التحالف الامريكي مع برابرة القرون الوسطى

رسالة إلى الإدارة الأمريكية

محمد سعيد المخزومي

من المنطقي الثابت عقلا أن الحكومات تحب أنظمتها فتدافع عنها، وأفضل أسلوب للدفاع هو مطابقة القول عندها لأفعالها، وإظهار مصداقية إنسانية أفعالها في الواقع الخارجي للحياة، فيزداد عندئذ أنصارها ويكثر أصدقاؤها وتقوى يوما بعد يوم، ولذلك جاءت الحكمة الحضارية عن أمير المؤمنين عليه السلام كي تعلّم الإنسان الفرد في المجتمع، والسياسي خارج السلطة، والحاكم في سدة الحكم، فقالت (من لان عوده كثفت أغصانه).

في الواقع، لست محللا سياسيا، وليس لي في السياسة مطمع، بل أنا إنسان أنظر إلى الحياة بنظرة حقيقية تعتمد ثوابت واضحة كثبوت حقائق الفيزياء والكيمياء والطب والهندسة التي من يخالفها لا يؤذي إلا نفسه كما يؤذي غيره.

ولأننا نعيش عالما يشهد تطورات كبيرة في كل مكان، وخصوصا العالم العربي فقد رأيت أن أضع حقائق مهمة في الحياة يحتاجها السياسيون والمفكرون وكل من يعنيهم أمر الإنسانية على سطح هذا الكوكب الصغير، فكانت الحقائق كما يلي:

الحقيقة الأولى

إذا أراد البشر أن يعيشوا السعادة الحقيقية فليغيروا منطلقاتهم في الحياة بما ينسجم وقوانين الحياة التي وُجدوا على الأرض من اجلها.

الحقيقة الثانية

نحن أسرة بشرية نسكن بيتا واحدا هو الأرض، وعليه فأية حركة أو قرار يؤذي واحدا من أعضاء هذا البيت سوف يسري الأذى للجميع، حتى وإن وضع أحدهم قطنا في أذنه فانه سيتألم مما صنع لأن وضع القطن هو أذى في حد ذاته ويعكر صفو الحياة.

الحقيقة الثالثة

الحضارات في الأرض عادة تخضع لقوانين الحياة كما يخضع لها جسم الإنسان، بحيث تبدأ بمرحلة التكوين، الطفولة، الشباب، الهرم ثم الموت.

الحقيقة الرابعة

بقاء الإنسان يطول نسبة إلى انسجامه مع نظام الحياة المخلوق من أجله كأن يأكل ويشرب بنسبة جيدة وبنوعية جيدة من أجل أن يخدم صناعة الحياة على الأرض. وكلما كان الإنسان معطاءً يعمل بالاتجاه الصحيح لصناعة الحياة، فيفكر نافعا، ويعمل نافعا، ويبدع بما ينفع الناس، كان أكثر سعادة وأكثر بقاءً.

بعكس الذي يسير في الاتجاه المعاكس للحياة كأن يأكل ويشرب لا بنوعية جيدة ولا بكمية سليمة ثم يعمل لنفسه على حساب أذى الآخرين، عندئذ لا يشعر بالسعادة الحقيقية ثم تنتقم منه قوانين الحياة فتصيبه النكبات والأزمات النفسية والصحية وغيرها.

إذن بقاء الإنسان مرهون بسعادته، وسعادته مرتبطة بمقدار عطاءه الايجابي في الحياة.

الحقيقة الخامسة

الحضارات هي الأخرى تدوم نسبة إلى انسجامها مع نظام الحياة، ولأن نظام الحياة قائم على أساس خدمة الإنسان وسعادة البشرية في الأرض، فقد صار بقاء الحضارات متناغم مع إسعاد الإنسانية في الأرض، لأنه جزء من أسرة بشرية واحدة تقطن بيتا واحدا، يتأثر ويؤثر بعضهم في بعض سلبا أو إيجابا.

الحقيقة السادسة

هنا يجب علينا أن توضح أمرا مهما وهو أن فرقا بين الحضارة والمدنية.

فالمدنية Civilization بمعنى: (Urbanization)

وهي مجموعة من البشر يعيشون في المدينة يفكرون بثقافة معينة تدفعهم للاستفادة من معطيات المدينة كالزراعة والصناعة والتقنية وما يرتبط بها ونظام الحكم الذي يدير شؤونهم، وتعمل على تطوير وسائل عمارة المدينة بما يخدم مجتمع تلك المدينة، خلافا للبدو الذين يختلفون تماما عن هذا المفهوم.

بينما الحضارة Civilization بمعنى: (Hdara)

والحضارة تعني حضور أرقى أنواع القيم الإنسانية في نفس الإنسان الفرد والمجتمع.

