العراق والكتل السياسية... حوار أم صراع؟

 

شبكة النبأ: التنوع الثقافي والعرقي والديني في بلد واحد، قد يصبح عاملا مساعدا على ازدهاره وتطوره، وقد يكون سببا في ضعفه وتخلفه، وهذا الامر يرتبط بالنظام السياسي لذلك البلد ومدى استقراره وطريقة تداول السلطة فيه، فالتفاهم والتقارب والانسجام بين أقطاب الفعل السياسي كالاحزاب والكتل والشخصيات السياسية سيدعم التنوع ويوظفه لصالح المجتمع، أما حين يحدث العكس، أعني إذا كان الاختلاف وفقدان الثقة والتربص للآخر هو الرابط المشترك بين المكونات السياسية، فإن ذلك سينعكس سلبا على التنوع المجتمعي، وبدلا من أن يكون التنوع عاملا مساعدا للنظام السياسي والتطور الاجتماعي فإنه سيشكل عاملا لزعزعة الاستقرار.

في العراق، يتحدث الجميع سياسيون وغيرهم عن هذا الجانب، يقولون إن الفسيفساء العراقي يخدم المجتمع ويزيد من لحمته وانسجامه، وأكثر من يردد هذه الاوصاف، السياسيون ثم المثقفون ثم عامة الناس، ولكن إذا كان المثقف والمواطن العادي لايملكان مشاركة مباشرة في صنع القرار السياسي، فإن الساسة هم المسؤولون أولا عن الانسجام المجتمعي بين مختلف المكونات، ولا تكفي الاقوال في هذا المضمار، لأن ثمة بونا شاسعا بين القول وبين ما يحدث أو يُطبَّق على الارض، أعني أن السياسيين يبدو أنهم الطبقة الأولى التي تقول ما لا تفعل، بمعنى أوضح هم يطلقون أقوالا مشجعة عن سلامة التنوع المجتمعي والحرص عليه، لكنهم يتحركون في الساحة السياسية وفق أطر وأساليب تميل الى الصراع أكثر من المنافسة المشروعة أو المطلوبة.

المتابع لما يحدث الآن بين الكتل السياسية الكبيرة، لا يحتاج الى ذكاء كبير لكي يعرف أن هناك صراعا سياسيا على السلطة والمناصب، وأن عنصر الثقة المتبادلة بين الكتل السياسية يكاد يذوب في لجة الاختلافات والصراعات التي تتأجج بين حين وآخر، وما يحدث بين الكتلتين (العراقية، ودولة القانون) وعبر قائديّ هاتين الكتلتين، علاوي والمالكي، يعطي مؤشرا عن طبيعة الصراع وليس التوافق أو التشارك كما يصرّح السياسيون بين حين وآخر عن التقارب والتفاهم والوصول الى حكومة الشراكة وما شابه من تعابير جميلة في معناها ومظهرها، لكنها تكاد تخلو من هذا المعنى والجمال بالاحتكاك مع الواقع الفعلي.

ومن محاسن المجتمع العراقي أنه يسجل تفوقا على قادته السياسيين في هذا المجال، بمعنى أن تعدد مكونات وأعراق وثقافات وديانات هذا المجتمع لم تفتّ في عضده ولم تتحول الى عوامل دافعة للصراع أو الاختلاف وما شابه، على الرغم مما يقوم به السياسيون من تصادمات وصراعات على السلطة والمناصب والادارة المتذبذبة للعملية السياسية بصورة عامة، بل لايزال العراقيون (وهو أمر يكاد يكون نادرا) يحافظون على نسيجهم الاجتماعي من خلال قبولهم بالتعددية والتنوع والتعايش السلمي، ولا زال العراقيون يبادرون - بخطوات اجتماعية فعلية أو من خلال الندوات وما شابه- بتقديم النصح للسياسيين بأن يتبنوا إسلوب الانسجام والقبول بالآخر، وجعل الثقة بين كل الاطراف رابطا مشتركا لا تراجع عنه، والنظر الى الطرف السياسي المشارك على أنه رديف أو ند منافس سلميا، بدلا من التعامل معه بحس عدائي مسبق وفقا لنظرية المؤامرة وما شابه من حالات تزيد من اوار الصراع بين السياسيين.

لذا نرى أن الارضية المجتمعية في العراق تبدو منسجمة لدرجة أنها تشكل عاملا مساعدا للسياسيين كي يتقدموا الى أمام ويطوروا التجربة العراقية بالافادة من هذه الارضية وانسجامها على الرغم من تنوعها، لذا يبدو أن التنوع المجتمعي بأنواعه قد قلب المعادلة، فبدلا من أن يعمل السياسيون على تقوية أواصر هذا التنوع، نراهم لايعبؤون بهذا الامر وأهميته، أو يبدو أنهم كذلك، من خلال متابعة ما يحدث في الساحة من تجاذبات واضحة بين اطراف العملية السياسية، في حين تبذل مكونات المجتمع العراقي جهدا لكي تزيد من لحمتها وتقاربها.

لهذا لابد أن يتنبّه السياسيون الى هذا الامر وينبغي أن يحثوا أنفسهم كي يقلبوا المعادلة لصالحهم، وذلك من خلال نبذ هاجس الاستعداء المسبق وبث روح الانسجام بينهم وتجسير العلاقات المتبادلة بعنصر الثقة والقبول بمفهوم المعارضة وتنميته وإثرائه فعليا، لكي تسود روح الحوار البنّاء بين الكتل السياسية، بدلا من هاجس التخوّف من الآخر وفقدان الثقة به.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/آيار/2011 - 10/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م