شبكة النبأ: ان تكتب عن قيم الخير
والجمال فأنت مؤمن بها، وان تكتب بالضد من قيم الشر والقبح في حياتنا
فأنت أيضا مؤمن بنقيضها، تلك بديهية تكاد تكون من الحقائق المؤكدة على
المستوى النظري، لكن الواقع شيء اخر.
هذا التناقض أصبح احد المعضلات الأخلاقية الكبرى في أكثر من مفترق
طريق مرت به الثقافات العالمية والثقافة العربية والعراقية.. التجارب
والامثلة أكثر من ان تحصى.. خذ مثلا الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد
الواحد ووقفته أمام كاميرا فضائية الشرقية يوم 25 شباط من العام الجاري
وهو يلقي قصيدة (عصفت فأوقد بها أيها الغضب) دفاعا عما رآه مواقف وطنية
للمتظاهرين في ساحة التحرير في بغداد. قارن ذلك بصورته أيام عز النظام
السابق وهو يلقي قصائده من على شاشة تلفزبون العراق ممجدا ومادحا صدام
حسين ومطلقا عليه الكثير من أوصاف العظمة، سواءا في حربه مع ايران او
بعد الانتفاضة الشعبانية او خلال سنوات الحصار في تسعينات القرن
المنصرم.
وقد حصل نتيجة قصائده تلك ومديحه العالي على لقب شاعر القادسية
وغيرها كثير من الالقاب في مزادات الالقاب الادبية والشعرية.
وخذ غيره الكثير من الشعراء والأدباء العراقيين والعرب في مهرجانات
المربد الشعرية التي كانت تقام كل عام وكيف كانت وفود الحجيج الأدبية
تأتي من كل حدب وصوب لإلقاء قصائدها في حب القائد الضرورة.
الكثير من هذه الأسماء أصبحت غير ما هي عليه تبعا لأجواء التوجهات
السائدة في الساحة الثقافية العراقية والعربية.. كانوا مع صدام حسين ضد
شعبه وهم اليوم مع بعض الشعوب وضد بعض الحكام طالما ان صكوك المنح
ومظاريف الأعطيات تصل بانتظام الى الكثيرين منهم.
مخدوع من يتصور ان الانقلابات الفكرية التي نقرأ ونسمع عنها لبعض
الشخصيات هي حقيقية.. انها استبطان شيء وإظهار شيء آخر طالما ان
الايديولوجية النفعية هي واحدة في كلا الاتجاهين.
قبل مدة شاهدت احد الاشرطة الوثائقية لأخي الذي كان يعمل معدا
ومقدما للبرامج في تلفزيون المؤتمر الوطني.. كان الفلم عبارة عن لقاءات
مع بعض شخصيات المعارضة العراقية وكان من ضمنهم وفيق السامرائي مدير
جهاز الاستخبارات في عهد صدام حسين وانشق عليه في التسعينات.. كان في
اللقاء مرتديا زيه العسكري ويضع البيرية بتلك الطريقة المبالغ بها، حيث
تغطي اذنه اليمنى والتي عرفت عن ضباط الجيش العراقي.. وقد طلب من ادارة
التلفزيون قبل التصوير اعطاءه مسدسا لوضعه في حزامه ليظهر في اللقاء
التلفزيوني.. اعتذرت ادارة القناة عن تلبية الطلب وأخبرته ان صورته لن
تظهر كاملة في هذا اللقاء بل سيظهر النصف الأعلى من الجسد فقط.
بماذا كان يفكر وفيق السامرائي وهو يطالب بوضع مسدس في حزامه؟
مؤكد إنها جزء متمم من مظهرية القوة والسلطة التي تعلمها في مدرسة
الدكتاتورية وكان ابرز تلامذتها على مدار سنوات خدمته في تلك المدرسة..
هل يمكن لمثل هذه العقلية ان تتغير بين ليلة وضحاها ونصدق ادعاءاتها
وخطاباتها دفاعا عن حقوق الانسان او ترويجا للديمقراطية والمجتمع
المدني وحرية التعبير وغيرها من قيم الخير والجمال؟
ما هو السلاح الأمضى في مواجهة الظلم والتعسف؟ هناك سلاحان هما
الانسحاب او المقاطعة.. بعد العام 2003 علق اتحاد الادباء العرب عضوية
الاتحاد العراقي معللا ذلك بعدم ادانة اتحاد الادباء والكتاب العراقيين
للاحتلال الامريكي.. وقد انطلق اتحاد (علي عقلة عرسان) وقتها من مواقف
الانظمة التي ينضوي تحت لوائها أدباؤه وكتابه.. وقد تملق العراقيون
كثيرا لاتحاد الادباء العرب وحاولوا اكثر اعادة تفعيل عضوية اتحادهم
فيه وحتى الان لم يحققوا ما يريدون.
رغم ذلك يحقق ادباء العراق وكتابه كثيرا من النجاحات والفوز
بالجوائز الابداعية بعيدا عن مظلة ذلك الاتحاد البائس... اذن لماذا هذا
اللهاث وراء تلك العضوية البائسة؟
برأي الكاتب انها البحث عن امتيازات ومنافع لا علاقة لها بالأدب او
الابداع.. وهي مصالح غير قابلة للتحقق عند السير عكس الاتجاه السائد..
الانسحاب سلاح آخر يتفق الى حد كبير مع الدفاع عن قيم الخير والجمال
حين يتحدث عنها الأدباء والكتاب.
وجه من وجوه الاحتجاج على الظلم والتعسف وموقف مغاير لما هو سائد
وهو يستدعي تأليب الآخرين عليك والصدام معهم.. انه الخروج من المسرحية
الهزيلة وعدم الوقوف موقف الشهود الزور في المفترقات الخطرة التي تقف
عندها المجتمعات.. أليس المثقف لسان حال مجتمعه؟
تحية للأدباء الذين انسحبوا من اتحاد الأدباء العرب وللذين سينسحبون
احتجاجا على مواقفه الداعمة للدكتاتوريات ضد شعوبهم. |