الرسوم الكارتونية... آمال للكبار لكن تترجم للصغار

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: تعتبر الرسوم المصورة من الامور التي يعشقها الصغار ويحبها الكبار ولا تكاد تجد من لم يتخذ له بطلاً من ابطالها الخرافيين، امثال سوبرمان وباتمان وغيرهم، وهم يتابعون اعمالهم البطولية ويستمتعون بمغامراتهم بأستمرار في القضاء على الاشرار والمجرمين.

الا ان الغريب في هذه الايام هو تحول هؤلاء الابطال الي سياسين يدافعون عن قضايا الارهاب وحقوق الانسان ويتضامنون مع المتظاهرون في مطالبهم، الامر الذي ازعج الكثير من السياسيين بعد ان اصبح هؤلاء الابطال منافسون لهم، كما استطاعوا ان يؤثروا على الرأي العام وينتقدون الكثير من السياسات للعديد من الدول وفي مقدمتها بلدهم الام الولايات المتحدة الامريكية، ويرفضون نهجهم في تبني الكثير من القضايا التي ساهمت في تأزيم العديد من المواقف.

ان تحول الرسوم المصورة وابطالها الى انتهاج هذا النهج يدلل بوضوح على مشاركة الناس في همومهم التي تحولت الى هموم اممية وقضايا عامة لا تتوقف على فئة دون الاخرى او تخص شعب دون غيره، وقد ادى هذا التحول ايضاً الى تعاطف المتابعين مع هذه القضايا بسبب تعاطف ابطالهم المحبوبين بها مسبقاً.

سوبرمان يتخلى عن جنسيته

فقد أظهرت احدى القصص المصورة في مجلة "اكشن كوميك" الشخصية البطولية سوبرمان وهو يلمح بأنه سيتخلى عن جنسيته الأمريكية، وظهر سوبرمان في القصة، وهو يطير فوق العاصمة الإيرانية طهران، ويقول إنه تعب من النظر إلى أعماله البطولية على أنها " تعبير عن السياسة الأمريكية"، ومضى قائلا "صحيح، العدالة والأسلوب الأمريكي لم يعودا كافيين، العالم بات صغيراً جداً، ومترابطاً"، وتظهر القصة الجديدة سوبرمان وهو ينظر إلى محتجين مؤكدا أنه يدعمهم، ويشار إلى أن قصص سوبرمان المصورة منذ ستينيات القرن الماضي تحولت إلى أفلام أنتجتها هوليود، وهي تمزج الخيال العلمي بالمغامرات البوليسية من خلال شخصية "سوبرمان" الابن بالتبني لعائلة أمريكية الذي يقوم بحماية العالم من الشرور،لكنها المرة الأولى تقريبا التي تتناول هذه القصص الخيالية آراء سياسية يتحدث فيها البطل القادم من كوكب خيالي يسمى كريبتون. وقال ناشرا المجلة المصورة جيم لي ودان ديدو، "لقد اعلن سوبرمان عن عدم تخليه عن أهدافه العالمية، ولكنه سيبقى ابناً لولاية كنساس".

وهذه ليست المرة الأولى التي تبعد فيها شخصية خيالية في المجلات المصورية بنفسها عن السياسات الأمريكية، ففي السبعينات من القرن الماضي تم تحويل شخصية مجلة "مارفل" "كابتن امريكا" إلى شخصية "نوماد" على إثر فضيحة ووترغيت، ويذكر ان "سوبرمان" أكثر الشخصيات رمزية بين الأبطال الخارقين الأميركيين، وقد أغضب المحافظين الاميركيين عندما قرر في آخر مغامراته بالرسوم المتسلسلة التخلي عن الجنسية الأميركية ليعتنق "الأممية"، وقد أثار البطل الذي يرتدي بزة زرقاء ورداء أحمر، ذهول قرائه في العدد 900 من الرسوم المتسلسلة عندما أعلن أمام المسؤولين في البيت الأبيض أنه يرغب بتغيير ولائه، فقال "لذا أنوي التوجه غدا إلى الأمم المتحدة لأعلم المعنيين بأنني أتخلى عن الجنسية الأميركية"، أضاف "الحقيقة والعدالة لأميركا لم يعودا أمرا كافيا"، وقراره هذا الذي أثارته خيبة أمل سوبرمان تجاه ردود الفعل التي قابلت دعمه للمتظاهرين الديموقراطيين في إيران، اثار جدالا يتخطى بأشواط صفحات الرسوم المتسلسلة، مايك هاكابي المرشح الجمهوري السابق للرئاسة الأميركية التحق بركب المنتقدين مؤكدا أن كلام سوبرمان ليست مجرد كلام. بحسب فرانس برس.

