تقرير منظمة العفو الدولية حول الحريات في العالم

 

شبكة النبأ: قالت منظمة العفو الدولية ان الموجة المطالبة بالحرية والعدالة التي تجتاح العالم العربي والتي تذكيها وسائل اعلام اجتماعية قوية أتاحت فرصة غير مسبوقة لتحسن حقوق الانسان في المنطقة.

لكن المنظمة التي تتخذ من لندن مقرا لها قالت في تقريرها السنوي عن أوضاع حقوق الانسان على مستوى العالم ان الموقف في العالم العربي على حد السيف.

وقال سليل شتي الامين العام لمنظمة العفو "الناس يرفضون الخوف. اناس شجعان يتقدمهم بدرجة كبيرة الشبان هبوا وعبروا عن ارائهم في وجه الرصاص والضرب والغازات المسيلة للدموع والدبابات."

وأضاف في بيان "لم يواجه منذ انتهاء الحرب البادرة هذا العدد من الحكومات القمعية مثل هذا التحدي لمعاقلهم في السلطة."

وقال شتي في مقابلة ان ميل كفة الميزان لصالح الجانب الذي سينتصر يعتمد على تصرف الحكومات لكنه يعتمد ايضا على مدى دعم العالم الاوسع للحركة. واستطرد "الموقف قد يتطور لهذا او لذاك في بعض الدول. ليبيا في الميزان وسوريا كذلك." بحسب رويترز.

وأدت الانتفاضات التي شهدها شمال أفريقيا والشرق الاوسط هذا العام الى الاطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك.

وتدخل حلف شمال الاطلسي في ليبيا بعد انتفاضة المعارضة ضد الزعيم الليبي معمر القذافي كما اجتاحت الاحتجاجات سوريا واليمن والبحرين ودول أخرى.

وانتقد شيتي الدول الغنية التي لا تحترم حق اللاجئين وطالبي اللجوء. وقال لرويترز "لدينا الاف اللاجئين القادمين من شمال أفريقيا والشرق الاوسط الذين لا يحصلون على حقوقهم في أوروبا."

وأبرز تقرير منظمة العفو دور الانترنت والمواقع الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر في مساعدة النشطاء على التحايل على قمع الحكومات للتعبير عن ارائهم بحرية.

وجاء في التقرير ان حكومات قمعية أخرى مثل تلك في أذربيجان والصين وايران تحاول تفادي حدوث مثل هذه الثورات في دولها.

وحثت منظمة العفو الدوية الشركات التي توفر خدمات الانترنت والهواتف المحمولة ومواقع الشبكات الاجتماعية على احترام حقوق الانسان والا تتحول الى مخلب تستغله الحكومات القمعية في التجسس على مواطنيها.

وأغلقت شركة فودافون البريطانية للهواتف المحمولة شبكتها في مصر بأوامر من المسؤولين في نظام مبارك خلال الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد في فبراير شباط لكن جوجل سعت لتوفير سبل للتحايل على قطع الانترنت في مصر.

وربطت منظمة العفو بين الاحتجاجات التي تعم العالم العربي ونشر موقع ويكيليكس الالكتروني على الانترنت الاف البرقيات الدبلوماسية الامريكية السرية. وأشارت المنظمة أيضا الى تفاقم الموقف القانوني لنساء اخترن ارتداء النقاب في أوروبا. وفيما يلي موجز لتقرير منظمة العفو الدلولية:

يحق لنا أن نذكر عام 2010 باعتباره عام التحول التاريخي الذي استخدم فيه النشطاء والصحفيون تقنيات جديدة لقول الحقيقة للسلطة، وبذلك انطلقوا لضمان المزيد من الاحترام لحقوق الإنسان. وهو أيضاً العام الذي واجهت فيه الحكومات القمعية الاحتمال الواقعي بأن أيامها صارت معدودة.

وتُعد المعلومات مصدراً من مصادر القوة، وتُعتبر هذه اللحظات في نظر الذين يتحدون انحراف الدول، وغيرها من المؤسسات بالسلطة، لحظات مثيرة. فمنذ مولد منظمة العفو الدولية منذ نصف قرن، شاهدنا وشكِّلنا تحولات رئيسية مماثلة في الصراع على السلطة بين الذين يرتكبون الانتهاكات والأفراد الذين يتحلون بالشجاعة والابتكار والذين فضحوا مظالمهم. وباعتبارنا حركة مكرسة لحشد الغضب العالمي دفاعاً عن الأفراد الذين ضاقت بهم السبل، فإننا ملتزمون بمساندة النشطاء الذين يتخيلون عالماً تتحرر المعلومات فيه حقاً، ويستطيعون فيه ممارسة حقهم في التعبير عن المعارضة سلمياً، خارج نطاق سيطرة السلطات.

وعلى مدى 50 عاماً، أخذت منظمة العفو الدولية تستكشف آفاق التقنيات القادرة على تمكين العاجزين والمضارين من إسماع صوتهم للدنيا، فمن الطابعة على البعد وآلات تصوير المستندات، وآلات الفاكس، إلى المذياع والتلفزيون والاتصالات بالتوابع الاصطناعية، والهواتف، والبريد الإلكتروني، والإنترنت، استطعنا أن نحشدها جميعاً لدعم التعبئة الجماعية. لقد كانت هذه أدوات ساعدت الكفاح من أجل حقوق الإنسان، على الرغم من الجهود المتقدمة التي تبذلها الحكومات لفرض القيود على تدفق المعلومات وفرض الرقابة على الاتصالات.

وخلال هذا العام، بدأ "ويكيليكس"، وهو موقع إلكتروني مكرس لنشر الوثائق المستقبلة من مصادر بالغة التنوع، في نشر أولى الوثائق التي يبلغ مجموعها مئات الآلاف، وقيل إن الذي نقلها يُدعى برادلى مانينغ، وهو محلل استخبارات في الجيش الأمريكي، في الثانية والعشرين من عمره، وهو محتجز حالياً تمهيداً لمحاكمته، ويواجه إمكانية الحكم عليه بالسجن أكثر من خمسين سنة إذا أُدين بتهمة التجسس وغيرها من التهم.

وقد خلق موقع "ويكيليكس" مكاناً يسهل الوصول إليه أمام جميع من يفشون الأسرار في شتى أرجاء العالم، وأثبت قوة هذا المنبر بنشر وإعلان الوثائق الحكومية السرية والمُتكتم عليها. وقد سبق لمنظمة العفو الدولية أن أقرت بإسهام موقع "ويكيليكس" في الدعوة لحقوق الإنسان عندما نشر ذلك الموقع معلومات تتعلق بالانتهاكات في كينيا عام 2009.

ولكن الأمر تطلب جهود الصحفيين التقليديين والمحللين السياسيين الذين خاضوا هذه البيانات "الأولية"، وفحصوها ثم حللوها وصولاً إلى الأدلة على الجرائم والانتهاكات التي تتضمنها هذه الوثائق. وانتفع النشطاء السياسيون بقوة هذه الوثائق باستخدام أدوات اتصالات أخرى جديدة أصبحت تُتاح اليوم بسهولة على الهواتف المحمولة وعلى المواقع الإلكترونية للشبكات الاجتماعية في إخراج الناس إلى الشوارع مطالبين بالمساءلة.

ومن الأمثلة القاهرة والفاجعة على قوة العمل الفردي حين تضخمه الأدوات الجديدة للعالم الافتراضي قصة محمد بوعزيزى. ففي ديسمبر/كانون الأول 2010، قام محمد البوعزيزى، وهو بائع جوال يعيش في سيدي بوزيد، في تونس، بإشعال النار في نفسه خارج مبنى البلدية احتجاجاً على مضايقات الشرطة، والإهانة، والصعوبات الاقتصادية، وذلك الإحساس بانعدام الحيلة الذي يشعر به الشباب من أمثاله في تونس.

وانتشر خبر ما قام به مدفوعاً باليأس والتحدي عبر تونس كلها على الهواتف المحمولة والإنترنت، وهو ما حرك المعارضة التي كانت كامنةً في الصدور منذ زمن طويل ضد حكومة البلد القمعية، بتفريعاتها غير المنظورة. وقد تُوفي محمد بوعزيزى متأثرا بجراحه، ولكن غضبته ظلت حيةً في صورة المظاهرات التي عمت الشوارع في شتى أرجاء تونس. وانطلق إلى الشارع النشطاء في تونس، وهم مجموعة تتكون من أعضاء النقابات، وأعضاء المعارضة السياسية، والشباب، وكان بعضهم قد قام بالتنظيم من خلال المواقع الإلكترونية للشبكات الاجتماعية، إظهاراً لتأييدهم لمطلب البوعزيزى بالنظر إلى مظالمه. واشتركت أيادي الخبراء مع شباب المتظاهرين في استخدام الأدوات الجديدة لتحدي الحكومة القمعية.

وحاولت الحكومة التونسية فرض تعتيم مُحكم على أجهزة الإعلام، بل وأغلقت اتصال الأفراد بالإنترنت، ولكن الأنباء انتشرت بفضل التقنيات الجديدة؛ إذ أوضح المتظاهرون أن غضبهم كان منصباً على القمع الوحشي من جانب الحكومة للذين تجاسروا على تحدي موقفها السلطوي، وأيضاً على انعدام الفرص الاقتصادية الذي يرجع في جانب منه إلى الفساد الحكومي.

وفي يناير/كانون الثاني، ولم يكن قد مضى سوى أقل من شهر على الفعل اليائس الذي أقدم عليه محمد البوعزيزى، انهارت حكومة الرئيس زين العابدين بن علي وفر من البلد لاجئاً إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية. واحتفل الشعب التونسي بانتهاء ما يزيد عن 20 عاماً من الحكم غير الخاضع للمساءلة، مما جهز الساحة لانتخاب حكومة جديدة تقوم على المشاركة واحترام حقوق الإنسان.

وترددت أصداء سقوط حكومة بن على في شتى أرجاء المنطقة والعالم. وغدت الحكومات التي تقوم على التعذيب والكبت لقمع المعارضة، وتغتني من خلال الفساد والاستغلال الاقتصادي، تتلفت خلفها في فزع. كما ساد التوتر في دوائر النخبة المحلية والحكومات الأجنبية التي كانت تساند هذه النظم غير المشروعة وتتشدق في تعالٍ بالديموقراطية وحقوق الإنسان.

