بدون مقدمات طويلة او مبررات مقنعة جاء صباح احد الايام ليحمل خبر
ان الاردن بلد خليجي!! عجزت شهريار ان تصل لمستوى هذه القصص العربية
التي لا بداية لها او نهاية سوى احلام وامنيات وسراب واضطراب يستوطن
السلوك العربي الرسمي، لا احد يعرف ماهو الربط بين بحر الاردن الميت
وخليج العرب المتأجج كما لا احد يعرف الرابط مثلا بين وادي عربة واحداث
البحرين، لايوجد ربط لابتلك ولا بهذه الرابط الوحيد انه سلوك عربي
يغادر الواقع ليحط على رمال متحركة وما اكثرها في جزيرتنا العربية.
تعاني بلدان الخليج العربي من مشاكل ديمغرافية غاية في الخطورة وفي
طريقة حساب بسيطة ستجد ان عرب هذه البلاد اصبحوا أقلية صغيرة في
بلدانهم، وكما قال النفيسي " سياتي يوم ليس ببعيد سيطالب فيه
الباكستاني والهندي والتايلندي المقيم في دول الخليج بحق تقرير المصير
وسنخسر الخليج العربي من خلال التصويت!!" هذه في الواقع واحدة من محن
دول مجلس التعاون الخليجي والتي لاتريد الاعتراف بها حكومات تلك
البلدان، لكن مع ذلك شهد هذا العام تحول جذري في سياسات هذه الدول
وبشكل المفروض انه يدعو الى التأمل والمراجعة الصريحة والصحيحة فلقد
وصلت جيوش دول الخليج العربي الى افغانستان والى البحرين وامتدت لتقصف
ليبيا دون أدنى مقدمات او مبررات مقنعة!!
وفي مراجعة هادئة سنجد ان هذا التمدد يمثل نوع من الحمل الوهمي على
ضوء الامكانيات السكانية والعسكرية لهذه الدول، وهي ايضا قراءة تبدو
مرتبكة في ضوء التغيرات الكبرى التي اصابت صف المعتدلين كما يطلق عليهم
وفي مقدمتهم نظام حسني في مصر، ولايوجد مبرر واضح على الاطلاق ان تضع
دول الخليج نفسها في الصف الخاسر من سقوط نظام حسني وقبله زين العابدين
فقليلا من المرونة والحنكة السياسية ممكن ان تعوض هذه الخسارة المفترضة
في مصر وتونس ومعهما النتائج المتوقعة في اليمن رغم المحاولة الخليجية
المتأخرة لمسك بعض خيوط اللعبة هناك.
ما جادت به القريحة الخليجية بخصوص قبول طلب الاردن بالانضمام الى
مجلس دول الخليج العربي وبنفس الوقت دراسة طلب المغرب، في حقيقة الامر
مفاجأة كبرى في ظل هذه المتغيرات وايضا في ظل الوجود العراقي الكبير
والجوهري في الخليج العربي، يبدو ان الرؤية الخليجية مشوشة في هذا
الجانب وايضا وقعت في مطب قراءة الاحداث الطارئة الموقتة ووضعتها في
خانة الامر المسلم به وهنا المعني بالأمر العراق البلد الذي يمر
باستثناء تاريخي يبدو انه في طريقه للخروج منه والرجوع الى دور الريادة
في المنطقة، لذلك البناء على هذا الاستثناء هو خطاء فادح تقع فيه دول
الخليج كما ان الحسابات الطائفية قتلت وستقتل كل اتجاه صائب ومنطقي نحو
العراق والذي يعيش طرفي معادلة واقعية يجب تفهمها وادراكها من قبل دول
الخليج قبل غيرها اذ ان العراق هو بلد عربي دون تأويل او منحة او صدقة
من أحد واذا كانت غالبيته السكانية والعربية تمثل مذهب اخر غير المذهب
الحاكم في دول الخليج العربي فان هذا واقع تاريخي لايستدعي مواجهته
واستهدافه او الهروب منه.