فمعناها أعمق، هي مجموعة من البشر يسكنون أرضا معينة يحملون فهما معينا عن الحياة من المبدأ حتى الممات ولها تفسير عن كافة ظواهر الحياة، ثم تعمل على بعدين أساسيين :

الأول: تستفيد من معطيات المدنية بمعنى (Urbanization) كالتقدم الزراعي والصناعي والتقني وما يرتبط بها ولهم نظام حكم يدير شؤون حياتهم مثل المدنية تماما.

الثاني: وهو الذي يميزها عن المدنية هو: حضور أرقى أنواع القيم في نفس الإنسان الفرد وكذلك المجتمع، بحيث تهتم هذه القيم بما يلي:

1- العمل على تطوير وسائل عمارة الأرض وإصلاحها مثل وظيفة المدنية بمعنى (Urbanization).

العمل على التنمية البشرية واحترام الإنسان كعنصر مهم في الأسرة البشرية ولا تفرق بين إنسان وآخر في الأرض إلا بمقدار عطاءه لتطوير الإنسانية.

2- التهيئة لمستلزمات التنمية البشرية مثل احترام حرية الإنسان، إثارة دفائن العقول المبدعة، وتفجير قدرات الإنسان الكامنة، وتوظيفها في صناعة الحياة للمجتمع البشري في الأرض، لأن الإنسان مسؤول عن الأرض ومن عليها.

الحقيقة السابعة

فبمقدار اهتمام الحضارة بالإنسان ورعايتها حقوقه كاملا باعتباره أعلى قمة في هذه الأرض تكون كل المكتسبات المادية دونها (لأن المصالح المادية مخلوقة لأجله وليس العكس) فإن الحضارة تكبر، وتتألق ثم يدوم بقاؤها.

وقد رأينا حضارة الاتحاد السوفييتي التي تدم أكثر من 68 عاما. لأنها كانت قائمة على أساس إهانة الإنسان والدين واحتقاره وجعل الإنسان سلعة رخيصة من أجل تحقيق مصالح الإدارة الحاكمة آنذاك.

الحقيقة الثامنة

إذن فعوامل دوام الحضارات تدور مدار الاهتمام بالإنسان على الأرض، فتوظف كل المكاسب المادية من أجل الإنسان ولا تسحق الإنسان من أجل المكاسب، بينما عوامل انهيارها تدور حول الاهتمام بالمصالح المادية على حساب مصادرة حرية الإنسان وسحق كرامته وتدمير حياته وذلك من خلال الاعتماد على معايير سياسية تسحق كرامة الإنسان وحريته وحياته.

الحقيقة التاسعة

إن مبدأ المعايير المزدوجة من المعايير التي لا تخدم تقدم الإنسان، ولا تنفع تطوير الثقافة، ولا تعمل على إدامة الحضارة، ذلك لأنها تعني تعدد الشخصية عند الفرد والثقافة والحضارة، وهذا يعني غياب ثوابت قيم الحياة عند الفرد المتعدد الشخصية، ليكون ضحيتها الإنسان الذي هو اكبر قيمة في الحياة.

وبالتالي فإن الفرد الذي يستصغر شأن الناس لا يحبه الناس وترفضه قوانين الحياة، وكذلك الحضارة التي تستصغر شأن الإنسان وتحتقره تحكم على نفسها بالزوال، لأنها تعتبره أهون من شيء زهيدة، خصوصا إذا علمنا أن كل الأشياء في الوجود قد خُلقت من أجل الإنسان وليس العكس.

الحقيقة العاشرة

الشعوب العربية، وبعد معاناة طويلة من الدكتاتورية كانت تحلم بالحرية. وحينما دعت الإدارة الأمريكية تلك الشعوب إلى الانتفاضة على حكوماتها والمطالبة بحقوقها المشروعة، تحركت تلك الشعوب كما حصل في المغرب ومصر وليبيا واليمن والبحرين والسعودية وغيرها، وإذا بالسياسة الأمريكية أيدت شعوبا ضد الديكتاتوريات، ودعمتها بالإعلام والموقف السياسي وحتى العسكري، وبنفس الوقت أذنت لدكتاتوريات أخرى لتقمع شعوبها وبوحشية كبيرة كما حصل في البحرين والسعودية، وتلك حقيقة لم تكن خافية على أحد، وهذه كارثة حضارية رهيبة.

الحقيقة الحادية عشرة

البحرين (جزيرة في البحر) معزولة عن العالم، وأن ما يحصل فيها (إبادة جماعية للشعب) بتنفيذ تحالف بربري قبلي طائفي (دكتاتوري) متحجر، وبدعم أمريكي (ديمقراطي) متطور، وهذا تناقض تأريخي خطير؟!