وسرعان ما أدت الانتفاضة التونسية إلى إحداث زلازل في البلدان أخرى. فانطلق الناس إلى الشوارع في الأردن والجزائر واليمن ومصر.

وكانت الأدوات في عام 2010 جديدة، ولكن المظالم لم تتغير، ألا وهي السعي إلى حياة تتسم بالكرامة، ويتمتع فيها الإنسان بشتى ألوان الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وبدأ النشطاء في جميع أرجاء العالم ممن كابدوا طويلاً خطر وحقيقة السجن والتعذيب والوحشية بسبب آرائهم ومعتقداتهم أو هويتهم السياسية، في تخيل عالم زاخر بالإمكانات التي تتضمن التحرر من الخوف والمشاركة السياسية الحقة. وأما ما بينته الأحداث الأخيرة بوضوح وجلاء فهو أن نقص الفرص الاقتصادية أمام الكثيرين في المنطقة أحدثت أصداء عميقة لدى من كانوا يؤيدون النشطاء في تونس.

وهذا الإحباط الذي يحسه من يعيشون في ظل حكومات قمعية لا يبتعد عن السطح مطلقاً. ففي مصر، على سبيل المثال، تُوفي خالد سعيد بعد أن اعتدى عليه اثنان من رجال الشرطة في مقهى للإنترنت في الإسكندرية في يونيو/حزيران 2010، وأدت وفاته إلى غضبة شعبية عارمة، وهو ما يبدو الآن، إن استرجعنا الأحداث، نذيراً مبكراً للمظاهرات الهائلة في 2011. ووُجهت إلى الشرطيين تهمة القبض عليه وتعذيبه دون وجه حق، لا بالمسؤولية المباشرة عن وفاته. وفي إيران، فرض المسؤولون الحكوميون قيوداً على الوصول إلى المصادر الخارجية للمعلومات، مثل الإنترنت، في الوقت الذي استمر فيه الاستياء في أعقاب انتخابات عام 2009 التي ثار الخلاف حول نتائجها، ولم تندمل بعد الجروح الناجمة عن الانقضاض الوحشي على المتظاهرين.

وفي الصين، حاولت الحكومة دفن قصة شاب أوقفه رجال الشرطة بعد أن قتل امرأة وجرح امرأة أخرى أثناء قيادته السيارة مخموراً، فصرفهم الشاب بذكر قرابته لأحد كبار المسؤولين في الشرطة. وغدت صيحة "أنا ابن لي غانغ" رمزاً لانعدام المساءلة، ونُشرت القصة الكامنة وراء هذه الصيحة، ثم أُعيد نشرها على الإنترنت في شتى أنحاء الصين حتى والسلطات تناضل لاستعادة السيطرة على الموقف.

وأما السياسيون الذي يقولون بأولوية الحقوق المدنية والسياسية على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو بالعكس، فإن الوضوح الذي حدد به النشطاء علاقة إحباطهم بنقص الفرص السياسية والاقتصادية يبين أن هذا التقسيم زائف لأنه يتجاهل خبرات الملايين أو المليارات من الناس الذي يعيشون من دون هذه وتلك في شتى أرجاء العالم.

ومنظمة العفو الدولية التي بدأت باعتبارها حركةً مكرسة لحقوق سجناء الرأي، قد أدركت منذ وقت طويل أن الإشارة إلى الانتهاكات الكامنة التي تحفز النشطاء على الكتابة والخروج إلى الشارع لا تقل أهميةً عن ضمان وضع حد لاحتجاز النشطاء وإيذائهم. وقد تكون مواقع الشبكات الاجتماعية جديدة، ولكنها مهمة لأنها أداة قوية تستطيع تيسير الألفة والتكاتف بين النقاد الساخطين الذين يعيشون في ظل حكومات ظالمة لا تختلف في طابعها على امتداد العالم كله.

تسريب الوثائق والكشف عن الخبايا

في يوليو/تموز، بدأ موقع "ويكيليكس" وعدة صحف كبرى في نشر ما يقرب من 100 ألف وثيقة متعلقة بالحرب في أفغانستان. وتفجر الخلاف حول مضمونها ومشروعيتها وعواقبه؛ إذ كانت الوثائق تقدم تأكيداً قيِّماً لانتهاكات حقوق الإنسان التي وثَّقها نشطاء وصحفيو حقوق الإنسان، وهي الانتهاكات التي كانت الحكومات الأفغانية والأمريكية وبلدان حلف شمال الأطلسي تنكر وقوعها. ولكن منظمات حقوق الإنسان أبدت انزعاجها عندما أعلنت حركة "طالبان" أنها تقوم أيضاً بفحص الوثائق المذكورة وسوف تعاقب من تعاون من الأفغانيين مع الحكومة الأفغانية أو مسانديها الدوليين. وهكذا فإن التقنيات الجديدة، مثلها مثل جميع الأدوات، تتضمن أخطاراً إلى جانب الفوائد، ومن ثم اتخذ موقع "ويكيليكس" الخطوات اللازمة التي تضمن أن الوثائق المنشورة في المستقبل سوف تحقق المبدأ القديم، مبدأ "عدم إحداث الضرر"، وهو من الأسس الصلبة التي ارتكز عليها عمل منظمة العفو الدولية في السنوات الخمسين الماضية.

ورداً على ذلك، لجأت الحكومات المتورطة في الانتهاكات إلى الذريعة القديمة التي تزعم أن الوثائق المتسربة التي توضح انتهاكات الحكومات وجوانب إخفاقها تمثل تهديداً للأمن القومي ومن ثم فهي غير مشروعة. ويمكن القول بصفة عامة إن هذه الحكومات تجاهلت ببساطة الكشف عن الأدلة على جرائم في نظر القانون الدولي وعلى تقاعسها عن التحقيق في هذه الجرائم ومحاكمة مرتكبيها.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، نشر موقع "ويكيليكس" ما يقرب من 400 ألف وثيقة تتعلق بالحرب في العراق. ومن جديد أشارت منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الأخرى إلى أن الحكومات المتورطة، حتى وهي تحتمي بصيحة "الأمن القومي"، قد تقاعست عن تحمل مسؤوليتها فلم تقم بالتحقيق مع مرتكبي جرائم الحرب وغيرها من الجرائم في نظر القانون الدولي ومحاكمتهم. وأكدت الوثائق أيضاً أن هذه الحكومات التي ترفض التقارير التي أعدتها منظمة العفو الدولية وغيرها من منظمات حقوق الإنسان عن الانتهاكات المذكورة، كانت تملك من الوثائق ما يؤكد بوضوح دقة هذه التقارير.

ولكن المعلومات "المسربة" تتضاءل أمام الفصل النهائي في عام 2010 عندما بدأ موقع "ويكيليكس" مع خمس صحف كبرى في وقت واحد في نشر الدفعة الأولى من البرقيات "الخاصة"، وإن كانت غير "سرية للغاية"، وعددها 220 برقية دبلوماسية من بين 251287 برقية أرسلتها 274 سفارة أمريكية في شتى أنحاء العالم من 28 ديسمبر/ كانون الأول 1966 إلى 28 فبراير/شباط 2010. وكان من شأن هذه المعلومات التي أُتيحت مؤخراً، وقام بتحليلها الصحفيون المخضرمون ومدونو الانترنت المتحمسون، أن تعزز الحركات القائمة، وأن تلهم مزيداً من الحركات الجديدة.

زلازل حول العالم

وتختلف وجهات النظر إلى العمل الذي قام به موقع "ويكيليكس"؛ إذ يصفه بعض المعلقين بأنها تعمل في "فراغ أخلاقي" ويراه البعض معادلاً حديثاً لنشر "أوراق البنتاغون" (وزارة الدفاع الأمريكية) ولكن الأمر الواضح يتمثل في التأثير الذي أحدثته الوثائق المسربة.

وإذا كان من الصحيح أن "ثورة الياسمين" في تونس ما كانت لتندلع لولا الكفاح الطويل الذي خاضه المدافعون الشجعان عن حقوق الإنسان في العقدين الماضيين، فربما كانت المساندة للنشطاء خارج البلد قد تعززت عندما فحص الناس وثائق "ويكيليكس" الخاصة بتونس وفهموا جذور الغضب. وقد أوضحت بعض الوثائق بصفة خاصة أن البلدان في شتى أرجاء العالم كانت على وعي بالقمع السياسي وعدم توافر الفرص الاقتصادية ولكنها لم تكن، في الغالب الأعم، تفعل ما ينبغي للحث على التغيير. وقد كشفت إحدى البرقيات المُسربة عن إقرار المبعوث الكندي آنذاك، والسفير الأمريكي والسفير البريطاني بأن قوات الأمن التونسية تقوم بتعذيب المعتقلين، وأن التأكيدات الدبلوماسية بأن الحكومة لن تعذب المعتقلين الذين يُعادون إلى تونس "لها قيمتها" ولكن لا يُعول عليها، وأن "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" لا تستطيع زيارة المعتقلات التي تديرها وزارة الداخلية.

وفي برقية مُسربة أخرى يدلي السفير الأمريكي بتفاصيل تبين أن الاقتصاد التونسي مهلهل بسبب تفشي الفساد، الذي يتراوح ما بين ابتزاز الشرطة للشعب، وبين الذراع الطويلة "للأسرة" أي أسرة بن علي التي تضم أقرباءه وأنسابه البعيدين، فهي أسرة مديدة استغلت سلطانها لتكديس الثروة.

ويعيدنا ذلك إلى محمد البوعزيزى والكثير من التونسيين الآخرين الذين كانوا يشعرون، فيما يبدو بأنه لا أمل أمامهم على الإطلاق في مواجهة التعذيب والحرمان الاقتصادي، والفساد الحكومي، ووحشية الشرطة، والقمع بلا هوادة للمعارضة السياسية ولأي فرد آخر يعبر عن معارضته. فلم تكن أمام البوعزيزي أية سبل سياسية للمطالبة بفرص اقتصادية وعندما حاول أن يخلق فرصة له ببيع الفاكهة والخضراوات على عربة في الشارع، صادرت الشرطة بضاعته. وعندما ذهب إلى السلطات السياسية ليشكو إيذاء الشرطة له امتنعت تلك السلطات عن قبول شكواه أو التحقيق فيها.

