ضم المغرب لمجلس التعاون

الأسباب الحقيقية

ياسر الحراق الحسني

في إحدى غرائب حكام الخليج العرب تمت مؤخراً دعوة المغرب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي. وهذه الدعوة الغريبة تبعث تساؤلات عن الأسباب الحقيقية التي جعلت هؤلاء الحكام يتجاوزون عدداً من الدول التي يسمونها شقيقة منها من طلب الانضمام ورفض لكي يقع اختيارهم على المغرب. فهل الأسباب الحقيقية لهذه الدعوة هي كما قال سفير البحرين لدى فرنسا ناصر البلوشي بأنها تكمن في تعزيز التكتل الخليجي الذي يواجه "تهديدات الجيران"، أم أن الأمر فيه ما يقال وما لا يقال؟ هل مثل هذه الدعوة شيء يمكن ترجمته على أرض الواقع؟ ثم إذا تمت فعلاً ترجمته فهل هذا في مصلحة المغرب؟

عن مجلس التعاون الخليجي

 مجلس التعاون لدول الخليج العربية (GCC) يضم الكويت، السعودية، البحرين، قطر، الإمارات وعمان. تأسس كمحاولة لخلق اتحاد سياسي واقتصادي بين الدول المذكورة سنة 1981 م.

يمكن تلخيص الأهداف التأسيسية لهذا المجلس فيما يلي: 1. تعزيز التعاون في مجالات مختلفة علمية واقتصادية وسياسية للدفع بعجلة التقدم إلى الأمام 2. تعزيز التواجد العسكري في الخليج عبر ذرع الجزيرة 3. تعزيز العلاقة بين شعوب الدول المذكورة 4. توحيد العملة في حدود 2010.

وقد قدم اليمن طلباً رسمياً للانضمام في 5 ديسمبر 1996 قوبل بالرفض سنة 1997 كما تبين من خلال رسالة رد قادة مجلس التعاون على الطلب اليمني والتي كان مفادها أن اليمن سيحظى بوضع خاص في مجلس التعاون الخليجي وليس بكامل العضوية. والأردن تقدمت بطلب الانضمام في أوائل مايو2011 كما نقل عن وكالة رويترز في نفس التاريخ، أما المغرب فلم يتقدم بطلب، لكن تمت دعوته للانضمام.

دعم الأسر الحاكمة

يمكن تلخيص الأهداف المعلنة لدعوة المغرب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي فيما ذكره سفير البحرين لدى فرنسا، ناصر البلوشي، من كون الهدف من ضم المغرب والأردن إليه، هو تعزيز النفوذ السياسي والعسكري لهذا التكتل الخليجي الذي يواجه تهديدات الجيران. وليس من الغريب أن يكون سفير البحرين هذا هو أول من يتحدث عن الهدف من ضم المغرب بعد الأمانة العامة للمجلس.

كما أنه لا غرابة في الحديث عن حاجة البحرين للدعم العسكري لمواجهة ما اسمته بالتهديدات الخارجية. لكن الغريب هو ترك الجيش المصري الجرار والقريب مثلاً والبحث عن جيش في شمال غرب إفريقية بلده في أمس الحاجة إليه على الأقل حتى الانتهاء من مشاكل الوحدة الترابية في الشمال والجنوب. والغريب أيضاً هو ظهور هذا التهديد المفاجئ لدول الخليج في هذا الوقت بالضبط ، والذي تطالب فيه الشعوب المقموعة في هذه الحكومات العائلية بحقوقها في المواطنة الكاملة والتحرر من الممارسات الدكتاتورية التي تمتاز بها أنظمة دول مجلس التعاون.

فلا يمكن تصديق المبررات كما يحاول أصحاب هذه الدعوة تسويقها للرأي العام العربي والمغربي خاصةً.

إن دول مجلس التعاون عبرت عن رفضها مسايرة الواقع والاستجابة لمطالب شعوبها المقموعة عبر طرق مختلفة أشهرها فتاوي علماء الوهابية الداعمة لآل سعود والتي حرمت المظاهرات السلمية. ومن مظاهر رفض الاستجابة للمطالب الشعبية قمع البحرين للمتظاهرين والاستقواء على المدنيين بالجيش السعودي مسجلةً سابقةً في العالم تستقدم فيها دولة جيش أجنبي لقمع شعبها.