وأعلن هاكابي في حديث إلى محطة "فوكس نيوز" للتلفزة المعروفة بآرائها المحافظة جدا، "صحيح أنها رسوم متسلسلة، لكن الأمر مقلق، لطالما كان سوبرمان رمزا أميركيا، وها هو يقول لن، لا أرغب بالبقاء مواطنا أميركيا بعد اليوم"، يضيف "يأتي ذلك في إطار تحرك أشمل لأميركيين قد يصل بهم الأمر إلى الاعتذار لأنهم أميركيون"، من جهته وصف الصحافي المحافظ بيل أوريلي من على شاشة "فوكس نيوز" أيضا، فكرة مؤلفي "سوبرمان" بأنها "غبية كليا"، وفي المقالات الافتتاحية والمدونات المعترضة على قرار سوبرمان، يصل الأمر بالمحافظين المتشددين في حركة "تي بارتي" (حزب الشاي) إلى الإشارة إلى ضلوع الرئيس باراك أوباما بـ"الفضيحة"، وعلى مدونة "تي بارتي" نقرأ ما كتب بكثير من الغضب، "سوبرمان يتخلى الآن عن مواطنيته الأميركية ليتحول إلى مواطن أممي، إنه لأمر اشتراكي جدا من قبل سوبرمان أن يرغب بعالم اشتراكي مع أشخاص مثل أوباما لقيادته".

لكن "دي سي كوميكس" دار نشر سوبرمان، تؤكد على أنه "كشخصية ورمز يجسد أفضل ما في أميركا"، وتضيف "في قصة قصيرة في العدد 900 من (أكشن كوميكس)، يعلن سوبرمان عن نيته بإضفاء بعد أكثر عالمية على صراعه الأزلي (في وجه الشر)، لكنه يبقى كما دائما مرتبطا بالوطن الذي تبناه وبجذوره كصبي ريفي من سمولفيل"،في الواقع، هوية سوبرمان معقدة، صنوه "المدني" هو الصحافي كلارك كينت، لكن سوبرمان هو قبل كل شيء مهاجر وفد إلى الأرض من كوكب "كريبتون" وقد تبنته عائلة من كنساس، وتلفت لورا هادسون مدونة متخصصة بالرسوم المتسلسلة، إلى "تسونامي ردود الفعل في وسائل الإعلام الكبرى"، فتكتب "للأسف، غالبا ما تعمل وسائل الإعلام والسياسة بهذه الطريقة، البناء على الجانب العاطفي الانفعالي للآراء التي سبق أن أخرجت عن سياقها، وبالتالي القيام بردود فعل على الضجة التي تحدثها".

الرجل الوطواط بمليون دولار

الى ذلك بيع ألبوم للقصص المصورة يروي أولى مغامرات البطل الخيالي الرجل الوطواط (باتمان) بأكثر من مليون دولار في مزاد علني أقيم في دالاس بالولايات المتحدة، ويتعلق الأمر بنسخة نادرة من عدد 27 من Detective Comic يعود تاريخها إلى سنة 1939، وقد اقتناها مزايد من عارض رفضا الكشف عن هويتيهم، وتمت الصفقة بعد أيام من بيع نسخة نادرة من ألبوم قصص مصورة لمغامرة بطل خيالي آخر هو سوبرمان بمليون دولار، أي بسعر أقل من ألبوم باتمان، وقال باري ساندوفال من دار مزاد علني تدعى هيريتاج (تراث)، إن الصفقة تعد الأضخم في مجال الألبومات القصص المصورة، وأضاف قائلا "لقد تجاوزت كل توقعاتن، يمكننا القول إن باتمان قد أسقط سوبرمان عن عرشه، على الأقل في الوقت الراهن"، وأشار ساندوفال إلى أن غلاف الألبوم (الذي بيع عام 1960 بمئة دولار) يعد من بين الأشهر في تاريخ القصص المصورة.وكان الخبراء يتوقعون أن تجتاز أولى مغامرات باتمان وسوبرمان حاجز المليون دولار، خاصة وأن النسختين في حالة جيدة.كما توقع البعض الآخر أن تكون الصفقتان بداية لفورة في القيمة المالية لألبومات القصص المصورة النادرة.

