شبكة النبأ: يمثل التنوع الثقافي
"التراث المشترك للبشرية" وفقاً للإعلان العالمي لليونسكو المتعلق
بالتنوع الثقافي للعام 2001، ويرى المعنيون أن التنوّع الثقافي يشكل
الآن أشدّ القضايا العصرية إلحاحاً، والسبب يكمن في الروابط والمشتركات
الواسعة التي يتيحها تنوع الثقافات لتعزيز العلاقات بين أمم وشعوب
العالم.
وتستدعي قضية التنوع الثقافي تعزيز المشتركات الانسانية، ونشر ثقافة
القبول بالآخر، والحث على احترامه، بكل ما ينطوي عليه من خصوصية قد
تتقاطع أحيانا مع غيره من الافراد او الاقوام، ونظرا لصعوبة تحقيق مثل
هذا الهدف بسبب التمسك بـ (الخاص) على حساب التنوّع والتشارك والتلاقح
الانساني، فإن الحاجة لـ (العقل الاخلاقي) تبدو كبيرة، بل حتمية، كونه
يمثل حلا مثاليا وعمليا، لتذويب الفوارق والتقاطعات بين بني الانسان في
عموم المعمورة.
لقد اقترح هوارد غاردنر في كتابه الشهير (خمسة عقول من أجل المستقبل)
سلسلة من العقول، أو خمسة عقول، بعضها يقود الى البعض الآخر، ويعمل في
خدمته والوصول إليه، في سلسلة عمليات إجرائية وفكرية متواصلة، تنتقل
بالانسان من العقل التخصصي الى/ العقل التركيبي الى/ العقل الابداعي
الى/ العقل المحترِم/ وصولا الى العقل الاخلاقي بالنتيجة.
فما هي ميزة العقل الاخلاقي ومؤهلاته، ولماذا تحتاجه البشرية لتعزيز
التنوع الثقافي ؟
إن غاردنر يعرّف العقل الاخلاقي ببساطة شديدة، فيقول عنه إنه العقل
الذي يفضّل مصلحة الآخر على مصلحة الذات، بمعنى أوضح، إنه عقل إيثاري
تضحوي - إذا قُبِلَ هذا التعبير- فهو يضع مصالح ومنافع الآخرين فوق
مصالح ومنافع الأنا، هذا هو العقل الذي قادت إليه سلسلة من العقول
الخلاقة، وهو قادر على أن يحقق فتحا واسعا وشاملا للعالم، في مجال
تعزيز التشارك والتعاون والتكافل والاحترام.
لهذا يُعدّ هذا النوع من العقول بوابة واسعة لتعزيز التنوع الثقافي،
كونه يتمتع بقدرة كبيرة على تذويب التقاطعات بينه وبين الآخر بسبب ميزة
الإيثار، أما الكيفية التي يمكن من خلالها تحصيل العقل الاخلاقي، فإن
غاردنر يقدم للعالم حزمة من الخطوات الاجرائية والفكرية في كتابه
المذكور، والتي قد تبدو مثالية أحيانا، لكن الانسان بحسب غاردنر لايملك
خيارات متعددة فيما لو أقرَّ بأهمية صنع عالم مستقبلي مشترك تلتقي فيه
المصالح بدلا من أن تتضارب، وتسوده روح الحوار بدلا من القوة، وتميزه
الثقافة المشتركة بدلا من ثقافة التمييز والاقصاء والتصادم.
هكذا يمكن للتنوع الثقافي أن يتعزز، ويمكن بدوره أن يسهم بقوة في
القضاء على بؤر التطرف ومنابع العنصرية باشكالها المختلفة، وكذلك يُسهم
بقوة في تنمية الموارد والطاقات والمواهب الفردية والجماعية، ويساعد
على بث روح الحوار البنّاء بدلا من تنمية مسارات الأنا والتقاطع
والتصادم مع الآخرين.
ويمكن للعقل الاخلاقي أن يساعد الانسان على بلوغ هذا الهدف، من خلال
تنمية عناصر وعوامل إحترام الآخر، على أننا لابد أن نتفق أولا على
أهمية الجهد السياسي والثقافي والنخبوي عموما في الحث والمساعدة على
صناعة العقل الاخلاقي، وهذا يعني أن البشرية الآن في أمس الحاجة لهذا
العقل، لكي تحفظ تراثها المشترك، ممثَّلا بالتنوع الثقافي الانساني
الهائل.
وثانيا نحن نحتاج لهذا العقل لكي نصنع عالمنا المنسجم مع نفسه، من
خلال إبداء ما يكفي من الاحترام المتبادَل، ونبذ التفضيل الذاتي،
واحترام ثقافة الآخر حتى لو انعدم مسوّغ القبول بها لأسباب مبدئية أو
فكرية أو غيرها.
إن علاقة التنوع الثقافي بالعقل الاخلاقي تبدو أساسية، لهذا يمكن أن
تستفيد الامم من تنوع الثقافات للمساعدة على بلوغ هذا النوع من العقول،
مثلما يمكن لهذا العقل أن يعزز التنوع الثقافي حتى تتمكن الانسانية من
التغلب على المصاعب الجوهرية التي تواجهها الآن أو في مستقبلها الشائك. |