ولم تكن شكاوى محمد البوعزيزى فريدةً بحال من الأحوال. ولكن إقدامه على إحراق نفسه تزامن تقريباً مع نشر "ويكيليكس" للوثائق التي تبين أن الحكومات الغربية التي تحالفت مع حكومة بن على كانت تعي هذه القضايا جميعاً، ولكنها كانت فيما يبدو عازفةً عن ممارسة الضغط الخارجي على الحكومة لحملها على احترام حقوق الإنسان. وكان اقتران هذين الحادثين، فيما يبدو، العامل الذي حقق التأييد الواسع النطاق للمحتجين في تونس، وكان الناس في البلدان المجاورة يساندونهم كل المساندة، فبعضهم كان يواجه نفس العقبات التي تحول دون تمتعهم بحقوقهم المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

ردود أفعال لها دلالتها

ومن المفيد لنا أن نتأمل ردود أفعال الحكومات الغربية في مواجهة الأوضاع الناشئة في تونس ومصر، إذ قطعت الولايات المتحدة علاقتها التي امتدت زمناً طويلاً مع الرئيس التونسي بن علي، واقترح وزير الشؤون الخارجية الفرنسي أولاً مساعدة حكومة بن علي في التصدي للاحتجاج الشعبي، ولكن بعد تفجر الغضب من هذا الموقف في فرنسا، وبعد أن فر زين العابدين بن علي من تونس، أفصحت فرنسا أخيراً عن مساندتها للمحتجين. وعندما واجهت حكومة الولايات المتحدة، وكثير من الحكومات الأوروبية احتجاجات مماثلة في مصر، بدا أنها قد أُخذت على حين غِرَّة، ومن ثم غدت عازفةً عن تأييد المطلب الأولي للمحتجين بأن يتنحى الرئيس مبارك عن السلطة.

وكانت الولايات المتحدة بصفة خاصة تستثمر استقرار حكومة مبارك استثماراً شديداً؛ على الرغم من الأدلة الكثيرة على وحشيتها في الأعوام الثلاثين الأخيرة. والواقع أنه على امتداد العالم كله، فإن الكثير من الحكومات التي تعلن إعلاء قيمة حقوق الإنسان والديموقراطية كانت تساند بصراحة بعض الزعماء السياسيين، مثل محمد حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس، اللذين كانت تعرف عنهما الفساد والقمع واللامبالاة بحقوق مواطنيها. والواقع أن أولى الحالات العجيبة للاعتقال والنقل السري للأشخاص (بقصد تعذيبهم في الخارج) وقعت في ظل إدارة الرئيس كلينتون التي كانت ترسل المعتقلين إلى مصر، المكان الذي اشتهر بالاستخدام المنتظم للتعذيب. والأدلة القائمة على هذا النفاق، والتي أكدتها البرقيات الدبلوماسية الكثيرة التي نشرها موقع "ويكيليكس"، تفضح هذه الحكومات وتشكك في التزاماتها بحقوق الإنسان. وفي نهاية المطاف، فقد كان من شأن بسالة المتظاهرين السلميين الذين خاطروا بأرواحهم في شوارع القاهرة وغيرها من المدن، أن تثبت الكثير من الحقائق للرئيس مبارك وحلفائه.

وفي أعقاب تسريب البرقيات الدبلوماسية أسرعت الحكومات لتحديد نوع الجرائم التي ربما تكون قد ارتُكبت من جانب "ويكيليكس" (وبرادلي مانينغ). وفي رد الفعل المذكور ما يثير القلق، فإن حكومة الولايات المتحدة التي هاجمت "ويكيليكس" بشدة وضراوة، كانت لها نظرة مختلفة حين كانت تدعم أوجه التقدم الجديدة في نشر المعلومات عن البلدان الأخرى. ففي يناير/كانون الثاني 2010، ألقت وزيرة الخارجية الأمريكية خطاباً يهدف إلى تشجيع الحكومات في شتى أرجاء العالم على ضمان انتفاع السكان بالإنترنت، وشبهت الرقابة على الإنترنت "بحائط برلين"، وقالت هيلارى كلينتون "لم تتمتع المعلومات من قبل بالحرية التي تتمتع بها الآن. وحتى في البلدان السلطوية، نجد أن شبكات المعلومات تساعد الناس على اكتشاف حقائق جديدة وزيادة مساءلة الحكومات."

وواصلت الوزيرة حديثها قائلة إن الرئيس باراك أوباما، أثناء زيارته للصين في نوفمبر/تشرين الثاني 2009 "دافع عن حق الناس في الوصول بحرية إلى المعلومات، وقال إنه كلما زادت حرية تدفق المعلومات، ازدادت المجتمعات قوة. ووصف كيف أن الوصول إلى المعلومات يساعد المواطنين على مساءلة حكوماتهم، ويولد أفكاراً جديدة، ويشجع الابتكار."

ولكن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تريد الالتزام بحسن السلوك من خلال الإنترنت، أو تنفرد برغبتها في استخدام التقنيات الإلكترونية في انتهاك الحق في الخصوصية. فشبكة الإنترنت تزيد من فضح رغبة الحكومات في السيطرة على الحصول على المعلومات في غمار سعيها لفرض الرقابة على الذين يستخدمون الإنترنت عندما يرى أصحاب السلطة أن المضمون يمثل تهديداً لهم، إذ يضيفون القرصنة والرقابة إلى ترسانة أسلحتهم الخاصة.

ولكن من الواضح أن الحكومات لا تمسك بعجلة القيادة بالضرورة، مهما اشتدت رغبتها في ذلك. ففي الصين لعب البرنامج الإلكتروني الخاص بمنع اختراق شبكة الإنترنت، والمسمى "Great Firewall"، دوراً مهماً وضاراً في السعي لقمع حرية المناقشة على الإنترنت. وكان الذين حاولوا تجاوز القواعد الموضوعة عرضةً للمضايقات أو للحبس. ففي يوليو/تموز 2010، على سبيل المثال، صدر حكم بالسجن لمدة 15 سنة على خيرت نياز، وهو صحفي ومحرر في الإنترنت من طائفة "الأوغور" بتهمة "تعريض أمن الدولة للخطر". واستندت المحكمة في أدلتها إلى المقابلات الشخصية التي أجراها مع أجهزة الإعلام الأجنبية وكذلك إلى الترجمة التي قام بها على الإنترنت لدعوة إحدى منظمات "الأوغور" في الخارج إلى القيام بمظاهرات احتجاج على معالجة الحكومة لحادثة قُتل فيها اثنان على الأقل من طائفة "الأوغور"، وذلك عندما قام عمال صينيون من طائفة "هان" بمهاجمة عمال من طائفة "الأوغور" في شاووغوان، بمقاطعة غوانغدونغ، في جنوب الصين. ولكن السلطات الصينية كانت تجد نفسها، مراراً وتكراراً، ورغم استخدام أشد التقنيات تقدماً، في موقف مزعزع أو تكتشف أن مستخدمي الإنترنت قد تغلبوا عليها في الدهاء، وغدوا حصاناً برياً من المحال ترويضه، كما وصفهم بذلك أحد المدونين الكوبين في الإنترنت ويدعى يواني سانشيز.

وهناك نموذج آخر يتمثل في ليو جياوبو، وهو الباحث الذي شارك في تأليف وثيقة المعارضة التي تسمى "ميثاق 08". فقد استلهم نشاط مفكري أوروبا الشرقية المكافحين ضد النزعة التسلطية الشيوعية في السبعينيات والثمانينيات، وهم الذين استفادوا أيضاً من التقنيات الجديدة آنذاك، مثل آلات تصوير المستندات وأجهزة الفاكس، في نشر الأفكار وتحدي الحكومات الظالمة وإسقاطها آخر الأمر.

ولم يكن ليو جياوبو معروفاً لمعظم أبناء الصين العاديين حتى بعد أن حُكم عليه بالسجن 11 عاماً في يوم عيد الميلاد عام 2009. ومع ذلك فعندما فاز بجائزة نوبل للسلام في أكتوبر/تشرين الأول 2010 راح نشطاء الإنترنت يتسابقون في السعي للاعتراف بدوره.

وكانت السلطات الصينية حريصة على إغلاق باب المناقشة، وعندما اختل توازنها بسبب ما فُوجئت به من اتساع نطاق المساندة لذلك الشخص، الذي وصفته رسمياً بأنه "خائن"، أعاقت البحث على الإنترنت باستخدام عبارة "الكرسي الخالي"، وهو مصطلح كان كثير من الصينيين قد بدأوا يستخدمونه في الإشارة إلى أسلوب تكريم ليو جياوبو في حفل منح الجائزة في أوسلو.

وحتى مقدم "ويكيليكس"، كانت الحكومات تعتقد، فيما يبدو، أنها تسيطر على الموقف. ولكن عندما تراجعت الشركات، التي كان موقع "ويكيليكس" يعتمد عليها في عمله، عن مساندتها له، ولم يتضح إلى الآن إذا ما كان هذا نتيجة للضغط المباشر من الحكومة، تعرضت الشركات والحكومات التي كانت تدين "ويكيليكس" للهجوم من قراصنة الكمبيوتر في شتى أرجاء العالم.

ويبين تكثيف القراصنة لجهودهم ومواصلة نشر الوثائق على الرغم من تهديدات شتى الحكومات وغضبها أن موقع "ويكيليكس" قد غير طبيعة "اللعبة" فيما يتعلق بمن يسيطر على المعلومات، كما كشف أيضاً عن أن بعض القراصنة يتبنون موقف "الهجوم على الجميع بلا هوادة"، وهو ما يهدد خصوصية الأفراد وأمنهم.

