شبكة النبأ: قال الدكتور خالد عليوي
العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية أن المرجع
الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي اكد على ان أصالة
الطرح لا تمنع الأخذ بعصرية المظهر والسلوك من خلال الاستفادة من احدث
ما وصل إليه الأخر علما وتنظيما، لكن نهوض الأمة من حالة التخلف لا
يكون من خلال الاعتماد على الآخر والأخذ منه بل يجب استيعاب كامل عناصر
القوة والقدرة الذاتية للأمة المتمثلة بالإسلام.. وذلك عبر إسلامية
المنطلق فالإسلام عنده سيوفر للأمة الإيمان والرخاء والسعادة ويظهر
الكفاءات وينميها ويكون أسلوب الحكم فيه حكما بالتساوي بين الناس دون
مراعاة طبقية أو قومية أو عرقية أو ما أشبه، ويكون حكما بالاستشارة دون
استبداد وإلجاء وإكراه.
جاء ذلك في محاضرة القاها الدكتور العرداوي تحت عنوان (من أساليب
نشر الوعي الإسلامي: الإمام الشيرازي نموذجا) في يوم الأربعاء الموافق
4/5/2011 وذلك في منتدى أهل البيت الثقافي في كربلاء المقدسة.
بدأ الدكتور العرداوي محاضرته بحمد الله والثناء عليه سبحانه
وتعالى، وبالصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وآله وعلى أهل بيته
الأخيار صلوات الله عليهم أجمعين، ثم شكر الأخوة المؤسسين للمنتدى
مباركا لهم هذه الخطوة الحسنة على طريق تنشيط الوعي المعرفي والثقافي
في العراق عموما وفي كربلاء المقدسة بوجه خاص، كما رحب برواد المنتدى
وهم نخبة من أعيان ومثقفي وأكاديمي المدينة متمنيا لهم طيب الاستماع
والفائدة، ومضى بعد ذلك في محاضرته قائلا: لقد شرفتني وآنستني الدعوة
الكريمة التي وجهها لي السيد فاضل آل تاجر مؤسس المنتدى لإلقاء محاضرة
عن سماحة المرجع المرحوم السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف)،
وقد كانت النية أن يكون محورها (الإمام الشيرازي: حياته وفكره)، ولا
اخفي عليكم حقيقة أني كنت في حيرة من كيفية اختزال وتبويب محتواها، إذ
من أين ألج إلى هذا البحر العميق المترامي الأطراف: علما وأدبا، جهادا
ونضالا، إخلاصا وتفانيا، لاسيما أن مشاربه الفكرية كثيرة وتفرعاتها
أكثر منها، كيف لا وقد حيرت شخصية الشيرازي كل من حاول تتبع نتاجاتها
الفكرية بحكم كثرتها حتى قال عنها البعض أنها تجاوزت 1565 مؤلف، ولا
غرابة في ذلك وقد سمي نابغة الزمان، وسلطان المؤلفين، ونادرة التأليف،
لكن حيرتي خفت بعد أن تغير عنوان المحاضرة لتكون (من أساليب نشر الوعي
الاسلامي: الإمام الشيرازي نموذجا) وللضرورة المنهجية تم تقسيم الموضوع
إلى محورين: الأول عن الإمام الشيرازي: نسبا وانتماءا فكريا ومنهجا،
والآخر عن رؤية الإمام الشيرازي في نشر الوعي الاسلامي.
المحور الأول: الشيرازي: نسبا، وانتماءا فكريا، ومنهجا.
أولا: نسب الامام الشيرازي.
ولد السيد الشيرازي في النجف الاشرف عام 1928 وانتقل مع والده إلى
كربلاء المقدسة عام 1937 واضطره استبداد السلطة إلى الهجرة إلى سوريا
متخفيا عام 1970 وتنقل بينها وبين بيروت والكويت ليستقر في إيران عام
1979 حتى وافاه الأجل عام 2001، والشيرازي هو السيد محمد بن الميرزا
مهدي بن الميرزا حبيب الله بن الميرزا آغابزرك بن الميرزا محمد بن
الميرزا إسماعيل بن السيد فتح الله بن السيد عابد بن السيد لطف الله بن
السيد محمد مؤمن الحسيني، وينتهي نسب هذه العائلة إلى زيد الشهيد بن
الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام،
وأمه هي السيدة حليمة بنت السيد عبد الصاحب بن آغابزرك حفيد المجدد
الكبير محمد حسن الشيرازي، وقد عرفت هذه الأسرة في مدينة شيراز
الإيرانية مطلع القرن الثالث عشر الهجري، وأول من هاجر من هذه الأسرة
إلى العراق قاصدا حوزاته العلمية هو السيد محمد حسن الشيرازي وذلك في
عام 1849 وسكن كربلاء المقدسة ثم النجف الاشرف إلى أن استقر في سامراء،
والأسرة الشيرازية أسرة علمية عريقة برز منها الكثير من رجالات العلم
منهم على سبيل المثال: مهدي الشيرازي، محمد حسن الشيرازي، محمد تقي
الشيرازي، عبد الهادي الشيرازي، حسن الشيرازي، صادق الشيرازي، وآخرون.
