ابن لادن وقبره الذي لم يكن

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: شكلت عملية قتل بن لادن صدمة ومفاجأة على أكثر من صعيد.. صدمة للذين يعتنقون إيديولوجيا القاعدة وتبريراتها لعملياتها الإرهابية ومفاجأة للكثير من المتابعين لبن لادن ومسلسل اختفائه وظهوره الإعلامي.. ومرد تلك الصدمة والمفاجأة يعود إلى جملة أسباب:

توقيت العملية..

الموقف الباكستاني حكومة ومعارضة..

إلقاء جثة بن لادن في البحر..

كان بن لادن المطلوب رقم واحد على لائحة المطلوبين الامريكية خلال عقد من الزمان ابتدأ مع تفجير برج التجارة العالمي وما ترتب عليه من غزو افغانستان واسقاط حكومة طالبان وغزو العراق واسقاط نظام صدام حسين.

وقد استفاد الإسلام السلفي المتطرف من تلك الاحداث لزيادة شحنة الكراهية ضد امريكا والغرب مثلما استفادت أنظمة الحكم العربية من مصطلح الإرهاب ومفاعيله في مطاردة كل الأصوات المطالبة بالاصلاحات تحت شعار مكافحة الإرهاب.

غزو العراق قدم رؤية جديدة لطريقة تفكير العقل الامريكي حين ترافقت الآلة العسكرية بكل جبروتها وقدرتها على التدمير مع مشروع نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط.. وقد سخر الجميع من تلك الطريقة في التفكير واعتبروها سذاجة امريكية ان يتم نشر الأفكار الديمقراطية عن طريق الدبابات والصواريخ والقنابل.. الا ان أحداث المنطقة الأخيرة كشفت صوابية هذا التوجه الجديد واشتعلت المنطقة العربية بدولها المؤثرة بتلك الانتفاضات الشعبية طلبا للإصلاح والتغيير، وكانت أمريكا ليست بعيدة عن التأثير في هذه الانتفاضات رغم مايقال الكثير عن صحوة الشعوب واستيقاظها وغيرها من شعارات.

قبل عقد من الزمن كانت الكلمات مألوفة في العواصم العربية الغاضبة، فكان أسامة بن لادن بطلا وشيخا، بل زعيما للبعض. غير أن الرجل الذي أقسم بتحرير العالم العربي تحول بعد مصرعه إلى مجرد هامش في الثورات والانتفاضات التي تعيد تشكيل منطقة يحاول هو وأتباعه فهمها.

يأتي مقتل بن لادن في هذا الوقت بعد ان حصل الغرب وامريكا على ما يشبه الاجماع في مواقفه ضد زين العابدين بن علي وحسني مبارك والاهم وقوفهم مع الليبيين ضد معمر القذافي وجرائمه ضد شعبه..

لن تستطيع تلك الشعوب ان تهتف ضد امريكا لقتلها بن لادن وهي ترى موقفها من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا.. ولا تستطيع اعادة المعزوفة القديمة ان امريكا والغرب يكيل بمكيالين وانهم مع الحكام المستبدين والطغاة ضد شعوبهم.

في الجانب الباكستاني انشطر الموقف من العملية الى قسمين:

الحكومة تقدم التبريرات على عدم معرفتها بالعملية والمعارضة تحتج ضد الحكومة وتعتبر ان ما قامت به امريكا يمثل انتهاكا للسيادة الوطنية.. قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن التعاون مع باكستان ساعد الولايات المتحدة في الوصول إلى المجمع الذي عثرت فيه القوات الخاصة الأميركية على بن لادن وقتلته. وتقول المحللة الدفاعية البارزة عائشة صديقي: «كما هو واضح في بيانات الخارجية الباكستانية المختلطة، لا يمكن لإسلام آباد أن تعلن صراحة عن اشتراكها في مقتل زعيم (القاعدة) خشية إثارة غضب مناصري (القاعدة) والجماعات الجهادية الموالية لها داخل البلاد. والحقيقة أن إقامة أسامة بن لادن لمدة طويلة بالقرب من العاصمة الباكستانية دون أن يكتشف أمره ستمنح الكثيرين الأسباب لتأكيد اتهاماتهم بالقول: (ألم نقل ذلك مرارا وتكرارا)».

من المعروف طبيعة العلاقات الامريكية الباكستانية ومدى تعاون حكومة باكستان على مدار الاعوام الماضية مع امريكا في حربها ضد الارهاب وهو تعاون استخباراتي وعسكري يدخل في الكثير من التفاصيل التي تمس يالسيادة الوطنية اذا انتهجنا تعريفا اكاديميا لمفهوم السيادة.

جميع باكستان مكشوفة امام الرصد الامريكي والكثير من القرارات الباكستانية تأتي بضغوط امريكية انها علاقة التابع بالقوي رغم وجود باكستان في النادي النووي، ولا ننسى المساعدات الأمريكية السنوية لباكستان والتي اصطلح على تسميتها بالقوة الناعمة ولا تستطيع باكستان حكومة او معارضة الاستغناء عنها.

نأتي الى النقطة الثالثة والمتعلقة بإلقاء جثة بن لادن في البحر.. حيث أدانت شخصيات وفاعليات إسلامية كثير منها محسوبة على الإسلام السياسي المعتدل إلقاء جثة بن لادن في البحر واعتبرته مخالفا للشريعة الإسلامية بغض النظر عن موقف بن لادن من هذه الشريعة وعدم احترامه لارواح الاف الابرياء الذين تسبب بمقتلهم.

في الوقت الذي أعلن فيه مسؤولون أميركيون أن جثمان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن تم إلقاؤه في البحر بعد تكفينه مراعاة للشريعة والتقاليد الإسلامية. مؤكدين على أن أميركا قررت ذلك لصعوبة إيجاد دولة في العالم تقبل بدفنه على اعتبار أنه أكثر الإرهابيين المطلوبين. وأرجع المسؤولون الأميركيون سبب إلقائه في البحر لعدم رغبة الأميركيين في أن يكون لابن لادن قبر معروف يمكن أن يتدفق إليه أتباعه. وهو السبب الحقيقي الذي أدى بأمريكا لإلقاء جثة المطلوب رقم واحد على لائحتها لأكثر المجرمين خطورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/آيار/2011 - 12/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م