الثورات العربية ومرحلة ما بعد الإسلاموية

 

شبكة النبأ: في 4 أيار/مايو خاطب جيليس كيبل ومارتن كريمر منتدى سياسي في معهد واشنطن. والدكتور كيبل هو رئيس دراسات الشرق الأوسط والبحر المتوسط في معهد الدراسات السياسية في باريس ومؤلف: "ما بعد الإرهاب والاستشهاد: مستقبل الشرق الأوسط "(2008).

يقول جيليس كيبل: في الوقت الذي يستمر فيه "الربيع العربي" في التكشف يُطرح سؤالان: أولاً، ما هي الأسباب الأساسية للتغييرات المهمة التي تحدث في المنطقة؟ ثانياً، كيف نقرأ نتائج الثورات في دول مثل تونس ومصر؟

وفيما يتعلق بالأسباب، كانت البيئة السياسية والاقتصادية التي سبقت "الربيع العربي" ملائمة بشكل خاص لانتفاضات شعبية. فقد تضاعف سعر الأرز والقمح في مصر ثلاثة أضعاف تقريباً، بينما ارتفعت تكلفة المعيشة بشكل حاد في تونس بالتوازي مع معدلات البطالة الكبيرة بين الشباب. وعموماً، لا يمكن إنكار آثار العولمة والاقتصاد العالمي الكاسد.

وفي الوقت نفسه، فإن الرخصة التي منحتها الجماهير العربية للمستبدين من أجل كبح القوى الإسلاموية قد انتهت صلاحيتها بشكل كبير. وحيث بدأ نفوذ أسامة بن لادن في التلاشي وتضاءل تهديد تنظيم «القاعدة»، كسبت الحركات الديمقراطية العربية جاذبية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن شيخوخة قادة إقليميين كانت تعني ظهوراً أكبر لأسرهم ومقربيهم مما كشف عن عدم الكفاءة والفساد العميق.

ومع ذلك، فقد اختلفت الثورتان التونسية والمصرية في كل من البيئة والنتائج. ففي حين بدأت الانتفاضة التونسية بقيام محمد البوعزيزي بالتضحية بنفسه، كانت تلك الانتفاضة حركة احتجاج اجتماعية في المقام الأول. وقد أصبحت ثورة كاملة عندما شكل الشعب من جميع الطبقات الاجتماعية جبهة موحدة صممت على إسقاط نظام بن علي. وكانت نقطة التحول عندما اعترض رئيس أركان الرئيس بحزم على استخدام القوة العسكرية ضد المتظاهرين المسالمين.

وحالياً، فإن القوى الثورية في البلاد -- التي تتكون من طبقة متوسطة من رجال الأعمال -- تكافح من أجل إعادة إصلاح الاقتصاد. وفي الوقت الذي تستمر فيه البطالة والضعف المؤسساتي يهاجر الكثير من التونسيين إلى أوروبا، بينما يتعرض الاقتصاد لخطر الانهيار. وسياسياً، تتمتع تونس بتقاليد عريقة في ممارسة العلمانية، وبالتالي فإن الإسلاموية في تلك البلاد هي أقل مدعاة للقلق عنها في مصر. ويدّعي الإسلاميون السائدون في تونس بأنهم وطنيون مهتمون بدخول العملية الديمقراطية متخذين من تركيا نموذجاً لهم.

وبالنسبة لمصر، فقد جاء ثوارها في البداية من حركة الشباب. وحيث تكشفت الثورة في "ميدان التحرير" وتم بثها مباشرة من على شرفة شقة، أصبح المشهد مسرحاً عالمياً انتشر منه الخطاب الثوري للبلاد. غير أن التباينات قد استمرت بين الوحدة التي شوهدت على ذلك المسرح وبين التفتُت [الذي كان دائراً] تحت السطح. ولهذا السبب لم تنتقل أهداف الثورة إلى داخل الحياة السياسية المصرية، فظهر فراغ سياسي فاقمته الطائفية.

