شبكة النبأ: بعد مرور ما يقرب من عشر
سنوات على هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وعام من اليوم الذي كان سيحدث فيه
التفجير في "تايمز سكوير"، وهي المحاولة الإرهابية الأخيرة في مدينة
نيويورك، قتلت "القوات الخاصة الأمريكية" زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة
بن لادن في ملاذه الآمن في باكستان، على بعد حوالي 40 ميلاً شمال إسلام
أباد. وقد سارع الكثير من النقاد إلى القول بأن بن لادن لم يكن سوى
رئيساً صورياً لـ تنظيم «القاعدة» منذ فترة طويلة، ورفضوا موته
باعتباره ليس أكثر من نصر معنوي.
وفي الحقيقة فإنه رغم أن بن لادن قد لعب دوراً ضعيفاً، هذا إن كان
قد أدى أي دور عملياتي على مدى السنوات القليلة الماضية، إلا أنه كان
واجهة المنظمة وصوت رسالتها وأيديولوجيتها المتطرفة. ومن ثم فإن قتله
يمكن أن يمثل نقطة تحول في صراع عالمي ضد الإرهاب استمر عقداً من الزمن،
بحسب ما يرى ماثيو ليفيت مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة
الإرهاب في معهد واشنطن.
حيث يقول ليفيت، على المدى القريب يوفر موت بن لادن فرصة لمجنِّدي
الإرهابيين وجامعي التبرعات. وكما حدث بعد موت تشي غيفارا، سيظهر بن
لادن على الملصقات والقمصان من نوع "تي شرت" لفترة طويلة مقبلة. وكأداة
إعلانية وجامعة للتبرعات فإنه ربما يثبت بأنه فعال في موته كما كان في
حياته، على الأقل على المدى القصير.
لكن موت بن لادن هي ليست مجرد خسارة اسم مشهور بل إنها صفعة قوية
لمعنويات جنود مشاة «القاعدة» واستقرار قيادة «التنظيم» المركزية.
ويتابع، مما لا شك فيه أن نائب بن لادن، الطبيب المصري الذي تحول
إلى إرهابي، أيمن الظواهري، سيخلف المقتول كزعيم تنظيم «القاعدة». لكن
في حين كان بن لادن رمزاً موحِّداً إلا أن الظواهري هو شخصية مثيرة
للخلاف، وربما يعيد صعوده إلى قمة القيادة إلى إضرام نار التوترات
الساخنة بين الأعضاء المصريين واليمنيين وغيرهم في تنظيم «القاعدة»
وكذلك أتباعهم.
ومثل هذه التوترات لها تاريخ طويل داخل المنظمة. فعلى سبيل المثال،
الحسين كيرتشو من أوائل الناشطين في تنظيم «القاعدة» قد أصبح ماراً
بعدما رفض أحد مساعدي بن لادن طلبه بالحصول على خمسمائة دولار لتغطية
نفقات الولادة القيصرية لزوجته. وقد اشتعل غضبه عندما دفع تنظيم «القاعدة»
ثمن سفر مجموعة من المصريين أُرسلوا إلى اليمن لتجديد جوازات سفرهم.
وفي شهادته في وقت لاحق، قال كيرتشو "لو كانت معي بندقية [لكنت قد قتلت
بن لادن] في ذلك الوقت."
وينوه ليفيت، علاوة على ذلك، لا يُعتبر من المبالغة إذا قلنا إن موت
بن لادن في أعقاب "الربيع العربي" يأتي في وقت حساس لـ تنظيم «القاعدة»،
فقد قدمت الثورات في جميع أنحاء المنطقة تحدياً حاداً من نوع خاص
لأيديولوجية الرفض لـ تنظيم «القاعدة» ورؤيته للعالم. ففي غضون أسابيع
نجحت مجموعة من الشبان العرب أن تحقق بصورة سلمية نسبياً ما فشل تنظيم
«القاعدة» وأمثاله في تحقيقه خلال سنوات طويلة من العنف العشوائي.
