السعودية والسلفية الوهابية... يستعجلان خريف الثورات العربية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ابدأ من حيث وصل إليه ربيع الثورات العربية، وهي الآن تدخل إلى خريفها مبكرة قبل اكتمال الفصل الذي قامت فيه..

الصوت السلفي لجماعات الاسلام السياسي يدخل على خط الثورات والثائرين.. في مصر افتعال للتحرشات بين المسلمين والمسيحيين، في اليمن مبادرة خليجية للابقاء على علي صالح اطول مدة مكنة، في سوريا الحديث عن الطوائف والمذاهب والاحقية العددية السنية في الحكم.

قبل ذلك، تفتح السعودية ابواب قصورها للرئيس التونسي الهارب لحمايته وتوفير ملاذ امن له.. لا تتفاعل مع ثورة الحرافيش المصرية، وتشجي عزل الرئيس المصري حسني مبارك.. علماء البلاط السعودي وبتوجيه من النخبة السياسية السعودية المرتعبة تصدر فتاواها بحرمة التظاهر وتكفير من يتظاهر وايقاع عقوبة الجلد والحبس عليه.. وأصدرت مؤخراً تعديلات بمرسوم ملكي على قانون المطبوعات والنشر السعودي، شكلت ضربة قاصمة قضت على أي أمل في صحافة حرة داخل المملكة، وأقعدت جيل الإنترنت الشاب، الذي يقف وراء دعوات الإصلاح والتغيير السياسي، عن الحركة.

هذه التعديلات تطلب من الناشرين والصحفيين التقيد (بالنقد الموضوعي والبناء الهادف إلى المصلحة العامة)، وتحظر نشر (ما يخالف أحكام الشريعة أو الأنظمة النافذة، وما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية). كما وتحظر (التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة، أو أي من موظفيها).

يشير عبد العزيز الخميس، الناشط الحقوقي السعودي المقيم في لندن، في حديث مع دويتشه فيله، إلى أن الثورات في سوريا وليبيا أثرت بشكل عكسي على تطور حركة الاحتجاج السعودية، وذلك بسبب فقدان هذه الثورات لديناميكيتها وتعثرها، مما أدى إلى ازدياد ثقة النظام السعودي بنفسه، على حد قوله.

ويضيف الخميس بالقول: (تعثر الثورات) أوجد حالة من الاطمئنان وازدياد الفكر القمعي وتقييد الحريات في مسألة الإعلام، بحيث أجريت تعديلات ستقلّم أظافر أي رأي حر مناهض للدولة وللحكومة ولتوجهاتها، ومطالب بحريات أكثر وأدوات للتعبير عن الرأي. هذه التعديلات أتت لتوجيه رسالة للناشطين من المدونين والكتاب والصحفيين مفادها أن يتنبهوا جيداً إلى أن آلة القمع والاحتجاز ومصادرة الرأي ستكون قوية وفعالة ضدهم).

عبد الحليم قنديل الصحفي المصري يكتب واصفا هذا الخوف السعودي من الثورات العربية: لم يكن للحكم السعودي أن يتصرف بغير الطريقة التي يعرفها، والتي تتجنب كل معنى للإصلاح أو التغيير، خشية الزوال، وتؤثر أن تدفع المال دفعا للخطر، وتفضل التوقيع على دفتر الشيكات، وكان الشيك الأول من نصيب الشعب في السعودية، فقد دفعت العائلة من حسابها ثلاثين مليار دولار في صورة معونات عاجلة، وعلى ظن أنها تهدئ النفوس، وتتجنب مصير عائلة بن علي في تونس، لكن الشعور بالقلق راح يجتاح صفوف الآلاف من أمراء العائلة السعودية، فقد قفزت الشرارة فوق الحدود، ونشبت الثورة في مصر، وحيث تكتب مصائر الأمة من جديد، وبأيدى الناس هذه المرة لا بأقفال الحراس.

ويضيف قائلا: كان انتقال الثورة من تونس لمصر مثيرا لرعب العائلة السعودية، ونشطت الاتصالات في الكواليس، وتوالت جهود الضغط المحموم، وفتحت الرياض دفتر الشيكات ثانية، وبدا التحرك العائلي السعودي منسقا بالكامل مع الأمريكيين مباشرة، ومع الإسرائيليين من وراء ستار، بدت حملة انقاذ مبارك ممولة سعوديا بالكامل، لكن الفشل كان من نصيبها، فهي لا تفهم لغة الثورات، وحظها من العلم محصور بأرقام الثروات، فقد جرى خلع مبارك رغم عرض الخمسة مليارات دولار، وصدر قرار حبسه رغم التهديد بطرد مليون مصري عامل في الديار السعودية، ودفع الفشل عائلته إلى تصرفات انتقامية مكشوفة، بينها دفع جماعات من السلفيين - الممولين سعوديا - إلى إشعال النار في مصر.