كلمة تحذير

على نحو ما رأينا آنفاً، فإن الرغبة في نشر المعلومات من الممكن أن تتسبب في مشاكل خاصة بها إن لم يتحقق التوازن بينها وبين الحقوق الفردية. ففي أغسطس/آب، قامت سيدتان برفع دعوى جنائية ضد جوليان أسانج، مؤسس موقع "ويكيليكس"، بموجب قانون الجرائم الجنسية السويدي، ونشر قراصنة الإنترنت أسماء وهوية السيدتين، وهما اللتان تعرضتا لتشويه سمعتهما باعتبارهما من عملاء حكومتي الولايات المتحدة والسويد. وهذا يبين أن النساء ما زلن يُستخدمن في العالم الافتراضي الجديد قطعاً للشطرنج، أو ما هو أسوأ، ويمكن التضحية بهن باعتبار ذلك من الأضرار الجانبية المقبولة. وإن شئنا الوضوح قلنا إن السيدتين جديرتان بالتحقيق الكامل في دعواهما فإذا توافرت الأدلة الكافية لابد من محاكمة الذي زُعم أنه أساء إليهما. وينبغي، في الوقت نفسه، أن يتمتع جوليان أسانج بمبدأ افتراض براءته وأن تُوفر له الإجراءات القضائية الواجبة وأن يُحاكم محاكمةً عادلة.

وقانون حقوق الإنسان واضح في هذه القضية، إذ ينص على أن تتميز الحكومات بالشفافية، ولا يجوز لها الانتقاص من حرية التعبير (ومن الحق في تلقي المعلومات ونقلها) إلا من أجل تعزيز احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، أو حماية الأمن القومي، أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة. ومن المحال تبرير مزاعم الحكومات بأن الأمن القومي يمنحها الحرية المطلقة في فرض القيود على المعلومات، خصوصاً عندما يتضح أن هذه القيود تشمل التستر على انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني. ولكن النفاق والخداع من جانب حكومة ما لا يبرر كذلك دخول القراصنة على الموقع الإلكتروني للنيابة العامة وانتهاك خصوصية النساء اللاتي يتقدمن بالشكاوى.

مستقبل رقمي لحقوق الإنسان

لا تتميز شبكة الإنترنت وغيرها من تقنيات الاتصال بسمات سحرية أو حتمية، والتقنيات في حد ذاتها لا تحترم أو تقوِّض حقوق الإنسان، فإنها، وسوف تظل، أداةً يستخدمها من يريدون تحدي مظاهر الظلم في شتى أرجاء العالم ومن يريدون التحكم في الوصول إلى المعلومات وإسكات الأصوات المعارضة. ويمكن القول بأن الإذاعة على موجات FM والهواتف المحمولة قد فعلت أكثر مما فعلته الأساليب التقليدية الأخرى في سبيل تعزيز حقوق الإنسان في إفريقيا وحمايتها. وقد تمكن الموقع الإلكتروني (ushahidi.com) في كينيا من ابتكار وسائل للاتصال الجماهيري فتحت مجموعة جديدة كاملة من إمكانيات منع نشوب الصراعات.

وسوف تحقق التقنيات أغراض الذين يسيطرون عليها، سواء كان الغرض تعزيز الحقوق أو تقويضها. ويجب أن نتذكر أننا في عالم يتسم بعدم تماثل القوى، وقدرة الحكومات وغيرها من المؤسسات على الانحراف باستخدام التقنيات وعلى استغلالها سوف تتفوق دائماً على طاقات القاعدة الشعبية من النشطاء، ودعاة حقوق الإنسان المحاصرين، ومن يُقدمون دون خوف على إفشاء الأسرار، والأفراد الذين تدفعهم دواعي العدالة إلى السعي للحصول على المعلومات أو لوصف وتوثيق حالة من حالات الظلم من خلال هذه التقنيات.

وقد اتضح من خلال الجدل الذي أحاط بموقع "ويكيليكس" من حيث نشر الوثائق دون الحرص، فيما يبدو، على أمن الذين كشفت الوثائق أسرارهم، وكذلك في الخلاف الذي يحيط بقضية ارتكاب جوليان أسانج لجرائم جنسية، أن الوضوح الأخلاقي عسير المنال. فهذه القضية لا تتيح الوضوح الأخلاقي الذي يرتبط في أذهاننا، على الأقل عند استرجاع الأحداث الآن، بنشر "أوراق البنتاغون" (وزارة الدفاع الأمريكية). ومن المهم للذين يجدون أن موقع "ويكيليكس" لا أخلاقي أن يذكروا أنه حين يتقاعس الذين ينبغي لهم قول الحق، يصبح من حق الذين يعيشون يومياً في ظل الانحراف بالسلطة أن يحتفوا بموقع "ويكيليكس"، وهو ما يصبح احتفاءً مفهوماً، إذ إن أملهم الأخير في المساءلة معقود بفضح ذلك الانحراف، مهما كان الفضح مشوباً بالمثالب، مسبباً للحرج، أو مؤدياً إلى نتائج عكسية فيما يبدو.

ومع ذلك فإن هذه أوقات مدهشة بالنسبة لمنظمة العفو الدولية ونشطاء حقوق الإنسان الآخرين الذين يرون الإمكانات التي تقدمها التقنيات للكشف عن الحقيقة وعقد المناظرات التي قد تنجح في تفادي الرقابة والربط بيننا عبر الحدود. إننا نتخيل الوعد بأن نعيش في عالم يتمتع بالصراحة الحقة، حيث يستطيع الجميع الوصول إلى المعلومات بأسلوب مفيد، وحيث يستطيع الجميع أن يشاركوا مشاركةً كاملةً في القرارات التي تؤثر في حياتهم، وحيث لا تُقبل حالة ظلم واحدة.

وفي عام 2011 تحتفل منظمة العفو الدولية بعيدها السنوي الخمسين، وقد وصف أحد النقاد المعاصرين هذه الحركة بأنها "إحدى حالات الجنون الكبرى في زماننا" ولكنها قد أشعلتها دعوة بسيطة من محام بريطاني يُدعى بيتر بيننسون، إذ طلب من المجتمع أن يتذكر "السجين المنسي". وكان حماسه مستلهماً من حادثة نمت إلى علمه، ألا وهي الزج بشابين برتغاليين في السجن بتهمة رفع كأسيهما ليشربا نخب الحرية.

ولحسن حظ الآلاف من السجناء منذ ذلك الوقت، لم يكتف ذلك "الجنون" بالانتصار بل كُتب له أن يستمر، ولا نزال مع حلفائنا مصممين على تعزيز الحق في المعلومات وحرية التعبير، فقد نجحنا معاً في النضال من أجل الإفراج عن الآلاف من سجناء الرأي، وقد أصبح بعضهم مثل إلين سيرليف جونسون، رؤساء للدولة اليوم. وساعدنا معاً على تحقيق إطلاق سراح أونغ سان سوكي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2010، فأثبتنا مرة أخرى كيف تنجح المثابرة الدائبة في تحقيق التغيير الإيجابي. ونجحنا معاً في إنقاذ ما لا يُحصى من الأرواح، أقربها زمناً نشيطان تحديا قوات الأمن التابعة لعملية تعدين، وكانت القوات توشك على تخطيط مواجهة ترمي إلى التخلص من النشطاء الذين كانوا على استعداد للمخاطرة بأرواحهم في سبيل قول الحقيقة للسلطة.

لقد اختلفت أحوال العالم اختلافاً شاسعاً في غضون هذه السنوات الخمسين ، ولكن دافع الأفراد إلى التكاتف للكفاح ضد الظلم وحماية حقوق البشر أينما كانوا لم يتغير.

ويُعتبر هذا العيد الخمسيني اللحظة المناسبة لنتصور مقدار ما يستطيع الأفراد تحقيقه بتعاونهم، فإذا استطاع كل عضو من أعضاء منظمة العفو الدولية، الذين يربو عددهم على ثلاثة ملايين، إقناع شخص واحد آخر بالانضمام إلى عملنا في سبيل العدالة فسوف نضاعف من تأثيرنا، وعلى نحو ما رأينا في الشرق الأوسط فإن التحركات الجماعية للأفراد الذين يوحد بينهم السعي إلى تحقيق الإنصاف الأساسي يمكن أن تقوى على إسقاط الحكومات القمعية.

ولا يزال الأفراد الذين يُقدرون قيمة الحقوق والحريات في حاجة ماسة إلى العمل المتضافر داخل حدود البلدان وعبر هذه الحدود ما دامت الحكومة تواصل اضطهادها للذين يتصدون للانحراف بالسلطة. وبينما يطالب الأفراد الشجعان ذوو العزيمة الصلبة بحقوقهم وحرياتهم، تسعى الحكومات والجماعات المسلحة والشركات والمؤسسات الدولية إلى تجنب فحص أفعالها والمساءلة عنها.

إننا نستمد الإلهام من إطلاق سراح داو أونغ سان سوكي، ومن شجاعة ليو جياوبو، وصلابة الآلاف من سجناء الرأي، وشجاعة من لا يُحصى عددهم من المدافعين عن حقوق الإنسان، ومثابرة مئات الآلاف من التونسيين العاديين في مواجهة صعاب جمة، حين واجهوا قصة محمد البوعزيزى الفاجعة فصمموا على إحياء ما تركه لهم بعد موته بتنظيم صفوفهم ضد الانحراف بالسلطة الذي أدى إلى مصرعه. إننا ملتزمون في منظمة العفو الدولية بمضاعفة جهودنا لتدعيم الحركة العالمية لحقوق الإنسان، ملتزمون بالكفاح حتى نتأكد أنه لن يشعر فرد آخر بمثل هذه العزلة في يأسه إلى الحد الذي يسد أمام عينيه كل السبل.

الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أشرق عام 2010 وقد أصبحت اليمن محط أنظار المجتمع الدولي بصورة غير معتادة، في أعقاب حادثة زُعم أنها إرهابية، وغربت شمس العام وقد تعلقت أعين الكثيرين بقوة الشعب البازغة في تونس، وسلسلة ردود الأفعال التي أدت إليها في سواها من بلدان المنطقة. وقد صاحبت هذه وتلك حادثتا انتحار: كانت الأولى تفجيراً انتحارياً، حسبما زُعم، يستهدف قتل المسافرين في طائرة تجارية نفاثة، والثانية قيام شاب بإحراق نفسه يأساً بعد أن فقد العمل وفرصة كسب الرزق، وهدَّه القمع السياسي.

