السياسة من واقع الإسلام

قراءة في كتاب لسماحة المرجع الشيرازي(1)

الأستاذ حسن الغانمي(2)

انّ الحديث عن السياسة هو ليس بالأمر البسيط بقدر ارتباط مضمون الكلام بالمصطلح موضوع النقاش، هذا إذا كان الكلام بصورة مباشرة، أمّا إذا كان الكلام ضمني فهو الأكثر تعقيداً إنْ صحّت العبارة.

وعليه فما دامت الدراسة بصدد مصطلح ضمني مترادف ومتداخل ومتلازم مع مفهوم آخر هو أوسع وأعم وأشمل في جوانبه الموضوعية والذاتية كالاسلام، لذا كان لزاماً ولابد من مقدّمة تعريفية لهذين المتلازمين كلاّ على حده.

لغة: سياسة

 هي من الفعل ساس ـ يسوس ـ سياسة. فالسوس: الرياسة يقال: ساسهم إذا رأسهم، ويقال: سوسوه وأساسوه إذا رأسوه، وساس الأمر سياسة قام به والجمع ساسة وسواس، ويقال: سوس الرجل أمور الناس إذا ملك أمرهم كما يروى قول الخطيئة:

لقد سوّست أمر بنيك حتّى***تركتهم أدقّ من الطحين

كما جاء في الحديث: «أنّ بني اسرائيل كان يسوسهم أنبيائهم» أي تتولى أمرهم كما يفعل الأُمراء والولاة بالرعية. والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه(3).

اصطلاحاً:

فتعني فن إدارة أمور السلطة والدولة وفن الحكم، وأنّها علم الدولة التي تبحث عن التنظيمات البشرية وعن تكوين الأحداث السياسية وعن تنظيم الحكومات وفي فعّالية الحكومة التي لها صلة بتشريع القوانين وتنفيذها وفي علاقاتها بالدول الأخرى، وبيان مدى العلاقات القائمة بين الشعب والدولة وارتباطات الدول مع بعضها البعض.

كما تبحث عن تطوّر السلطة السياسية بالنسبة إلى حرّية الفرد. فهي تبحث عن الشؤون العامّة والخاصّة للدولة(4).

أمّا الإسلام فلقد جاء من سلُم، سلامه وسلام بمعنى السلامة من الآفات الظاهرية والباطنية، وهو يعني كذلك النجاة من العيوب والبلايا. وسَلُم تعني الطاعة والانقياد والصلح والمصالحة ـ ومن معانيها أيضاً الصفاء، والوقاء من الآفات، المصالح والإخوة والصداقة(5).

تاريخيّاً

فيعني الإسلام شريعة مُحمّد صلى الله عليه وآله مع كونه عنواناً لجميع الأديان الإلهية، ويفهم منها التسليم للأمر الإلهي والخضوع له وهذا ما كان سائداً عند بقية الأديان ولم يطلب الرسل والأنبياء من الناس سوى التسليم والانقياد للأوامر الربّانية(6).

يشير بعض الكتّاب والمؤرخين إنّ أصل السياسة يعود إلى شريعة (الياسة) اللغوية أو (الباسق) كما يسميّها ابن بطوطة في رحلته، وتلك (الياسة) هي شريعة جنگيز خان التي كانت محفوظة في الالواح والتي كانت تظهر عند كل مناسبة في تولية خاناتهم وأمرائهم، وقد كتب المستشرقون كثيراً عن هذه (الياسة) ولكننا سندع (المقريزي) وهو أحد المؤرخّين وصاحب كتاب (الخطط والآثار 4 أجزاء) يتكلّم عنها حتّى نعرف السر في ثورة الفقهاء على نظامها في عهد المماليك، قال: في الخطط في ذكر أحكام الياسا (إنّ جنگيز خان قد قرر قواعد وعقوبات أثبتها في كتاب سمّاه (ياسا) ونقشه في صفائح الفولاذ وجعله شريعة لقومه فالتزموه بعده وكان جنكيز خان لا يتدين بشيٍء من أديان أهل الأرض فصار (الياسة) حكماً بتاً وبقي في أعقابه لا يخرجون عن شيء من حكمه) وقد حرّف أهل مصر كلمة (ياسة) إلى (سياسة) وادخلوا عليها الألف واللاّم فصارت (السياسة)(7).

