الصين وإستراتيجية البحار الأربعة في الشرق الأوسط

 

شبكة النبأ: يوضح المسار الأخير لعلاقات الصين السياسية ومبادراتها الاقتصادية وموقفها العسكري بأن "المملكة الوسطى" قد وصلت إلى "الشرق الأوسط الأكبر". ولعدة سنوات الآن، كانت الصين تعتقد أن أمن الطاقة مهم للغاية من أن يترك لقوى السوق وحدها، ومن ثم جعلت هذه المسألة أولوية من ناحية الأمن القومي. وتنشئ الصين موطئ قدم لها في وسط آسيا ومنطقة "البحار الأربعة" والشرق الأوسط، من خلال الضلوع بمشاريع بدءاً من مد خطوط أنابيب وإقامة بنيات تحتية جديدة وإلى دعوات متزايدة من موانئ بحرية. كما تزيد البلاد أيضاً من علاقاتها العسكرية لحماية تلك المصالح.

وعلاوة على ذلك، إن الطريق لهذا التوسع يشبه كثيراً "طريق الحرير" القديم وطرق بحر العرب التي أوصلت الصين لأول مرة إلى الغرب. بحسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى.

لقد كان جزء كبير من هذا النشاط متجذراً في ميل الصين لرؤية أمن الطاقة من وجهات نظر جغرافية سياسية واستراتيجية بدلاً من مجرد وجهة نظر اقتصادية خالصة. وتحديداً كانت بكين معنية بمواجهة مبادرات الطاقة الغربية في المنطقة. وفي عام 2009 على سبيل المثال، أكملت "شركة البترول الوطنية الصينية" التابعة للدولة خط أنابيب غاز طبيعي عبر "وسط آسيا" إلى تركمانستان على الشاطئ الشرقي لبحر قزوين، في نفس اللحظة التي كانت تعمل هناك مجموعة شركات مدعومة من قبل الاتحاد الأوروبي على خط أنابيب نابوكو للوصول إلى احتياطيات الغاز في تركمانستان من الغرب. وفي حزيران/يونيو 2010، أعلن رئيس تركمانستان قربان قولي بيردي محمدوف عن مشروع بتكلفة 2 مليار دولار لربط خط الأنابيب الشرقي مع الصين، بموارد تركمانستان الغربية، مما يهدد قابلية تطبيق خط أنابيب نابوكو.

وقد واجهت خطط الطاقة في مسرح "الناتو" في أفغانستان المجاورة منافسة من الصين أيضاً. فقد دعت الشركات الأمريكية و"بنك التنمية الآسيوي" كثيراً إلى إنشاء خط أنابيب غاز من تركمانستان يمر عبر أفغانستان إلى المستهلكين في باكستان والهند، وقد تُوج في مشروع مقترح يدعى "خط عبر أنابيب الغاز تركمانستان - افغانستان - باكستان - الهند" ["تابي"]. غير أن المشروع يجب أن يكون على مستوى الاقتراح المنافس لباكستان والهند بالحصول على الغاز عن طريق مد خطوط أنابيب من إيران. وفي آذار/مارس 2009، أبرمت طهران وإسلام أباد عقداً لبناء نصيب إيران- باكستان من "خط أنابيب إيران- باكستان- الهند" بهدف جلب إما نيودلهي أو بكين إلى المشروع. وفي أماكن أخرى في المنطقة، دخلت الصين مسرح الطاقة العراقي، وهي الآن أكبر مستثمر للنفط والغاز في تلك البلاد.

تحول استراتيجي

منذ أن أصبحت الصين دولة مستوردة للطاقة عام 1993، تبنت استراتيجية "الخروج" لشراء أصول الطاقة في الخارج، محولة الطرق التاريخية القديمة إلى شبكة خطوط أنابيب حديثة وطرق وسكك حديدية لإمدادات الطاقة الخاصة بها. وينبع هذا النهج من مخاوف بكين من الحصار الأمريكي على الإمدادات البحرية في حال نشوب عداءات بسبب تايوان، فضلاً عن طلب الصين المتزايد للطاقة.