ستصبح الرسوم المصورة رقمية 

في سياق متصل يحاول المؤلفون والناشرون إعطاء الرسوم المصورة، التي تشهد مبيعاتها نوعا من الركود، نفسا جديدا عبر شاشات الكمبيوتر والهاتف النقال، فيعتقد الكثير من المشاركين في المهرجان السابع والثلاثين للرسوم المصورة لمدينة انغولام الفرنسية أن الرقمية هي مستقبل الفن التاسع، ان تصفح روايات المانغا أو مغامرات تان تان على شاشة الهاتف النقال قد لا تكون فكرة يقبلها الجميع خاصة  محبي هذه الروايات الذين ألفوا على قراءة الرسوم المصورة على البومات الورق وهذا ما حصل أيضا لمحبي وعاشقي الموسيقي عندما ابتكر الـ MP3، وفي المهرجان السابع والثلاثين للرسوم المصورة الذي أقيم أخيرا في مدينة انغولام الفرنسية، يعتقد العديد من العارضين أن الرقمية هي مستقبل الفن التاسع لا أكثر ولا اقل، ويقول بونوا برتزاي من دار النشر "واروم" ( Warum) التي أنشأت عام 2004 "،إن جيلا كاملا تعلم القراءة على الشاشات، ومن الطبيعي جدا لهذا الجيل أن تكون الرسوم المصورة رقمية، وقد بدأ  بوانوا برتزاي، وهو الذي يحب قراءة الرسوم المصورة على الورق، تجربة رقمية بنشر البوم جديد يحمل عنوان " في الرالي"، وستتبعه عشرات الألبومات يستطيع القارئ الحصول عليها على موقع digibil.com الذي يشبه من حيث النموذج الاقتصادي مفهوم خدمة الفيديو عند الطلب (VOD)، يستطيع القارئ إذن شراء الرسوم المصورة بسعر زهيد يساوي أربع مرات اقل من سعر ألبوم الورق، و يستطيع الشاري قراءة ألبومه على الكمبيوتر خلال بضعة أيام.

وقد ظهر جليا هذا العام في انغولام أن الرقمية بدأت تفرض نفسها بالرغم من أن مبيعات الألبومات الكلاسيكية على الورق قد ارتفعت بنسبة 2.4 بالمائة عام 2009. إلا أن العارفين والمختصين في هذا المجال ومن بينهم جمعية النقاد والصحفيين المختصين في الرسوم المتحركة (ACBD)يقولون في تقريرهم السنوي إن هذا الارتفاع يخفي حقيقة أخرى، ومن هذه المعاينة يعتقد الناشرون والمؤلفون والموزعون إلى أن الرقمية ستكون المنطلق الجديد للفن التاسع، ويعتقد  ميشال لسيناس من شركة "اكوافاداس" (Aquafadas)وهو من أهم الموزعين في قطاع الرسوم المصورة الرقمية أن " سنة 2010 ستشهد ارتفاعا كبيرا للرسوم الرقمية"، وقد ضربت هذه الشركة ضربة قوية الصيف الماضي عندما قامت شركته بنشر أول البوم لرسوم مصورة رقمية. وكان الألبوم من تصوير المؤلف الشهير لويس ترونهايم، ويحمل هذا الألبوم عنوان "بلودزي" (Bludzee) وهو يروي مغامرات قط صغير ذي عينين زرقاوان، و يستطيع القارئ تحميله على الهاتف الذكي آي فون، يقول  ميشال ليسيناس إن السوق الرقمية هي في الوقت الحاضر متلعثمة و هي في بداية الطريق، رواية "بلودزي" هي رواية فريدة من نوعها ولكنها لن تكون فريدة طويلا.

تحاول شركة "آف كوميمس " ( Ave Comics)العمل حاليا على تجربة جديدة تجمع بين الرقمية والسينماتيك، وتعرف السينماتيك بالإخراج السينمائي للحركة وهو احد الجوانب الجديدة أو المظاهر الجديدة في عالم الرسوم المصورة الرقمية. في الألبومات الكلاسيكية تقع قراءة اللوحات الواحدة بعد الأخرى إلا أن التقنية الجدية تعطي للقراءة ديناميكية جديدة و صبغة جدية للسرد القصصي نستطيع من خلالها القيام مثلا بعمليات فنية مثل اقتراب الكاميرا أو ابتعادها من الصورة أي الزوم أو استعمال التحريك البصري للكاميرا أي الترافلينغ إلى غير ذلك من التقنيات الحديثة، وعلى تطبيق جهاز آي فون في مهرجان انغولام باستطاعة المستعمل قراءة لوحات الألبومات التي اختيرت في القائمة الرسمية للمهرجان، والسؤال المطروح الآن هو إن كانت الرسوم المصورة الرقمية، والتي بدأت تنتشر بسرعة، باستطاعتها في القريب العاجل التقليص من الألبومات الكلاسيكية و تعلن في الوقت نفسه بداية نهاية الألبومات الورق؟ هذا ما يقوله دعاة الرقمية، لكن آخرين من الناشرين والموزعين يلاحظون في نفس الوقت أن الرقمية موجودة في اليابان منذ عشر سنوات وأنها لم تستطع دفن البومات الورق.