هنالك إشارات بأنّ القرآن الكريم تناول كلمة إسلام عندما تحدّث عن إبراهيم عليه وعلى نبيّنا وآله الصلاة والسلام وهي تعني وفقاً للنص حالة الإنسان الذي (اسلم) أمره لله طائعاً فهو (مسلم)، كما إنّ هنالك إشارات بأنّ كلمة إسلام جاءت في القرآن بمعاني مختلفة (التسليم، الطاعة، الانقياد كما في سورة آل عمران: «وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا»(8). اسم لرسالات الرسل والأنبياء السابقين، لأنّ كل دين في عصره في الواقع اسلاماً يدعو الناس للتسليم للأمر الإلهي كما في سورة الجمعة: «وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً»(9). (اسم للشريعة المحمدية وهي خاتم الأديان كما في سورة آل عمران: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ»(10).

نظرة عامّة على الكتاب

كتاب السياسة من واقع الإسلام كتاب علمي ثقافي تاريخي روائي قصصي تربوي وأخلاقي، أكثر شواهده الموضوعية من الكتاب الكريم والسنّة الشريفة للرسول الكريم مُحمّد صلى الله عليه وآله والسيرة الحميدة للائمة الأطهار صلوات الله عليهم والذكر الطيب للسلف الصالح من الأتباع والأصحاب وعلماء الدين الأجلاّء ولذلك ارتأينا أن نتناول هذه النظرة في عدّة مواضيع حتّى تتكامل الصورة لدينا عن فحوى الكتاب.

أولاً: الجانب العلمي للكتاب

يعد كتاب (السياسة من واقع الإسلام) كتاب علمي بما احتوى عليه من مفردات قيّمة في ميدان العلم والمعرفة والاطلاع وبما تضمنه من أفكار ومضامين ومفاهيم تستند إلى الواقع أكثر من ركونها إلى النظرية المكتوبة والمجردة عن التطبيق، وخير دليل على ذلك الشواهد الحيّة التي يأتي بها من خلال استدلالاته التي يقدّمها.

ففي الوقت الذي يقدّم فيه السيد المؤلّف دام ظله فكرة واضحة عن السياسة كعلم وكبحث واسع وبحر عميق لا يغور فيه إلاّ القليل القليل فأنّه في نفس الوقت يطرح السياسة كممارسة عملية ينفذها أشخاص يختلفون ويتمايزون وطبقاً لهذا التمايز والاختلاف تنقسم عنده السياسة إلى نوعين أو شكلين:

النوع الأول: سياسة مادّية مبتناة على إدارة شؤون الناس المادية يمارسها ساسة الدنيا اليوم.

النوع الثاني: سياسة إسلامية مبتناة على إدارة شؤون الناس مادياً ومعنوياً بالإضافة إلى الالتزام الكامل بالفضائل الأخلاقية مارسها ونفذها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام عليّ صلوات الله عليه ومن بعدهم الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى امتاز كتاب السياسة من واقع الإسلام علمياً أنّه صيغ بإسلوب أكاديمي سلس وذو منهجية واضحة ومرنة وبسيطة يفهمها القاصي والداني العام والخاص بعيداً عن الفلسفة المادّية والأفكار الغير واضحة والنقاشات الغير مدعومة بالأدلّة، فهو كتاب يقرأه ويفهمه الأستاذ والطالب والمثقّف وحتى الإنسان العادي على حد سواء - بغض النظر عن درجة الاختلاف في الاستفادة من طبيعة الكتاب العلمية - ويفهم ما فيه من أفكار ومضامين من غير صعوبة وتفكير ولا يحتاج إلى الشرح والتفسير كما في الكتب الفلسفية التي تحمل أفكاراً عميقة يحتاج القارئ فيها إلى من يعينه على فهمها وتحليل رموزها.

لقد جاء كتاب السياسة من واقع الإسلام خالياً من العيوب والمؤاخذات التي تؤخذ على البحث العلمي الإنساني، كما أنّه بعيد في منهجيته عن التحيّز والتميّز وكان في فكرته العامّة مدافعاً عن المنهج الصحيح والقويم الذي يمكن للعقل والفكر أن يهتدي به من غير زلل أو ملل.