كما أنه من مظاهر رفض الاستجابة للمطالب الشعبية قيام قناة الجزيرة الخاضعة لقرار أمير قطر وعائلته بممارسة أبشع أنواع الازدواجية في المعايير، حيث لاحظ الكل تركيزها على بعض الاحتجاجات في مقابل اهمالها للأخرى. وخير دليل تقديم قطر الدعم المادي والإعلامي لحركات الاحتجاج في ليبيا وسوريا مع دعم قامعي الاحتجاج في البحرين والسعودية ما أدى إلى استقالات منها استقالة مدير الجزيرة في لبنان غسان بن جدو احتجاجا على ممارسات الجزيرة غير الحرفية.

 ونحن في المغرب لا زلنا نتذكر سعي قطر لأحداث انقلاب على الأمن المغربي من خلال بث الشائعات والأكاذيب ما أدى إلى إغلاق مكتبها بالرباط في السنة الماضية. فدول -وليس شعوب- من طراز دول مجلس التعاون لا تصلح للتعاون، لأنها ثبت استعمالها لمنظمة مجلس التعاون ليس لتعزيز الوجود العسكري في الخليج قرب جزيرة طنب الكبرى أو طنب الصغرى مثلاً التي تتنازع عليها مع إيران، ولكن لتعزيز قمع الشعوب والفتك بالمتظاهرين السلميين.

وليس دور هذا المجلس تعزيز الروابط بين شعوب الدول الأعضاء كما هو مزعوم ولكن الدور هو تعزيز العلاقات بين الأسر الحاكمة. والدليل على استعمال المجلس لتعزيز العلاقات العائلية مثلاً سكوت الجزيرة قناة العائلة الحاكمة في قطر عن فضيحة الأمير السعودي الذي قتل صديقة في المملكة المتحدة وقضية شذوذه الجنسي، ولك مثال آخر وهو سكوت نفس القناة - التي تدعي الرأي والرأي الآخر- عن تورط أحد أفراد الأسرة الحاكمة في الإمارات في فضيحة تعذيب لأحد المهاجرين. فهل يريدون من المغرب أن ينضم إلى قمع الإنسان الخليجي وتعزيز حكم عائلات على وشك الإنقراض؟

التجنيس الطائفي في البحرين

مارست البحرين سياسة تمييز طائفي ممنهج بحسب تقرير 2009 لمنظمة هيمن رايتس وتش من خلال تجنيس الأجانب على أساس المذهب ومارست التمييز الوظيفي على نفس الأساس وكذلك التمييز في الترخيص ومساعدة المؤسسات الدينية التي يتم من خلاله إهمال غالبية الشعب الشيعية لصالح الأقلية السنية التي تعتنق مذهب الأسرة الحاكمة. والبحرين تكريساً للتمييز الطائفي كانت البلد المعترض على انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي إلى جانب السعودية كما أشار الدكتور نجيب الغرباني في تصريح لموقع "التغيير" اليمني (12 يونيو2008). ومع علمنا بوجود الشيعة في اليمن وإن كانت غالبيتهم زيدية فإن موقف البحرين والسعودية يفهم منه اهتمام البلدين بقضية الطائفية. ودعوة المغرب للانضمام إلى المجلس يمكن النظر إليها من هذه الزاوية، أي زاوية التخطيط البحريني لإستقدام مواطنين مغاربة من أجل التجنيس الطائفي. فهل يعقل أن يكون المغرب عضواً في منظمة تقوم بالتمييز الطائفي ضد ابنائه، فتستقدم الوهابي أو المتآخون وترفض الصوفي والشيعي وغيرهما؟