وايضا طرف المعادلة الاخر ان العراق فيه قوميات واديان وطوائف
متعددة وهذا لاينتقص من عروبته وايضا لايجعله في موقف المدافع الضعيف،
بل ان العراق وفي أدنى درجات قوته ومنعته لم يرفع فيه العلم الاسرائيلي
ولم يفتح فيه مكتب تجاري او غيره من المكاتب الاسرائيلية، هذا اذا كان
بالفعل هذا هو مقياس درجة العروبة والاخلاص للامة كما تخدش ذكائنا بعض
وسائل الاعلام العربي الشهير يوميا بهذه اليافطات القومية المزيفة
والتي اصبحت مكشوفة جدا.
اخطر جانب في هذا القرار ان هناك محاولة جادة اولا لتحجيم العراق
وثم لدفعه في اتجاه اخر والاهم محاولة الالتفاف الجغرافي عليه!! في
الجانب الاول من الواضح هناك شعور عراقي شعبي ورسمي بوجود عمل تخريبي
خليجي منظم ضد العراق في كل المجالات السياسية والاقتصادية وحتى
الرياضية والاجتماعية وقد يكون محاولات الغاء قمة بغداد العربية وايضا
اعلان الكويت بناء ميناء جديد مقابل السواحل العراقية وتهديد بعض دول
الخليج للشركات العالمية بعدم المساهمة في بناء ميناء العراق الكبير
وايضا اخر محاولة من الاتحادات الرياضية في الخليج لإلغاء بطولة خليجي
المقررة في البصرة تحت يافطات موافقة الاتحاد الاسيوي، كل هذه الامور
وغيرها الكثير هي محاولات جادة وعملية لعزل العراق ومحاولة تحجيمه، ومع
اضافة البحر الميت والاردن الى مجلس التعاون الخليجي هناك محاولة
ديمغرافية واقتصادية وستراتيجية واضحة للالتفاف حول العراق وضربه في
خاصرته الاردنية وايضا جعله بين فكي حصار وتحجيم خليجي عربي.
وبعد ذلك اذا اتجه العراق مضطرا الى الشرق حيث لا خيار ولا منفذ
اقتصادي وبحري وأرضي الا ايران ستبرز طبول بعض الاعلام العربي لتتبرع
بالعراق العربي الى بلاد فارس.
لكن فات اخطر امر على من خطط ورسم ونفذ هذه الخطة الفاشلة مسبقا، ان
الجغرافية فعلا لاتنفصل عن السياسة ولكن الامكانيات العراقية البشرية
والاقتصادية اعظم من ان تكون تحت رحمة مثل هذه المحاولة الفاشلة مسبقا،
قد تكون أهمها امتداد العلاقة مع الغرب الى درجات قصوى وربط مصالح
العراق المستقلة والمتوازنة الاقتصادية والسياسية بالغرب عندها ستأتي
القرارات من هناك لتنفذ في منطقتنا كما هو معتاد تاريخيا، وايضا الغرب
لايستطيع ان يدافع عن انظمة غير ديمقراطية الى نهاية الشوط خاصة مع
التغيرات الجوهرية في المنطقة.
اما على المدى الحالي فيستطيع العراق اولا ان يعمل على ايقاف النفط
المجاني والمخفض الى الاردن فورا وعلى اخوانه في المجلس المشترك تعويضه
عن هذا النقص كما عليه تغير بوصلة موانئه نحو سوريا ولبنان بديلا عن اي
ميناء عربي اخر. والاهم في الموضوع ان يعلن العراق ان هناك اتفاقات
حدودية تمت مع كل الدول المجاورة وقد تم فيها التنازل عن اراضي عراقية
من قبل النظام السابق دون اي وجه قانوني او دستوري يجب ان تسترجع فورا،
وايضا والاهم ان هناك اتفاقات حدودية تمت في مطلع التسعينات بقرارات من
الامم المتحدة ودون حضور الطرف العراقي مما أدى الى اقتطاع اراضي
وموانئ وجزر عراقية دون اي مسوغ قانوني وتحت ظروف طارئة لايمكن البناء
عليها لأنها باطلة. وحتى وجهة النظر هذه قد لانتفق تماما مع " متطرفي "
العراق الذين يطالبون بما هو أبعد من ذلك بكثير.
لكن هكذا يجب ان يكون الوجه العراقي الجديد على ضوء هذه التغيرات
والتدبيرات الخطيرة التي تحيط به.
[email protected] |