جهود التنمية الدولية وعقبة تضخم سكان الأرض

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: في ظل الاعداد المتزايدة لسكان العالم في العقود الاخيرة بعد تناقص الوفيات بشكل كبير والتي من المؤمل ان يتجاوز السبعة مليارات قريباً والعشرة مليارات نهاية القرن الحالي، الامر الذي يستدعي التوقف طويلاً في بحث سبل التنمية لمواجهة هذه الزيادة الكبيرة في اعداد البشر وتوفير مايقابلها من اجل سد النقوصات المتوقعة مستقبلاً.

وقد اصدر بدوره صندوق النقد الدولي والمؤتمر الانمائي التابع للامم المتحدة تقارير تنموية وبصورة سنوية لبحث سبل الارتقاء بالواقع التنموي العالمي واصدار توصيات لمعالجة اهم المعوقات التي قد تواجه الدول في سبيل الرقي والتطور وتحقيق اهم متطلباته، ويذكر ان العديد من الدول النامية في اسيا وافريقيا قد حققت قفزات كبيرة في مجال التنمية الاقتصادية مما حقق الرفاهية والتقدم لهذه الدول الذي مكنها من النهوض والتطور على مستوى المجالات الاخرى.

عدد سكان العالم

فقد كشف تقرير جديد للامم المتحدة صدر مؤخراً انه من المتوقع ان يتجاوز عدد سكان العالم سبعة مليارات نسمة بحلول 31 من اكتوبر تشرين الاول مع تواصل زيادة هذا العدد الى نحو عشرة مليارات نسمة او اكثر بحلول نهاية هذا القرن، وتكهن التقرير ايضا بان عدد سكان العالم سيكون بحلول منتصف هذا القرن أكبر مما توقعته النسخة السابقة من التقرير التي صدرت قبل عامين ليصل الى 9.31 مليار نسمة بدلا من 9.15 مليار، وعزا التقرير هذا الامر الى انخفاض حالات الوفاة والزيادة في المواليد بشكل اكبر مما كان متوقع، وتوقع الوصول الى سبعة مليارات نسمة في اكتوبر مبني على حسابات اخذت في اعتبارها الاتجاهات الحالية وقالت هنية زلوتنيك رئيسة قسم السكان بالادارة الاقتصادية في الامم المتحدة انه يجب النظر الى الامر"بقليل من الحكمة"، وأعلن صندوق الامم المتحدة للسكان انه سيبدأ عدا تنازليا على مدار سبعة ايام اعتبارا من 24 من اكتوبر سيتضمن سلسلة من المناسبات. بحسب رويترز.

ووصل عدد سكان العالم الى ستة مليارات نسمة في عام 1998 وكان 6.89 مليار في الاول من يوليو تموز، وتكهن التقرير الذي جاء بعنوان "2010 مراجعة لتوقعات عدد سكان العالم" بانه سيكون هناك 10.1 مليار نسمة فوق كوكب الارض بحلول 2100 وهي المرة الاولى التي تذهب فيها التكهنات الى هذا التاريخ البعيد، لكن التقرير قال انه اذا ارتفع معدل الخصوبة في العالم عن المتوقع فان هذا الرقم قد يصل الى نحو 16 مليار نسمة، وقال مسؤولو الامم المتحدة ان ارقامهم وضعت بناء على افتراض ان معدل الخصوبة سيتراجع خلال القرن، لكن زلوتنيك قالت في مؤتمر صحفي "تثبيت عدد السكان لا يبدو مرجحا في رأينا في هذا الوقت"، وتواجه دول العالم توازنا دقيقا بين معدلات الخصوبة العالية وارتفاع عدد السكان وهو ما يتطلب توفير الغذاء وموارد أخرى وانخفاض معدلات الخصوبة الذي يؤدي الى كبر اعمار السكان والضغط على الخدمات الاجتماعية مثلما يحدث بالفعل في بعض الدول الاوروبية.

