إيران وأزمة السلطة... بين قائد الثورة ورئيس الدولة!

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يظهر الخلاف الأخير الذي طفي على مشهد السياسة الإيرانية عمق الهوة التي باتت تفصل بين أجنحة النظام الحاكم هناك، مما قد يشير الى أزمة متصاعدة قد تخلف نتائج خطيرة تمثل تهديدا جديا في المستقبل، خصوصا ان تلك الدولة تعاني من أزمة سياسية واقتصادية متفاعلة، وعقوبات دولية بشأن برنامجها النووي الذي يكتنفه الغموض.

حيث تصور التحليلات المنقولة من الداخل الإيراني الى تفاقم المشاكل مع قرب نهاية فترة حكم احمد نجاد، الذي يسعى بحسب المراقبين الى تأمين ارث له في الحكومة القادمة، الأمر الذي وجد فيه اغلب من سعى الى تنصيبه في مكانه الحالي إجراء ينم على استهداف خطير لصميم الدولة.

خامنئي ونجاد

فقد دأب الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد على تحدي الغرب ومواجهته، ولكنه الآن منخرط في لعبة اكثر خطورة بكثير. فاحمدي نجاد يجد نفسه اليوم في مواجهة المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي، والاسوأ من ذلك ان هذه المواجهة تجري في العلن على مرأى ومسمع الجميع.

بدأ الخلاف بين الرئيس والمرشد في السابع عشر من ابريل/ نيسان المنصرم، عندما قرر احمدي نجاد فصل وزير الاستخبارات حيدر مصلحي من منصبه. ويقول مؤيدو الرئيس إن هذا القرار كان قرارا لا لبس فيه، إذ يخول الدستور الرئيس فصل الوزراء. ولكن ما ان مضت بضع ساعات على قرار الفصل حتى قرر خامنئي دحض القرار وامر باعادة مصلحي الى منصبه.

من جانبهم، يشير مؤيدو خامنئي الى المادة 110 من الدستور الايراني التي تنص على ان المرشد مسؤول عن "الاشراف على حسن تنفيذ السياسات العامة" في البلاد.

الا ان احمدي نجاد لم يرق له ان تدحض قراراته، وتقول تقارير إنه قرر الاعتكاف لمدة 11 يوما والامتناع عن المشاركة في جلسات الحكومة. وخلال فترة الاعتكاف هذه، كتب احد مساعدي الرئيس، ويدعى علي اكبر جافانفكر، في مدونته إن احمدي نجاد "متألم، وكأن شوكة علقت في بلعومه لا يستطيع لفظها او ابتلاعها." ولم تفلح مقابلة بين الرئيس والمرشد في الخامس والعشرين من الشهر الماضي في ازالة الشوكة. فقد وافق الرئيس احمدي نجاد على استئناف حضور جلسات الحكومة، ولكن لم يتضح وضع مصلحي.

وتقول التقارير الواردة من طهران إن خامنئي خير احمدي نجاد بين القبول باعادة مصلحي الى منصبه او التخلي عن الرئاسة. من المهم ان نعرف ان الخلاف بين الرئيس والمرشد يتعلق بأكثر من وضع وزير واحد في الحكومة، بل يتعدى ذلك الى كونه صراعا للسيطرة على المسار المستقبلي للجمهورية الاسلامية بأسرها.

فاحمدي نجاد يعلم انه لن يتمكن من الترشح لفترة رئاسية ثالثة (الدستور الايراني يحدد الرئاسة بمدتين) في عام 2013، ولذا يبدو انه قرر دعم ترشح مدير مكتبه السابق اسفنديار رحيم مشائي لمنصب الرئاسة.

يذكر ان احمدي نجاد ومشائي اصدقاء، بل اكثر من ذلك بينهما علاقة مصاهرة، إذ ان ابن احمدي نجاد متزوج من بنت مشائي. وتعتقد الدوائر المحيطة بالمرشد ان مشائي هو الذي يسير احمدي نجاد. فحجة الاسلام مجتبى ذو النور، ممثل المرشد لدى الحرس الثوري، قالها صراحة: "إن مشائي هو الرئيس الحقيقي."

ويعتقد محللون إن مشائي كان يسعى لنفوذ اكبر في وزارة الاستخبارات - مما حدا بالرئيس الى فصل الوزير مصلحي. ولكن ما اهمية كل هذا؟... يقول مؤيدو مشائي إنه يروج شعار "اسلام دون رجال دين"، وهو شعار يمثل تهديدا للمؤسسة الدينية التي يتزعمها خامنئي. بحسب البي بي سي.

فالمؤسسة الدينية لا تريد تخسر نفوذها لاحمدي نجاد ومشائي، ولذلك قررت محاربتهما. وفعلا اعتقلت السلطات في الايام الاخيرة عددا من المقربين من مشائي.

من جانبهم، عبر العديد من النواب المحافظين في مجلس الشورى الايراني عن دعمهم للمرشد في الصراع مع الرئيس. وقد بدأ بعض هؤلاء النواب بجمع التواقيع بغية استجواب احمدي نجاد، ولكن الرئيس لم يظهر في السنوات الاخيرة ميلا للاستماع للمجلس وقد يرفض طلبا منه باستجوابه.

ولكن تحدي المجلس شيء وتحدي المرشد الاعلى شيء آخر تماما. فتاريخ الجمهورية الاسلامية يبين ان المرشد هو المنتصر الدائم في اي صراع قد ينشب بينه وبين الرئيس - ورئاسة سلف احمدي نجاد الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي خير برهان على ذلك. فعلى محمود احمدي نجاد الآن الاختيار. فإما التراجع او الدخول في معركة مع مرشد يعرف ان التاريخ يقف الى جانبه.

ازمة غير محسومة النتائج

وقد ادت هذه الاحداث الى شن المحافظين حملة عنيفة داعين احمدي نجاد الى طاعة المرشد وقبول بقاء مصلحي، والابتعاد عن مستشاره الرئيسي رحيم اصفنديار مشائي المتهم بانه رأس حربة فصيل "منحرف" يرمي الى تدمير النظام الاسلامي.

واشار موالون ومعارضون لاحمدي نجاد الى معركة من اجل السيطرة على جهاز الاستخبارات وذلك مع اقتراب الانتخابات التشريعية في اذار/مارس 2012. واعلن معسكر احمدي نجاد نيته تقديم مرشحين في كل انحاء البلاد ضد الاكثرية المحافظة الحالية في البرلمان.

وشدد اية الله خامنئي على ان "اي بادرة خلاف صغيرة تضر بالبلاد (...) الامر يصب في مصلحة اعدائنا في كل مرة يبرز مناخ من المواجهة، وعلينا ان نتفاداه".

واكد احمدي نجاد "خلال رئاستي، فان المرشد الاعلى برؤيته وذكائه ساعد وارشد الحكومة التي استفادت من نصائحه (...) يمكن معالجة اي مشكلة" في اطار سلطة المرشد. وتابع ان "الحكومة ستدافع حتى النهاية عن راية ولاية الفقيه".

ورفض احمدي نجاد الجدال مؤكدا انه يفضل ان "يدع اسباب (رد فعله) في القلب"، وهو امر لم يسبق ان شهدته الجمهورية الاسلامية. وقال "لن نسمح اطلاقا للاعداء بان يستغلوا المشاكل الداخلية". بحسب فرانس برس.

لكن بغض النظر عن اعلان وفائه المتكرر لخامنئي، دعا احمدي نجاد الى وجود "رئيس قوي" يشكل بحسب تعبيره "درعا" للنظام، مدافعا عن "عظمة المرشد والبلاد والامة".

ووجه الرئيس الايراني تحذيرا مبطنا لخصومه المحافظين الذين ينتقدون ميله الى التسلط والقومية على حساب القيم الدينية التي يمثلها المرشد وقال "ان الذين عجزوا عن انتقاد الحكومة علنا على قوتها في ادارة شؤون البلاد ابتكروا لعبة جديدة، لكنهم ارتكبوا خطأ". ولم يشارك مصلحي في مجلس الوزراء بسبب زيارة خارج العاصمة كما اعلن رسميا. غير ان مشائي حضر وجلس الى يمين الرئيس.

وشددت الصحف المحافظة في عناوينها على ولاء احمدي نجاد للمرشد فيما ابرزت الصحف المقربة من الحكومة صور مشائي الى يمين الرئيس.

فيما حذر عالم دين ايراني بارز الرئيس محمود أحمدي نجاد من مغبة المبالغة في تقدير قوته. ووفقا للدستور الايراني، فان لدى خامنئي الكلمة الفصل في كل مسائل الدولة كما يمكنه الاعتراض على قرارات الرئيس في أمور حكومية معينة.

وقال آية الله أحمد خاتمي الذي يتمتع بنفوذ خلال خطبة الجمعة في طهران: «الرئيس يجب ان يعرف ان تصويت الأغلبية لصالحه لم تكن مطلقة ولكن مشروطة بالتزامه بأوامر القيادة العليا».

وأضاف خاتمي الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الخبراء: «الدستور يمثل قمة النظام الذي أوضح هيكل السلطة».

ارتفاع أسعار الغذاء

من جانب آخر أظهرت أرقام رسمية صدرت مؤخرا ارتفاع أسعار الغذاء في ايران نحو 25 بالمئة في عام واحد أي بمثلي معدل التضخم الرسمي الاجمالي. وبحسب أرقام من البنك المركزي الايراني نشرتها صحف ايرانية ارتفعت تكلفة سلة الغذاء 24.46 بالمئة في الشهر الاول من السنة الفارسية التي بدأت 21 مارس اذار قياسا الى الفترة ذاتها قبل عام.