ثانياً: الجانب الأخلاقي والتربوي والثقافي للكتاب

إنّ القراءة المعمقة لكتاب (السياسة من واقع الإسلام) والتمعن فيه تعطي صورة واضحة لا إلتباس فيها عن نزعة المؤلّف إلى إبراز الجانب الأخلاقي والتربوي والثقافي عند مَن وصفوا بـ (قادة البلاد وساسة العباد) على حدّ قول السيّد المؤلِّف دام ظله وهم الأسوة والنخبة متمثلين برسول الله مُحمّد صلى الله عليه وآله والإمام عليّ صلوات الله عليه حيث كانوا في موقع المسؤولية في قيادة الأمّة والدولة على حدّ سواء.

فقد بيّن السيد المؤلف دام ظله في أكثر من موقف واستعرض في أكثر من فكرة مدى اهتمامهم بتربية الأمّة تربية صالحة وخلق جيل تنبعث فيه روح الأصالة والتجديد والعطاء بعد أن انتشل من بيئة التخلّف والعصبية إلى مجتمع التسامح والوفاق والسلام والتفاهم وأصبح بفضل السياسة الحكيمة للرسول مُحمّد صلى الله عليه وآله يطلق عليه «خير أمّة أخرجت للناس» بعد إن كانت غارقة في مساوئ الحياة وعيوبها المتردية وهذا ما بيّنه السيد المؤلّف دام ظله من خلال استعراضه لمجمل سياسة الرسول الحكيمة والرشيدة من خلال تصدّيه لمواقع المسؤولية في القيادة.

فها هو السيد المؤلّف دام ظله يبيّن ويستعرض سياسة النبي مُحمّد صلى الله عليه وآله في الاستقامة والصمود والشجاعة والوفاء والعفو العظيم والرحمة الشاملة والعطاء للصديق والعدو والتلاحم مع الأمّة من أجل تربيتها تلك السياسة التي أصبحت فيما بعد منهج أخلاقي وتربوي وثقافي أصيل سار عليه أغلب المسلمين، وما أخلاق الإمام أمير المؤمنين و الائمة الأطهار من ولده صلوات الله عليهم إلاّ إنعكاس حقيقي ونتيجة طبيعية تمثل الواقع الحيّ للتربية الأخلاقية والروحية التي جسّدها الرسول في أسلوبه ومنهجه وما تربى عليه السلف الصالح الذين ساروا على نهجهم وخطاهم.

ثالثاً: الجانب السياسي للكتاب

إمّا ما يرتبط بالجانب السياسي للكتاب فأنّه لا يقل شأناً عن الجوانب الأُخرى لكنّه الأهم؛ لأنّه محل شاهد البحث ورب سائل يسأل لماذا جاء هذا الجانب في النهاية؟

فأنا أجيب: بأنّي بدأت بالمهم وصولاً إلى الأهم، فقد تناول السيد المؤلّف دام ظله الأطروحة السياسية من وجهة النظر الإسلامية لا من الوجهة الأُخرى مع إيراده لجانب بسيط من جوانب أطروحة السياسة المادية المعاصرة لغرض المقارنة.

ففي الوقت الذي طرح فيه أعداء الإسلام أطروحتهم السياسية ونظريتهم في الحكم، والسلطة والدولة وروّجوا لها وطبقوها على كافة ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما فتئ السيد الشيرازي دامَ ظلّهُ حتّى قدّم أطروحة الإسلام بكلّ وضوح ومصداقية معززة بالأمثلة الحيّة والواقعية من تاريخ البشرية (إذا أخذنا بنظر الاعتبار إنّ هذا الكتاب كتب وطبع في فترة الستّينات من القرن المنصرم حيث كان أعداء الإسلام في أوج قوة بروزهم.

ونخص بالذكر القطبين العالميين (الشيوعية والرأسمالية) حيث تكالبت الدول الاستعمارية على الإسلام والمسلمون لنهب ثرواتهم وخيراتهم وتسخيرها لخدمة مصالحهم الخاصّة.