أكثر من ذلك، وحسب دار نشر حديثة أسست عام 2009 (Manolosantis) التي يقول مديرها  ارنو باور إن الرقمية ستكون حليفة البوم الورق، وقد قامت هذه الشركة بنشر أربعة البومات على الطريقة الكلاسيكية أي على الورق و على الطريقة الرقمية أيضا. ويعتبر أن النشر على الورق سيساعد الرقمية على الانتشار، وتتمثل استراتيجة شركة مانلوسانكتيس في استعمال مواقع التشبيك الاجتماعي مثل فيس بوك وتوتيتر والمدونات ايضا لإعطاء الرغبة للقراء لشراء البومات الورق "لان ألبوم الورق يكون دائما موجودا" حسب كلام السيد ارنو باور، من جهته ، لويس ترونهايم مؤلف البومات، لا يقول شيئا آخرا عندما يصرح لصحيفة 20 Minutes الفرنسية وبطريقة ساخرة عام 2007 " سيشهد عام 2007 انفجارا شمسيا كبيرا وسوف يحطم جميع الأقمار الصناعية و ويتحطم معها أيضا الانترنت وسوف نكون مسرورين عندما نجد أثرا مكتوبا على الورق"، من جهتها قامت الرسوم المصورة الروسية بثورتها الإيديولوجية أو ما يعبر عنه بـ"البريسترويكا" في مهرجان أنغولام الفرنسي والذي استضاف في دورته السابعة والثلاثين ثمانية من المؤلفين الشبان قاموا بمراجعة تاريخ الاتحاد السوفياتي عبر كتب رسوم مصورة في عرض دعي "ولدت في الاتحاد السوفياتي"، ولو كان ستالين حيا لما سمح بهذا العرض.

هناك قصة طريفة حول تاريخ الرسوم المصورة في الاتحاد السوفياتي رواها مؤسس مهرجان أنغولام فرانسيس غرو خلال العرض الذي أقيم عام 1977 تحت عنوان "مولودون في الاتحاد السوفياتي"، أراد غرو وقتها استدعاء مؤلف الرسوم المصورة يوري لوباتشاف الذي أصدرت له مجلة "غافروش" قصص "الاميرة تانيت"، وقام بطلب رسمي لدى السلطات الروسية حول هذا الموضوع، وتلقى بعدها ردا رسميا يقول "إن الرسوم المصورة ليس لها وجود في الاتحاد السوفياتي وأن السيد لوباتشاف ليس باستطاعة الذهاب إلى مهرجانكم"، حيث تعتبر الرسوم المصورة فنا برجوازيا غربيا مضادا للثورة في الاتحاد السوفياتي إلى درجة أن السلطات الرسمية نفت وجود هذا الفن وحاولت إسكات مؤلفيه بكل الطرق، ونجد مثلا بوريس انطونوفسكي الذي يعتبر من رواد الرسوم المصورة في الاتحاد السوفياتي وقد ألف قصة "مغامرات "يفلمبي نادكين" في العشرينات من القرن الماضي وتمت تصفيته جسديا لأن النظام السوفياتي لا يسمح بالحديث عن الواقع اليومي في الاتحاد السوفياتي بصورة ساخرة، و وصل الأمر بالنظام إلى حظر مجلة الرسوم المصورة "فايان" التي ينشرها الحزب الشيوعي الفرنسي الشقيق ولم يرفع هذا الحظر إلا في العام 1966، والطريف أيضا أنه لا توجد كلمة في اللغة الروسية تعني الرسوم المصورة أو الفن التاسع بل نجد فقط كلمة مشتقة من الانكليزية تعني "كوميك".

