياق ليبيا."

وحماية المدنيين منصوص عليها في تفويض سبعة على الاقل من مهام قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة على مستوى العالم وقد كانت موضوعا لتقارير منتظمة أعدها الامين العام للامم المتحدة بان جي مون وسلفه كوفي عنان.

غير أن هذه تميل الى التركيز على وضع برامج لتدريب قوات حفظ السلام على سبيل المثال وليس قيام حلف شمال الاطلسي بقصف جيش حكومي كما يحدث في ليبيا. واستغل هذا الموضوع فدار نقاش بالامم المتحدة بشأن ما اذا كانت المنظمة الدولية عليها "مسؤولية للحماية."

ظهر هذا المفهوم للمرة الاولى في قمة عام 2005 التي شارك فيها اكثر من 150 من زعماء العالم ردا على ما اعتبر فشلا من الامم المتحدة في منع المذابح في رواندا والبوسنة في التسعينات.

جاء في اعلان تمت صياغته بعناية ان المسؤولية تبدأ بحكومة الدولة المعنية. اذا فشل هذا فهناك مجموعة من الاجراءات الدولية التدريجية بدءا من تقديم المشورة من خلال الوساطة وانتهاء بالملاذ الاخير وهو تدخل قوة يفوضها مجلس الامن الدولي.

وأظهر اجتماع للجمعية العامة للامم المتحدة قبل عامين أن معظم أعضاء الامم المتحدة يؤيدون على نطاق واسع "مسؤولية الحماية" لكن مبعوثين من دول يسارية في امريكا اللاتينية وغيرها نددوا به بوصفه غطاء للنزعات " الاستعمارية والتدخلية" للغرب.

ويقول بعض الدبلوماسيين انه لو كانت حركة المعارضة في ليبيا قد أطاحت بالقذافي في اسبوعين بدلا من تحول الوضع الى حرب أهلية طويلة لكانت المخاوف بشأن كيفية تفسير حماية المدنيين أقل.

ويقول مؤيدو مبدأ "مسؤولية الحماية" ان هذا لم يكن سيحدث على الارجح وان من السابق لاوانه قول ان المفهوم تضرر بشدة.

لكن رامش ثاكور من الجامعة الوطنية الاسترالية قال "سيتوقف تطور مبدأ مسؤولية الحماية واحتمالات استخدامه مجددا على ما ستنتهي اليه الامور في ليبيا. اذا احترم حلف الاطلسي القيود المفروضة عليه وتحقق نجاح فسيكون مبدأ مسؤولية الحماية مبررا. اذا تم انتهاك (القرار) 1973 (بشأن ليبيا) وترتب على هذا جمود فوضوي فسترتفع المعايير ارتفاعا شديدا."

الحرب في ليبيا تحتاج أشهر

لكن تلمح مكاسب اخيرة للمعارضة في ليبيا لكسر الجمود العسكري في البلاد ولكن القتال قد يستمر اشهر دون تكثيف كبير للحملة الغربية او وفاة مفاجئة للزعيم الليبي معمر القذافي. ومكنت غارات حلف شمال الاطلسي على عشرات من المواقع الحكومية حول مدينة مصراتة الاستراتيجية المعارضة من السيطرة على مطار المدينة الا ان المعارضة والحلف لا زالا حذرين بشأن امكانية تحقيق نصر سريع.

ويؤكد مسؤولون ومحللون عسكريون ان المكاسب حول مصراتة هشة وانها عرضة لهجوم مضاد كما حدث في الانتفاضة المسلحة التي بدأت قبل ثلاثة أشهر على حكم القذافي المستمر منذ 42 عاما.

وقال متحدث باسم المعارضة من مصراتة "انه نصر كبير ولكنه ليس نهاية المعركة" مشددا على دعوته حلف شمال الاطلسي تكثيف الهجمات على قوات القذافي بصورة أكبر.