ولم تكن أي من هاتين الحادثتين من الظواهر العارضة التي صاحبت بداية عام ونهايته، بل إنهما ألقيتا الضوء على التيارات الأساسية المؤثرة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ألا وهي انشغال الحكومات بأمنها السياسي وتجاهلها لأمن شعوبها، وتقاعسها عن إعلاء حقوق الإنسان التي يعتمد هذا الأمن عليها.

ففي يناير/كانون الثاني وقع اليمن في قبضة صراع أسال الدماء في محافظة صعدة الفقيرة في الشمال، وجعل الحكومة تواجه حركة انفصالية متصاعدة في الجنوب. ولكن لم يكن هذا ولا ذاك، على الرغم مما أفرزاه من انتهاكات لحقوق الإنسان، هو الذي ارتقى بموقع اليمن على قائمة الاهتمامات السياسية الدولية، وأما السبب فكان حادثة وقعت يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2009، على بعد آلاف الأميال، عندما حاول رجل نيجيري، قيل إنه تلقى التدريب لدى تنظيم "القاعدة" في اليمن، أن يفجر طائرة مدنية فوق مدينة ديترويت الأمريكية، إذ إن تلك الحادثة سلطت الأضواء فجأة على اليمن على اعتبار أنه قد يكون مركزاً لتنظيم "القاعدة" على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، وعلى مسافة قصيرة عبر البحر الأحمر من دولة الصومال الغارقة في لجة الصراع، ولاسيما بعد تواتر أنباء عن تشكيل تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" وظهوره في صورة قوات "القاعدة" في اليمن والسعودية.

وكان اليمن، الذي يُعتبر أفقر دولة في المنطقة، يعاني قبل هذا من محن اجتماعية واقتصادية وسياسية طاحنة، فالشعب الذي يتكون أغلبه من الشباب يواجه موجة متنامية من الفقر والبطالة، واحتياطيات النفط وإمدادات المياه في البلد كادت تنفد، بينما يتربع على قمة الحكم رئيس منذ عام 1978 يزداد ضيق صدره بالمعارضة. فإذا أُضيف إلى هذا كله صراع صعدة والمطالب المتزايدة بالانفصال في الجنوب، تبين أن اليمن قد يصبح مرة أخرى في بؤرة الاهتمام الدولي، حيث تتزايد المخاوف من أن أي تدهور جديد في هذا البلد القبلي، الذي تنتشر فيه الأسلحة على نطاق واسع، قد يؤدي إلى انهيار القانون والنظام بشكل كامل.

وقد اتضح هذا الأمر، إلى حد ما، أمام باحثي منظمة العفو الدولية، أثناء زيارتهم لذلك البلد في مارس/آذار، إذ شاهدوا أدلة على الأسلحة المستخدمة في هجوم على ما زُعم أنه معسكر لتنظيم "القاعدة" في ديسمبر/كانون الأول 2009، وكان ذلك الهجوم قد وقع قبل نحو أسبوع من العثور على القنبلة بهدف تفجير الطائرة في ديترويت، وأسفر عن قتل 41 مدنياً يمنياً، معظمهم من النساء والأطفال. وكانت الإشارات على بقايا الأسلحة تدل على أنها خرجت من صاروخ من نوع "توماهوك" يحمل قنابل عنقودية، ولابد أن القوات الأمريكية هي التي قامت به، ربما من سفينة حربية أمريكية قريبة من الساحل اليمني، لا من جانب قوات الأمن اليمنية. وأكدت ملفات الحكومة الأمريكية ذلك فيما بعد، إذ كشف عنه تسجيل اجتماع عقده الرئيس اليمني مع أحد كبار المسؤولين الأمريكيين، واعترف فيه الرئيس بنبرات الندم والحسرة بأنه كذب على شعبه حين أخبره أن الهجوم قامت به القوات اليمنية، للتستر على ما رأى فيه حقيقة ذات أضرار سياسية، أي أن قتل المدنيين اليمنيين نجم مباشرة عن هجوم أمريكي.

وشهدت تونس حادثة تنطق بيأس محمد البوعزيزى، البالغ من العمر 24 عاماً، إذ أشعل النار في جسده، يوم 17 ديسمبر/كانون الأول، بعد أن منعه أحد المسؤولين المحليين في بلدة سيدي بوزيد من بيع الخضراوات على عربة اليد واعتدى عليه، فيما ورد، فكانت تعبيراً فردياً عن احتجاجه وأدت آخر الأمر إلى وفاته، ومن ثم فقد مسَّت هذه الحادثة عصباً عارياً لدى الآلاف من زملائه التونسيين، بل ومئات الآلاف في مصر والجزائر وغيرهما من البلدان في تلك المنطقة، إذ أطلقت موجة من مظاهرات الاحتجاج التي انتشرت كالنار في الهشيم في أرجاء البلد كله. وكان انتحار محمد البوعزيزى بمثابة صيحة إفصاح عن الإحباط الذي يشعر به أبناء جيله من جراء طبع الإيذاء لدى الحكومات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تحتكر القلة فيها جميع السلطات السياسية والاقتصادية تقريباً، وهي حكومات لا تقبل المساءلة، وتعتمد على القمع، ويضيق صدرها بالمعارضة، ويسعدها الارتكان إلى قوات الأمن والاستخبارات الوحشية، ذات القوة الغلابة، والموجودة في كل مكان، كي تضمن للحكومات بقاء سيطرتها على الدولة ومواردها، مثلما دأبت على ذلك على امتداد عقود كثيرة. وكالعادة، لجأت حكومة زين العابدين بن علي إلى استخدام القوة عندما واجهت الاحتجاجات الشعبية، فقتلت متظاهرين بالأسلحة النارية مثلما فعلت في قفصة عام 2009. ولكن المتظاهرين لم يفزعوا هذه المرة، بل ازداد تصميمهم على تحقيق غايتهم بتخليص بلدهم من الرئيس بن على.

الصراع وانعدام الأمن

وأما الصراع في صعدة باليمن فلم تصل معظم أنبائه إلى العالم الخارجي، إذ شهد قيام طائرات سعودية نفاثة بقصف البلدات والقرى، وهو ما أسهم في فرار نحو 350 ألف شخص من ديارهم، ثم انتهى باتفاق لوقف إطلاق النار في فبراير/شباط. واستمر الصراع في العراق، بعد أن خفضت الولايات المتحدة عدد جنودها واستكملت تسليم السجون والآلاف من المحتجزين الذين لم يُحاكموا إلى الحكومة العراقية فأصبحوا خاضعين لسيطرتها. وقد فعلت الولايات المتحدة ذلك على الرغم من الحقائق التي يتوالى الكشف عنها بصدد استخدام الحكومة العراقية للسجون السرية واستخدام قوات الأمن للتعذيب على نطاق وبائي. وفضلت الحكومة الأمريكية أن تتغاضى عن الأمر كله، بدلاً من الوفاء بالتزامها بحماية المحتجزين المعرضين لخطر التعذيب. كما إنها حكمت على نحو 3400 إيراني يعيشون في المنفى، في مخيم أشرف، شمالي بغداد، بمستقبل مزعزع لا أمن فيه بعد أن سلمت القوات الأمريكية السيطرة على المخيم للسلطات العراقية.

وواصلت الجماعات المسلحة في العراق تفجير القنابل دون هوادة، مما أسفر عن قتل بعض المدنيين وبتر أطراف البعض الآخر. وكان الحجاج الشيعيون، وكذلك المسيحيون، من بين الذين استهدفتهم الجماعات السنية المسلحة، وكانت هذه الجماعات قد عقدت العزم على استعراض عضلاتها وبذر المزيد من بذور الفتنة الطائفية، فكثفت هجماتها خلال فترة عدم الاستقرار السياسي التي تلت إعلان النتائج غير الحاسمة للانتخابات العراقية العامة في مارس/آذار.

وكان رد الحكومة العراقية هو الانقضاض الشامل على المشتبه فيهم وتعذيبهم بهدف انتزاع "اعترافات" منهم، وحملهم إلى المحاكم، وإصدار أحكام الإعدام على عشرات منهم بعد محاكمات تتسم بالجور الشديد. وكان استمرار هجمات التفجير التي يقوم بها الانتحاريون بمثابة تحدٍ للزعم القائل بأن عقوبة الإعدام ذات تأثير رادع.

وأما المحور الإقليمي الآخر للصراع فقد ظل يتمثل في استمرار النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وخلافاً للمعتاد جرت جولات ذلك الصراع في البحر، حين اعترض الجنود الإسرائيليون، في مايو/أيار، مسار أسطول صغير يتكون من ست سفن يسعى لخرق الحصار العسكري الذي فرضته إسرائيل على غزة، بهدف تقديم المعونة الإنسانية للفلسطينيين المحاصرين هناك ويبلغ عددهم مليوناً ونصف مليون. وسقط تسعة قتلى على ظهر السفينة التركية مرمرة بعد أن هبط على ظهرها الجنود الإسرائيليون، وهو ما أدى إلى اندلاع عاصفة احتجاج دولية بلغ من قوتها أن أحست إسرائيل بأنها مضطرة للتخفيف قليلاً من صرامة حصار غزة. وانتهى التحقيق الذي قامت به الأمم المتحدة إلى أن ستة على الأقل من بين القتلى التسعة كانوا فيما يبدو ضحية "الإعدام الفوري والتعسفي خارج نطاق القانون" على أيدي القوات الإسرائيلية. وانتهى العام دون أن تظهر نتيجة التحقيق المحلي الذي تقوم به إسرائيل والذي يفتقر إلى الاستقلال.

وشهد شهر ديسمبر/كانون الأول الذكرى السنوية الثانية لانطلاق عملية "الرصاص المسكوب"، وهي الهجوم العسكري الذي شنته إسرائيل على غزة لمدة 22 يوماً، وأدى إلى قتل نحو 1400 فلسطيني، كان من بينهم أكثر من 300 طفل. وكانت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون قد اتهمت في عام 2009 إسرائيل والجانب الفلسطيني بارتكاب جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية أيضاً وطالبت بإجراء تحقيقات وتطبيق المساءلة. ومع ذلك، فبحلول نهاية عام 2010 كان الضحايا لا يزالون ينتظرون العدالة والتعويضات. وكانت التحقيقات المحلية التي أجرتها إسرائيل تشوبها العيوب، وتفتقر إلى الاستقلال بل والإقرار بحجم الإصابات والقتلى من المدنيين الذي تسببت فيه القوات الإسرائيلية، ولم تقم حركة "حماس" حتى بتحقيق ظاهري مصرة، بالرغم من الأدلة القائمة، على أنها لم تهاجم إلا المنشآت العسكرية في حين أنها كانت تطلق الصواريخ وغيرها من الأسلحة من دون تمييز على المناطق الإسرائيلية المدنية. وكان من المقرر عرض القضية على مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في مارس/آذار 2011 بهدف البت فيما إذا كان ينبغي السماح للطرفين المسيئين بمزيد من الوقت لتجاهل مطالب الضحايا أم إحالة الموضوع إلى آليات العدالة الدولية.