البنك الدولي ورؤية جديدة

بدوره يقول تقرير جديد للبنك الدولي ان النمو الاقتصادي المرتفع يعجز بمفرده عن تقليص الفقر والبطالة اللذين يولدان الصراع والعنف متحديا بذلك وجهة نظر طالما تبنتها المنظمات الدولية، وبدلا من ذلك يظهر تقرير التنمية في العالم الصادر عن البنك أن توافر الوظائف والامن والعدل لا رفع الناتج المحلي الاجمالي هو شرط أساسي لكسر الدورات المتكررة من العنف السياسي والجنائي، وقالت سارة كليف من كبار كتاب التقرير "البطالة المرتفعة وانعدام المساواة يمكن أن يتضافرا مع ضعف الكفاءة الحكومية أو مشاكل الفساد والمساءلة وانتهاكات حقوق الانسان لافراز مخاطر الصراع والعنف"، ويجد مثل هذا التفكير صدى في الاضطرابات التي تجتاح دولا في أنحاء الشرق الاوسط وشمال افريقيا من تونس الى مصر ومن الاردن واليمن وسوريا والبحرين الى القتال في ليبيا حيث تكافح الحكومة من أجل البقاء، وبلغت معدلات النمو في تونس ومصر خمسة بالمئة في المتوسط أو أعلى سنويا وهو ما يكفي لتقليص الفقر لكنها لم تصب في مصلحة السواد الاعظم ولا في معالجة القمع والفساد والبطالة المرتفعة وهو ما أفضي الى احتجاجات أطاحت برئيسي البلدين.

وخلص تقرير صندوق النقد الدولي الى أنه في الدول التي اجتازت مرحلة من الصراع والعنف فان تركيز الحكومات كان ينصب على اصلاحات مبكرة في الامن والعدل والوظائف، وقال انه في غياب أحد تلك العناصر كانت التحولات غالبا ما تتعثر، وقال روبرت زوليك رئيس البنك الدولي "للاستثمار في توفير أمن المواطن والعدالة وفرص العمل أهمية بالغة في تقليص العنف"، وقال التقرير انه في الدول التي تمر بمرحلة تحول من الصراع لا تستطيع الحكومات حل المشاكل وحدها بل ينبغي أن تعقد تحالفات مع المجتمع المدني (المجموعات الوطنية والسياسية المحلية والتجارية والاستهلاكية وغيرها) لبناء الدعم، كما ينبغي على الزعماء تحقيق نجاحين أو ثلاثة نجاحات "سريعة" تولد الثقة لدى المواطنين ويبحث التقرير عن أمثلة في بلدان مثل هايتي وجنوب افريقيا وأيرلندا الشمالية ورواندا وكمبوديا واندونيسيا وأفغانستان وكولومبيا وليبيريا نالت كفايتها من الصراعات والعنف. بحسب رويترز.

وركز التقرير على خمس خطوات عملية استخدمتها عدة دول لربط اجراءات البناء السريع للثقة بتحولات للمدى الطويل، وتشمل تلك الخطوات العمل مع مؤسسات المجتمع في مجالات حفظ الامن والتوظيف ومد الخدمات وتوفير فرص العمل عن طريق مشاريع ضخمة للاشغال العامة وبناء برامج لتحقيق الامن والعدل واشراك المرأة في وضع وتنفيذ المشاريع ومعالجة الفساد، وخلص البنك الدولي الى أن أكثر من 1.5 مليار نسمة يعيشون في بلدان متأثرة بالصراعات والعنف في أنحاء العالم وهو ما يفرض تحديا تنمويا ضخما أمام الحكومات والمجتمع الدولي، وللصراعات تداعياتها المدمرة على الاقتصادات حتى أن أيا من الدول المتأثرة بها لم يفلح حتى الان في تحقيق الاهداف الانمائية للالفية التي تتضمن خفض الفقر الى النصف والقضاء على الجوع في العالم بحلول عام 2015، وبخلاف ما كان سائدا من قبل تميل الصراعات الحديثة لان تكون داخل الدول لا عبر الحدود وقد وجد التقرير أن أكثر من 90 بالمئة مما شهده العقد الاول من القرن الجديد من حروب أهلية وقع في بلدان سبق لها أن شهدت حربا أهلية خلال الثلاثين عاما السابقة.