ضم المغرب ليس في صالحه

لا شك أن مغرب التعددية الثقافية والدينية والتعايش بين مختلف الأديان والمذاهب تحت ظل دولة المؤسسات وإن كانت في طور النمو هو غير دول الخليج التي يمكن القول أن انظمتها شبه قبلية حيث تسود قبيلة أو عائلة إعتماداً على التحالف مع وجهاء القبائل الأخرى والصدقات التي تمن بها من وقت لآخر على الرعية. وهذا ملحوظ في التقسيم المناطقي لهذه الدول حيث عوضاً من أن تجد العمال ورؤساء المجالس والولايات المنتخبين من طرف الشعب تجد لكل أمير منطقة يحكمها على طريقة الدولة الأموية. أي الدين دين الأمير والدنيا دنياه ولا حق لمن خالف. لذلك تجد المعارضين وأصحاب الآراء المخالفة لأذواق الأمراء كلهم في المنفى في الدول الغربية.

النظام في المغرب له جذور في التاريخ والثقافة ولم يقم على اتفاقية ساكس بيكو أو من خلاف الغزو أو الإنقلاب كما في السعودية وقطر مثلاً. مغرب فاطمة المرنيسي وإدريس هاني وعبد السلام ياسين وتقي الدين الهلالي وأحمد بن الصديق الغماري واندري ازولاي بما تمثل هذه الشخصيات من تناقض فكري وديني ومذهبي إلا أنه بها يعرف المغرب وهي من الدلالات على هويته وتعدديته وتعايشه. فكيف ينصهر المغرب مع علمنا بهذا مع مجلس التعاون الخليجي حيث الكويت تنزع الجنسية عن مواطن يقول رأيه في التاريخ! ثم كيف ينصهر مع سعودية مذهب الوهابية الواحد الذي يخاف المسؤولون إظهار المذاهب الأخرى في البلد لعلمهم بأن الناس إذا ما اطلعوا على باقي المدارس الإسلامية خرجوا من الوهابية أفواجاً.

 كيف ينصهر مغرب الأولياء و الأضرحة مع سعودية هدم القبور والآثار...أم كيف ينصهر المغرب الذي اعلام الدولة فيه يرعى حوارات عن الملكية وصلاحيات الملك في المغرب مع دول الإعلام الحجري؟ هل سيقول لنا حكام الخليج لا تتكلموا عن الحكم في السعودية وقطر والبحرين وإلا سحبنا الإستثمارات؟ إن ضم المغرب لدول الحكم العائلي القمعي سوف يضر بصورة المغرب لأنه تحالف مع دول القائمة السوداء على المستوى الحقوقي، وحتى الكلام عن المنافع الإقتصادية ليس كلاماً معقولاً لأن هذه الدول تعتمد على الإقتصاد الريعي الذي يعتمد على مداخيل الثروات الطبيعية ولا يدور من جراء الذات، وبمعنى آخر هذه دول بلا إقتصاد بمعناه التنموي، بحيث إذا ما زادت الطاقة النظيفة والبديلة إنتشاراً -وهذا ما قد شرع المغرب فيه - فسوف تنهار هذه الدول. كما أن المساعدات في مجال الطاقة للمغرب ستكون عاملاً مجهضاً لجهود تعميم الطاقة البديلة التي هي قيد الإنشاء.

 في الختام، يجب أن نتذكر أن دول مجلس التعاون الآن تعمل جاهدةً من أجل الخروج من مأزق المطالب الشعبية بالديمقراطية وحقوق المواطنة الكاملة والعيش الكريم. لأجل هذا لا يمكن إعتبار مبادرة ضم المغرب إلا كونها تكتيك لإلهاء الشعوب. فهم يأملون إيقاع المغاربة في وهم تدفق الدولار البترولي ومشاريع الإستثمار، كما يوهمونهم بحلم السفر للعمل بالخليج. فلو كان الطبيب في هذا المقام مداوياً لداوى أهله. والمغاربة وخاصةً الذين اشتغلوا في الخليج يعلمون الفقر والتهميش والعنصرية التي تتفشى في دول مجلس التعاون بسبب حكوماتها، فلا يقولن أحد أن الأمر قد تغير بين عشية وضحاها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/آيار/2011 - 11/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م