قمع المعارضة

كانت حرية التعبير، ذلك الحق الأساسي ذو الأهمية الحيوية لذاته ولتلبية حقوق الإنسان الأخرى، تتعرض للانتقاص منها على أيدي الحكومات في شتى أرجاء المنطقة. وكذلك كان شأن حقوق أخرى ذات صلة وثيقة بهذا الحق، ألا وهي حرية تكوين الجمعيات، وحرية الاجتماع، إذ كانت سلطات الدولة تعوق تطور المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، ونشأة مجتمع مدني ناشط، وكثيراً ما كانت تسعى إلى منع التعبير علناً عن المعارضة.

وفي بعض البلدان، من بينها إيران وسوريا وليبيا والمملكة العربية السعودية، كانت المخاطر تحيط بمن يتجاسرون على الإفصاح عن المطالبة بحريات أكبر، أو ينتقدون الحكومة، أو يدافعون عن حقوق الإنسان. ففي هذه الدول وفي غيرها، كانت قوى القمع، ألا وهي الشرطة السرية التي تعمل في الخفاء وتتمتع بقوة جبارة وهي بمنأى عن المساءلة، لا تبعد قط عنهم. فكان منتقدو الحكومة يتعرضون للمضايقات والترهيب والاعتقال والاحتجاز، وللتعذيب أحياناً أو المحاكمة والحبس بتهم ملفقة بهدف تكميم أفواههم وتوجيه رسالة إلى الآخرين الذين قد يتهورون فيصرحون بآرائهم. ففي إيران، أُعدم عدد من أبناء أقلية عرقية شنقاً دون محاكمة، وذلك عل سبيل الانتقام إثر هجوم مسلح وقع أثناء وجودهم هم أنفسهم في السجن. وفي سوريا بدا أن نقابة المحامين قد استُقطبت لكي تستهدف وتشطب من جداولها اسم محام بارز يدافع عن حقوق الإنسان، وكان المحامي قد نشر أنباء عن محاكمات جرت أمام محكمة أمن الدولة العليا في سوريا، وهي محكمة خاصة تتسم بالجور. وفي الضفة الغربية، كانت السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة "فتح" تستهدف من تشتبه في تأييدهم لحركة "حماس"، وفي غزة، كانت الإدارة التي تسيطر عليها حركة "حماس" بحكم الواقع الفعلي تزيد من ضغطها على أنصار حركة "فتح". وفي الصحراء الغربية، الخاضعة للإدارة المغربية منذ عام 1975، استهدفت السلطات المغربية الصحراويين من المدافعين عن حقوق الإنسان ودعاة تقرير المصير لأبناء الصحراء الغربية. وفي البحرين، فرضت الحكومة سيطرتها من الناحية الفعلية على إحدى المنظمات الرائدة المعنية بحقوق الإنسان، بعد أن تحدثت علناً عما زُعم أنه تعذيب تعرض له أفراد من طائفة الشيعة احتُجزوا في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول.

حرية التعبير وأجهزة الإعلام

جاهدت السلطات الحكومية للحفاظ على سيطرتها على حرية تدفق المعلومات، بأساليب مألوفة وعفا عليها الزمن، ولكنها واجهت تحدياً متنامياً من نهضة وسائل الاتصال الاجتماعية وسهولة استعمالها، ومن زيادة تصميم جموع المواطنين على أن يقولوا كلمتهم. ففي سوريا ومصر وغيرهما، قُبض على عدد من مدوني الإنترنت واحتُجزوا. وفي إيران وتونس وغيرهما، حجبت الحكومات شبكة الإنترنت وقطعت خطوط الهواتف النقالة في مسعاها لإخماد الاحتجاجات. وفي اليمن، تعرض صحفي مرموق للاختطاف من الشارع وللاحتجاز، ولجأت محكمة صحفية إلى استهداف المحررين والصحفيين الذين لم يلتزموا بسياسة الحكومة. وفي ذلك البلد وغيره من بلدان المنطقة، لجأت السلطات إلى محاكمات بتهمة التشهير الجنائي لإخماد جذوة أي نقاش ولردع الصحفيين ومنعهم من كشف انتهاكات حقوق الإنسان، أو الفساد في الدوائر العليا.

ولكن، وعلى نحو ما بينته الاحتجاجات في تونس، فإن قيام الحكومات بعرقلة الوصول إلى الإنترنت أو بقطع خطوط الهواتف النقالة كان بمثابة محاولة إحداث خرق بالإصبع في السد الحاجز للفيضان ليس إلا، إذ اندفع النشطاء بأعداد متزايدة على مواقع الشبكات الاجتماعية في الإنترنت لكي يسبقوا السلطات وينشروا الأدلة التي تدين الدولة على انتهاكاتها. وكان من بين الظواهر الإيجابية البالغة التي تمخض عنها عام 2010 أن مسار المعركة الدائرة للسيطرة على الوصول إلى المعلومات قد بدأ يتغير أخيراً لصالح المواطنين النشطاء.

الأمن العام

ظل تعذيب المحتجزين وسوء معاملتهم من الظواهر الراسخة في شتى أرجاء المنطقة. وكثيراً ما كان الضحايا من المشتبه فيهم سياسياً ممن احتُجزوا، وكثيراً ما كان ذلك في أماكن لم يُعلن عنها، حيث تعرضوا للتحقيق معهم وظلوا بمعزل عن العالم الخارجي أسابيع متوالية في بعض الأحيان، أو حتى لفترات أطول. كما كان عنف الشرطة ضد المشتبه بهم في قضايا جنائية عادية من الظواهر المستوطنة في مصر وغيرها من البلدان. وفي الحالات التي أجريت فيها محاكمات، كانت المعايير الدولية للمحاكمة العادلة تتعرض بانتظام للتجاهل، خصوصاً في القضايا الخاصة بالاختلاف أو المعارضة الصريحة لمن يمسكون بزمام السلطة.

وفي إيران استمرت "المحاكمات المظهرية" لمن احتجوا على النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية عام 2009، وهي محاكمات أدت إلى إعدام اثنين على الأقل. وفي السعودية، استمرت محاكمات المشتبه في ارتكابهم جرائم أمنية في جلسات مغلقة ووسط إجراءات أمن مشددة. وفي مصر ظل النشطاء السياسيون من المدنيين وغيرهم من المشتبه فيهم يواجهون المحاكمة أمام محاكم عسكرية أو محاكم طوارئ بناء على توجيهات رئيس الجمهورية.

وفي مايو/أيار، وافق البرلمان المصري المطيع على تجديد فرض حالة الطوارئ السارية منذ 30 عاماً في البلاد، كما أبقت الحكومتان الجزائرية والسورية على حالة الطوارئ التي طال عليها الأمد فيهما، ومنحت لقوات الأمن فيهما، مثل مصر، صلاحيات استثنائية في الاعتقال والحجز استُخدمت في قمع الأنشطة السياسية المشروعة والتعبير عن حقوق الإنسان.

وأبقت عدة حكومات على عقوبة الإعدام وغيرها من ضروب العقوبات القاسية مثل بتر الأطراف والجلد، واستخدمتها على نطاق واسع. بل لقد كان من المفارقات أن يجتمع قادة وحكومتا الدولتين الكبريين في الخليج، وهما إيران والسعودية، برغم ما بينهما من نفور متبادل، على استمرار الاستمساك بعقوبة الإعدام وغيرها من العقوبات القاسية، وأن يبررا تطبيقها باسم الشريعة الإسلامية، وإن كانا ينتفعان بها بأسلوب يوحي بأن لها دوافع سياسية معيبة. ويصدُق هذا بصورة خاصة على إيران، حيث نفذت الحكومة عدداً من أحكام الإعدام يزيد عن جميع الدول الأخرى باستثناء الصين، وكان الدافع الواضح من ورائها بث الرعب في القلوب. وقد ورد ما يفيد تنفيذ حكم الإعدام في 470 شخصاً في إيران، وإن كان المعتقد أن الرقم الكلي الحقيقي أكبر من ذلك. ونتيجةً لارتفاع موجة الاشمئزاز الدولي من اعتزام الرجم حتى الموت للسيدة سكينة محمدي أشتياني، فقد ظلت على قيد الحياة بحلول نهاية العام، وإن كانت تواجه مستقبلاً مجهولاً، بسبب الجهود والمحاولات الملتوية التي بذلتها السلطات الإيرانية المختلفة لتبرير إعدامها. وكان الغضب الذي صاحب قضيتها محلياً وفي الخارج دليلاً له مغزاه على التأثير الذي يمكن للرأي العام الدولي أن يحدثه ابتغاء تفادي ارتكاب انتهاك جسيم لحقوق الإنسان.

وفي السعودية، أُعدم ما لا يقل عن 27 سجيناً، وإن كان هذا يمثل انخفاضاً كبيراً عن عدد من أُعدموا في العامين الأخيرين، ونأمل أن يبشر بتوجه إيجابي طويل الأجل، ولكن ذلك ليس مؤكداً. واستمرت الحكومات المتشددة أيضاً في تنفيذ أحكام الإعدام في سوريا والعراق ومصر وليبيا واليمن. كما أعدمت حركة "حماس" خمسة أشخاص في غزة. إلا إن حالات الإعدام هذه تتعارض باطراد مع الاتجاه العالمي لإلغاء هذا التعبير البالغ القسوة عن عنف الدولة، وهو اتجاه يتجلى في حفاظ دول المغرب العربي والأردن وليبيا على الإيقاف المؤقت لتنفيذ أحكام الإعدام فيها.