وقد أظهر تقرير في آب/أغسطس 2010 أن الصين قد أصبحت أول مستهلك للطاقة في العالم متخطية بذلك الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، تمتعت البلاد بنمو سنوي عشري لمعظم العقد الماضي، تأججت ليس بسبب طلب المستهلك، ولكن بفضل بناء البنية التحتية والصناعات الثقيلة التي تستهلك الطاقة، وكذلك النمو المتزايد في قطاع النقل.

وبمرور السنين بدأ العديد من الصحفيين وصناع السياسة والعلماء في الإشارة إلى هذا المنهج على أنه استراتيجية "طريق الحرير". وفي المقابل، فضل المسؤولون الصينيون هذا التصور من أجل استحضار الروابط التاريخية المشتركة على طول "طريق الحرير"، في الوقت الذي يسعون فيه إلى توسيع العلاقات مع دول في وسط آسيا والقوقاز والشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، ففي كانون الثاني/يناير 2010، أعلن مجلس الدولة بالصين إقامة "لجنة الطاقة الوطنية" برئاسة رئيس الوزراء وين جياباو مما يعكس المخاوف العميقة لدى النظام تجاه أمن الطاقة.

ولمعالجة تلك المخاوف انضمت بكين إلى "منظمة شانغهاي للتعاون" التي تم تأسيسها في عام 2001، وتتكون من الصين وروسيا ودول وسط آسيا الأربع كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، إلى جانب أربع دول مراقبة (وهي إيران وباكستان والهند ومنغوليا). وقد استخدمت الصين المنظمة لتحقيق تكامل اقتصادي تدريجي مع منطقة "وسط آسيا/بحر قزوين" وتلبية ثلاثة أهداف رئيسية: 1- تهدئة مقاطعة شينجيانغ الملتهبة وهي موطن قوى "الأويغور المسلمين" الانفصالية الكبيرة 2- تنويع مصادر الطاقة من الخليج العربي 3- إظهار الهيمنة الصينية عبر أوراسيا. وقد ركزت هذه الاستراتيجية بشكل كبير على استخدام الوسائل المالية لخلق تبعية بين الحكومات الإقليمية، والبناء على التعاون المتزايد في المجالات السياسية والعسكرية والنفط والغاز.

وفي الواقع، كما تقوم شركة الطاقة الروسية غازبروم المملوكة للدولة باستخدام الطاقة كسلاح عن طريق قطع إمدادات الغاز لاستهداف دول معينة إذا رفضت سياستهم الخارجية، ترى بكين الطاقة سلاحاً يجب استخدامه لأغراض قمعية.

أثر متزايد

امتدت استثمارات الطاقة الصينية المنتشرة على نطاق واسع إلى كل ركن تقريباً في "الشرق الأوسط الأكبر"، ولا سيما في "حوض بحر قزوين" وأطراف أخرى مثل إيران وتركيا واليونان. وفي الكثير من الحالات تُرجم هذا التمدد الاقتصادي المتنامي إلى موطئ قدم عسكري أيضاً، نظراً إلى المشاركة الواسعة النطاق لأفراد الجيش الصيني في مشروعات الطاقة و"الشراكات الاستراتيجية" التي شكلتها بكين مع دول رئيسية.

إيران. بين عامي 2005 و 2010، وقعت الشركات الصينية عقوداً بقيمة 120 مليار دولار مع قطاع النفط والغاز الإيراني. ولإيران أهمية خاصة لدى الصين لأن لها حدوداً مع بحر قزوين والخليج العربي. وفي الخليج ترى بكين إيران كوسيلة لتحقيق توازن أمام الدول العربية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، بتصورها أن البحرية الأمريكية غير قادرة على إغلاق الخليج تماماً، طالما تسيطر إيران حليفة الصين على الجانب الشرقي منه. كما أن طهران هي أيضاً طرف رئيسي في "طريق الحرير" البري والبحري للصين، حيث تتطلع بكين إلى زيادة الروابط بواسطة خطوط السكك الحديدية، بل وربما إنشاء قاعدة بحرية في إحدى الجزر الإيرانية.