" ج كجنس، هذا لا يوجد" هذا ما تشرحه بولينا بتروشينا المؤلفة والمسؤولة عن المعرض الروسي في مهرجان أنغولام السابع والثلاثين تحت عنوان "ولدت في الاتحاد السوفياتي"، هذا موضوع مثالي للمؤلفين "لجيل البريسترويكا" كما تسميهم بولينا بتروشينا أي الجيل الذي ولد في الثمانينات من القرن الماحين بدأ النظام السوفياتي في التفكك والانحلال، وتلاحظ بولينا بتروشينا ان" روسيا تحاول في الوقت الحاضر نسيان الفترة السوفياتية وكأن شيئا لم يحدث"، وتقترح على المؤلفين الحديث عن ما تحاول روسيا الحالية رفضه ودفنه أي ماضيها السوفياتي.

رياح الحرية

على صعيد متصل ولدت بولينا بتروشينا في موسكو عام 1985 وعاشت تجربة الطوابير الطويلة أمام المحلات التجارية الخالية من السلع التي يحتاجها المستهلك وهذا ما عبرت عنه في قصتها " أنا وأبي" والتي تروي فيها قصة طبيب أسنان رهيب يمثل "الرجل السوفياتي" المثالي ومن خلالها نعيش قصة طفولتها السوفياتية في جو عبثي ورمادي، أما المؤلفة فارفارا بوميدور فهي تروي من جهتها قصة منزل ريفي اكتشفت في حديقته صحف ومجلات يرجع عهدها إلى طفولتها واستعملت كل ما وجدته في الحديقة لتروي الأحداث الرسمية في الاتحاد السوفياتي في السبعينات من القرن الماضي من خلال جريدة "البرافدا" الناطقة باسم الحزب الشيوعي.أما المؤلفان لوماسكو ونيكوليفياف فهما يرويان قصة المراهق يوسولف الذي قرر تخريب كل شيء من حوله إلى حد تفجير أهم " نصب تذكاري في المدينة" وذلك كمحاولة من المؤلفين للحديث عن المحاكمات السياسية التي وقعت في موسكو بين العام 1936 والعام 1938، وقد اتهم وقتها أتباع الزعيم السياسي تروتسكي المعارض لستالين بالتخريب، ويستعمل المؤلفان أسلوبا هزليا وساخرا للتنديد بهذه المحاكمات.

المؤلفون الثمانية الذين عرضت أعمالهم في متحف الورق في أنغولام عاشوا فترة يمكن أن نسميها مرحلة ما "بين المطرقة والمنجل"، فهؤلاء الكتاب ولدوا في فترة كانت فيها الرسوم المصورة ممنوعة ومحرمة، و مازالوا لحد الآن يعانون من السخرية والاحتقار رغم الانفتاح الذي تشهده البلاد، وتقول بولينا بتروشينا في هذا الصدد إن اكتشافهم للرسوم المصورة جاء من قبيل الصدفة، فمثلا أحد المؤلفين وجد كتابا لرسوم مصورة أتى به جندي إلى قريته والثاني اكتشف الرسوم المصورة عندما عثر على علب من "العلكة" المصنعة في الغرب وجد في داخلها قصصا مرسومة ومصورة، ريح الحرية التي أتت مع "البريسترويكا" والتي سقط معها جدار النظام السوفياتي في التسعينات من القرن الماضي، أعطت روحا ونفسا جديدين لهذا الفن المتأثر بروايات المانغا اليابانية والرسوم المصورة الغربية وهو يبحث لحد الآن عن هويته، والغريب انه لا يوجد في روسيا حاليا دار نشر للرسوم المصورة ولا مكتبات تبيعها و لا معاهد يدرس فيها هذا الفن، ويلجأ المؤلفون إلى استعمال المدونات على الانترنت ويقومون بنشر أعمالهم في صحف أو مجلات حرة (Fanzine) مثل " "تشوبكا".

ولكن البعض منهم استطاع الحصول على شهرة خارج روسيا مثل نيكولاي ماسلوف الذي ألف قصة تحت عنوان " شباب روسي" نشرت عام 2004 عن دار النشر الفرنسية " دونوال غرافيك"، كذلك فان مهرجان " بومفاست" السنوي الذي يقام كل فصل خريف في مدينة سان بتراسبورغ الروسية أصبح واجهة عرض للرسوم المصورة للمؤلفين والكتاب الجدد في روسي، عندما ننظر إلى الرسوم المصورة الروسية من فرنسا يظهر لنا وكأنها غير موجودة، ولكن بالنسبة لهم فان الأشياء مختلفة، هناك استمرارية بين ما يقومون به الآن في ميدان الرسوم المصورة و بين الإيقونات الروسية أو حتى تلك الصور الشعبية الساخرة التي كانت تباع بسعر زهيد والتي تسمى " لوبوك" والتي لم تكن تحمل سمعة طيبة مثل الرسوم المصورة.رسوم مصورة ببصمات إفريقية  لقيت سلسلة الرسوم المصورة "أيا يوغوبون" لمارغريت أبويه من ساحل العاج نجاحا كبيرا إلى درجة أنها أصبحت مثلا يحتذي به بقية الرسامين الأفارقة الذين يسعون إلى إيجاد ناشرين في البلدان الغربية لنشر رسومهم.