هل تذكرون انتفاضة العراقيين في العام 1991 بعد هزيمة صدام في ام المهالك؟

اوقفت السعودية زحف الامريكان لاسقاط صدام حسين، وسمحت له باستعمال مروحياته ومدفعيته الثقيلة للقضاء على الثوار الشيعة.

كان ذلك قبل فضائيات البترو دولار والرأي والرأي الآخر.. وبقيت المنطقة العربية هامدة ثلاثة عشر عاما حتى تغيرت الكثير من الامور في العالم وسياسات دوله وتبدلت مواقع الكثير من اللاعبين.. وكانت احداث الحادي عشر من ايلول منعطفا كاد يطيح بالحكم الملكي السعودي لولا مواثيق جددت وتنازلات جديدة قدمت ووعد بالاصلاحات تحقق بعض منها داخل المملكة..

حتى الان تقف السعودية موقف غير الراضي عن التغيير الذي حصل في العراق.. ولا زالت ذاكرة العراقيين طرية بالاحداث القريبة وتكتوي باحداث جديدة بين يوم واخر بما يقوم به اتباع مذهبها الوهابي في الشارع العراقي.

اي خوف تعيشه تلك المملكة والتي جعلت ملكها يقدم حزمة من الرشاوى لشعبه دفعة واحدة تاخرت سنوات طويلة لم يعجل بتقديمها غير ذلك الربيع العربي الذي جاء مختلفا عن حسابات الكهف السعودي والسلفية الوهابية... كال الخيرات على رعيته، فقد أعلن عن برنامج معونة عملاق بحجم 36 مليار دولار تقريباً. وبموجب هذا البرنامج تقرر رفع رواتب كل العاملين في القطاع العام بنسبة 15 في المائة وتقديم منح مالية مباشرة للطلاب وللراغبين في الزواج وللمدينين.

 إذا لم تغير الرياض سياستها، تجاه الشيعة بشكل خاص، فإن المملكة العربية السعودية مقبلة على فترات تتميز بعدم الاستقرار، كما يرى الخبير الألماني غيدو شتاينبيرغ صحيح أن النظام السعودي لا يواجه في الوقت الراهن مخاطر أن يتم إسقاطه من قبل حركة شعبية واسعة، إلا أن مخاوف عائلة آل سعود الحاكمة لها ما يبررها. وحجم هذه المخاوف يتضح في التقارير الإعلامية التي تحدثت عن اتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والملك عبد الله في نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي، والذي اشتكى فيه عبد الله بمرارة من أن الولايات المتحدة الأمريكية تدع حليفاً مهماً لها مثل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك يسقط بسرعة.

لكن المشكلة الجوهرية تتمثل في قلة الاستعداد لإجراء إصلاحات لدى النخبة السياسية الحاكمة، لذلك سوف لا تتمكن المملكة العربية السعودية من مواجهة تصدعاتها الدينية والاجتماعية إلا من خلال إنهاء التحالف القائم بين الحكام وعلماء الدين منذ القرن الثامن عشر. لكن عوضاً عن ذلك يجب على الشيعة والإصلاحيين في السعودية أن يخشون موت الملك عبد الله، المولود عام 1923، قريباً وإمكانية تولي أحد أخوانه المحافظين سدة الحكم في البلاد. وبشكل خاص فإن وزير الداخلية نايف، الذي سيبلغ قريباً السابعة والثمانين من العمر، هو الرجل القوي الجديد في الرياض والملك المستقبلي ربما، وهو يعد عموماً أحد ممثلي التحالف التقليدي مع علماء الوهابية وأحد معارضي الإصلاح. إن القوى الإصلاحية في السعودية ترى فيه ألد أعدائها بين الأمراء الحاكمين. ولأن العائلة الحاكمة لا تنجح في تسليم مقاليد الحكم إلى أمراء ذوي توجهات إصلاحية أصغر عمراً، فإن الصراعات من الأمور الحتمية مستقبلاً. وإذا لم تغير الرياض سياستها، تجاه الشيعة بشكل خاص، فإن المملكة العربية السعودية مقبلة على فترات تتميز بعدم الاستقرار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/آيار/2011 - 6/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م