العلم والأخلاق ركيزتان أساسيتان لتطور الإنسان

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: ما كان للانسان أن يرتقي على الحيوان في طريقة العيش، لولا قدرة الانسان على تهذيب نفسه وكبح غرائزه وترويض رغائبه، فتحولت نزعات التوحش لديه الى سلوك مهذَّب تحت ضغط المعرفة والاخلاق التي تعلمّها الانسان من الاديان والافكار القويمة التي نشرها المصلحون بين مجاميع البشر في هذه الامة أو تلك، ولعل الحديث النبوي الشريف (إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق) يعطينا تصوّرا واضحا لمكانة الاخلاق في التحكم بالنفوس وتشذيب النزعات السلبية التي تعج بها النفس البشرية، وهذا الامر يؤكد الترابط بين العلم والاخلاق، فكلما كان الانسان أكثر علما ومعرفة، كلما كان أقدر من غيره على كسب الخُلق الرفيع.

لهذا لا يزال العلماء المعنيون والباحثون في حاضر ومستقبل البشرية، يؤكدون على أهمية (العقل الاخلاقي) وحاجة الانسانية القصوى له، لكي يتمكن الانسان من تحسين وتطوير حياته حاضرا ومستقبلا.

ولهذا السبب أيضا يؤكد سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (العلم النافع) بهذا الخصوص قائلا:

(علينا بعلم الأخلاق، فليست أخلاق الإسلام وآدابه كلّها لا اقتضائيّة ـ حسب الاصطلاح العلمي ـ أي مستحبّات ومكروهات، بل إنّ فيها الواجبات والمحرّمات أيضاً).

وهكذا فإن الاخلاق لا تُعنى بالمستحَّب والمكروه فحسب، إنما تتعدى ذلك، الى نشر ثقافة إحترام الواجب وتأديته على أفضل وجه، فيما تؤكد أيضا بقوة عن نبذ المحرّم وتجنبه، بل صدّه ومحاربته ما أمكن ذلك، لكي تصفوا النفوس وتبلغ مرتبة عالية من التحضّر في التعامل مع الذات أو الآخر في آن واحد، ويتم ذلك بمساعدة العلم والمعرفة، لأن الاخلاق يمكن أن تؤدي دورا أفضل بوجود العلم، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه:

(إنّ الكرم خصلة محمودة، وكذا السخاء والإنفاق وإقراء الضيف، فكلّ ذلك عمل محبّب ومقبول، ولكن إلى حيث لا يؤدّي إلى ترك واجب أو ارتكاب محرّم).

إذن فالعلم والمعرفة تحمي الاخلاق من الزلل غير المقصود او سواه، وتصون الانسان من الانزلاق في مهاوي الحرام من دون أن يقصد ذلك، إنما السبب هو الجهل بجوهر الاشياء وقلة العلم بها، لهذا لابد أن يتسلح الانسان بسلاح العلم والمعرفة، لاسيما العلماء والمصلحون والمسؤولون على تقويم المجتمع ونشر الفضيلة والعلم بين شرائحه ومكوناته، ومع أن تحصيل العلم يتم إكتسابه بجهد فردي بالدرجة الاولى، إلا أن العلماء لابد أن يتحملوا دورهم في هذا المجال، على أن لا يغيب جهد الفرد وسعيه في تحصيل العلم كي يطور حياته نحو الافضل.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه:

إنّ المطلوب هو العلم، فإنّ الإنسان لا يدري بم سيُبتلى وكيف ينبغي له أن يتصرّف، وكيف يتحدّث لئلاّ يكون من الذين وصفهم الله تعالى بقوله: * وَبَدَا لَهُم مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * فيعمل ويتصوّر أعماله حسنات، ثمّ ينكشف له بعد ذلك أنّها كلّها كانت سيّئات، لذا فأهل العلم أَولى بالانتباه إلى هذا الأمر الخطير).

لذلك لابد أن يتعلم المسلم كيفية توظيف الاخلاق بالطرائق السليمة التي لاتقوده الى المعصية من حيث لا يقصد أو لا يعلم، وهذا تحديدا دور العلم، حيث يمكن للانسان أن يتجنب المعاصي وارتكاب الذنوب، إذا كان عارفا بكيفية التوظيف الصحيح للاخلاق، وعدم الخلط بين المستحب والمكروه من جهة، وبين الواجب والمحرَّم من جهة أخرى، وهنا ينبّه سماحة المرجع الشيرازي الى أهمية الفصل بين الاخلاق كعلم، وبين كونها واجب لا ينبغي إهماله أو تجاوزه، حيث يقول سماحته بهذا الخصوص في الكتاب المذكور نفسه:

(لا يتصوّر أحد أنّ الأخلاق الإسلامية كلّها علوم لااقتضائية، فكثير مما يعبّر عنه اصطلاحاً بالأخلاق إنّما هو من الواجبات، وضدّه من المحرّمات، فإنّ التكبّر والعُجب مثلاً ليسا من المكروهات ـ بالمعنى الأخصّ ـ بل هما من المحرّمات، وكذلك المِراء ـ وهو الجدال بالباطل ـ وغير ذلك ممّا يوصف بالأخلاق الذميمة).

لذا لابد للانسان أن يتسلح بالمناهج والمضامين العلمية السليمة التي تحميه من السقوط في فخ الجهل بهذا الامر أو ذاك، حتى لو كان دافعه أخلاقيا، لأن الاخلاق من دون علم كالقوس بلا نبل، أو كالنهر بلا ماء، فكلاهما يكمّل الآخر، إذ من الصعوبة أن توضع الاخلاق في المواضع المناسبة لها من دون علم مسبق بالواجب والمحرّم وسواهما من أمور ينبغي على الانسان أن يكون عارفا وعالما بها.

وبهذا يمثّل العلم الوقاية الأهم من السقوط في براثن الجهل، وبالتالي تجنب الوقوع في الاخطاء حتى لو كان الامر ليس مقصودا، فالمهم بالدرجة الاولى أن يحاول الانسان تجنّب الوقوع بالخطأ ما أمكن له ذلك، وهذا الهدف الصعب والمهم جدا، لا يتحقق من دون مساعدة العلم الذي يجعل الامور تسير في مساراتها الصحيحة ويجنب الانسان من الزلل، ويدفعه نحو الاتجاه الصحيح للتطور.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع من باب النصيحة والارشاد: (إعلموا أنّ العلم يعني النجاة من كلّ طارئ، فإنّ الزمان قصير حقّاً نسبة لتلك الأمور. ولو أنّ أحدنا يعمّر مئة سنة، فهو قليل تجاه ما يجب عليه، فكيف وأعمارنا أقصر من ذلك؟).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/آيار/2011 - 15/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م