الشعب و البرلمان والتعديلات الدستورية

القاضي سالم روضان الموسوي

حينما ظهر دستور العراق عام 2005 وضع من كتبه نصا في المادة (142) تلزم مجلس النواب (البرلمان) بإعادة النظر في بعض مواده أو تدارك النقص الذي سيرد فيه لقناعتهم بأنه كتب على عجل ولم يكن يلبي طموح الشعب وانه نتاج لتوافق سياسي وليس لإرادة شعبية.

ومنذ ذلك الحين وحتى الآن لم تصدر التعديلات الدستورية ولم يتفق عليها وما زالت محل جذب وشد بين الفرقاء السياسيين على الرغم من المشاكل الدستورية التي ظهرت من خلال التطبيق والأزمات السياسية التي خلقها غموض النص أو قصوره عن إعطاء صورة واضحة للفكرة أو المبدأ الدستوري الذي يعبر عن إرادة الأمة.

والشواهد كثيرة على الاعتراضات التي طالت قرارات المحكمة الاتحادية العليا عند تفسيرها للنصوص الدستورية وكانت هذه ألازمات تنزلق بالعراق إلى هاوية الردى. ومن فوائد هذه الاعتراضات وتعدد التفسير للنص الواحد أظهرت مواطن الخلل في النصوص الدستورية أو النقص الذي لابد من تداركه، ومع كل ذلك نجد إن تلك التعديلات يتعامل معها الفرقاء بشكل موسمي عندما يسعى بعضهم لإسقاط أو النيل من البعض الآخر، والمراقب للعمل البرلماني لا يجد أدنى اهتمام بتلك التعديلات الدستورية فالجميع منشغل بترتيب بيته الحزبي أو الطائفي وما زال معظمهم غير متجانسين في الأفكار وفي الأداء وهذا الوضع الراهن للتعديلات الدستورية يقودنا إلى التساؤل هل إن الدستور يكتبه الشعب أم البرلمان ؟

 فإذا الشعب يكتبه لابد وان يكون له القول الفصل في التعديلات، أما إذا البرلمان (مجلس النواب) هو من يكتب الدستور فالأمر له بعد آخر، ولوضوح الرؤيا لابد وان تقف عند النظريات التي كتبها فقهاء القانون الدستوري عندما ذكروا عدد من الطرق التي يكتب بها الدستور وعلى ثلاث وسائل:-

1. دستور المنحة ينشأ بالإرادة المنفردة للحاكم.

2. دستور العقد تلتقي فيه إرادتي الشعب والحاكم ويكون وليد اتفاق أرادتين

3. دستور الشعب

أما طرق كتابة الدستور فهي إما عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة تفوض من قبل الشعب أو عن طريق الاستفتاء بإشراك الشعب نفسه مباشرة في إقرار بنود الدستور وأحكامه ولاستحالة أن يضع الشعب مسودة مشروع الدستور فغالبا تقوم بذلك قيادات المجتمع ليعرض على الشعب للإجازة أو الرفض، ودستور العراق لعام 2005 كتبه أعضاء الجمعية الوطنية ولم يكتبه الشعب وإنما كان دور الشعب في قبوله بالاستفتاء عليه والقبول نسبي وليس كلي كما إن الشعب قبله بالإجمال وليس على كل فقرة من فقراته.

وهذا يدل على أن الدستور العراقي الحالي لا يمكن وصفه بأنه يعبر عن إرادة الشعب العراقي وإنما عبر عن إرادة الفرقاء السياسيين الذين تزاحموا على النقاط الخلافية، وبما إن الباب مازال مفتوح لتدارك ما فات من نقص ومواد بالتعامل مع التعديلات الدستورية وجعل هذه التعديلات يكتبها الشعب وليس الفرقاء السياسيين من خلال تشكيل لجنة التعديلات الدستورية بأسلوب آخر غير الطريقة الحالية التي تشكل اللجنة من بين أعضاء البرلمان (مجلس النواب) لان أعضاء مجلس النواب (البرلمان) انتخبهم الشعب لأداء دور التشريع الوطني (القوانين) ودور رقابي وهذان لا يمثلان اختيار لكتابة الدستور لان التعديل الدستوري هو كتابة جديد للنص الدستوري أو إضافة نص جديدة ولا يخفى عن الفرق بين من يشرع قانون وطني وبين من يكتب الدستور والفرق في عدة صور منها صياغة الأفكار وعرضها وتأطيرها وصبها في قوالب دستورية تشكل مبادئ واضحة وتتمتع بالجزالة في اللفظ واختيار الكلمة التي تشكل المعنى الذي يهدف إليه النص وهذه المواصفات لا يتوفر عليها عضو البرلمان (مجلس النواب) وإنما تحتاج إلى أصحاب اختصاص في الفقه الدستوري وعلم الاجتماع والشريعة واللغة والإعلام وفن الصياغة وغيرها، لان هذه الهيئة أو اللجنة التي ستكتب التعديلات الدستورية يسميها بعض فقهاء الدستور بالسلطة الدستورية وظهرت هذه النظرية في أمريكا الشمالية أولاً ومن ثم في فرنسا ويقول احد الكتاب في الفقه الدستوري AbbéSieyès السلطة الدستورية ليست مفهوماً من القانون الوضعي، لكن هذا لا يعني بالضرورة بأنه ليس لها وظيفة قانونية؛ ليس كذلك فحسب بل لا يمكن الاستغناء عنها أيضاً إذ أن تلك السلطة الدستورية تأتي قبل الدستور بغض النظر عن الشكل الذي سيلبسه عند تبنيه وتكون على نوعين:

السلطة الدستورية التأسيسية وهي التي تتولى تحضير وصياغة وتبني الدستور في حال وجود فراغ دستوري.

السلطة الدستورية التعديلية وهي التي تتولى تعديل الدستور بحسب الإجراءات التي يحددها الدستور نفسه ومنها تستمد شرعيتها، تلك الإجراءات قد تختلف من بلد إلى آخر إلا أنها تشترك في كونها تحدد تلك الإجراءات بطريقة دقيقة لتجنب الغموض في عملية التعديل.

 ومن تلك الأهمية القصوى في تشكيل لجنة التعديلات الدستورية فلا مناص من توفرها على عناصر تمثل الشعب وتعبر به بعيدا عن الحزبية الضيقة، ولتحقيق هذا المطلب اقترح أن يتم اختيار أعضاء لجنة خبراء لتقديم مقترحات التعديلات الدستورية من الشعب بالمباشر وليس من بين أعضاء مجلس النواب ولم أجد في الدستور ما يمنع ذلك أو يقف حائلا دونه لان نص المادة (142) من دستور العراق لعام 2005 عندما أشارت إلى لجنة التعديلات الدستورية حددت مهامها بتقديم تقرير بمقترحات التعديل الدستوري ولم تمنع لن يستعان بالخبراء لذلك وخوفا من سوء اختيار لجنة الخبراء بدخولها في منظومة المحاصة المقيتة وتحسبا لذلك أرى أن يتم تشكيل هذه اللجنة على وفق الآتي:-

1. يتم انتخابهم من الشعب بالمباشر بمنح كل محافظة عدد من المقاعد في اللجنة على وفق النسبة السكانية مع مراعاة تمثيل الأطياف والطوائف للخصوصية التي يتمتع بها معتنقي تلك الطوائف.

2. أن يكون عدد الأعضاء لا يتجاوز 10% من عدد أعضاء مجلس النواب لضمان سرعة الإنجاز.

3. أن يكون المرشح حاصل على التحصيل الجامعي الأولي على الأقل.

4. أن لا يتمتع العضو المنتخب بأي امتياز مالي أو وظيفي أو اعتباري. وذلك لضمان وصول أشخاص لديهم الرغبة الصادقة لخدمة الشعب لان وجود الامتياز والمنح والعطايا سيجعل المنافسة للحصول على الغنيمة وليس الخدمة العامة.

5. كل عضو ينتخب إذا كان موظف ويشغل وظيفة في سلطة تشريعية، تنفيذية أو قضائية يمنح إجازة براتب من وظيفته إذا شاء أن التفرغ وان لم يرغب بذلك يبقى في وظيفته ودون أي زيادة في المخصصات أو حتى في أي امتياز مهما كان بسيط

6. كل عضو ينتخب ولم يكن موظف حكومي أولم يكن يتقاضى راتبا من الدولة فلا يستحق أي مكافأة مالية عن عمله لأنه تطوعي ومن لا يرغب في خدمته شعبه إلا بمقابل من المال لا أظن فيه الأمانة في حفظ حقوق الشعب وبذلك نكون قد أبعدنا لجنة التعديلات الدستورية عن الانتهازيين الذين يقتنصون الفرص والمغانم.

7. تحدد فترة زمنية لإكمال اللجنة لإعمالها.

8. ثم تقدم هذه التعديلات إلى اللجنة البرلمانية لتأخذ طريقها الى النفاذ على وفق الآليات الدستورية التي رسمها الدستور.

ومن عرض المقترح أرى بان هذه الوسيلة ستقربنا كثيرا من عبارة (الشعب يكتب الدستور) والدستور دستور الشعب وكذلك من المبدأ الدستوري (الشعب مصدر السلطات) وسيجنب أعضاء مجلس النواب الحرج الحزبي أو الطائفي كما سيجنب الشعب مآسي سطوة المنافع الحزبية والطائفية. وأضع هذا الرأي أمام الشعب والعقلاء من أهل الحل والعقد لعل الله يبعث الحياة في الضمائر الميتة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/آيار/2011 - 7/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م