وعلى الرغم من أن دور الإسلامويين في المشهد السياسي المصري المتطور يثير القلق للكثيرين في الغرب، إلا أن الإسلامويين أنفسهم ممزقون. فجماعة «الإخوان المسلمين» وحدها منقسمة إلى ثمانية فصائل مختلفة، ولكل منها أجندة مختلفة. ويتمثل التفتُت الأبرز في صفوف «الجماعة» في طبقة الجيل. فعلى سبيل المثال، إن الأعضاء الشباب بين «الإخوان المسلمين» هم أكثر علمانية من كبار السن، وقد ساعدوا على قيادة المظاهرات جنباً إلى جنب مع الشباب الآخرين. كما يفهمون المبادئ الديمقراطية بشكل أفضل، ويدفعون بـ جماعة «الإخوان» لتصبح أكثر ديمقراطية كمنظمة.

وعلى النقيض من ذلك، يتمسك البعض من الجيل الأكبر سناً مثل عبد المنعم أبو الفتوح بالهيكل الاستبدادي التقليدي لـ جماعة «الإخوان المسلمين»، ويحترسون من التكيف مع مطالب الشباب الأقل تحفظاً. ويتساءل الكثيرون الآن عما إذا كان باستطاعة تلك الفصائل المتباينة أن تتوحد ضمن خط حزبي واحد أم لا. ويشكل السلفيون أيضاً تهديداً كبيراً من معقلهم في صعيد مصر، وليس من المرجح أن يصوتوا لمرشح إسلامي أكثر اعتدالاً.

وفي أماكن أخرى، نجد أن غموضاً كبيراً يكتنف النتيجة المحتملة في سوريا، وهي بلد مقسم إلى طوائف وهويات عرقية مختلفة. وخلافاً للجيشين المصري والتونسي فإن الجيش السوري مرتبط بشكل وثيق بالنظام. كما أن الطبقة الوسطى السنية لم تنضم إلى المظاهرات بقوة كاملة نظراً لخوفها من أن يؤدي تغير النظام إلى نشوب حرب أهلية. وبالنظر إلى دور سوريا كلاعب رئيسي في عملية السلام العربية الإسرائيلية، فإن نتائج الاضطرابات المستمرة هناك يمكن أن يكون لها تداعيات إقليمية هائلة.

فيما يرى مارتن كريمر: على الرغم من أن التشبيهات التاريخية قد أصبحت مَوْشُورات مشتركة تُرى من خلالها الأحداث الأخيرة في المنطقة إلا أنها موشورات خادعة. إن إلقاء الضوء على النماذج التي ظهرت في الأشهر القليلة الماضية هي أكثر نفعاً وخاصة من ناحية معالجة مسألتين رئيسيتين. أولاً، هل ما يسمى بـ "الربيع العربي" يؤشر على وصول عروبة جديدة ويبعث إحساس بالوحدة؟ ثانياً، هل سيحقق ذبول تدريجي للإسلاموية؟

ويقول: فقاً لإحدى الرؤى، لدى "الربيع العربي" القدرة ليس فقط على جلب الديمقراطية إلى العالم العربي بل على توحيده أيضاً. ويُفترض أن تُثبت سلسلة الثورات بأن هناك وعياً عربياً، وهي الرؤية التي يعتنقها الحرس القديم للقوميين العرب الذين يتأسفون على حدوث التفتُت الماضي، ويؤمنون بأن المشكلة الأساسية في المنطقة هي ليست في غياب الديمقراطية وإنما في انعدام الوحدة [الوطنية]. إن المصيران المتشابهان للحاكمين المصري والتونسي إنما يقويان فكرة "الربيع العربي"، بمعنى أن ظاهرة عضوية واحدة تتجلّى في أشكال مختلفة.

