الشباب والقراءة في زمن متغير

حسن آل حمادة

إن ممارسة إنسان مجتمعاتنا للقراءة (الحرة) التي يفترض أن يقوم بها بمحض اختياره، تمثل نسبة ضئيلة للغاية. فتربيتنا -في البيت والمدرسة- أهلتنا لنوع وحيد من القراءة، وهو القراءة من أجل تحقيق النجاح في المراحل الدراسية المختلفة، من الابتدائية وحتى الجامعية، ثم علينا، مع استلام وثيقة التخرّج، أن نقرأ سورة الفاتحة على سنوات قضيناها في حفظ المقررات الدراسية.

إن الشاب القارئ، هو شابٌ قادرٌ على أن يعيش عصره، ليبقى منتجاً فعَّالاً، وقبل ذلك نجده ذا شخصية قوية، فالقراءة وكما هو ملاحظ، تُساهم بدرجة كبيرة في صقل شخصية الإنسان، والارتقاء بطريقة تفكيره، ورسم واقعه الاجتماعي، كما أنها تساهم في تنمية الاتجاهات والقيم المرغوب فيها لدى الشباب.

لقد لمست من خلال تجارب شخصية -مع شديد الأسف- بأن الطالب ربما يتخرج من دراسته في المرحلة الثانوية، وهو بعد لم يُتِمَّ قراءة كتابٍ واحدٍ بطوعه واختياره! فمسألة العزوف عن القراءة ليست مشكلة فئة الشباب، بل هي مشكلة المجتمع بأسره، وربما كان تركيزنا على هذه الشريحة بالذات، كون الشباب هم الجهة المعَّول عليها من أجل المبادرة لتغيير واقعها والمجتمع معها ايجابياً، عبر احتمائها بالقراءة.

ومع الاسف فان الأمية في أمة اقرأ تصل إلى (70) مليون أمي!! لذا لا نجد غرابة حين نعلم بأن تقرير التنمية البشرية العربي، الصادر عن الأمم المتحدة الإنمائي، يقول بأن نسبة ما يقرؤه العربي في العام هو 6 دقائق فقط، جلّها مخصص لقراءة الكتب الدينية.

أن التقنية الحديثة تنهض بالكتاب، لذا لا مخافة عليه من الانترنت، فنحن بحاجة إليهما معًا، إذ لا يمكن أن يدعي إنسان بأنه قادرٌ على الاستغناء عن أحدهما دون الآخر؛ فلكل وعاء فائدته، ولكل وردٍ رائحته!! فالإنترنت ليس بقادرٍ على إزاحة الكتاب من يد قارئه، كما أنه  ليس بالإمكان التخلي عن الإنترنت في عصر ثورة المعلومات وانفجار المعرفة، بالاكتفاء بقراءتنا لكتاب!!

وربما يصح لنا القول: إن شبكة الإنترنت قد ساعدت في ترويج الكتاب ونشره، ولم تستطع أن تحل محله، إذ بقي كل واحدٍ منهما محافظًا على موقعه، كما هو شأن المعركة بين الصحافة والإذاعة، أو السينما والتلفزيون قديمًا.

فالبعض قد يلجأ للإنترنت كوسيلة للقراءة، والبعض الآخر قد يلجأ للكتاب بشكله الورقي، ولا مشكلة في ذلك، إذ إن المهم أن يقرأ الإنسان.. ففي السابق، كان البعض يقرأ على كرب النخل أو على جلود الحيوانات، و...إلخ. فالشاب قد يميل إلى الوسائل الحديثة؛ بينما يركن كبار السن إلى الكتاب بشكله التقليدي.

 إن المجتمع القارئ يعيش التقدم في مختلف المجالات، والمجتمع غير القارئ يعيش التخلف أيضًا في مختلف المجالات.. فالفقر، والبطالة، والجهل، والتطرف، وكل الأمراض التي نعيشها سببها تخلينا عن الكتاب. لذا قد نلتمس العذر للشاعر سعيد عقل، حين اقترح أن تستن الدولة سحب الجنسية اللبنانية من كل شخص لا يقرأ 12 كتاباً في السنة، لأن من لا يقرأ في زمن الثورة المعرفية يرتطم في الوحل، ويسحبنا معه.

* محاضرة القيت بالكلية التقنية بالقطيف

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/آيار/2011 - 18/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م