لقيت سلسلة الرسوم المتحركة " أيا يوغوبون" لمارغريت أبويه من ساحل العاج نجاحا كبيرا إلى درجة أنها أصبحت مثلا يحتذي به بقية الرسامين الأفارقة الذين يسعون إلى إيجاد ناشرين غربيين لنشر رسومهم المصورة، و لكن يبدو أن أبواب دور النشر الغربية، خاصة البلجيكية والفرنسية والأمريكية منها، لا تزال موصدة بوجه العديد من الفنانين الأفارقة، مثل بات مازيوني وكريستوف نغال أديموه اللذين شاركا في معرض للرسوم المصورة الإفريقية في معرض "كي برنلني" بباريس بداية شهر فبراير / شباط الماضي، وقال بات مازيوني بخصوص صعوبة نشر الفنانين الأفارقة أعمالهم الفنية، "من الصعب جدا أن ندق على أبواب الناشرين الكبار مثل "غلينا" وكستيرمان، لأننا نعتقد أن هذا أمرا مستحيلا"، باشر بات بازيوني مشواره الفني في كينشاسا وأصبح معروفا بعد أن طلبت منه دار النشر " سان بول" تزيين كتاب التوراة برسوم مختلفة،مما أدى إلى بيع أكثر من 250 ألف نسخة من الكتاب المقدس، في 2001، شارك مازيوني في تجربة أخرى كانت عبارة عن كتاب يحتوي على عدد من الرسوم المصورة تبين الجانب الإيجابي للرسامين الأفارقة وبراعتهم الفنية، في 1994 أنتج مازيوني ألبوما جديدا حول مجازر رواندا – النص كان لسيسيل غروني ورالف- نشرته دار" ألبان مشال- كما نظم عرضا فنيا في نيويورك  لقي إعجاب دار نشر " كميكس" الأمريكية التي طلبت منه القيام بتجربة مماثلة وإنجاز ألبوما أخر حول الأوضاع السياسية في أوغندا تحت عنوان " الجندي المجهول".

اكتسب بات مازيوني بفضل هذه الأعمال، شهرة واسعة خاصة في القارة الأفريقية إلى جانب الكونغولي بارلي باروتي والإيفواري صاليا والتنزاني فيليب ندونغرو، لكن رغم هذا النجاح، يعيش غالبية رسامي القارة السمراء في عزلة تامة ولا يجدون مؤسسات ترضى نشر أعمالهم الفنية، ويقول كريستوف نغال ايديو وهو كاتب قصص من أصل فرنسي وكاميروني، " في شمال الكاميرون، يوجد رسام واحد فقط لثلاثة ملايين شخصو يعيش هذا الرسام على بعد 900 كيلومتر من العاصمة يوندي حيث يقطن عدد من الفنانين الذين  يواجهون صعوبات عدة لنشر أعمالهم"، ويضيف كريستوف نغال ايديو، " غالبية الرسامين يفضلون نشر كاريكاتوريات في الصحف لأن ما يهمهم في المقام الأول هو كسب لقمة العيش وليس الشهرة"، قصة الرسام الفرنسي سانبيه مع مجلة "النيويوركر"  كان ضيف شرف مهرجان الرسوم المصورة في انغولام في دورته السابعة والثلاثين رسام الصور الفرنسي سانبيه، تحدث سانبيه الذي يعمل مع مجلة "النيويوركر" عن الرسوم التي قام بها ونشرتها هذه المجلة في صفحاتها الأولى، وقد أسس مهرجان انغولام للرسوم المصورة عام 1974 من القرن الماضي، في العام 1978 نشر الفرنسي جان جاك سانبيه أول رسومه المصورة على الصفحة الأولى من مجلة " النيويوركر" الأمريكية الشهيرة، لم تشأ الصدف أن تجمع بين هاتين المؤسستين في الرسوم المصورة  مناسبة واحدة، وكان بونوا موشار المدير الفني لمهرجان انغولام مسرورا جدا وفخورا بحضور سامبيه في الدورة السابعة والثلاثين من هذا المهرجان كضيف شرف.