ومصراتة نقطة انطلاق استراتيجية يمكن ان تستخدم لتهديد العاصمة التي تبعد 180 كيلومترا فقط الى الغرب ولكن مسؤولين في الحلف يقولون انه سيتعذر استخدام المطار لنقل امدادات للمدينة بسهولة دون تأمين المنطقة المحيطة.

وشجع حلف شمال الاطلسي تراجع الهجمات الحكومية على مناطق المعارضة ولكن لا يمكن ان يتحقق النصر في معركة السيطرة على البلاد بالكامل دون السيطرة على طرابلس.

ويقول محللون عسكريون ان ذلك يتطلب تصعيدا كبيرا للغارات التي يشنها الحلف بحيث تسفر اما عن مقتل القذافي او انهيار حكومته من الداخل. واثبت القذافي صلابته فرغم سيطرة معارضيه على بنغازي ومناطق اخرى في الشرق المنتج للنفط فلايزال متحصنا في طرابلس ويحذر محللون من ان تراجع هجمات القوات الحكومية قد يعكس ببساطة استراتيجية او تعزيزه مركز حكمه في العاصمة. بحسب رويترز.

وقد يكون اي تكثيف للغارات على طرابلس صعبا سياسيا على الحلف في ضوء التكليف المحدد الذي منحته الامم المتحدة اياه بحماية المدنيين وليس تغيير النظام. ويقول دانييل كوهان من معهد الاتحاد الاوروبي للدراسات الامنية "السؤال هل بدأ القذافي سحب قواته (من أماكن اخرى) لتعزيز قواته في طرابلس.. بافتراض استمرار القتال وعدم توقف الحرب فان معركة طرابلس هي المهمة في نهاية المطاف.

"ربما تحتاج المعارضة بعض الوقت للسيطرة على مصراتة كليا كما من المرجح ان تستغرق السيطرة على طرابلس بعض الوقت ايضا اي اننا ننظر على الارجح لبضعة اسابيع أو اشهر من المعارك."

وقالت مؤسسة ستراتفور لاستشارات المخاطر السياسية ان ازاحة القذافي ليست بالامر السهل في ظل ضعف المعارضة الليبية واحجام الغرب عن ارسال قوات برية.

"لا يزال يسيطر على قلب الغرب الليبي ولم يثبت احد بعد قدرته على ابعاده فعليا او تهديد قبضته على السلطة بشكل كبير."

وقال المحلل الاستراتيجي فرانسوا هيسبورج انه يبدو أن حلف شمال الاطلسي يحاول قتل القذافي خلال الغارات الجوية الاخيرة على طرابلس رغم نفيه ذلك ولكنه يخاطر بذلك بتقليص المساندة الدولية لحملته. وتابع "هل هذا من الحكمة السياسية سيظل سؤالا بلا اجابة لان القذافي لا يحظى بنفس المعاملة التي يوليها القانون الدولي لاسامة بن لادن" في اشارة لقتل زعيم تنظيم القاعدة في هجوم امريكي في باكستان في الشهر الجاري. وأضاف "قتل رئيس دولة عن عمد لن يحظى بتقدير كبير بين زعماء الدول الاخرى.

وقال هيسبورج ان من الصعب على الحلف ايجاد الموارد لتعزيز حملته في ضوء اصرار الولايات المتحدة على تقليص دورها في المهمة في ليبيا والموارد الاوروبية المحدودة.

ويستبعد محللون ان ترغم المهلة التي حددها الكونجرس بستين يوما اوباما على وقف العمليات الهجومية تماما وكذلك يستبعدون ان تستأنف الولايات المتحدة مشاركتها بكامل قوتها في الغارات على ليبيا.

وفي الوقت نفسه ستجد بريطانيا وفرنسا صعوبة في تكثيف غاراتهما دون الاستعانة بطائرات وموارد اخرى مستخدمة في الحرب في افغانستان وهي مهمة تتصدر اولويات حلف شمال الاطلسي.