السعودية . يتدفق أكثر من نصف النفط السعودي حالياً إلى آسيا مقارنة بـ 14 بالمائة إلى الولايات المتحدة. وتملك شركة أرامكو السعودية مصفاة في مقاطعة تشينغداو في الصين وأخرى في مقاطعة فوجيان، في حين بدأت الشركات الصينية في الاستثمار في الصناعة والبنية التحتية السعودية. وفي الوقت نفسه، لا تزال المملكة شريك الصين التجاري الأكبر في منطقة الشرق الأوسط.

وعلى الصعيد العسكري، في الثمانينات من القرن الماضي، قدمت الصين إلى السعوديين صواريخ ذات قدرة نووية من طراز "CSS-2"، وواشنطن قلقة الآن من أن الرياض ربما تسعى لخلق رادع ضد إيران باكتساب المزيد من الأسلحة التي صممتها الصين، فضلاً عن الرؤوس النووية ذات الاستخدام المزدوج من باكستان. ورغم أن الولايات المتحدة ما تزال هي الضامن الرئيسي لأمن السعودية إلا أن المملكة تحقق التوازن بمراهناتها في وجه إيران التي ربما تصبح نووية من خلال تعاطيها مع بكين، حليفة طهران الرئيسية.

العراق. زادت بكين بالفعل من حجم استثماراتها في العراق، وهي الآن أكبر مستثمر للنفط والغاز في تلك البلاد، حيث وقعت على عقود تطوير وخدمات طويلة المدى لحقول نفط الأحدب والرميلة وحلفاية وميسان إما بصورة مباشرة أو من خلال الشركات الأجنبية التي تم شراؤها مؤخراً. وبالنظر إلى إنتاج النفط العراقي الذي ما يزال محدوداً والمشاكل الأمنية وعدم وجود قانون للنفط والغاز، فمع ذلك سوف تستمر الصين في الاعتماد بقوة على مموليها الكبار الحاليين وهم السعودية وأنغولا وإيران.

تركيا. بالإضافة إلى حدودها مع كل من البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط فإن تركيا هي عضو قديم في منظمة حلف شمال الاطلسي ["الناتو"]، وتستمتع بوحدة جمركية مع الاتحاد الأوروبي، وتمثل منفذ العبور الرئيسي لاثني عشر مشروعاً لخطوط الأنابيب متعددة الجنسيات. إن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للبلاد يشكل أيضاً موقع مثالي لشبكات السكك الحديدية التي تربط أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا. وبناء على ذلك، عندما زار رئيس الوزراء الصيني وين جياباو أنقرة في تشرين الأول/أكتوبر 2010، رفعت الصين مستوى علاقاتها الثنائية مع تركيا إلى "تعاون استراتيجي".

وقد جاءت زيارة وين جياباو في أعقاب مناورات "نسر الأناضول" القتالية الجوية المشتركة (التي قامت بها القوات الصينية والتركية) ومهمة السلام 2010 لـ "منظمة شانغهاي للتعاون" (وهو تدريب عسكري لمكافحة الإرهاب جرى في كازاخستان). وتقليدياً كانت مناورات "نسر الأناضول" تدريباً لحلف "الناتو" بين تركيا والولايات المتحدة وأعضاء آخرين في منظمة حلف شمال الأطلسي، وإسرائيل؛ لكن يبدو أن أنقرة قد فضلت أن تحل الصين محل إسرائيل.

اليونان. في حزيران/يونيو 2010، تولت شركة الشحن العملاقة "كوسكو" المملوكة للصين، الإدارة والتحكم العملياتي الكامل على الرصيف الرئيسي في أكبر ميناء يوناني وهو بيرايوس بتكلفة 2.8 مليار جنيه إسترليني في عقد أمده خمسة وثلاثين عاماً يشمل توسيعاً مخططاً له. وبالنظر إلى أن اليونان تتحكم في خُمس أسطول التجارة العالمي، وهي أكبر زبون لأحواض بناء السفن الصينية، يهدف هذا الجهد إلى تعزيز التجارة الصينية مع الأسواق الناشئة حول إطار البحر الأسود والمتوسط. وتخطط الصين أيضاً لشراء حصة في شبكة السكك الحديدية المثقلة بالديون OSEوبناء مطار في كريت وبناء مركز لوجيستي في شمال أثينا.