وتظهر دراسات أجريت في الدول المتأثرة بصراعات أن البطالة كانت السبب الرئيسي وراء انضمام الناس الى العصابات وحركات التمرد في حين كان الفساد والظلم والاقصاء هم المحركات الرئيسية للعنف، وقال التقرير ان البلدان التي تتسم بالضعف في فعالية الحكومة وسيادة القانون والحد من الفساد تزيد بها مخاطر نشوب حرب أهلية بنسبة 30 الى 45 بالمئة كما تزيد بشدة مخاطر التطرف في العنف الاجرامي عن غيرها من البلدان النامية، وفي غضون ذلك يستغرق الامر من 15 الى 30 عاما لبناء دول ومؤسسات أقوى في البلدان الخارجة من صراعات، وقالت كليف انه اذا كان المجتمع الدولي يريد المساعدة في حل الاضطرابات السياسية وغير السياسية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وأمريكا الوسطى وجنوب السودان فان عليه أن يستجيب بسرعة أكبر وأن يطيل أمد مشاركته لمساعدة الحكومات على بناء مؤسسات قوية.

التنمية في العالم 2011

في سياق متصل وبعد ان أعلن البنك الدولي أن هناك نحو 1.5 مليار شخص يعيشون في مناطق تعاني دوامات متكررة من العنف السياسي والإجرامي، لم يفلح حتى الآن أي من البلدان منخفضة الدخل الهشة أو المتأثرة بالصراعات في تحقيق أيٍ من الأهداف الإنمائية للألفية، جاء ذلك في تقرير جديد صدر عن البنك الدولي بعنوان، "تقرير عن التنمية في العالم 2011، الصراع والأمن والتنمية"، ووفقاً لهذا التقرير، فإن "حل المشكلات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعوق التنمية وتدخل الدول الهشة في دوامات لا تنتهي من العنف يتطلب تدعيم المؤسسات الوطنية وتحسين سبل الحكم الرشيد بوسائل تعطي الأولوية لتوفير أمن المواطن والعدالة وفرص العمل"، وقال رئيس البنك الدولي روبرت زوليك "لو أردنا كسر دوامات العنف المفرغة وتقليل الضغوط التي تحركها، فلابد للبلدان أن تنشئ مؤسسات وطنية تتمتع بالمزيد من الشرعية والخضوع للمساءلة، وتكون قادرة على أن توفر أمن المواطن والعدالة وفرص العمل"، ولفت إلى أن "احتمالات إصابة الأطفال الذين يعيشون في دول هشة بسوء التغذية تزيد إلى الضعف، كما تصل احتمالات تسربهم من المدارس إلى ثلاثة أضعافه، ويمكن أن تمتد آثار العنف في منطقة ما إلى الدول المجاورة وإلى غيرها من أنحاء العالم، مما يضر بآفاق التنمية لدى الآخرين ويلبد الآفاق الاقتصادية لمناطق بأكملها".

ويأتي تناول تقرير عن التنمية في العالم هذا العام لقضايا الصراع والأمن والتنمية استجابةً لخطاب كان رئيس البنك الدولي قد ألقاه في عام 2008 أمام المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بعنوان "الدول الهشة، كفالة تحقيق التنمية"، دعا فيه إلى الجمع بين الأمن والتنمية معاً لضمان كسر دوامات حالة الهشاشة والعنف التي تؤثر في أكثر من مليار شخص، وأكد التقرير في الوقت نفسه أن العمل العسكري والإنمائي غالباً ما يسيران على مسارين منفصلين، ويشير إلى أن ما لا يقل عن 1.5 مليار شخص مازالوا متأثرين إما بأحداث عنف جارية أو بما خلفته من آثار، ويظهر التقرير كذلك كيف يتفاقم ما يتسم به القرن الحادي والعشرون من عنف منظم، فيما يبدو، بفعل طائفة من الضغوط المحلية والدولية، كالبطالة بين الشباب، وصدمات الدخل، والتوترات فيما بين المجموعات العرقية أو الدينية، أو الاجتماعية المختلفة، وشبكات الاتجار غير المشروع، وتظهر الدراسات الاستقصائية لآراء المواطنين التي أجراها فريق إعداد التقرير أن البطالة كانت أهم العوامل على الإطلاق التي ذُكرت بوصفها سببا للانضمام للعصابات ولحركات التمرد، وتزداد مخاطر العنف عندما يصاحب شدة الضغوط ضعفُ القدرات أو الافتقار إلى الشرعية لدى المؤسسات الوطنية الأساسية، كما يتبين مما تشهده منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من اضطرابات في الوقت الراهن. بحسب رويترز.