فجاء كتاب السيد الشيرازي دامَ ظلّهُ كردِّ وردع وتفنيد لكل النظريات المطروحة على الساحة العالمية، فها هو يقارن بين ما خلّفته سياسة الضد من آثار وويلات ودمار في الفكر والعقيدة والسلوك والثقافة وحتى في التاريخ المملوء بالمآسي والكوارث وراح يطرح أسماء وأحداث تدلل على المنهج الوحشي للسياسة المادّية المعاصرة وعند مراجعتك عزيزي القارئ والمتتبع إلى الصفحة 30 من الكتاب سوف تقرأ من الأحداث والأرقام والأسماء ما سودّت به وجه التاريخ والإنسانية سياسة السياسة المعاصرة أو سياسة الضد من الإسلام إن صح الكلام هذا من جهة، ومن جهة أخرى استعرض سماحته دام ظله مضامين سياسة الإسلام الأصيلة في حفظ كرامة الإنسان وهيبته وما خلّفته من تاريخ مشرق ومضيء ووهاج بالسلوك الإنساني القويم والتراث الغزير بالشخصيات والأحداث والمواقف التي يعجز القلم عن تدوينها والكتاب عن حفظها بما هو مدعاة للفخر والشرف، واليك عزيزي القارئ سياسة الرسول الكريم مُحمّد صلى الله عليه وآله في العفو عن غورث بن الحارث وعفوه عن الأعرابي الذي جذب أطراف الرداء من على كتف النبي صلى الله عليه وآله وليس ببعيد الصرخة التي أطلقها الرسول عند دخوله مكّة فاتحاً لمن عاداه (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وكذلك عفوه عن أبي سفيان وعن اليهودية وعن و عن و. و. و.... إلى أخره، فأين لينين وسياسته التي قتلت الملايين من عفو مُحمّد صلى الله عليه وآله ومن شاء فليراجع الصفحة (39) من الكتاب حتّى ينهل من هذا النبع الصافي للعترة الطيبة وأخلاقهم الكريمة صلوات الله عليهم.

من جانب آخر دأب السيد المؤلّف أعزّه الله على إبراز الجانب الأخلاقي في السياسة الإسلامية؛ لأنّه ركن أساسي من أركان العمل السياسي؛ لأنّ السياسة أمران:

حكمة التدبير، وحسن الخلق وما أفعال الإمام أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه إلاّ مصداق لهذه المفاهيم وإذا أردنا أنْ نستعرضها على حقيقتها فنحتاج إلى مجلّدات كما يقول السيد المؤلّف، لكن كتاب السياسة من واقع الإسلام يتكفل بنشر هذه الحقيقة ومن شاء فليراجع الصفحة من 143ـ 160 من الكتاب.

السيد الشيرازي يدحض نظرية الغرب

طالما برر الغرب فكرتهم القائمة على فصل الدين عن الدولة ولذلك نشأ في الغرب نمط تفكير أُطلق عليه (السكولارية) وهو مذهب فكري يقول بوجوب الفصل بين الشؤون الدنيوية كالسياسة والاقتصاد والمعيشة وبين الشؤون الدينية وأن يتعلق الدين بالعبادات والمراسم الخاصّة لها وبحياة الأفراد الشخصية ولا يتدخل في السياسة(11).

وفي نفس الوقت نشأ مصطلح آخر في القاموس الغربي للدلالة على المذهب الفكري وهو (اللائيكية) نظام سياسي لإدارة البلاد ليس لرجال الدين فيه أي دور(12).

من هذا يتبين إن مبدأ فصل الدين عن الدولة (السياسة) نشأ في ظروف خاصّة بأوربا وهو ناجم عن النضرة الفلسفية المسيحية ونمط التفكير اليوناني الذي اعتبر (الدين) و (الدولة) أو (الدنيا) و(الاخرة) أو (الجسد) و(النفس) أو (المادّة) و(الروح) أو (السماء) و(الأرض) قطبين متناقضين وهذا النمط لا جذور له في بلاد الإسلام، بالإضافة إلى ذلك إنّ هذه الفكرة روّجت لها ودعمتها الكنيسة الكاثوليكية وعلّية يقول جورج قرم صاحب كتاب (شرق وغرب) ما مفهومه:

إن العلمانية في البلدان البرتستانية نسبية ولا تقوم على الفصل بين الدنيوي الاجتماعي والديني وقد أعطت الحرّية في إنشاء الكنائس ودور العبادة في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية(13).