الهموم االاقتصادية: الإسكان وكسب الرزق

تعرض الفلسطينيون المكدسون في قطاع غزة، ويبلغ عددهم مليوناً ونصف، للعيش عاماً آخر في مشقة بالغة تحت الحصار العسكري الإسرائيلي الذي يشكل عقوبةً جماعيةً، وخرقاً للقانون الدولي، والذي يحبسهم فعلياً في تلك البقعة الصغيرة المحصورة التي مزقتها الحرب. وأعلنت إسرائيل مرتين تخفيف الحصار إلى حد ما، ولكن دون تأثير يُذكر. واستمر نحو 80 بالمئة من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية الدولية والمعونات الغذائية في سبيل البقاء.

وفي مناطق أخرى بالمنطقة ابتليت مجتمعات كثيرة بالوقوع في هوة فقر مدقع بسبب الآثار العميقة للانكماش الاقتصادي العالمي، والفساد في الدوائر الرسمية، وسوء الحكم الجلي، وقد تجلى ذلك في ارتفاع معدلات البطالة، خصوصاً بين الشباب، مما أشعل الإحساس بالتهميش والمطالبة بالتغيير، وكانت هذه هي القوى المحركة للانتفاضة التونسية في ديسمبر/كانون الأول. وفي كثير من الحالات، كان أولئك الذين دُفع بهم إلى هوامش المجتمع هم الذين يحسون بالجبروت الكامل لوحشية الشرطة أو اللامبالاة الرسمية.

ففي مصر، واصل العمال وغيرهم تنظيم مظاهرات احتجاج على ارتفاع تكاليف المعيشة والمطالبة بأجور وظروف عمل أفضل. وكان الآلاف من سكان القاهرة ضمن الملايين الذين يعيشون في المناطق العشوائية (الفقيرة) المتضخمة، وكان هؤلاء يُرغمون على الجلاء من تلك المناطق التي أُعلن أنها "غير مأمونة" أو لأن "مناطق أكواخهم" قد خُصصت للتطوير وللارتقاء بها معمارياً. وما أكثر الحالات التي أُخرج فيها هؤلاء من ديارهم من دون أن يُستشاروا أولاً أو يُسمح لهم بالمشاركة في الرأي في تغيير أماكن إقامتهم، بل إن البعض ظل مشرداً. وهكذا فإن السلطات المسؤولة عن إعلاء واحترام حقوقهم الإنسانية جعلتهم يشعرون بأنهم بلا حقوق على الإطلاق.

التمييز

لم يشهد عام 2010 تحسناً يُذكر في مكانة النساء والفتيات اللاتي واصلن، في شتى أرجاء المنطقة، مواجهة التمييز والعنف، بما في ذلك العنف داخل الأسرة. وظل الرجل متفوقاً على المرأة بموجب قوانين الأسرة وقوانين الأحوال الشخصية، في الأمور المتعلقة بالزواج والطلاق والوصاية على الأطفال والميراث، كما ظلت المرأة تحتل موقعاً أدنى بموجب القانون الجنائي. وكانت الفتيات، وخصوصاً في المناطق الخاضعة للتقاليد، يتعرضن للزواج المبكر وللزواج ضد رغبتهن، وكانت النساء اللاتي يتحدين قواعد الملبس أو يرى أقاربهن الذكور أنهن لا ينصعن لأفكارهم الخاصة عن "شرف" الأسرة يُخاطرن بالتعرض لأعمال ثأرية عنيفة بل وللقتل على أيدي آبائهن أو إخوتهن أو أزواجهن أو أقاربهن الذكور. وفي قضايا بالغة الكثرة، كان الرجال الذين يحتجون بالدفاع عن "الشرف" باعتباره عاملاً من عوامل تخفيف الحكم، ينجون من أي عقاب أو من العقاب المناسب على جرائم العنف المرتكبة ضد الإناث من أفراد الأسرة.

وإذا كانت النساء كلهن تقريباً يتعرضن للخطر بسبب العنف الناجم عن كونهن إناثاً وحسب، فإن الأجنبيات العاملات في المنازل كن يتعرضن لأخطار أشد. وكان هؤلاء في معظمهن نساءً من بلدان فقيرة ونامية في آسيا وإفريقيا، ويعملن في بعض بلدان الخليج العربي وفي الأردن وفي لبنان، وكن مستبعدات استبعاداً تاماً وبصفة عامة من قوانين العمل المحلية، حيثما توجد هذه القوانين، وكان الخطر الذي يتعرضن له ثلاثياً، فهن أولاً أجنبيات، وهن ثانياً مهاجرات، وهن ثالثاً من النساء. وأما الخطر فيتمثل في الاستغلال وسوء المعاملة، بما في ذلك العنف الجنسي وغيره من صور العنف، على أيدي مستخدميهن. وكانت قضيتان من القضايا التي تثير أشد القلق والتي أُميط عنها اللثام في عام 2010، تتعلق بامرأتين تعملان بالخدمة في المنازل في السعودية الغنية بالنفط. وكانت الأولى مواطنة من سري لنكا زعمت أن مستخدمتها قد دقت أكثر من 20 مسماراً في يديها ورجلها ورأسها بعد أن اشتكت من كثرة العمل الذي كُلفت بأدائه. وكانت الثانية مواطنة إندونيسية، وقد أصيبت بجرح بالمقص في وجهها، وتعرضت للكيّ بمكوي ساخنة، وتلقت من الضرب ما استدعى إدخالها المستشفى.

وظل المهاجرون من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى الذين يسعون للحصول على عمل في شمال إفريقيا أو عبورها لدخول الدول الأوروبية عرضةً للاعتقال الفوري والاحتجاز أو الترحيل. وكان اللاجئون وطالبو اللجوء من بين المعرضين للخطر. وفي مصر، واصل حرس الحدود تطبيق سياسة إطلاق النار على المهاجرين الذين يحاولون عبور حدود البلد لدخول إسرائيل، فقتلوا ما لا يقل عن 30. وفي ليبيا، تعرض آلاف ممن يُشتبه أنهم مهاجرون، وبينهم لاجئون وطالبو لجوء، للاحتجاز في معتقلات شديدة التكدس وغير صحية، وعادةً ما كانوا يواجهون الإيذاء، الذي وصل أحياناً إلى حد التعذيب.

كما كان أفراد الأقليات العرقية والدينية أيضاً يتعرضون للتمييز، مثلما هو الحال في إيران، أو يُستهدفون لاعتداءات الجماعات المسلحة، كما في العراق. وفي مصر، تعرض بعض المسيحيين لاعتداءات. وفي لبنان، ظل اللاجئون الفلسطينيون ممنوعين من مزاولة بعض المهن ومحرومين من التمتع بحقوق أساسية أخرى. وفي سوريا، تعرض الأكراد للتمييز المستمر والقيود المفروضة على استخدام لغتهم والتعبير عن ثقافتهم. وكانت الحياة في هذه المنطقة شاقة، بل بالغة المشقة، للمهاجرين واللاجئين وأفراد الأقليات.

المحاسبة على الماضي

كانت خطوات عملية الحقيقة والمصالحة، التي طال عليها الأمد منذ أن أُعلن عن بدايتها ببعض التهليل والترحيب في المغرب والصحراء الغربية عام 2004، لا تزال تسير سير السلحفاة وتواصل إحباط من عقدوا عليها الآمال. وكانت هذه العملية منذ البداية تستبعد صراحةً أي اعتبار للعدالة باعتبارها وسيلة لمعالجة الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها القوات الحكومية في الفترة من عام 1956 إلى عام 1999، كما كانت في الواقع العملي تتقاعس في معظم الأحوال عن كشف الحقيقة عما حدث للذين اختفوا أو تعرضوا لغير ذلك من الانتهاكات الخطيرة. وإضافةً لذلك لم تبد السلطات المغربية دلائل تذكر على تنفيذ الإصلاحات القانونية والمؤسسية البعيدة المدى التي كان من الواجب أن تسفر عنها تلك العملية، أي محاسبة قوات الأمن بموجب القانون واستئصال شأفة الاحتجاز السري والتعذيب. وكان مما يؤكد هذا التقاعس خروج أنباء جديدة في عام 2010 عن تعذيب المشتبه فيهم على أيدي الشرطة السرية المغربية.

وفي غضون ذلك، كان العمل الذي تقوم به "المحكمة الخاصة بلبنان"، التي تشكلت برعاية الأمم المتحدة في أعقاب اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان السابق في عام 2005، قد أثار عاصفة سياسية تهدد الحكومة الائتلافية التي يرأسها ابن رئيس الوزراء القتيل. وازداد التوتر حين ترددت الأنباء بأن المحكمة تعتزم توجيه الاتهام إلى عدد من أعضاء "حزب الله"، وهو أعتى قوة سياسية في لبنان ويشارك في الحكومة الائتلافية، وهو ما أدى إلى اتهام "حزب الله" للمحكمة بأن دوافعها سياسية. ولم تكن الحقائق قد برزت بحلول نهاية عام 2010، ولكن لم يكن من الصعب على المرء أن يرى أن هذه المحكمة طبَّقت منذ البداية أسلوب العدالة الانتقائية، فصلاحياتها وولايتها القضائية محدودة، إذ تقتصر على اغتيال الحريري وبعض الاعتداءات المتصلة بذلك الحادث. ولم تتخذ الحكومة اللبنانية خطوات تُذكر، أو لم تتخذ أية خطوات على الإطلاق، للتحقيق في الآلاف من حالات الاختفاء والاختطاف والقتل وغير ذلك من الانتهاكات التي ارتُكبت في غضون الحرب الأهلية المريرة التي استمرت 15 عاماً وانتهت عام 1990، بل ولا من أجل توفير الحماية الكافية للقبور الجماعية، على الرغم من مناشدات أقارب الآلاف من المفقودين، وهم الذين تقدم العمر بهم حالياً. أي إن التركة التي خلفتها تلك الفترة، التي تُعتبر أحلك فترة في تاريخ لبنان الحديث، لا تزال تنتظر من يتصدى لها. وتذكيراً بذلك لا يزال عدد من الأفراد يلتقون في وقار وصمت في أحد متنزهات بيروت، وقد أمسك كل منهم بصور ثمينة، وإن اصفر لون أوراقها، لأحبائهم الذين فُقدوا من زمن بعيد دون أن يطويهم النسيان، متسائلين عما حدث لهم، ومستفسرين عن مواقع رفاتهم، وهو مشهد مرير حقاً. ومما يثير الأسى، بعد انقضاء 20 عاماً، أن مجلس الأمن الدولي لم يتقدم بأي طلب في هذا الصدد، ولم يتوفر أي ضغط دولي قادر على منحهم الإجابات التي هي حق لهم.