عصفور يحمل ربطة عنق

من جهته كان سامبيه خفيف المزاج وأكثر ثرثرة من العادة عندما بدا يروي مدة ساعة كاملة قصة رسومه وعلاقته بمدينة نيويورك التي يعرفها منذ ثلاثين عاما من خلال تعاونه مع  مجلة "النيويوركر"، مجلة ذات تصميم أنيق ورشيق، ويقول سانبيه أنه وقع في حب هذه المدينة ومجلتها الأنيقة منذ أول زيارة قام بها للساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية عام 1965، كان الشاب سانبيه، وهو من مدينة بوردو الفرنسية، آنذاك غير معروف تماما في الولايات المتحدة، وكانت رواية الرسوم المصورة " نيكولا الصغير"محل الاهتمام والحديث" في فرنس، مجلة "النيويوركر" كانت من أهم المؤسسات الصحفية الأمريكية وقد أسست عام 1925 من القرن الماضي. وتعتبر مجلة فكرية وثقافية مصطنعة في بعض الأحيان  ولها ميول سياسية، تقوم المجلة بنشر تحقيقات مختلفة ورسوم مصورة ومقالات نقدية، لهجتها وأسلوبها يعتبران كمرجعية في الصحافة الأمريكية، وتقوم عادة بنشر الرسوم المصورة لأبرز و أرق المبدعين في هذا الميدان على صفحاتها الأولى، ويقول سانبيه إن شافال، وهو رسام صور شهير بعد الحرب العامية الثانيةـ، هو الذي نصحه بالاتصال بالمجلة الأمريكية، وقد لاحظت المجلة على الفور أناقة رسومه وأسلوبه الهزلي الارستقراطي الساخر والذي نجده في  شخصية السيد "لومبار" المبتكرة مصورا إياه تائها أمام عظمة ديكور المدينة. بحسب فرانس برس.

وجذبت الألوان الفاتحة التي يستعملها في رسومه وسخريته الارستقراطية التي نجدها خاصة في رواياته "لا شيء بالسهل" و رواية "صباح الخير مساء الخير"  أصحاب المجلة، ويعتبر سامبيه الرسامين الأمريكيين ابرز الرسامين في العالم ويكنّ إلى بعضهم  التقدير الكبير مثل جامس ثوربر وبيتر ارنو وسول ستانبرغ، وقد قاموا جميعا بنشر العديد من أعمالهم في مجلة "النيويوركر"، ويذكر سامبيه أن أول تعاون له مع هذه المجلة كان تحديدا يوم 14 أغسطس/ آب 1978 عندما رسم صورة عصفور يحمل ربطة عنق على حافة نافذة لإحدى العمارات الشاهقة متأملا قلق المدينة التي توجد تحت أقدامه، كما قام سانبيه برسم أكثر من مائة رسم  لمجلة "النيويوركر" على مدى ثلاثين عام، وقد التهم بشغف في رسومه حياة سكان مدينة نيويورك مثل رسم المتجولين في حديقة "سنترال بارك" وناطحات السحاب وعازفة الناي والراقصة التي لا تهتم بما يدور من حولها في "عالم المدينة الحديدي الثقيل"، ويحب سانبيه رسم نفس الأبطال في رسومه مثل الموسيقيين والطيور والقطط والدرجات التي يحبها كثير، وبالرغم من حبه الكبير لمدينة نيويورك فإنه لم يعش البتة في هذه المدينة.

والسبب انه "لا يتقن لغة الأمريكيين" حسب تعبيره، يقول سانبيه انه يسافر من حين إلى آخر إلى مدينة نيويورك ولكنه يفضل في الحقيقة البقاء في ورشته للرسم والعمل، يقول سانبيه كذلك إن "رسومه تأتي من ذاكرته وانه لا يقوم بإعداد أولي لرسومه وانه لا يحب هذه الطريقة في العمل، ولهذا السبب فإنه يرمي بالكثير من الرسوم في سلة المهملات"، هي رسوم وليست برسوم مصورة، هذا ما يحاول سامبيه  إقناع الحاضرين به في مهرجان انغولام، و يكره سانبيه أن ندرجه في قائمة المؤلفين للرسوم المصورة، أليس هذا هو السبب الذي يفسر غيابه عن مهرجان الرسوم المصورة في انغولام منذ بداية فعالياته عام 1974؟ لم يجرؤ احد في مدارج الحي العالمي للرسوم المصورة أن يطرح عليه هذا السؤال، يقول سانبيه انه يرسم قصصا مفضلا ربط علاقة بين رسومه والرسوم التقليدية الساخرة والبعيدة عن رسوم الكارتون، ويقارن سامبيه رسومه بموسيقى الجاز التي يحبها كثير، ويقول في هذا المجال " إن موسيقى الجاز والرسوم الساخرة لهما صلة مشتركة تتمثل في أنهما يوحيان بالأشياء"، ونشير هنا أن دار النشر الفرنسية "دونوال" نشرت أخيرا كتابا تحت عنوان "سانبيه في نيويورك" والذي يضم مجموعة أعماله التي نشرتها مجلة "النيويوركر"و كما تقوم صالة العرض التابعة لمارتين غوسيو بباريس بعرض أعمال سانبيه التي صدرت في مجلة "النيويوركر" وذلك حتى  مطلع 28 مارس/ آذار 2010.

