شبكة النبأ: من استراليا الى المانيا
يتجدد النقاش حول الوجود الإسلامي ومديات هذا الوجود والاعتراف الرسمي
به كديانة رسمية وثقافة مغايرة ضمن نسيج تلك المجتمعات.
ربما قبل عقد من الزمان لم يكن مثل هذا النقاش موجودا الا ان ما
أفرزته العولمة من نسق ثقافي واحد يحاول الهيمنة والتفرد، وتطور وسائل
الاتصال بين الشعوب والثقافات ادى الى ان تطرح مثل هذه الاسئلة وغيرها
المتعلقة بالاختلاف والتنوع الثقافي والديني على مستوى العالم وعلى
مستوى الدولة الواحدة.
في مصر تحدث عمليات قتل متبادل بين المسلمين والمسيحيين رغم احتفال
الجميع بحصاد الثورة المبكر. في سوريا يحذر المتابعون من حرب اهلية بين
الطوائف اذا استمرت الأحداث بالتصاعد. وفي البحرين حدث ما حدث فيها من
قمع وظلم وتعسف استدعى تعزيزات من الجارة الكبرى السعودية لقمع اصوات
الاختلاف. في نقس السياق تقع مشاجرة في مجلس الامة الكويتي ويغيب
الحوار بين المختلفين.
كل ما سبق يندرج ضمن مفهوم الاختلاف والتنوع الثقافي الذي جعلت له
الامم المتحدة يوما عالميا يصادف الواحد والعشرين من شهر ايار/ مايس من
كل عام.
تعد الثقافة بابسط تجلياتها جزء من حياة كل فرد. فنحن نستمتع
بالثقافة باشكالها المختلفة سواء من خلال الادب او الافلام او
الفنون.كما تتضمن الثقافة أسلوب حياتنا، وقيمنا، وتقاليدنا ومعتقداتنا.
اليوم العالمي للتنزع الثقافي يوفر لنا هذه الفرصة لان نعمق فهمنا حول
قيم التنوع الثقافي ونعيش مع بعضنا البعض بسلام وروح من الحوار
والانفتاح.
وصف المدير العام لمنظمة اليونيسكو السيد كوشيري ماتسورا، التنوع
الثقافي بـ (القوة المحركة للتنمية المستدامة) و (الأداة الحاسمة
لمكافحة الفقر).
ويرى السيد ماتسورا أن الغاية من الاحتفال بهذا اليوم هي (تغذية
تجربة هذا التنوع في جو يكتنفه حب الاطلاع واطلاق الحوار مع الاخر
والاصغاء اليه واختبار الامكانات العملية للتنمية المتاحة من جانب
المؤسسات والمشاريع الثقافية والصناعات الابداعية والسياحة الثقافية
وصون التراث الثقافي لا سيما في اطار خطط التنمية الوطنية وعملية
البرمجة القطرية المشتركة لمنظومة الامم المتحدة).
إن العيش المشترك والتعاون والانسجام، من الأساسيات التي قام عليها
الإجتماع البشري منذ أمد قديم، فلقد اقتضت ظروف الاجتماع البشري والعمل
على تطويع الطبيعة لصالح الإنسان، تعاون الجميع بغض النظر عن اختلاف
الأعراق والثقافات والأديان، وحرصا على أن يظل هذا التآخي قائما بين
الإنسان وأخيه الإنسان وتذويب الفوارق، عملت الدول والمجتمعات
والمنظمات الدولية المتخصصة (اليونسكو) مثلا على وضع برامج لتثمين
التنوع الثقافي وجعله حافزا للتنمية من خلال الحوار والعمل المشترك.
إن العالم الذي نعيش فيه يتشكل من أمم وشعوب مختلفة، فهي أعراق
وأجناس ولغات متعددة متنوعة، غير أن ثمة قيم ومثل عليا تتوحد حولها هذه
الأمم والشعوب وتشكل بالنسبة لها إرثا مشتركا ينبغي حمايته والدفاع عنه.
يعتبر التنوع الثقافي مصدرا مهما في مجال هوية الإنسان وحقوقها
الأساسية. فاختلاف الثقافات الذي يحيط بنا اليوم هو نتاج لآلاف الأعوام
من تفاعل الإنسان مع الطبيعة والعلاقات بين شعوب ذوي أعراف ومعتقدات
وأنماط عيش مختلفة. فعلينا أن نجد طريقة ننقل بها للأجيال المستقبلية
هذا الإرث الذي لا تقدر قيمته بثمن. كما أن توظيفه توظيفا سليما من
خلال التواصل والحوار وتجذير روح المحبة والتآخي بين أبناء المجتمع
الواحد بمختلف أعراقه وثقافاته، يعتبر صمام أمان وضامن أساسي لحوار
حقيقي يشكل سندا قويا للتعايش والتواصل الحضاري.
في العام 2010 أكدت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة المستقلين أن
التنوع الثقافي لا يمكن أن يزدهر الا في بيئة تضمن الحريات الأساسية
وحقوق الانسان وأن الدفاع عن التنوع الثقافي يسير جنبا الى جنب مع
احترام كرامة الفرد.