ويبين التقرير أن وجود مؤسسات شرعية قادرة أمر بالغ الأهمية لأنها هي التي تستطيع التوسط في تخفيف الضغوط التي لولاها لأدت إلى موجات متكررة من العنف وعدم الاستقرار، وأوضح التقرير أن أكثر من 90 % مما شهده العقد الأول من القرن الجديد من حروب أهلية وقع في بلدان سبق لها أن شهدت حرباً أهلية خلال الثلاثين عاماً السابقة، وفي أماكن أخرى، كثيراً ما يتقوض ما حققته عمليات السلام من مكاسب بفعل ارتفاع مستويات الجريمة المنظمة، وتتخلف البلدان التي تضرب بها جذور العنف كثيراً عن ركب التنمية، حيث ترتفع معدلات الفقر بالبلدان التي يطول بها أمد العنف بأكثر من 20 نقطة مئوية، في المتوسط، عن غيره، وقال رئيس الخبراء الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاديات التنمية جاستن لين ، إنه "بالرغم من أن معظم دول العالم أحرزت تقدماً سريعاً في تقليص أعداد الفقراء خلال الستين عاماً الماضية، فإن المناطق التي تعاني عدم الاستقرار السياسي والعنف الإجرامي قد تخلفت كثيراً عن الركب، وتواجه حالة من الركود، سواء فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي أو بمؤشرات التنمية البشرية المخيبة للآمال"، ويرى التقرير أن إيقاف دوامات العنف المتكررة يتطلب تعزيز المؤسسات الشرعية القادرة وتحقيق الحكم الرشيد، ولابد في أوضاع العنف والهشاشة، من بذل جهود مدروسة لبناء ائتلافات سياسية " تشمل نطاقاً أوسع من فئات المجتمع" من أجل حشد تأييد وطني أوسع للتغيير، ويُعد بناء الثقة أمراً جوهرياً لتقليل مخاطر الصراع، ويشتمل على إرسال إشارات تنم عن حسن النوايا من خلال تحقيق نتائج مبكرة توحي بالمصداقية، واتخاذ إجراءات تقنع الناس بالالتزام بالتغيير، ومن أهم الدروس المستفادة من تجارب البلدان المختلفة أن التبكير بتحقيق نتيجتين أو ثلاث نتائج ملموسة عادة ما يكفي للبدء في استعادة الثقة.

ويتطلب إحداث تحولات مؤسسية حقيقية وقتاً طويلاً؛ فعادةً ما يستغرق الأمر من 15 إلى 30 عاماً لكي تصبح المؤسسات الوطنية الضعيفة أو غير الشرعية قادرة على الصمود في وجه العنف وعدم الاستقرار، وذلك حسبما يفيد بحث جديد تم إجراؤه خصيصاً من أجل التقرير، وذكر تقرير البنك الدولي أن المجتمعات التي نجحت في الخروج من دوامة العنف مرت كلها بسلسلة من المراحل الانتقالية لإحداث التحول في مؤسساتها السياسية والأمنية والاقتصادية، ونجاح جهود الإصلاح المبكرة يتركز بشكل عام حول تحسين أمن المواطن والعدالة وفرص العمل، وفهم العلاقات المتبادلة (الإيجابية والسلبية بينهما)، ومتى غاب أحد هذه العناصر، يكون التعثر هو مصير عملية التحول، ويطرح التقرير مجموعة من الأدوات التي ثبتت فعاليتها في بلدان قامت بعمليات تحول ناجحة لبناء الثقة بين المواطنين والدولة، وتشمل هذه الأدوات، وضع تدابير لتعزيز الشفافية، وإقرار اعتمادات خاصة بالموازنة من أجل الفئات المحرومة، والقيام بتعيينات جديدة تحظى بالمصداقية في المناصب المهمة، وإزالة القوانين التمييزية، بالإضافة إلى تقديم التزامات ذات مصداقية بأطر زمنية واقعية من أجل الإصلاح في الأمد الأطول، يحدد التقرير أيضاً خمسة برامج عملية على المستوى الوطني للربط بين الإسراع ببناء الثقة وبين التحول المؤسسي الأطول أمداً:

1.مساندة البرامج المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية التي تستهدف منع العنف، وخلق فرص العمل، وتقديم الخدمات، وإتاحة القدرة على تحقيق العدالة المحلية وتسوية المنازعات بالمناطق غير الآمنة.

2.برامج لإحداث تحول في مؤسسات الأمن والعدالة بطرق تركز على الوظائف الأساسية وتدرك الروابط القائمة فيما بين عمل الشرطة، والعدالة المدنية، وشؤون المالية العامة.

3.البرامج الأساسية لخلق فرص العمل، بما في ذلك مشروعات الأشغال العامة الكبيرة والنابعة من احتياجات المجتمعات المحلية التي لا تزاحم القطاع الخاص، وتوفير سبل الحصول على التمويل بغرض الجمع بين المنتجين والأسواق، وتوسيع القدرة على حيازة الممتلكات، واكتساب المهارات وخبرات العمل، والحصول على التمويل.

4.إشراك النساء في برامج الأمن والعدالة والتمكين الاقتصادي، وتطبيق إجراءات تركز على مكافحة الفساد لإظهار أن المبادرات الجديدة يمكن تنظيمها تنظيماً جيداً، بالاستفادة من قدرات المتابعة الخارجية والمتوفرة بالمجتمعات المحلية، وترى المديرة المشاركة والممثلة الخاصة لفريق إعداد تقرير عن التنمية في العالم  ساره كليف ، فقالت إن "القادة الوطنيين والعالميين بحاجة إلى إيجاد سبل أفضل للاستجابة لنداءات شعوبهم بتوفير فرص العمل والعدالة، من شمال أفريقيا إلى كوت ديفوار إلى هايتي، فالنظام الدولي بحاجة إلى إعادة تركيز المساعدة على توفير أمن المواطن والعدالة وفرص العمل في أشد الأوضاع هشاشة، وهذا يتطلب (وفق تقرير البنك الدولي) إصلاح إجراءات الهيئات الدولية، والاستجابة على مستوى إقليمي، وإحياء الجهود التعاونية فيما بين البلدان منخفضة ومتوسطة ومرتفعة الدخل من أجل مساندة النهوض بالعدالة والرخاء الاقتصادي في العالم".

الأهداف الإنمائية للألفية

الى ذلك وعلى الرغم من مرور عقد من الزمن على تبني زعماء العالم للأهداف الإنمائية الثمانية للألفية، إلا أنه لا يوجد إلى الآن إجماع على أثرها في مكافحة الفقر في العالم، فقد اتفق الأكاديميون وصناع السياسات وناشطو المجتمع المدني والعاملون في مجال التنمية الذين اجتمعوا في جوهانسبرج خلال الفترة من 16 إلى 19 يناير في القمة العالمية لمكافحة الفقر على أن الأهداف الإنمائية للألفية قد أحدثت فرقاً، ولكنها لم ترق إلى الأهداف الطموحة الخاصة بالفقر والتعليم والصحة والمساواة بين الجنسين والشراكة العالمية التي التزمت بتحقيقها 189 دولة بحلول عام 2015، ويأوي ما يقدر بنحو مليار شخص في جميع أنحاء العالم إلى فراشهم وهم جوعى، بينما يُعتقد أن ما بين 1.5 إلى 2 مليار شخص يعانون من الفقر، ويستمر فيروس نقص المناعة البشري في حصد أرواح الآلاف كل يوم في الوقت الذي لم يطرأ سوى تحسن طفيف على معدلات وفيات الأطفال والوفيات النفاسية، في الوقت ذاته، اتسعت دائرة عدم المساواة بين الدول وتراجعت مستويات المساعدات الأجنبية خلال العامين الماضيين للأزمة المالية العالمية. بحسب ايرين.