حرية التعبير

لقد كانت حرية التعبير دائماً جزءاً أساسياً من عمل منظمة العفو الدولية، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحق في اعتناق الآراء والحق في حرية الفكر والضمير والدين.

وما زالت منظمة العفو الدولية تناضل من أجل آلاف سجناء الرأي – وهم الأشخاص الذين يُسجنون بسبب معتقداتهم السياسية أو الدينية أو غيرها من المعتقدات النابعة من الضمير، أو بسبب أصلهم العرقي أو جنسهم أو لونهم أو لغتهم أو أصلهم القومي أو الاجتماعي أو وضعهم الاقتصادي أو مولدهم أو ميولهم الجنسية أو أي وضع آخر. تدعو منظمة العفو الدولية إلى إطلاق سراح جميع سجناء الرأي فوراً وبلا قيد أو شرط.

استخدمت الحكومات، تاريخياً، ذريعة "الأمن القومي" لتبرير كبت المعارضة السياسية والنقد. وفي السنوات الأخيرة استُخدم تصاعد المخاوف من الإرهاب وذريعة الأمن لتبرير ازدياد قمع الأفراد والجماعات التي تمارس حقها في التعبير الحر.

وإدخال قوانين أكثر تقييداً لمكافحة الإرهاب في معظم بلدان العالم له تأثير خطير على حرية التعبير وغيرها من الحقوق.

إن مثل هذه التدابير قصيرة النظر؛ إذ أن الحوار المفتوح واحترام حقوق الإنسان هو الإطار الوحيد الذي يمكن من خلاله تحقيق الأمن والتنمية.

حماية الحق في الدفاع عن حقوق الإنسان

المدافعون عن حقوق الإنسان هم الأشخاص أو المجموعات أو المنظمات التي تقوم بتعزيز وحماية حقوق الإنسان بالوسائل السلمية وغير العنيفة؛ وتعتمد أفعالهم على حرية التعبير وتغذيها.

ويمكن أن يصبح المدافعون عن حقوق الإنسان هدفاً للانتهاكات بسبب أنشطتهم. ويمكن أن تعمد الحكومات وقوات الأمن وأصحاب المصالح التجارية والجماعات المسلحة والزعماء الدينيون، وحتى عائلاتهم ومجتمعاتهم أحياناً، إلى محاولة إسكات آرائهم أو أفعالهم المعارضة. [للاطلاع على مزيد من المعلومات حول عمل منظمة العفو الدولية بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان، أنظر ...]

حقائق رئيسية

* مازال المدافعون عن حقوق الإنسان في العديد من البلدان في شتى أنحاء العالم يتعرضون للتهديدات بالقتل والاعتقال التعسفي والتعذيب، كما قُتل العديد منهم بسبب أنشطتهم في مجال حقوق الإنسان.

* في الفترة 2005 – 2000، أصدرت منظمة العفو الدولية ما يربو على 400 تحرك عاجل دفاعاً عن أشخاص يُعتقد أنهم معرضون لمخاطر مباشرة.

* في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2006، قُتلت الصحفية الروسية آنا بوليتكوفسكايا خارج شقتها في موسكو.

* في 1 مايو/أيار 2007، قُبض على سبعة من أعضاء المنظمة المغربية لحقوق الإنسان على أيدي الشرطة عقب مشاركتهم في مظاهرات سلمية، رُددت خلالها هتافات تنتقد الحكم الملكي في البلاد.

* في 23 أبريل/نيسان 2007، قُبض على لي سي – وو، وهو مصور صحفي يعمل لحسابه الخاص ومناضل من أجل السلام، حيث وُجهت إليه تهم بموجب قانون الأمن القومي في كوريا الجنوبية المصاغ بعبارات غامضة. وتتعلق التهم بنقل معلومات حول الوجود العسكري للولايات المتحدة في كوريا الجنوبية. وقد استند تقريره الإخباري إلى معلومات حصل عليها بصورة قانونية عن طريق الحكومة والجيش بموجب قوانين حرية المعلومات.

ما الذي تقوم به منظمة العفو الدولية؟

تقوم منظمة العفو الدولية بدعم وحماية الأشخاص الذين يعبرون عن آرائهم بانفتاح وحرية في شتى أرجاء العالم. ونحن نقوم بالكثير من العمل، ولا سيما مع أولئك الذين يجهرون بأصواتهم دفاعاً عن حقوق الإنسان، من قبيل:

* الصحفيين الذين يفضحون انتهاكات حقوق الإنسان.

* العاملين الاجتماعيين الذين يضطلعون ببرامج التربية على حقوق الإنسان.

* النقابيين الذين يدافعون عن حقوق العمال.

* النساء اللاتي يعملن من أجل تعزيز الحقوق الإنجابية.

* أنصار البيئة الذين يُبرزون تأثير مشاريع التنمية على حقوق الشعوب الأصلية في الأرض.

مثال على النجاح

أُطلق سراح المناضل الصيني وانغ وانشنغ في العام 2005 عقب حملة مكثفة لكتابة الرسائل من قبل أعضاء منظمة العفو الدولية.

وكان وانغ وانشنغ قد احتُجز في مستشفى أنكانغ للطب النفسي سيء الصيت في بكين منذ يونيو/حزيران 1992 بسبب قيامه برفع لافتة في ميدان تيانانمين في ذكرى مظاهرات الاحتجاج المؤيدة للديمقراطية في يونيو/حزيران 1989.

وأثناء وجوده في مستشفى أنكانغ، أُرغم وانغ وانشنغ على تناول عقار "كلوربرومازين"، وهو عقار مضاد للجنون، ثلاث مرات في اليوم.

وفي السنوات الخمس الأخيرة من حبسه، كان محتجزاً في أحد العنابر مع 70-50 نزيلاً من المرضى الذين يعانون من مشاكل في الصحة العقلية.

الشركات الكبرى وحقوق الإنسان والفقر

أتاحت العولمة للشركات الكبرى قدْراً غير مسبوق من السلطة والنفوذ. ولكن عندما تنتهك أنشطة الشركات حقوق الإنسان وتدفع الناس أكثر فأكثر نحو الفقر، ليس ثمة وسيلة فعالة لمحاسبتها أو لضمان الإنتصاف لمن تضرروا.

فللشركات تأثير هائل على حقوق الأفراد والمجتمعات. ويمكن لهذا التأثير أن يكون إيجابياً، كأن تخلق لهم فرص العمل وتزيد من عائدات الدولة التي يمكن أن تستخدم لتمويل الخدمات الأساسية، على سبيل المثال. ومع ذلك، فإن الشركات الكبرى تنتهك، في الغالب الأعم، حقوق الإنسان عندما تستغل الأنظمة الوطنية الضعيفة، التي يساء تنفيذها، مع ما يرافق ذلك من غياب للآليات الدولية للمساءلة، بما يؤدي إلى آثار مدمرة على الدول النامية.

وتبرز مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان أكثر ما تبرز بالعلاقة مع الصناعات الاستخراجية. وهذا أمر لا يثير الدهشة، نظراً لتأثير عمليات مثل هذه الصناعات على الأراضي ومصادر المياه. فقد تؤدي أنشطتها إلى إعادة توطين سكان منطقة ما قسراً لإفساح المجال أمام عملياتها الاستخراجية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تدمير أو تهديد مصادر الرزق التقليدية للناس، وحتى حياتهم، عندما تؤدي هذه العمليات إلى تلويث الأراضي ومصادر المياه أو إلى استنـزافها.

ويمكن أن يؤدي وصول الشركات ذات الموارد الجيدة الساعية إلى كسب ود المجتمعات المحلية إلى زيادة العنف والصراع الاجتماعي جراء إقصاء بعض الناس من منافع التنمية الاقتصادية. ويمكن أن يفاقم غياب الشفافية في طرق تخصيص العطاءات والعائدات إلى مفاقمة هذه النـزاعات.

وكثيراً ما تحُرم المجتمعات المتضررة من الحصول على المعلومات المتعلقة بالآثار المترتبة على أنشطة الشركات وتُقصى عن المشاركة في القرارات التي تؤثر على مصيرها، ما يزيد من حرمانها ومن انعدام الأمان فيها.

وعندما تقع الانتهاكات فعلاً، تضاعف الحيلولة دون انتصاف المجتمعات المحلية وعدم قدرة الحكومات على مساءلة الشركات، أو عدم رغبتها في ذلك، من الويلات التي تلحق بالمتضررين. وتكون النتيجة استمرار الانتهاكات، بما يؤدي إلى تجذير الحلقة المفرغة التي تديم الفقر.

وباسم الجدوى الاقتصادية، أقدمت الدول على تخصيص العديد من الخدمات العامة، بما في ذلك خدمات حاسمة لإعمال حقوق الإنسان، كالحق في التعليم وفي الصحة وفي الماء. وفضلاً عن ذلك، غالباً ما لا تستطيع الدول ضمان أن تقدم الشركات هذه الخدمات دون تمييز.

إن عقود الخدمة العامة لا يمكن أن تكون سبيلاً إلى تخلي الدول عن عقودها التي تلزمها بواجباتها حيال حقوق الإنسان. وعليها أن تكفل ممارسة جميع الشركات أنشطتها ضمن مقتضيات قانون حقوق الإنسان. لقد وسَّعت العولمة من النطاق الذي تستطيع الشركات الكبرى مد ذراعها عبره لتجتاز حدود الدول. بيد أن عملية التنظيم لعمل هذه الشركات لم تواكب هذا التوسع الكاسح. ويتعين، على وجه السرعة، فرض نظام يضبط أنشطتها، ويكفل لمن يتضررون الانتصاف، ويحول دون الويلات الناجمة عن لهاث هذه الشركات وراء الربح على حساب حقوق الإنسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/آيار/2011 - 12/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م