وللدلالة على ذلك إن العلمانية في الولايات المتحدّة ليس لها قيمة سياسية أساس، بل تقوم فقط على حرّية الممارسة الدينية، وبهذا يؤكّد بعض المتنفذّين إن المجتمع الأمريكي يبذل قصارى جهده لكي تسير الحرّية والأمان جنباً إلى جنب ويؤكدون كذلك في وثيقةٍ في مطلع عام 2002م: إنّ نظامنا علماني ورؤساؤنا ليسوا رجال دين لكن مجتمعنا هو الأكثر تديناً في العالم الغربي(14).

عوداً على بدء، هذا المعتقد الخاطئ نشأ في بلاد الغرب مدعوماً في كثير من العوامل منها (المسيحية المحرّفة ـ تعاليم الكنيسة) فقد عانت المسيحية من نضرةٍ متشتتة تقول في إنّ كل من يريد الآخرة التخلّي عن الدنيا وعلى كل فرد زاول الشؤون الدنيوية إن ينفضَ يديه من الآخرة، ولذلك فقد أعلنت المسيحية وبكل صراحة شعارها المعروف (أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله)(15).

من جهة أخرى مارست الكنيسة استبداداً دينياً شديداً يتناقض مع تعاليم المسيحية وسيطرتها على الشؤون السياسية بالإضافة إلى ذلك كانت الكنيسة وتعاليمها أكبر سند للنظام الذي ساد في القرون الوسطى(16).

خلاصة لما تقدّم جاء السيد المرجع صادق الشيرازي دامَ ظلَّه في كتابه الموسوم (السياسة من واقع الإسلام) ليحلّ الإشكال ويبيّن الحقيقة من الطرح المنطقي والعقلاني والموضوعي لفكرة الدين والدولة (السياسة) من حيث إنّ السياسة جزء لا يتجزأ من الدين وأنّه مفهوم ضمني من عدّة مفاهيم جزئية تكون بمجموعها مفهوم الدين (الإسلام).

أو إنّ الدين مفهوم عام تنطوي من ضمنه مفاهيم متعدّدة كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والإدارة، ففي القاموس الإسلامي يُعدّ الدين والدولة أو الدنيا والآخرة كما يُعبر عنهما وجهان لعملة واحدة وفي الإسلام تقوم السياسة على أساس الدين ولا يُعيّن للمناصب السياسية الحسّاسة إلاّ المؤمنين بالايديولوجية الإسلامية وكان الزعيم الديني يمارس الزعامة السياسية أيضاً ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال مراجعتنا لنص كلام السيد المؤلّف في صفحة 14 حيث قال:

(وفي الشريعة الإسلامية نصوص كثيرة جداً تدلل على إنّ السياسة جزء لا يتجزأ من الإسلام، بل الأصح في التعبير أنْ نقول: إنّ الإسلام والسياسة لفظان بالمفهوم الواحد، فالسياسة هي الإسلام والإسلام هو السياسة بمعناها الصحيح العام) وقد استشهد السيد المؤلّف على هذا الكلام بأكثر من حديث في نفس الصفحة وما بعدها من الكتاب ذاته.

وقفة مع السيّد المؤلِّف

هو السيد صادق بن السيد مهدي الحسيني الشيرازي ولد في العراق في مدينة كربلاء المقدّسة في يوم «20/ ذي الحجّة عام 1360هـ»(17) «17فبراير 1941م»(18). ينحدر من أسرة الشيرازي المشهورة والتي سكنت العراق قبل قرن ونصف، جدّه المرجع الأعلى للطائفة قبل قرن الميرزا مُحمّد حسن الشيرازي، صاحب نهضة التبغ الشهيرة ضد الاستعمار البريطاني.