ولكن هذه النظرة تمثل نصف الكوب الفارغ، أما ديفيد هولم، المدير التنفيذي لمعهد بروكس لمكافحة الفقر في العالم التابع لجامعة مانشستر الذي قام بتنظيم القمة، فيتبنى وجهة نظر نصف الكوب الممتلئ، ويرى هولم أنه إذا قامت الدول والمجتمع الدولي بتسريع جهود التنمية خلال السنوات الخمس القادمة فإن الكوب قد يمتلئ إلى ثلاثة أرباعه بحلول عام 2015، وأخبر هولم الصحفيين في 19 يناير أن "اعتبار الأهداف الإنمائية للألفية فكرة فاشلة هو بالتأكيد أمر خطأ إذ تم إحراز بعض التقدم"، فقد تم تحقيق مكاسب على المستوى العالمي خلال العقد الماضي في مجال الحد من الفقر ورفع متوسط العمر المتوقع وتحسين التعليم على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كنا نستطيع أن نعزي هذه المكاسب إلى الأهداف الإنمائية للألفية أو للنمو الاقتصادي الضخم في دول مثل الصين والهند، مع ذلك، لم يتم الوفاء بعدد من الوعود التي قطعتها الدول النامية والمتقدمة لخفض الفقر في الوقت الذي تتسم فيه آليات محاسبة الزعماء بالضعف. وعلق هولم والعديد من المتحدثين الآخرين على الإفراط في التركيز على دور المعونة كمحرك للتنمية، وأخبر هولم المشاركين أن "هناك حاجة للتركيز على أهداف التنمية الوطنية ودعم الحكومات لخفض الفقر، ليس فقط من خلال التمويل وإنما من خلال تبادل المعرفة كذلك".بدوره، وصف سكيكو فوكودو، من جامعة نيو سكول في نيويورك، الأهداف الإنمائية بأنها أداة قيمة لجذب الانتباه للأولويات مثل الحاجة إلى التحول الهيكلي وخلق الوظائف وتضييق هوة عدم المساواة المستمرة في الاتساع.

من جهتها، أكدت صوفي هارمان من جامعة سيتي بلندن أنه على الرغم من أن وضع الأهداف كان مهماً، إلا أن "بعض الأشياء لا يمكن قياسها"، فعلى سبيل المثال، لا يمكن تحقيق الهدف الخاص بالمساواة بين الجنسين بمجرد حصر أعداد تعيينات الإناث في منظمة م، ومع بقاء أربعة أعوام فقط للوصول إلى العام 2015، قال هولم أن الوقت قد حان لبدء مناقشات حول الشكل الذي قد تأخذه مجموعة جديدة من الأهداف، وأضاف أن "الأهداف الإنمائية للألفية هي مجرد الحد الأدنى، نحن بحاجة إلى وسيلة أخرى للعقد المقبل مع طموحات أكبر"، وقد دعا الوفود في بيانهم إلى عملية لتحديد أهداف ما بعد عام 2015 بقيادة الأمم المتحدة ومشاركة المجتمع المدني والحكومات والفقراء أنفسهم، وقال فوكودو أنه لابد أن تعكس الأهداف الجديدة الاهتمامات العالمية التي ظهرت خلال العقد الماضي مثل تغير المناخ وتصحح العناصر المفقودة من الأهداف السابقة كآليات محاسبة الحكومات على سبيل المثال، وفي حديثه على هامش القمة، قال هولم أن الأهداف الإنمائية للألفية لم تُغير بصورة جذرية طريقة تفكير الناس في الفقر كسمة لا مفر منها في العالم، مضيفاً أن هناك حاجة إلى دعوة عالمية للعمل على تغيير مثل هذا التفكير، وقال هولم أن "العمل الخيري سيساعد، ولكن على الحكومات الوطنية أن تقوم به".