الرجل الوطواط رجل مسلم

بدوره لقد اعتاد الرجل الوطواط المعروف بـ "باتمان" منذ ولادته في العام 1939 التصدي للمجرمين والنازيين والمرضى نفسي، وصار عليه اليوم بعد أن استعان بمسلم لمساعدته في مكافحة الجريمة في باريس مواجهة مواطنيه المحافظين في الولايات المتحدة، "الرجل الوطواط الفرنسي "باتمان" مهاجر من الجالية الإسلامية، يدعى بلال الصالح وهو جزائري الهوية، سني المذهب، رياضي ومتين البنية " هكذا يصفه المدون الأمريكي ورنر تود هستون، ويضيف الكاتب الأمريكي المحافظ بسخرية واضحة " يبدو أن الرجل الوطواط لم يعثر على رجل فرنسي حقيقي ليكون المنقذ " في إشارة يستدل منها بأن الكاتب يستبعد من دائرة الفرنسيين الحقيقيين الملايين من الفرنسيين المتحدرين من دول شمال أفريقي، وفي التفاصيل، استعان "باتمان" الرجل الوطواط في العددين الأخيرين من قصته المصورة اللذين صدرا في ديسمبر/كانون الأول بعدد من "الأبطال" لمساعدته على مكافحة الجريمة في المدن الكبرى من العالم، ووقع خياره في فرنسا على شاب في 22 من العمر من ضاحية سين – سان – دوني حيث اندلعت أعمال عنف في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 أغرقت فرنسا في أزمة. بحسب فرانس برس.

وتعيد الصفحة الأولى من القصة المصورة تلك الأحداث الخطيرة إلى الذاكرة، حيث نشاهد مجموعة من ثلاث صور تحمل العبارات التالية "باريس، مدينة الثقافة" و"باريس، مدينة الموسيقى والمطبخ الراقي والنبيذ" و "باريس مدينة الحب" مشوهة بخربشة تقول " يعيش الغضب" وبصور مجموعة من المشاغبين المقنعين والزجاجات الحارقة، وتعتقل الشرطة الشاب البريء بلال الصالح، الذي يتعرض إلى التعذيب، ولكن الشاب وبفضل والدته المؤمنة بالإسلام يتحول إلى بطل لا يعرف قلبه الحقد ويصبح الرجل الوطواط الفرنسي الساعي إلى نصرة الحق والعدالة، ولكن المشكلة بالنسبة للمدونين المحافظين في الولايات المتحدة، أن البطل يؤمن بالإسلام واختياره تم لأهداف سياسية، ويقول ورنر تود هستون " في الوقت الذي يرهب فيه المسلمون فرنسا والإرهاب الإسلامي يضرب العالم بأسره، نقدم لقراء الرجل الوطواط قصة تثير الضياع"، وتنصح مدونة "الرجل الأبيض الغاضب" الناشر منح البطل المسلم قدرات خاصة منها دفن النساء لحد العنق في الرمال وتحطيم رؤوسهن بالحجارة " في إشارة إلى عقوبة الرجم في بعض البلدان الإسلامية، وقد رفض الناشر الدخول في هذا الجدل، ولكن مؤلف القصة البريطاني دافيد هين قال إنه اخترع الشخصية التي كان يحب أن يشاهدها في قصة مصورة لو كان فرنسي الجنسية وأضاف الكاتب " إن مشاكل الضواحي والأقليات طاغية على الأحداث الفرنسية في ظل حكومة ساركوزي، ولم يكن أمامي سوى هذا الاختيار"، وقد هاجمت مواقع إسلامية وأخرى محسوبة على اليسار الأمريكي موقف المحافظين الرافض لوجود بطل مسلم الديانة، ويذكر أن نسخ القصة المصورة نفذت من المكتبات في سرعة قياسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/آيار/2011 - 10/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م