ومع تخلي بعض مؤيدي تنظيم «القاعدة» الأصليين عن دعمهم لأعمال العنف
التي تقوم بها الجماعة، وحيث لا يتطلع الشرق الأوسط إلى الشبكة
الإرهابية التي لا تقدم أي بديل للوضع الراهن بل يتوق إلى مجئ
الإصلاحيين السياسيين التكنوقراط الذين يعرضون برنامجاً ملموساً لتغيير
قريب المدى، فسيكون لخسارة بن لادن تأثير خاص. وفي الحقيقة وفي
الأسابيع التي سبقت مقتل بن لادن، كشفت دراسة أجراها "مركز پيو للأبحاث"
عن الجماهير المسلمة حول العالم عن وجود دعم ضئيل لزعيم تنظيم «القاعدة».
ومع ذلك وكما يمكن توقعه، ليس الأمر كله وردياً. فعلى الرغم من مقتل
بن لادن إلا أن الجماعات والأتباع والفروع التي أنشأها وألهمها ما تزال
تختار أهدافاً غربية. ففي الأسبوع الماضي ألقت السلطات الألمانية القبض
على ثلاثة يُشتبه في كونهم من نشطاء تنظيم «القاعدة»، والذين قيل أنهم
كانوا في المراحل النهائية للتخطيط لهجمات إرهابية في ألمانيا. وقد
كانت هذه فقط آخر المخططات الدولية لإبراز حقيقة أن التهديد الإرهابي
للغرب ما يزال واضحاً وماثلاً.
ويشير، ليس فقط تنظيم «القاعدة» والفروع المماثلة له مثل "تنظيم «القاعدة»
في شبه الجزيرة العربية"، ولكن أيضاً المنظمات التي تدور في فلكه مثل «عسكر
طيبة» والمتطرفين الناشئين في الداخل الذين استلهموا الرسالة
والأيديولوجية المتطرفة لـ تنظيم «القاعدة»، ما يزالون جميعاً عازمين
وقادرين بدرجات مختلفة على تنفيذ هجمات إرهابية. وسواء كان بن لادن حياً
أم ميتاً فإن بعض هؤلاء الإرهابيين المنظمين والمتطرفين العنيفين
المحليين سوف يستمرون في إظهار العزيمة على اتخاذ خطوات علنية
وعملياتية لتنفيذ أعمال إرهابية. وفي الحقيقة فإن موته ربما يدفع البعض
إلى حافة الراديكالية ويحشد آخرين، الذين هم متطرفين بالفعل، لتنفيذ
مخططات إرهابية. لكن ثمة حقيقة أيضاً هي أن العمليات الاستخباراتية
تُجبر خصوم الولايات المتحدة على الرد مما يخلق ذيولاً في الاتصالات
والسفر والتمويل يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الاضطرابات.
غير أن كل ذلك لن يُنهي الإرهاب الذي انتشر إلى ما هو أبعد من جوهر
تنظيم «القاعدة»، لكنه يمكن أن يمهد السبيل لمزيد من النجاحات في
مكافحة الإرهاب في الحرب الطويلة ضد التهديد غير المتكافئ الذي يشكله
الإرهاب العالمي. إن مقتل بن لادن ليس مجرد هزة عنيفة لشجرة بل إنه
أقرب ما يكون إلى قطع أطول شجرة في الغابة.
مرحباً بكِ في أبوت أباد، يا باكستان
من جهته قال سايمون هندرسون سايمون هندرسون، ومدير برنامج الخليج
وسياسة الطاقة في معهد واشنطن؛ وقد عمل في السابق مراسلاً لـ "هيئة
الإذاعة البريطانية" وصحيفة "فاينانشال تايمز" في إسلام أباد، إذاً،
أسامة بن لادن لم يكن مختبئاً في كراتشي أو في مكان ما في جبال
وزيرستان، بل في أبوت أباد. آه يا عزيزي !!. قد يكون هناك مكان أكثر
حرجاً بالنسبة لباكستان، ولكن من الصعب أن نفكر في أي واحد. وبعد، فإن
هذا دليل آخر على أن باكستان، التي يفترض بأنها حليف رئيسي للولايات
المتحدة، قد تصرفت بصورة ضالة.
