ما هو الـ Noetic Sciences؟

مهند حبيب السماوي

ظهر مصطلح Noetic Sciences عام 1973 باعتباره حقل متعدد التخصصات وميدان واسع الابحاث يحاول ان يجمع بين المعرفة العلمية المستندة الى الموضوعية والتجربة المحسوسة وبين المعرفة الداخلية الذاتية التي تستند الى الحدس والحس الباطني والالهام، وهذا كله يأتي من اجل دراسة المدى الشامل الرحب للتجربة الإنسانية التي تتخطى المدرك الحسي والمعطيات الملموسة.

وقد تأسس في تلك السنة معهد العلوم العقلية Institute of Noetic Sciences (IONS) على يد عالم الفضاء السابق ايدجر ميشيل والمستثمر بول تيمبل، ليجمع الدراسات والبحوث المتعلقة بهذا العلم الذي يحاول سبر غور الممكنات الإنسانية والمعرفة الذاتية والخبرات الباطنية التي تمر في حياة الإنسان.

المديرة الحالية لمعهد العلوم العقلية الدكتورة كاسندرا فيتن، كتبت مقالا نشر يوم 10-5-2011 حول Noetic Sciences حاولت فيه ان تُعرف القارئ بهذه العلوم. والدكتورة كاسندرا عالمة سيكولوجية سريرية مُجازة متخصصة في موضوعات الوعي.

 وبالاضافة الى عملها كمديرة لهذا المعهد، فهي مدير مشارك في مجموعة أبحاث الطب العقلي والجسدي في مركز كاليفورنيا الطبي في معهد أبحاث سان فرانسيسكو، وهي أيضاً رئيس مساعد في معهد الروحية والسيكولوجية.

تشير الدكتورة كاسندرا في بداية المقالة الى كتاب " الرمز المفقود " لــ دان برون الذي تصف كتابه الذي يتحدث فيه عن العلوم العقلية بانه حقق اعلى المبيعات، حيث تؤكد بانها عندما تقدم نفسها للحضور كمديرة أبحاث معهد العلوم العقلية، فان الحضور دائما يستجيبون على ما قالته بعبارة "عظيم...امممممم..وماهي العلوم العقلية؟.

ولذا تقوم كاسندرا بتحليل المصطلح واعطاء تعريف لكل كلمة فيه، ف Noetic من الاصل الإغريقي noēsis/ noētikos وهي تعني الحكمة الداخلية او المعرفة المباشرة او الفهم الذاتي، وقد تم تعريفه بواسطة الفيلسوف وليم جيمس عام 1902 حينما أشار إلى

انه " حالات النفاذ الى أعماق الحقيقة التي لم يُسبر غورها بواسطة العقل الاستطرادي فهي تنوير روحي والهام مليء بالأهمية والمعنى والأشياء التي نعجز عن الإفصاح بها ".وهي بمثابة نظام يحمل معه شعور عجيب بالقوة الباطنية". اما science فهو مجموعة من المعرفة المكتسبة التي تستخدم الملاحظة والتجربة من اجل وصف وتوضيح وشرح الظواهر الطبيعية.

ونصل الى المصطلح المركب noetic sciences الذي يعني العلوم العقلية وهي حقل متعدد التخصصات يجمع أدوات المعرفة الموضوعية والتقنية سوية مع المعرفة الداخلية الذاتية من اجل دراسة المدى الشامل للتجربة الإنسانية وبكلمات أخرى هنالك عدة طرق نستطيع من خلالها معرفة العالم من حولنا.

تؤكد الباحثة كاسندرا ان العلم يركز على الملاحظة الخارجية ويقوم على اساس التقييم الموضوعي والقياس والتجربة وهذا مفيد في تعزيز الموضوعية والحد من التحيز وعدم الدقة اثناء تفسيرنا لما نلاحظه.

لكن هنالك طريقة أخرى في المعرفة، بحسب الباحثة، هي المعرفة الذاتية او الداخلية التي تتضمن المشاعر الشخصية، الحدس، والحس الباطني، وهي الطريق التي تعرف من خلاله، كمثال على ذلك، انك تحب أطفالك، او الخبرات التي تملكها والتي لا تستطيع أن تفسرها أو تقيم الدليل عليها لكنك تشعر بدون أدنى شك أنها حقيقية.هذه الطريقة في المعرفة هي ما نطلق عليه اسم noetic أي عقلية.

ومن خلال وجهة النظر المادية والميكانيكية المحضة فان كل التجارب العقلية تنبع من العالم الفيزياوي المادي.... والوعي ببساطة هو نتاج نشاط وعمليات الدماغ والجسد. اما العلوم العقلية فهي تركز على محاولة استخدام الأساليب العلمية لدراسة التجربة الذاتية والطرق التي من خلال يؤثر الوعي على العالم المادي.

والوعي قد تم تعريفه من خلال عدة طرق.. في المستوى الأول الوعي ببساطة هو الإدراك...كيف تُدرك الناس وتفسر وتوجه انتباههم ومقاصدهم باتجاه بيئتهم. اما الوعي الجمعي فهو كيف تدرك المجاميع ( مجتمعات وأنواع بشرية) العالم وتجعل هنالك له.

وفي بعض الصيغ نجد الوعي يذهب ما وراء الإدراك وحينها يتضمن كل شيء ندركه ونجربه حتى على مستوى المساحات التي هي دون الوعي. وفي مستواها الأرحب فان اغلب الإحساسات الشاملة تشير الى بيئة واسعة من الممكنات...أي الأرض المشتركة للوجود التي منها كل التجارب والظواهر تنبع وتعود نهائيا.

تضع الباحثة في وسط المقالة ملاحظة مهمة تعقبها سؤال أهم يتعلق بهذه العلوم فتقول ان الفرضية الأساسية التي تقف وراء العلوم العقلية هي مسالة الوعي... والسؤال هو متى وكيف ولماذا يصبح الوعي مهم؟

بعدها تتحدث عن معهد العلوم العقلية؟ فتؤكد انه منذ بداية نشوء المعهد عام 1973، وهي السنة التي تم فيها صياغة هذا المصطلح، سبر معهد العلوم العقلية غور الأسئلة الكبرى التالية: من نحن؟ ما هي ممكناتنا؟ وكيف نستطيع تحقيق هذه الممكنات؟ مالذي يقودنا للعلاج الشخصي والاجتماعي والتحول والتطور؟ فالعمل يستند في هذا المعهد إلى فكرة أن المحددات في الوعي الإنساني وفي فهمنا له تكمن وراء الكثير من المشكلات الأكثر الحاحاً الملحة التي تواجهنا كمجتمع عالمي ( العنف، عدم المساواة، سوء استعمال الموارد ) وان الفهم الواسع لطبيعة الوعي سوف يقلل المعاناة والمشكلات ويعزز جودة الحياة للجميع.

مهمتنا تكمن، في رأي كاسندرا، في " الدفع بعلم الوعي والتجربة الإنسانية لكي يخدم التحول والتطور الفردي والاجتماعي" ولذلك يركز بحثنا على الطبيعة الأساسية للوعي، تفاعلاته مع العالم المادي الخارجي وكيف تستطيع التجربة الإنسانية للشعور من التغير والتحول بصورة ملحوظة. فنحن، أي الباحثة والباحثون معها، نحاول دراسة، تفاعل العقل والجسد بطريقة تبادلية، والكشف عن اثر ذلك على الصحة الفردية والاجتماعية، وهذا كله جزء من الدراسات التطبيقية والاكلنيكية التي تختبر فعالية العالم الحقيقي للوعي.

وتؤكد الباحثة باننا نحاول دراسة الوعي بواسطة تدريب العلماء الشباب من خلال برنامج الزمالات الدراسية وتنشيط العمل الجديد المبدع من خلال المكافئات وبعض البرامج الصغيرة وتسهيل الدراسات الاستراتيجية واللقاءات بين العلماء لتعجيل تطور الدراسات الجديدة. ونقوم بتحليل وتركيب مكونات المعرفة ومعرفة دور الوعي في الشفاء ونقوم بنشر هذا الخلاصات واستعمال ماتعلمناه لتحديد الخطوة اللاحقة.ثم نكتب ذلك في مجلات علمية متخصصة ونناقشها في اجتماعات الباحثين بالاضافة الى اجراء لقاءات عامة لكي نقوم اخيرا بترجمة ماحصلنا عليه الى نتاجات ومناهج تربوي للمشاهدين المستهدفين.

وتشير كاسندرا الى ان فكرة الوعي الكوني او الشامل هي ليست فكرة عصر جديد اثيري انها حقيقة علمية ناصعة تعمل على تسخير قواها وممكناتها لتغير عالمنا، كما قالت الدكتورة كاثرين سولمون في " الرمز المفقود" " انا اعدكم... اذا استوعبنا نحن البشر هذه الحقيقة البسيطة فان العالم سوف يتغير بين عشية وضحاها".

تنهي الباحثة مقالتها بالاشارة الى انه في هذه العالم الذي فقد سحره، بينما اثبات الوعي العالمي ليس حقيقة علمية ناصعة لحد الان، فان نمو الادلة العلمية تشير ان الوعي، بطرق متعددة وباطارات متنوعة، مهم وضروري، وانه ربما هنالك بعض الحقائق الوجودية للتجارب الذاتية، وهي تؤثر على صحتنا وسلوكنا وحياتنا، وهي تزودنا باشارات مهمة حول من نحن وماذا نكون وماذا نحن قادرون عليه، لذا فان علماء هذا المجال يكرسون حياتهم لاستكشافاتهم الصارمة للممكنات التي تضمن التحول والتطور الانساني.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/آيار/2011 - 15/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م