ثانيا: انتماءه الفكري
واضاف العرداوي: ينتمي السيد الشيرازي فكريا إلى الجيل اللاحق
لمدرسة رواد النهضة الحديثة في عالمنا العربي والإسلامي التي كان من
ابرز رجالها رفاعة رافع الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده
ومحمد رشيد رضا.. تلك المدرسة التي حاولت مقاربة نمط التفكير والحياة
الغربية إلى الإسلام قبل أن تصدمها بشاعة الفعل الغربي احتلالا وتقسيما
ونهبا لبلاد المسلمين، لذا يأتي الشيرازي ليخرج من هذه المقاربة وليطرح
الإسلام بديلا عن كل ذلك وليؤكد أن أصالة الطرح لا تمنع الأخذ بعصرية
المظهر والسلوك من خلال الاستفادة من احدث ما وصل إليه الأخر علما
وتنظيما، لكن نهوض الأمة من حالة التخلف لا يكون من خلال الاعتماد على
الآخر والأخذ منه بل يجب استيعاب كامل عناصر القوة والقدرة الذاتية
للأمة المتمثلة بالإسلام..
ثالثا: منهجية الشيرازي
ونقصد بالمنهجية تحديد طريقة تفكير الكاتب لمعرفة النسق العام الذي
ينسج على أساسه فكره، وعند تحليل كتابات السيد الشيرازي نجدها تتمحور
حول الثوابت المنهجية الثلاث الآتية:
- إسلامية المنطلق أي أن الشيرازي يجعل الإسلام والإسلام فقط شعارا
هاديا ومرشدا لكتاباته، فالإسلام عنده سيوفر للأمة الإيمان والرخاء
والسعادة ويظهر الكفاءات وينميها ويكون أسلوب الحكم فيه حكما بالتساوي
بين الناس دون مراعاة طبقية أو قومية أو عرقية أو ما أشبه، ويكون حكما
بالاستشارة دون استبداد وإلجاء وإكراه.
- تنوع الإنتاج الفكري ووحدة الهدف = إقامة دولة الإسلام الواحدة في
جميع أرجاء العالم
- الانطلاق من الواقع لبناء المثال = إدراك طبيعة الواقع الاسلامي
وما فيه من مساوئ ويطالب بعدم الخضوع لهذا الواقع بل يجب تجاوز أحكامه
التي تحركها الميول والأطماع البشرية من خلال الاحتكام لقواعد عادلة
عالمة مصدرها الشرع الإلهي. ومثل هذه الأحكام تحققت سابقا فعم الخير
على الناس من خلال تجربة الحكم في ظل دولة الرسول صلى الله عليه وآله
ودولة خليفته الشرعي الإمام علي عليه السلام
المحور الثاني: رؤية الامام الشيرازي في نشر الوعي الاسلامي.
واكد العرداوي على اهتمام الإمام الشيرازي كثيرا بقضية نشر الوعي
الاسلامي داخل وخارج العالم الاسلامي من خلال تأكيده على جملة من
الأساليب ذكر منها ما يلي:
أولا: الاهتمام بسيرة الرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين
والتعريف بهذه السيرة بين جمهور المسلمين وغير المسلمين لأنه كان يعتقد
بأن (نشر الوعي وتعميم ثقافة الرسول صلى الله عليه وآله، وأهل بيته
عليهم السلام عبر الخطابة والتأليف يعد من أعظم الخدمات التي يقدمها
الإنسان للمجتمع البشري، فكان السيد الشيرازي دائم المطالعة والعكوف
على المصادر الأصلية التي تعرضت لهذه السيرة العطرة، وكل كتاب يحتمل
تعرضه لذكر شيء من مناقب النبي ص وأهل بيته الطاهرين.
ثانيا: إعداد المبلغين المؤهلين لحمل الرسالة ونشرها من خلال
اتصافهم بالسمات الآتية:
- تشويق الناس لاسيما الشباب منهم لطلب العلم وحمل الرسالة.
- معاشرة الناس بالمعروف والمشاركة في أفراحهم وأحزانهم.
- تشمير السواعد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- التعاون في الخير والبعد عن الأنانية.
- الوقار والهيبة في القول والعمل.
- احترام الضيوف سواء كانوا ضيوف الطعام والمنام أم ضيوف اللقاء
والكلام.
- الاقتصاد في الإنفاق.
- معرفة المنطق الحاضر ومخاطبة الناس على قدر عقولهم.
- الحرص على تقليل حدة الأعداء وتوترهم وتقليل أعدادهم قدر الإمكان.
- ارتفاع المستوى العلمي.
- بناء جسور الثقة مع الناس.
- صلة الرحم مع الأقارب.
- تكوين الحاشية الطيبة.
- نقد النفس.
- حل مشاكل الناس.
- هداية المنحرفين.
- إحياء تعاليم القرآن.
- التمسك بمنهج اللاعنف مع الجميع.
ثالثا: تكوين المؤسسات الإسلامية.
ويرى العرداوي ان السيد الشيرازي يعد من أكثر الداعين إلى مأسسة
الحياة الإسلامية من خلال تأسيس المؤسسات وتكثيرها وفي مختلف مجالات
الحياة الإسلامية كمؤسسات تزويج العزاب، ورعاية الأرامل والفقراء،
وصولا إلى طرحه فكرة إنشاء تنظيم عالمي لنشر الإسلام وبناء الدولة
الإسلامية، وفلسفة إنشاء المؤسسات لديه تنطلق من كونها تحمل فوائد جمة
مثل: التفاف الناس حول الدين، وقضاء حوائجهم، وحكومة تعاليم الإسلام في
المجتمع، كما أن المؤسسات الإسلامية كلما توسعت تقلصت المؤسسات غير
الإسلامية سواء كانت مؤسسات ضد الإسلام كمؤسسات التبشير أو مؤسسات
حيادية.
رابعا: نشر الثقافة الإسلامية من خلال:
- تبسيط الثقافة الإسلامية كي يتمكن المسلم من الأخذ بها والاغتراف
من أعماقها بدلا من الوقوف على الشاطئ ذلك الوقوف الذي سبب الحيرة
والجهل وصولا إلى الارتياب ومن ثم العبودية للسلطات الجائرة.
- إنشاء المكتبات الإسلامية في كل مكان: المسجد، المدرسة، الدكان،
النادي، المواصلات، عيادات الأطباء، والمقاهي..
- تأسيس مدارس وكليات وجامعات ومعاهد تعليمية دينية.
- إرسال الوفود والحركات الإسلامية في العالم الاسلامي وخارجه (حركة
التبليغ السيار في القرى والأرياف العراقية نموذجا).
- الخطابة.
- اللقاء بالمسئولين وحثهم على الحكم والعمل بتعاليم الإسلام (التقى
الشيرازي نفسه بأغلب المسئولين في العراق).
- تأليف الكتب الإسلامية وتوزيعها ليصل الأمر إلى امتلاك كل مسلم
على الأقل كتابا صحيح حول الإسلام.
- إصدار المجلات الإسلامية.
وختم الدكتور العرداوي محاضرته بالقول:
هذه هي باختصار بعض أساليب نشر الوعي الاسلامي وفقا للسيد الشيرازي،
والتي نجد انه في حالة الأخذ بها أو بجزء منها ستتحقق ثورة معرفية
لصالح الإسلام من خلال استنهاض المسلمين والتفافهم حول عنوان عزتهم
وكرامتهم دينهم الذي لا غنى ولا قيام لهم بدونه، فإذا كانت الحياة
قوامها أركان ثلاث: الرسالة، والرسول، والمرسل إليه، والجميع متفقون
على أن مشكلتنا الحاضرة ليست بالرسالة والرسول صلى الله عليه وآله، بل
هي بالمرسل إليه الذي لم يستوعب الرسالة ولم يعمل استنادا إلى هديها
وأحكامها، فلا أذن من سبل جديدة في التثوير المعرفي والثقافي تخرج
المسلمين من غفلتهم وأزمتهم التي يحيون فيها. |