ويتابع سايمون، إن أبوت أباد هي كـ "ويست بوينت" في نيويورك، حيث
يوجد في كل منها كلية عسكرية عليا. وتقع كل منها بالقرب من مدينة من
المدن الكبرى. ففي حالة أبوت أباد، إن هذه المدينة هي العاصمة
الباكستانية إسلام اباد، حيث تستغرق السياقة إليها حوالي الساعة والنصف
- وهو نفس الوقت الذي تستغرقه السياقة من مدينة نيويورك إلى الكلية
العسكرية الأمريكية، وفقاً للموقع الألكتروني لـ "ويست بوينت".
ويضيف، أبوت أباد هي مدينة عسكرية تعود إلى عهد الهند البريطانية.
وقد سُميت بهذا الإسم نسبة إلى الميجور جيمس أبوت، ضابط ومسؤول إداري
من زمن الإمبريالية، الذي أسس المدينة عام 1853. ومثلها مثل المدن
العسكرية الأخرى في المنطقة -- راؤول بندي (مقر الجيش الباكستاني)،
وواه (مركز تصنيع الذخائر) -- فلأبوت أباد معسكر كبير، ولها حي تخترقه
طرق مستقيمة ومساحات مفتوحة، ويعيش في المدينة ويعمل فيها أفراد من
المؤسسات العسكرية. إن المعسكرات هي أكثر أقسام المدن أناقة. وكان
أسامة بن لادن يعيش بالقرب من معسكر أبوت أباد.
ويتابع سايمون، إن أبوت أباد هي أيضاً البلدة التي يعيش فيها
متقاعدو الجيش الباكستاني. وفي أواخر السبعينات من القرن الماضي، كنت
أقوم بزيارة سياسي باكستاني علماني صريح، وشخصية نادرة [في المجتمع
العسكري والسياسي الباكستاني] الذي كان يعيش في تلك المدينة -- وهو
مارشال الجو المتقاعد أصغر خان. وكان قائداً لسلاح الجو الباكستاني
واعتقَدَ أن له ما يقدمه للحياة السياسية الباكستانية. وقد فعل ذلك --
لكنه كان سياسياً ضعيفاً ولم يحظى بثقة الجيش الباكستاني، لذلك فشل.
والآن هو في التسعين من عمره ولا يزال يعيش في أبوت أباد.
(وفي أواخر السبعينيات أيضاً، كان يسكن في المدينة أحد ممثلي
الاستخبارات الغربية، الذي عمل تحت غطاء دبلوماسي في إسلام اباد، وكان
له بيت من طابق واحد يلتقي فيه مع دبلوماسيين من الكتلة الشرقية، كان
يأمل في إقناعهم على الارتداد. وقد تسامحت الحكومة الباكستانية في ذلك
الحين مع ذلك النشاط، كما وفرت له الأمن المحلي.)
ويرى سايمون، لقد كان ذلك في السابق، بينما يختلف الوضع الآن حيث أن
الثقة بين الولايات المتحدة وباكستان ضعيفة بصورة خطرة. فمنذ هجمات
2001 عندما -- وفقاً لمذكرات الجنرال برويز مشرف الذي أصبح فيما بعد
رئيساً لباكستان -- قال نائب وزير الخارجية الأمريكية في ذلك الحين
ريتشارد آرميتاج أن باكستان "عليها أن تقرر ما إذا كنا مع أمريكا أو مع
الإرهابيين، ولكن إذا اخترنا الإرهابيين، فعندئذ ينبغي أن نكون مستعدين
للتعرض للقصف والرجوع ثانية إلى العصر الحجري."