أبعاد عسكرية

تتمحور استراتيجية بكين الحالية حول تحقيق موطئ قدم صيني من خلال النفوذ العسكري أو الجيوسياسي على طول الشريط الساحلي للمحيط الهندي، وإلى الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط -- في "سلسلة من اللؤلؤ." وتقع اللآليء التي أقامتها بكين في السنوات الأخيرة على طول طرق البحار المستخدمة منذ قرون لربط الصين بحوض البحر الأبيض المتوسط. وهناك لآليء معينة تشمل مرافق مطورة في [مدينة] بور سودان بين مرافق أخرى.

كما أضافت الصين أيضاً ميناء بيرايوس اليوناني كلؤلؤة جديدة في البحر المتوسط. وفي آب/أغسطس 2010، زارت القطع البحرية الصينية بيرايوس عندما التقى رئيس أركان القوات الجوية اليونانية فاسيليوس كلوكوزاس مع وزير الدفاع الصيني ليانغ قوانغ ليه في بكين في الشهر نفسه لمناقشة التعاون العسكري المتزايد. وفي أماكن أخرى تأمل بكين في إقامة قاعدة بحرية دائمة في خليج عدن/البحر العربي. والخيار الأرجح هو ميناء عدن اليمني ذلك أن البدائل الأخرى -- سلطنة عمان وجيبوتي -- لها علاقات وطيدة مع حلف "الناتو" وواشنطن.

كما تزيد الصين أيضاً من وجودها العسكري برَّاً من خلال نشر أفراد الجيش والشرطة لمراقبة مشروعات الإنشاء الخارجية. فعلى سبيل المثال يقال إنها نشرت عدة آلاف من الجنود في كشمير مما يثير مخاوف هندية حول الجهود الصينية لربط مشاريع الطرق والسكك الحديدية في "جبال كاراكورام" بميناء جوادار في باكستان.

استراتيجية "البحار الأربعة"

في الوقت الذي تشرع فيه بكين في استراتيجيتها لتطوير "طريق الحرير" عن طريق "النظر إلى الغرب" تهدف سياسة "النظر إلى الشرق" التي تتبعها سوريا إلى مقابلة الصين في بحر قزوين. فمنذ 2009، يعزز الأسد استراتيجيته لـ "البحار الأربعة" لتحويل بلاده إلى محور تجاري في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط والخليج العربي/البحر العربي وبحر قزوين، بالاصطفاف مع تركيا وإيران وأذربيجان في هذه العملية. وبينما تبرز تركيا كأهم مستثمر وشريك تجاري لسوريا، وحيث تبقى إيران هي الضامن لأمن سوريا، فقد أصبح ثلاثي أنقرة- دمشق- طهران نواة لمنهج يهدف إلى ضم العراق والقوقاز في سلسلة متصلة جغرافياً تربط "البحار الأربعة".

وبينما يرى الغرب سوريا وإيران ودولاً مماثلة بأنها عوائق استراتيجية ودولاً مارقة، ترى الصين هذه الدول كأصول استراتيجية. ومنذ غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003، تخشى بكين من أن استراتيجية واشنطن لـ "الشرق الأوسط الأكبر" تنطوي على تطويق الصين وخلق نموذج للإطاحة بالأنظمة غير الديمقراطية. ورداً على ذلك، زادت بكين من روابطها الاقتصادية والدبلوماسية مع بلدان في المنطقة لها علاقات إشكالية مع الولايات المتحدة والغرب.