العالم يعرف أن ما يجري في البحرين: قتل المتظاهرين بالأسلحة المحرمة دوليا، إتباع سياسة الاعتداء الجنسي على النساء، وسياسة اعتقال النساء كرهائن للضغط على الأبناء والأزواج الذين كانوا قد شاركوا في مظاهرات سلمية، ثم سياسة ترويع الأطفال، وسياسة التجويع،، وسياسة حرمان العمال من وظائفهم، إضافة إلى سياسة إلغاء المنح الدراسية للطلبة الشيعة في الخارج، وسياسة تدمير دور العبادة، وسياسة إغلاق الصحف التي كانت تنقل أحداث الانتفاضة، وسياسة ملاحقة وقتل واعتقال كل من يثبت مشاركته في الانتفاضة من اجل الديمقراطية، ثم سياسة اعتقال البنات الطالبات، وأن كل من يعتقل تختفي أخباره ويمنع منه حتى محامي للدفاع عنه، ثم أن المتظاهرين السلميين من أجل الديمقراطية يتعرضون إلى محكمة عسكرية.

وكل ذلك من معالم سياسة برابرة القرون الوسطى في بحرين القرن الواحد والعشرين.

الحقيقة الثانية عشرة

إن دعم السياسة الأمريكية لتحالف برابرة القرون الوسطى (من تحالف قبيلة آل سعود، وقبيلة آل خليفة والقبائل الأخرى) ضد الشعوب المطالبة بالديمقراطية أوصل رسالة خطيرة لكافة الشعوب العربية فضلا عن العالم كله بأن (الديمقراطية قد أسقطت الديمقراطية بيدها حينما تحالفت مع دكتاتوريات القبائل الطائفية المتحجرة ضد الشعوب). وهذا ما تفكر به الشعوب التي ترزح تحت دكتاتوريات العالم العربي.

وبموجب سياسة المعايير المزدوجة هذه، فقد فقدت الشعوب العربية الثقة بالديمقراطية، وهذه رسالة خطيرة جدا على مصداقية الديمقراطية في أنظار الشعوب، لو كان أنصار الديمقراطية في الغرب يلتفتون إليها ؟

المطلوب...

إذا أرادت الإدارة الأمريكية والبريطانية معها الانتصار لديمقراطيتها ولمستقبل لحضارتها عليها أن تترك سياسة المعايير المزدوجة وأن تضع في حساباتها قيمة الإنسان الكبرى، وتحترم إرادة الشعوب، وهذه قيمة حضارية كبيرة، وأن تنقذ شعب البحرين والسعودية واليمن وخليج النفط العربي من وحشية مخالب دكتاتورية القبائل المصدرة للإرهاب العالمي.

كما عليها أن تقف إلى جانب الشعوب لمحاكمة الضالعين في حروب الإبادة ضد شعوبها وخصوصا أن ما يجري في البحرين أمر يندى له جبين الإنسانية وصفحة سوداء في تاريخ الأنظمة التي تصدت لشعب يطالب بحريته وحقوقه وفق منطلقات الديمقراطية كما بينتها شعارات المتظاهرين لصفحات الإعلام العالمي.

الحقيقة الثالثة عشرة

التعامل وفق القيم الحضارية سوف يفرز في الطرف الآخر من قبل الشعوب تعاملا بقيم حضارية مماثلة، وهنا سوف تتألق الحضارات وتستقر الحياة، بينما العكس بالعكس، لأن الله تعالى خلق الإنسان حرا، بينما القمع والإرهاب أمر طارئ يزول، وسينتصر الإنسان لحريته في النهاية، وعليه يلزم التعامل مع الشعوب الباقية لا مع الحكومات القمعية الزائلة، وهذه حقيقة حضارية واضحة.

الحقيقة الرابعة عشرة

أأمل من كل مفكري العالم الغربي عموما، وخصوصا الإدارتين الأمريكية والبريطانية أن يكسبوا ود الشعوب، ويعملوا على تنمية الطاقات البشرية وصلاح الإنسانية، وأن يفتحوا صفحة جديدة معها لا مع النظم الدكتاتورية، لأن الدكتاتورية تُفسد ولا تُصلح، وما أصلح دكتاتور في حياة البشرية قط.

وأن لا يتساهلوا مع الديكتاتوريات على حساب الشعوب، بل ليزدادوا لينا مع الشعوب لأنهم الميدان الذي تعيش فيه الحضارات الناجحة لأن (من لان عوده كثفت أغصانه) أي انه تشبيه بالشجرة التي كلما صارت لينة في الحياة كانت أغصانها كثيفة وأوراقها لطيفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/آيار/2011 - 19/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م