ويؤكد، إن الحاجة إلى قاعدة لوجستية، تتم منها ملاحقة تنظيم «القاعدة»
وحركة طالبان في أفغانستان، قد أجبرت واشنطن على تقديم تنازلات في عدة
نقاط. إن جميع اللوم -- حول [علاقات] باكستان، مع إيران وليبيا وكوريا
الشمالية، المتعلقة بالانتشار النووي – قد تم إلقاؤه بصورة مريحة على
الدكتور عبد القدير خان. كما أن الروابط بين الهجمات الإرهابية على
مدينة مومباي الهندية عام 2008 وبين "جهاز المخابرات الباكستاني"
التابع للسلطة العسكرية قد تم التوصل إليها بصورة بطيئة، على الأقل من
الناحية العلنية. ومن الناحية العسكرية، كانت المساعدة التي قدمتها
باكستان وتستمر في تقديمها إلى القوات الأمريكية وقوات التحالف في
أفغانستان ضعيفة؛ ومن الناحية السياسية، سعت البلاد بصورة نشطة إلى
تقويض أعمال واشنطن.
الا ان سايمون ينوه قائلا، لكن التعاون بين الولايات المتحدة
وباكستان هو حاجة مستمرة، لذلك قد يكون من الضروري استعمال المزيد من
الغش الدبلوماسي. بيد، قد يكون من الصعب تسويق هذا النوع من
الدبلوماسية هذه المرة. لقد كان الجيش الباكستاني وشعبه يشكون دائماً
من الأنشطة السرية المشبوهة لـ "وكالة المخابرات المركزية" في باكستان،
كما ظهر ذلك مؤخراً من خلال النشاط الدبلوماسي الذي أثار الشهرة [والذي
تورط به] المقاول ريموند ديفيس، الذي قتل اثنين من الباكستانيين في
مدينة لاهور في وقت سابق من هذا العام. إن المعلومات التي أفادت عن
مراقبة مخبأ بن لادن لفترة دامت أشهر سوف تفاقم جنون الشك لدى الكثير
من الباكستانيين.
ويتابع، حتى وقت مبكر من صباح الأحد، كانت العمليات العسكرية
الأمريكية فى باكستان المجازة رسمياً من قبل الحكومة في إسلام اباد
تقتصر على ما يبدو على هجمات على مخابيء الإرهابيين في المناطق القبلية
على طول الحدود البرية مع أفغانستان باستعمال طائرات بدون طيار. ومن
المرجح أن يؤدي الإحراج التي تواجهه باكستان -- بعد أن تم إظهارها
بأنها وفرت ملاذاً لأكبر إرهابي مطلوب في العالم -- إلى تحفيز قيام
ردود دبلوماسية وعسكرية وسياسية وعلنية. وستكون معجزة إذا اكتفى
السياسيون في إسلام أباد أو الجيش في راؤول بندي القريبة بالتعبير [فقط]
عن غضبهم الشنيع.
ويشير، في كلتا الحالتين، من المتوقع أن تحدث احتجاجات عامة. إن
أبوت أباد هي جزء من الإقليم الباكستاني الذي يعرف الآن بـ "خيبر
بختونخوا"، والذي يذكرنا بالإقليم الحدودي الشمالي الغربي للبلاد.
ويشكو السكان المحليين -- الباشتون -- من الأجانب، لا سيما من غير
المسلمين. ولكنهم يوفرون الضيافة، والأهم من ذلك الملاذ، للمسلمين
المحتاجين. وسيعتبر البعض، وربما الكثيرون، بأن مقتل بن لادن هو إهانة
لإسلوب حياتهم وقيمهم. (لا تسأل لماذا لا يعتبرون إعطائه ملاذاً هو
إهانة لإسلوب حياتنا وقيمنا.) ويختتم، إن وفاة بن لادن هي نهاية فصل.
لكنها ليست نهاية القصة.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |