أمريكا الجميلة !

هادي جلو مرعي

من الداخل تبدو بأجمل صورة، وفي الخارج سلوك يعكس صورة الذات المأزومة

 

هذه هي أمريكا، أحببتها حد الشفقة، ولم أبك على بلد فارقته كما بكيت لفراقها، تحكم العالم بالحكمة والجنون، وبالهبل أحيانا، تنكفأ على ذاتها كلما أحست بوقع حماقاتها التي لاتنقطع، وحين تخسر من هيبتها مايفقدها قوة الحضور، لكنها برغم ذلك ماتزال تحتفظ بالقدر الوافر من السطوة والبهاء في الخارج، وروعة الوجود المتفرد في الداخل بنموذج حياة غير تقليدي، وبرغبة مستمرة في صناعة المستقبل، وبحراك لاسكون معه من أجل تأكيد سيطرتها على العالم المتحضر مثلها، وذلك المتخلف مثل عالمنا العاشر.

على الساحل الشرقي، حيث تتلاطم أمواج الأطلسي، تستفيق الولايات المتحدة الأمريكية على نداء الحرية الذي تطلقه بإتجاه العالم القديم، أن تعالوا إلي فأنا، أوفر لكم فرص الحياة، وماعليكم إلا المسارعة في القدوم، وستجدون ما يسركم شريطة أن تندمجوا مع المجتمع المتفوق على الدوام.

وهناك على شواطئ الهادئ المسكونة بهدوء الأمواج، وبرعب الأعماق السحيقة المهددة بالزلازل والتسونامي، لاتكل ولاتمل حركة الناس ولاتهدأ، بل تسحب معها الى الغد كل الأمنيات والرغبات الدفينة، تفسح لك المجال لترقص وتنتشي، وتموت طربا، أو حبا بالحياة، وهي مع ذلك قد تخدع البسطاء الذين يتوهمون إنها تحمي الضعيف.

في أمريكا البقاء للذين يندمجون، ولايفكرون كثيرا بالجذور والوطن، ولتعيش هناك لاتكن مثل ذلك العراقي الذي ما أن وصل أوهايو حتى ارتفع ضغط دمه، وسالت دموعه حرى، وشهق بإسم الوطن البعيد، يصيح، أريد بلدي!

أمريكا الجميلة من الداخل ترغمك أن تبك حين تفارق أراضيها، لكنها غير تلك التي في الخارج، ذلك المحكوم بالموت والقسوة، والرغبة في مد نفوذ لابد أن يدوم الى ماشاءالله.

شعوب بدأت عالمها الجديد بإبادة الهنود الحمر، ثم تقاتلت فيما بينها لتوحيد الشمال بالجنوب، وبعد أن تحررت من نفوذ الإنجليز وأقامت لهم حفل شاي صاخب على شواطئ بوسطن، إنساقت في جهد محموم لوضع دستور للبلاد يحكم مسيرتها لكي لاتقع في المحظور حين تصل الى المستقبل الصعب، لكنها لم تستطع الحفاظ على حضورها البهي، صارت تعيش المشاكل كما يعيش الزوجان في فراش واحد ويتماهيان، أحرقت جارتها اليابان بالقنبلة النووية، ومهدت لربيبتها إسرائيل لتكون مطرقة على رأس العرب، ثم أحكمت نفوذها على الأرض، وتحولت الى نائب الإله، وتورطت في حرب فيتنام، ثم وقعت مع الثوار إتفاقية ليست ببعيدة عن وصف (الإستسلام) الذي كبلت به حياة الإمبراطور الياباني هيرو هيتو نهاية الحرب العالمية الثانية، وساندت الدكتاتوريات طالما ضمنت لها مصالحها الحيوية وفي قارات العالم الخمس.

ماتزال واشنطن تتخبط في سياساتها تجاه العراق وأفغانستان، وتحاول أن تجعل من حضورها في ليبيا نموذجا للتحلي بالعقلانية، فلم تنسق كثيرا لجهة المشاركة الفاعلة في توجيه الضربات وتركت لحلف الأطلسي قيادة العمليات الحربية على طول الساحل الليبي .لكنها لم تستطع التخلص من سيطرة اليهود ومنظماتهم المؤثرة في سياستها تجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وهي مخلصة وبلاحدود لتحالفها المعلن مع الدولة العبرية.

لايمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تكون النموذج الكامل، غير إنها مطالبة بتوفير الحد الممكن من الموضوعية والتحلي بالواقعية، التي من شأنها أن تغير صورتها الموروثة، والتي ستدفع عنها ثمنا غاليا إن لم تراجع سياساتها الماضية، وإنعكاسها على مستقبل علاقاتها مع دول العالم، ومع بلدان الشرق الأوسط التي تشترك في رغبتها الملحة لوقف التمدد الإسرائيلي وعنجهية هذا الكيان اللقيط.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/آيار/2011 - 10/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م