والمرجع الأعلى للطائفة إبّان الحرب العالمية الأولى مُحمّد تقي الشيرازي، قائد ثورة العشرين العراقية، والده آية الله العظمى السيد الميرزا مهدي الشيرازي زعيم الحوزة العلميّة بكربلاء المقدّسة، أخوه الشهيد السعيد آية الله السيد حسن الشيرازي مؤسس الحوزة العلميّة الزينبية في الشام.

عُرِفَ في الأوساط الحوزوية والعلميّة في النجف الأشرف وكربلاء المقدّسة ومن بعدها في قم المقدّسة بالفقاهة المتقّنة في الأصول والفروع والمعقول والمنقول والورع والتقوى، تحمّل أعباء المرجعية الدينية بعد وفاة أخيه الأكبر آية الله العظمى السيد مُحمّد الحسيني الشيرازي حيث رعى جميع المؤسسات الدينية والعلميّة والاجتماعية التي أسسها الإمام الشيرازي الراحل أعلى الله درجاته.

أتحف الحوزات العلمية ببحثه الخارج في الفقه والأصول منذ أكثر من عشرين سنة، كتب للفقهاء والمجتهدين بحوثاً استدلالية علمية دقيقة طبع منها (شرح العروة الوثقى: مسائل الاجتهاد والتقليد) و(بيان الأصول: قاعدة لا ضرر ولا ضرار والاستصحاب)، تبلغ مؤلّفاته أكثر من 85 كتاب لمختلف المستويات فقد كتب ما يرتبط بالحوزة العلميّة والطلبة الأفاضل (كشرح الروضة في شرح اللّمعة، شرح الشرائع، شرح التبصرة، شرح البهجة المرضية للسيوطي، شرح الصمدية في النحو، الموجز في المنطق).

* مجلة المرشد الدورية/ العددان: 23و24 ـ 1431 للهجرة/ ص 55 ـ61.

s-alshirazi.com

..................................................

1) كتاب «السياسة من واقع الإسلام» للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظلّه. يشتمل الكتاب على بيان وجهة نظر الإسلام في السياسة، وبيان سيرة رسول الله’ وأمير المؤمنين والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم، وهذا الكتاب من تأليف سماحته في كربلاء المقدّسة في رجب المرجب 1386ه، ويقع في 414 صفحة، طبع عدّة مرّات.

2) الأُستاذ حسن عبد الحمزة حمودي حمّاد الغانمي، من مواليد محافظة القادسية/ الحمزة الشرقي/ 15/ 8/ 1979م. حصل على شهادة بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة بغداد ـ قسم السياسة العامّة ـ 2003/ 2004م.

3) لسان العرب: مادة سوس.

4) نظام الإسلام السياسي، باقر شريف القرشي، دار التعارف للمطبوعات بيروت، ط2، 1978، ص45.

5) - الإسلام لماذ، د. علي القائمي، دار النبلاء بيروت ت ترجمة سلمان الأنصاري، ط1، 2002م ص19.

6) المصدر نفسه، ص20.

7) من شاء فليراجع الخطط والآثار للمقريزي وتاريخ المغول (لعباس إقبال) ومقال على الانترنيت بالعربي (الفقه والفقهاء في مصر في عصر المماليك) للشيخ عبد العزيز المراغي.

8) سورة آل عمران: الآية 83.

9) سورة النساء: الآية 125.

10) سورة آل عمران: الآية 85.

11) الاتجاه الغربي من منظار اجتماعي، د. مُحمّد علي النقوي، سنة الطبع 1977م، ص471.

12) المصدر نفسه: ص472.

13) الشرق والغرب ـ منطلقات العلاقات ومحدّداته، علي بن إبراهيم الحمد النملة، المركز الثقافي العربي، ط2005م، ص124.

14) المصدر نفسه: ص 125.

15) الاتجاه الغربي من منظار اجتماعي، مصدر سبق ذكره، ص473.

16) المصدر نفسه.

17) 20 ذي الحجّة 1360هـ (أخذت من كتاب عراق المستقبل آفاق وتطلعات، محاضرة وبيان للسيد صادق الشيرازي).

18) 17 فبراير 1941 أخذت من مصدر من الانترنت بالعربي ويكبيديا الموسوعة الحرّة ولا أعرف إن كان هنالك اختلاف بين هذين التاريخين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/آيار/2011 - 13/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م