وأضاف الخبراء في بيان بمناسبة اليوم العالمي للتنوع الثقافي للحوار
والتنمية ان هذا التنوع يتطلب تعزيز الحريات الأساسية مثل حرية التعبير
والمعلومات والاتصالات وعدم التعرض للتمييز من أي نوع وكذلك قدرة
الأفراد على اختيار أشكال التعبير الثقافي وحقهم في المشاركة أو عدم
المشاركة في الحياة الثقافية للمجتمعات معينة مضمونة.
ولاحظ البيان أن وجود بيئة مواتية للتنوع الثقافي سيساهم بطريقة
كبيرة في الاحترام الكامل لحقوق الانسان بينما لا يجوز لأحد أن يستند
الى التنوع الثقافي كمبرر لانتهاك حقوق الانسان أو أن يحد من نطاقها.
وشدد على أن التنوع الثقافي لا ينبغي أن يستخدم لدعم الفصل العنصري
والممارسات التقليدية الضارة التي تسعى باسم الثقافة الى تقديس
الاختلافات التي تتعارض مع العالمية وتجزئة الترابط مع حقوق الانسان.
وذكر البيان بمسؤولية الدول بموجب القانون الدولي لخلق بيئة مواتية
للتنوع الثقافي والتمتع بالحقوق الثقافية والتي تتيح لجميع الأشخاص
الحق في التعبير عن أنفسهم وتلقي التعليم الجيد والاحترام الكامل
للهوية الثقافية والمشاركة في الحياة الثقافية وممارسة تقاليدهم
الثقافية الخاصة التي تخضع لاحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
يشير مفهوم التنوع الثقافي إلى اتسام الثقافة البشرية بسمة التنوع
والاختلاف، فالحضارة الإنسانية منقسمة في فعاليات متنوعة تتمثل في تعدد
المعتقدات وقواعد السلوك واللغة والدين والقانون والفنون والتقنية
والعادات والتقاليد والأعراف والنظم الاقتصادية والسياسية. فكل مجتمع
إذن يسعى جاهدا نحو الحفاظ على هويته وما يميزه ويعطيه خصوصيته
واستقلاله عن باقي الثقافات الأخرى، ومن الواضح أن هذا المصطلح نشأ في
سياق ثقافي معين اتسم بتنامي تعرض الكثير من الثقافات البشرية للتراجع
والاضمحلال والإقصاء و أحيانا الزوال، في الوقت الذي بدأت فيه ثقافات
معينة تنتشر بسرعة على حساب الثقافات المتراجعة و بدا أن بعضها بدأت
تفرض هيمنتها على سائر ثقافات العالم على نحو يهدف إلى سيادة الثقافة
والواحدة ومنحها طابع الكونية.
ولما كانت الثقافة هي مجموع السمات الروحية والمادية, الذهنية
والنفسية التي تميز مجتمعا ما أو جماعة بشرية ما, وتضم الفنون والآداب
وأنماط الحياة وطرق العيش المشترك ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات,
فإن تغييب مبدأ التنوع الثقافي (وفي صلبه مبدأ التعدد والاختلاف) إنما
هو تغييب لكل هذه المظاهر لفائدة مظاهر أخرى "أقوى" أو تدمير لمقومات
ذات التنوع لاعتبارات فوق- ثقافية أو على خلفية من مواقف طائفية أو
إثنية أو لغوية أو تاريخية أو غيرها.
التنوع الثقافي إذن في محك حقيقي من العولمة والكونية وإن كان ذات
المحك نسبيا فيما يتعلق بالشبكات الألكترونية والتكنولوجيا المعلوماتية
وما سواها. ولما كان التنوع اللغوي هو التجلي الأكبر لمبدأ التنوع
الثقافي, فإنه غدا زمن العولمة والكونية الأكثر عرضة للتهديد والخطر,
إذ باندثاره أو انقراضه أو تراجع مفعوله سيندثر ويتراجع مفعول الثقافة
التي تعتبر اللغة "الناطق باسمها", المعبر عن رمزيتها.
وبقدر ما أن التنوع الثقافي هو في محك من العولمة ومن تسيد اقتصاد
السوق ومنطقه, فإن التنوع اللغوي ذاته في محك ذلك وأكثر:
- فهناك أكثر من خمسين لغة بالقارة الأوروبية مهددة, بعضها في عداد
اللغات المحتضرة كما هو الشأن بشمال روسيا والبلدان الأسكندنافية مثلا.
- وهناك بإفريقيا, أكثر من 250 لغة مهددة بالانقراض وما بين 500 إلى
600 لغة في مرحلة تقهقر وتراجع ضمن ما يزيد عن 1400 لغة محلية.
- وهناك, من أصل 104 من اللغات الهندية/الأمريكية, 19 في حالة
احتضار حقيقي و28 لغة مهددة.
هناك, بالمحصلة, أكثر من ثلاثة آلاف لغة مهددة بالخطر في العالم
وبمستويات مختلفة, أي ما يعادل نصف ما هو قائم من لغات على وجه الأرض. |