دول فقيرة تتقدم أسرع من الغنية

من جهته قال برنامج التنمية الصادر عن الامم المتحدة إن عددا من البلدان الأشد فقرا في العالم تحرز تقدما هو الأسرع في مجال تحسين نوعية الحياة لمواطنيه، واضاف أن مقياس الأمم المتحدة السنوي للتنمية البشرية يشير أيضا إلى أن عمليات الاغاثة والتقدم في مجالات الصحة والتعليم، هي المجالات التي حصلت على أكبر اهتمام من جانب هذه البلدان، وكانت الأمم المتحدة قد بدأت العمل بهذا المقياس قبل خمسة وعشرين عاما لقياس مؤشرات التقدم في مستوى الحياة في دول العالم المختلفة، بما فيها مجالات الخدمات العامة والحقوق مثلالاتصالات والحريات السياسية والمساواة بين الجنسين والتعليم وما يحصل عليه الأفراد من دخول، وطبقا لهذا المقياس وجد أن سكان بلد فقير مثل بنجلاديش أصبحوا اكثر تقدما من سكان بلد أغنى نسبيا مثل الهند، إلا أن الفجوة لاتزال واسعة بين دول العالم المتقدمة والمتخلفة.فقد تربعت النرويج على القمة، حيث يبلغ متوسط عمر الفرد 81 عاما، ويبلغ متوسط دخل الفرد 58 ألف دولار سنوي، وجاء ترتيب زيمبابوي في ذيل القائمة حيث يبلغ متوسط عمر الفرد 47 عاما، ومتوسط الدخل 176 دولار سنويا.

من جهة اخرى اكد تقرير صادر عن مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية (اونكتاد) ا ان اقتصادات الدول النامية وتلك التي تمر بمرحلة انتقالية كانت مصدر معظم الاستثمارات العالمية الاجنبية المباشرة في العام الماضي، واضاف مدير قسم الاستثمار والشركات في (اونكتاد) جيمس زان في مؤتمر صحفي ان تقرير توجهات الاستثمارات الاجنبية المباشرة عن العام الماضي اوضح ان 70 في المئة من استثمارات تلك الدول تتدفق الى الاقتصادات الناشئة الاخرى، وأوضح ان ارتفاع تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر العالمي في العام الماضي الى ما يقدر بنحو 1346 مليار دولار مقارنة مع 1189 مليار دولار في عام 2009 لتحصل دول الجنوب للمرة الاولى على نسبة اعلى من الاستثمارات مقارنة مع الدول الصناعية الكبرى، وسجل التقرير ايضا ارتفاع تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر من البلدان النامية بنحو 316 مليار دولار في عام 2010 بزيادة نسبتها 23 في المئة مما كانت عليه في عام 2009، بينما ارتفع الاستثمار الاجنبي المباشر الصادر من جنوب وشرق وجنوب شرق آسيا الى اكثر من 20 في المئة في عام 2010 لاسيما من هونغ كونغ والصين وكوريا وتايوان وماليزيا حيث ارتفعت الاستثمارات في الاخيرتين بنسبة 90 و65 في المئة في كل منهما على الترتيب، وارتفعت التدفقات الخارجة من هونغ كونغ والصين الى اعلى مستوياتها التاريخية بواقع 76 مليار دولار و68 مليار دولار لكل منهما على الترتيب وهما اكبر مصادر الاستثمار الاجنبي المباشر.

واوضح زان "ان تلك النتائج تعكس ارتفاعا في ارباح الشركات وتدويلا متزايدا في انشطة الشركات عبر الوطنية"، وأكد ان الاحصائيات اظهرت تأثير الازمة المالية على الشركات في ترشيد نفقاتها وزيادة الكفاءة عن طريق نقل الوظائف الى الجنوب حيث انخفاض التكاليف، ولفت الى ان تلك النتائج توضح ايضا ان اقتصادات دول الشمال لا تزال تعاني من تبعات الازمة المالية العالمية في حين تمكنت اقتصادات دول الجنوب من تجاوز تلك الازمة بوتيرة اسرع، في الوقت ذاته رصد التقرير كذلك ارتفاع تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر خلال عام 2010 من البلدان المتقدمة الى 970 مليار دولار بزيادة نسبتها 10 في المئة مقارنة بالعام 2009، لكنه اشار الى ان كل تلك المعدلات لا تزال اقل بنسبة 40 في المئة عن مستوى الذروة المسجل في عام 2007 قبل اندلاع الازمة المالية اذ لم ترتفع نسبة الاستثمارات الاجنبية المباشرة في اوروبا سوى بنسبة 8ر3 في المئة فقط خلال العام الماضي. بحسب ايرين.