إن أحد المكونات الرئيسية لاستراتيجية "البحار الأربعة" هو التركيز على البنية التحتية للطاقة وتطوير السكك الحديدية. وعلى صعيد الطاقة يتخذ الرئيس السوري بشار الأسد خطوات لتوسيع "خط أنابيب الغاز العربي" لنقل الغاز من مصر والعراق عبر سوريا، والعمل في الوقت نفسه مع أذربيجان وروسيا حول مقترحات لربط هذا الأنبوب بخطوط أنابيب نابوكو وصولاً إلى تركيا وأوروبا. وعلاوة على ذلك، ومن خلال الربط مع إيران، يمكن أن يتصل "خط أنابيب الغاز العربي" في نهاية المطاف بخط أنابيب تركمانستان- الصين وخطوط أنابيب النفط المستقبلية بين كازاخستان والصين.

وفي الوقت نفسه، تتسق خطط سوريا لبناء سكك حديدية من موانئها في البحر الأبيض المتوسط إلى جنوب العراق مع مصالح الصين في بناء شبكة سكك حديدية تربطها بآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا. إن بكين مهتمة بوجه خاص بتوسيع السكك الحديدية عالية السرعة، وذلك بالتفاوض مع سبعة عشر بلداً حول هذه الخطوط بالإضافة إلى توسعها الداخلي السريع. وتلعب السكك الحديدية دوراً مهماً في النقل وخدمات الإمداد والتجهيز العسكرية في نطاق جهود الصين لإظهار القوة عبر أنحاء أوراسيا. وقد قيل إن الجيش قد استخدم بالفعل خط السكك الحديدي السريع شنغهاي - نانجينغ لنقل جنود بسرعة تصل إلى 350 كم في الساعة داخل الصين نفسها، واصفاً هذا التمرين بأنه الطريقة المثالية لإظهار الأفراد والمعدات الخفيفة في "عمليات عسكرية لا تشمل الحرب." ويقال أيضاً إن الجيش يشارك في تصميم وتخطيط خطوط السكك الحديدية الداخلية عالية السرعة حيث أصبحت المتطلبات العسكرية جزء من عملية التطوير.

توصيات سياسية

ورداً على أنشطة الصين عبر أنحاء "الشرق الأوسط الأكبر" ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها اتخاذ عدة خطوات لتأمين مصالحها فيما يتعلق بالطاقة في المنطقة، وكذلك مصالحها الأمنية الأوسع نطاقاً.

إقامة سياسة أمن طاقة أوروبية مشتركة تحت راية حلف "الناتو".

لقد دمج حلف "الناتو" بشكل حصيف قضايا الطاقة الأوراسية في مبدئه الاستراتيجي الجديد. غير أن "منظمة شانغهاي للتعاون" التي تقودها الصين تستعد لتشكيل تحالف طاقة في "وسط آسيا" يمكن بالمقابل أن يخلق نظام طاقة ذاتي الاكتفاء مما يُضعف بقوة موقف المساومة لكل دولة من دول الاتحاد الأوروبي بمفردها، تجاه مشاكل الطاقة في المنطقة. وعلى هذا النحو، يتعين على الاتحاد الأوروبي العمل على إقامة سياسة أمن طاقة مشتركة تحت راية حلف "الناتو"، لا سيما وأن العديد من دول الاتحاد الأوروبي هي أعضاء أيضاً في منظمة حلف شمال الأطلسي. إن أي جهد من هذا القبيل سيتطلب قيادة استراتيجية أمريكية. وتحديداً ينبغي على الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو" أن يتعاونا على:

1- مساعدة إسرائيل واليونان على بناء خط أنابيب تحت البحر لتغذية "الممر الجنوبي" للاتحاد الأوروبي، لا سيما في ضوء اكتشافات إسرائيل الأخيرة للغاز الطبيعي خارج الشاطئ. إن هذه الخطوة هي على جانب عظيم من الأهمية نظراً لأنه لا يبدو أن صادرات الغاز العراقي ستكون متاحة قبل عام 2020، كما يتم فصل صادرات الغاز الأذربيجاني إلى حزمات صغيرة تسيل في اتجاهات مختلفة مما يجعلها غير كافية للوفاء بمطالب الاتحاد الأوروبي.