وفي ضوء هذه القيود يتوقع محللون ان تلتزم دول حلف شمال الاطلسي بالمسار الحالي الذي يعلق اماله على توقعات محددة واستمرار المهمة الحالية المحدودة.

وقال كوهان "في الوقت الحالي يبدو ان العزم معقود على الانتظار. ليست الغارات فحسب بل والحصار.. ستنفد اموال القذافي في نهاية المطاف." وتابع "يمكنه الاستمرار لبعض الوقت ولكن سينفد مالديه من هذه الاشياء. ولكن بالطبع يتطلب الانتظار صلابة سياسية بين اعضاء حلف الاطلسي.. والمعارضة ايضا في هذا الصدد."

ويفسر ذلك ايفاد المعارضة بعثة دبلوماسية الى لندن وواشنطن الاسبوع الماضي لتعزيز المساندة لقضيتهم.

وذكر كوهان "لا يزال الغرب لا يعرف مع من يتعامل حقا واذا امكنها (المعارضة) ان تظهر انها تجري تحضيرات جدية للمستقبل لحقبة ما بعد القذافي فسيكون ذلك مفيدا للغاية.

"ما لا يريده (الغرب) حقا ليبيا على غرار الصومال على البحر المتوسط حيث تستغل جماعات مثل القاعدة الوضع."

وقال هيسبورج انه ما من ضمانات بعد لنجاح الغرب في ليبيا وكلما طال امد الصراع كلما تزايدت الضغوط على زعماء الغرب بما في ذلك الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يواجه انتخابات العام المقبل. وتابع "في الحالة الفرنسية سيتعين التعامل مع الامر في غضون الشهرين المقبلين ومع اقترابنا من نهاية الشهرين ينبغي اعادة النظر فيما ينبغي عمله هل نستمر او نتوقف ..

"كانت ثمة توقعات عريضة في البداية بان الامر سيكون سهلا والامر برمته وضع تحت لافتة الارتجال والتمني. لم يتغير ذلك وعلينا ان نرى ما سوف يحدث."

فيما تضعف الانقسامات بين زعماء المعارضة تحديهم للقذافي وقد تغضب القوى الخارجية التي تعتمد عليهم كحكومة بديلة لها مصداقية في البلاد التي تقاسي ويلات الحرب.

وأدت زلات على صعيد العلاقات العامة والتباطؤ في اختيار المسؤولين والارتباك بشأن من يتحكم في الجوانب السياسية الرئيسية الى تساؤل بعض المراقبين عما اذا كان بوسع المعارضة أن تستمر متحدة بعد تبدد امالها في الاطاحة بالقذافي سريعا.

وقال ديفيد هارتويل المحلل في مؤسسة (اي.اتش.اس جينز) المتخصص في شؤون شمال افريقيا والشرق الاوسط "حين لا تسير الامور على ما يرام يبدأ الناس يتشاجرون... هذه ليست مفاجأة نظرا للطبيعة المتباينة للمعارضة."

وجمع هدف الاطاحة بالقذافي رجال أعمال تعلموا بالولايات المتحدة وطبيبة اسنان وشيوخ قبائل وأساتذة جامعات يساريين وحلفاء سابقين للقذافي في بنغازي معقل المعارضة.

لقد أثبتوا أنهم قادرون على ادارة الخدمات العامة واستمرار حركتهم المعارضة من خلال حشد التأييد للحصول على قروض والمساعدة الخارجية في بيع النفط الليبي لكن الخلافات ظهرت مع تعثر حملتهم العسكرية.

يقول ماركو بابيك المحلل بمؤسسة ستراتفور للاستشارات "الخلافات بين المتمردين متعلقة بالانتفاضة ككل. المتمردون قدموا هزيمة القذافي على تعزيز كيان مترابط للقيادة والسيطرة." وأضاف "حين فشلوا في هزيمة القذافي بسرعة ظهرت مشاكل القيادة والتسلسل الهرمي."