وتوقع (اونكتاد) ان تؤدي تلك النتائج الى تعزيز الانتعاش الاقتصادي عالميا مع ارتفاع في مؤشرات اسواق الاسهم بسبب انتعاش ارباح الشركات الدولية بالاضافة الى تواصل تدفقات الاستثمار الاجنبي المباشر في هذا العام، واكد التقرير ان عملية اعادة هيكلة الشركات الصناعية وبدء موجة جديدة من الخصخصة في بعض البلدان تزامن مع "خزائن فارغة" في بعض الدول في اعقاب الازمة ما خلق فرصا استثمارية جديدة للشركات والمستثمرين من البلدان النامية، ورأى زان ان الاقتصادات الناشئة لا سيما البرازيل والصين والهند وروسيا "اكتسبت ارضية قوية كمصادر للاستثمار الأجنبي المباشر في السنوات الاخيرة"، واوضح التقرير ان تركيا على سبيل المثال نجحت في زيادة نسبة الاستثمارات الاجنبية لديها بنسبة 15 في المئة.

مساواة بين الجنسين

على صعيد اخر أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا تقريره السنوي حول المساواة بين الجنسين في العالم، وتقدمت الدول الإسكندنافية تصنيف الدول حيث حلت أيسلندا في المرتبة الأولى تلتها النرويج وفنلندا والسويد، وفي العالم العربي، حصلت الإمارات العربية المتحدة على المرتبة المائة وثلاثة لتكون أول دولة عربية فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، وجاءت كل من باكستان وتشاد واليمن في آخر الترتيب الذي تكون من 134 دولة، كما أشاد التقرير، الذي يدرس المساواة في الدخول، والمصادر والفرص ما بين الجنسين، بالتقدم الذي حققته كل من الفلبين في آسيا وليستاوا في أفريقيا حيث جاءتا بين العشر الأوئل في التقرير، وفيما تقدمت الولايات المتحدة إلى المركز التاسع عشر بعد أن كانت في المركز 31 العام الماضي، تراجعت فرنسا 25 مرتبة إلى المركز 46، وذلك بسبب الأداء الضعيف لتمكين المرأة سياسياً، حسبما أورد التقرير.

وشهد التقرير تراجعاً لدى الدول الاقتصادية الكبرى، فاليابان جاءت في المرتبة 94، والصين 64، وبقيت بريطانيا دون تغيير في المرتبة الـ 15، وتراجعت ألمانيا للسنة الخامسة على التوالي لتصل إلى المرتبة 13، وقال التقرير ان ايسلندا حققت هذه المرتبة "بسبب زيادة في عدد الوزيرات، واقترابها من برلمان متوازن بين الجنسين، ووجود رئيسة وزراء"، وأضاف التقرير أن العيب الوحيد هو وجود "فوراق كبيرة بين رواتب الرجال والنساء"، وقال تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن تقليص الفجوة بين الذكور والإناث في العمل كان "دافعا هاما للنمو الاقتصادي الأوروبي في العقد الماضي"، وأن بذل المزيد من الجهود يمكن أن يساعد الدول النامية أيضاً، كما أن هذا قد يساعد في معالجة شيخوخة السكان وتزايد أعباء المعاشات التقاعدية، وقال التقرير أن الدراسة أظهرت أن للمرأة قد تكون من بين العوامل الدافعة للنمو في مرحلة ما بعد الأزمات، حيث أن تأثير تزايد المساواة بين الجنسين، وتصاعد الطبقة الوسطى، وأولويات الإنفاق لدى المرأة، يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات ادخار الأسر، وتحول أنماط الإنفاق، فتستفيد منها قطاعات مثل الغذاء، والرعاية الصحية، والتعليم، ورعاية الأطفال، والخدمات المالية، لا سيما في الأسواق الناشئة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/آيار/2011 - 8/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م