ومع ذلك، فإن "الربيع العربي" حالياً قريب منا ويبدو بالفعل مختلفاً جداً. فالثورات المتوقفة في البحرين وليبيا وسوريا هي دليل على أن الفئة الواسعة التي نطلق عليها "العرب" يتم تعريفها بالخصوصيات مثلما يتم تعريفها بالمشتركات. وعلى الرغم من أن جملة "الوضع الراهن غير قابل للاستمرار" قد أصبحت هي الأنشودة المتكررة للسياسة الأمريكية، إلا أن ذلك ليس دائماً صحيحاً. ربما كان صحيحاً في مصر، لكن في ليبيا، إن التمرد هو الذي أثبت أنه غير قابل للاستمرار دون تدخل خارجي.

وهكذا تحول "الربيع العربي" إلى تسمية خاطئة تُخفي أكثر مما تُظهر. وفي حين انتشرت الثورات من دول متجانسة إلى أخرى أكثر انقساماً فقد أضرمت من جديد جذوة الطائفية والإقليمية والانفصالية وليس العروبة. فليبيا والسودان والفلسطينيين متمزقون بالفعل إلى فرقتين نتيجة للتمرد والاستفتاءات والانتخابات.

ويتمثل نقد المستعربين لخريطة الشرق الأوسط على كونها من بقايا معاهدات صاغتها إمبراطوريات أوروبية أصبحت الآن في حكم العدم كالإمبراطورية العثمانية. إن الكثير من الدول في مرحلة ما بعد العثمانية هي نفسها إمبراطوريات مصغرة يحكمها سلاطين من سلالة واحدة ووجهاء بالوراثة.

وعندما ظهرت احتمالية تفكك العراق منذ نحو خمس سنوات رسم العلماء خرائط جديدة حاولوا عن طريقها توضيح الشرق الأوسط المنتظَر. وربما ينبغي لهذا التخمين أن يبدأ من جديد، حيث من غير المستبعد أن تكون المحصلة حدوث انقسام في أعقاب الاضطرابات الاخيرة كتوقع قيام ديمقراطية وفي الواقع ربما يكون الانقسام ضرورياً للديمقراطية. وثمة طرح يستحق التأمل وهو أن الخريطة الحالية قد عززت الحكومات القسرية.

وفيما يتعلق بالإسلاموية، فقد أكد علماء بارزون بأن العالم العربي هو الآن في مرحلة ما بعد الإسلاموية. ويشير هؤلاء إلى أن الأحداث الأخيرة كان يقودها شباب علماني، حيث كان الإسلامويون بعيداً في المؤخرة. كما يدّعون أيضاً بأن الإسلامويين قد تحولوا بشكل كبير بحيث أصبحوا ما بعد الإسلامويين. ويخلص الباحثون بإعادة تعريف الإسلاموية بصورتها الأكثر تطرفاً، والتي يزعمون أنها باتت في حالة انهيار.

ومع ذلك، تبقى الكثير من القوى في المزيج الثوري، ولا أحد يستطيع أن يحدد أيها الذي سيسود. وتتمثل الاستراتيجية الإسلامية بـ "القيادة من الخلف"-- ويمكن أن نجد الأدلة الوافرة لذلك في التقارير عن قوة ومكر السلفيين و«الإخوان المسلمين»، وهم المنافسون البارزون في الساحة السياسية المصرية. وبناءاً على ذلك، سيكون من الخطأ الاعتقاد بأننا نعيش في عالم ما بعد الإسلاموية. فالإسلامويون يغيرون أحياناً مدارهم لكنهم لا يتحدون جاذبية أفكارهم. ولو كان هناك أي خيط موحِّد عابر للحدود في "الربيع العربي" فمن المرجح أن يكون ذلك هو الميول الإسلامية التقليدية الشاملة لـ جماعة «الإخوان المسلمين» وليس الوحدة العربية.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/آيار/2011 - 17/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م