ومازال بوقيقس الذي كان في الثمانينات رئيسا للمؤسسة الوطنية الليبية للنفط التابعة للقذافي يجري مقابلات مع وسائل الاعلام بوصفه رئيسا للشركة الوطنية للنفط التابعة للمعارضة على الرغم من التحديات لسلطته.

وقال المدير في شركة اجوكو الذي طلب عدم نشر اسمه "لسنا بحاجة الى وزير للنفط الان... اذا كنا نتعامل مع المجلس الوطني الانتقالي مباشرة فلماذا نضع اخرين بيننا.." وتتمسك بعض قيادات المعارضة ببوقيقس وتشير الى خبرته واتصالاته مع المشترين المحتملين للنفط الليبي.

كما حاولت المعارضة تحويل مجموعة من المقاتلين المتطوعين غير المسلحين جيدا الى جيش قادر على السيطرة على الاراضي والاحتفاظ بسيطرته عليها لكن هذه المحاولات طغى عليها ارتباك بشأن من الذي يدير الامور.

يقول المجلس الوطني الانتقالي ان عبد الفتاح يونس وزير داخلية القذافي السابق الذي انشق عليه في بدايات حركة المعارضة يقود الحملة العسكرية.

ولا يتمتع يونس بثقة بعض قيادات المعارضة وقال العقيد احمد باني وهو متحدث باسم المعارضة لرويترز في مارس اذار ان خليفة حفتر هو القائد الفعلي لجيش المعارضة.

وحفتر قائد عسكري سابق ساند انقلاب عام 1969 الذي جاء بالقذافي الى الحكم وأصبح عضوا في مجلس قيادة الثورة قبل أن ينفصل عنه عام 1987 . وأكد حفتر الذي عاش في الاعوام العشرين الماضية بالولايات المتحدة أن يونس ضابط يلعب دورا لوجيستيا وداعما في صفوف قوات المعارضة.

وحين طلبت من باني توضيح الموقف في الرابع من مايو ايار قال لرويترز ان جميع المقاتلين على الارض مسؤولون عن تحرير ليبيا وانه ليست هناك حاجة الى ذكر اسماء بعينها.

وقال شاشانك جوشي المحلل بالمعهد الملكي لدراسات الدفاع والامن في لندن "لم ار أدلة بعد على أن الانقسام في القيادة العسكرية قد حسم." وأضاف "من الناحية السياسية وجود قيادة عسكرية منقسمة خطير لانه يمهد الارض لظهور قادة فصائل." وزاد من الارتباك التصريحات الفوضوية والمتضاربة التي تدلي بها قيادات المعارضة.

وحين قال محمود شمام المسؤول عن الاعلام وشؤون المعلومات للصحفيين في روما ان اسبانيا وهولندا والدنمرك اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي كممثل شرعي لليبيا سارعت تلك الدول الى نفي هذا.

وقال عبد الحفيظ غوقة المتحدث الرسمي باسم المعارضة في ليبيا انه هو الوحيد الذي له الحق في الحديث عن هذه الامور ثم أعلن بكل فخر أن ايطاليا التي اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي وافقت على امداده بالاسلحة.

وقالت الحكومة الايطالية ان هذا غير صحيح. وفي ظل الانقسامات والرسائل المتضاربة يتساءل خبراء في الشؤون الليبية كيف ستتمكن المعارضة المسلحة من تشكيل حكومة قابلة للحياة تضع مجموعة من السياسات اذا سقط القذافي وهو الهدف الوحيد الذي جمع بينهم. لكن لا أحد يقول ان المشاكل بدرجة من السوء تدفع الدول الغربية الى مراجعة دعمها العسكري والمالي للمعارضة المسلحة.

وقال هارتويل "اذا سحبوا دعمهم وتركوا شرق ليبيا لحاله فسيمثل هذا اخفاقا سياسيا كبيرا... لا يمكن السماح بحدوث هذا من أجل مصداقية الامم المتحدة وكل الاطراف المعنية الاخرى."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/آيار/2011 - 20/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م