2- صياغة سياسة أوراسية لحلف "الناتو" تجاه الصين. لدى منظمة حلف شمال الأطلسي بالفعل آلية سارية للتعاطي مع موسكو -- وهي مجلس روسيا - "الناتو" -- لكن ليست هناك آلية مماثلة لبكين. وقد دخلت الصين الآن خريطة أمن طاقة الاتحاد الأوروبي/"الناتو"، وتتنافس على الموارد هناك، وبالتالي يجب على التحالف أن يتعاطى معها أيضاً. إن المصلحة الصينية والأوروبية في القدرة على تسويق الغاز الطبيعي الإسرائيلي توفر مساحة إضافية للتعاون بين "الناتو" وواشنطن وبكين في مناقشات تتعلق بقضايا أمن الطاقة.

تشجيع بكين على الضغط على إيران، والتقدم نحو "خط انابيب الغاز تركمانستان - افغانستان - باكستان - الهند".

يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يستمرا في استخدام منتدى "الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا" لحشد المساعدة الصينية في كبح البرنامج النووي الإيراني. غير أن بكين معنية بأن تحل هي محل الهند في "خط أنابيب الغاز إيران- باكستان- الهند" المقترح مما سيعزز قطاع الطاقة الإيراني، ويُبطل عقوبات الأمم المتحدة ضد برنامجها النووي. وبناء على هذا، ينبغي على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك أن تقنع الصين على دعم "خط أنابيب الغاز تركمانستان- أفغانستان- باكستان- الهند". ولهذا الخط ["تابي"] فرصة جيدة في النجاح لو استطاع الغرب تأمين التعاون الصيني داخل منتدى متعدد الأطراف، وجلب ممثلي الصناعة.

إن واشنطن وبكين وعناصر أخرى تشاطر بالفعل مصلحة متبادلة في دعم استقرار أفغانستان. وتدعم الصين الهدف الأمريكي في حرمان حركة طالبان وتنظيم «القاعدة» من الملاذ الآمن، لا سيما وأنهما يدربان "الأويغور المسلمين" على الهجوم على أهداف صينية في مقاطعة شينجيانغ. ولجميع اللاعبين الرئيسيين مصالح قوية في مساعدة البلاد على الرجوع إلى مكانتها كمحور تجاري أوراسي.

وبالطبع، لا تثق بكين أساساً بحلف "الناتو"، حيث تراه أداة أمريكية للتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى. ويمكن أن يمتد هذا الموقف إلى "خط أنابيب الغاز تركمانستان- أفغانستان- باكستان- الهند" لو تم اتباع سياسة التعاطي بصورة غير صحيحة. غير أن بكين ربما تصبح أكثر تقبلاً لو غيرت الولايات المتحدة من تصورها، من نموذج يقوده "الناتو" إلى إطار متعدد الأطراف بشكل أكبر، بحيث تجلب عناصر أخرى مثل الاتحاد الأوروبي والهند. ومثل هذه الجهود يمكن أن تستند على منهج "نزع الصراع والوعي المشترك" (SHADE) المستخدم حالياً في خليج عدن، والذي وفقاً له كانت الصين قد رفضت في البداية التعاون مع "القوات البحرية المشتركة" بقيادة الولايات المتحدة في جهود مكافحة القرصنة. وحالما تمت معالجة القضية داخل منتدى "نزع الصراع والوعي المشترك" المتعدد الأطراف، والذي جلب الاتحاد الأوروبي والهند وروسيا والإنتربول والعديد من شركات النفط إلى جانب الولايات المتحدة وحلف "الناتو"، أصبحت بكين أكثر قبولاً [لفكرة التعاون].

لقد أعطى قادة الصين على نحو متزايد الأولوية لموضوع تطوير الطاقة في "الشرق الأوسط الأكبر" باعتباره مسألة تتعلق بالأمن القومي، ووفقاً لذلك غيّروا من علاقات البلاد السياسية ومبادراتها الاقتصادية وموقفها العسكري. يمكن لواشنطن وحلفائها أن يُظهروا لبكين، من خلال تطبيق التدابير الموصى بها أعلاه، بأنهم جادين مثلها في تأمين مصالحهم في المنطقة.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/آيار/2011 - 10/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م