ويستشعر الايرانيون وقع ارتفاع أسعار الغذاء العالمية اضافة الى قرار الحكومة خفض الدعم على مواد أساسية مثل الغذاء والوقود في خطوة رفعت أسعار البنزين بين 400 و700 بالمئة بين عشية وضحاها في ديسمبر كانون الاول وتسببت في ارتفاع فواتير المرافق.

ويقول الرئيس محمود أحمدي نجاد ان خفض الدعم لن يؤثر في التضخم وان مدفوعات شهرية قدرها 450 ألف ريال (نحو 45 دولارا) للفرد ستجنب الايرانيين أي معاناة.

ورغم تطمينات الحكومة ترتفع أسعار التجزئة باطراد منذ سجلت أدنى مستوى في 25 عاما عند 8.8 بالمئة في أغسطس اب لكنها تظل بعيدة عن مستويات 2008 التي كانت تدور حول 30 بالمئة وان كان الاتجاه العام صعوديا باطراد. بحسب رويترز.

كان معدل التضخم الرسمي لايران 12.4 بالمئة في السنة الفارسية الماضية المنتهية 20 مارس لكن ايرانيين كثيرين يعتقدون أن الاسعار ترتفع بايقاع أسرع بكثير في حقيقة الامر.

وتظهر بيانات أسعار الغذاء الجديدة أن التضخم ينال من ميزانيات الاسر في ظل زيادات حادة في أسعار بعض المواد الاساسية. وأظهرت الارقام ارتفاع سعر البيض لنحو مثلي مستواه قبل عام. وارتفع سعر نوع شائع من الخبز 50 بالمئة بعد خفض دعم القمح.

ويتمثل أحد مؤشرات خوف الايرانيين من زيادة التضخم في ارتفاع كبير في الطلب على الذهب كملاذ امن والذي شهد شأنه شأن الغذاء زيادات حادة في الاسعار في الاسواق العالمية.

وقال الرئيس السابق لاحد البنوك الرئيسية في ايران في مقابلة مع صحيفة همشهري اليومية ان زيادة الطلب على الذهب ترجع الى وجود "سيولة تبحث عن استثمارات" نظرا لان الايرانيين الاثرياء يجدون صعوبة أكبر في الاستثمار في الخارج بسبب العقوبات في حين أن ركود أسعار العقارات يجعلها أقل اغراء.

وقال أحمد حاتمي يزد العضو المنتدب السابق لبنك صادرات "يبدو أن أفضل سوق للمدخرات هي سوق الذهب وارتفاع سعر الذهب العالمي يشجع هذا التفكير أيضا."

وأبلغ أحمد وفادار رئيس رابطة تجار الذهب والحلي الايرانية وكالة الطلبة للانباء أن المخاوف من تراجع أسعار الفائدة المصرفية جعلت الكثيرين يسحبون السيولة ويشترون الذهب. وقررت الحكومة في الاونة الاخيرة خفض عائد المدخرات المصرفية ويرى بعض الايرانيين أنها قد تخفضه أكثر.

تصدير البنزين

الى ذلك نقلت وكالة انباء الجمهورية الاسلامية الايرانية عن مسؤول بقطاع الطاقة يوم الاثنين قوله ان ايران تعتزم تصدير ما يصل الى 3.5 مليون لتر من البنزين يوميا بحلول مارس اذار 2012. وكانت ايران التي طالما اعتمدت على استيراد البنزين لسد 30 الى 40 بالمئة من احتياجاتها قد قالت العام الماضي انها بدأت تصدير البنزين.

وقال جليل سالاري المسؤول بقطاع الطاقة للوكالة "نعتزم تصدير ثلاثة ملايين الى 3.5 مليون لتر يوميا من البنزين بنهاية السنة الايرانية الحالية (التي تنتهي في 19 مارس)." وقال سالاري ايضا ان ايران تصدر البنزين حاليا الى العراق وافغانستان.

أكثر تماشيا مع الاسلام

من جهة اخرى قالت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الايرانية ان ايران تعتزم ادخال تعديلات كبيرة في مناهج التعليم الجامعي حتى تكون أكثر تماشيا مع الاسلام. ونقلت الوكالة عن محمد مهدي نجاد نوري نائب وزير العلوم للبحث والتكنولوجيا قوله ان 36 مقررا دراسيا على الاقل سيتم تغييرها بحلول سبتمبر أيلول بعد مراجتها من قبل مجموعة من خبراء الجامعات والمعاهد.

ولم يحدد التقرير المواد التي سيشملها التغيير لكن مسؤولين كانوا قد قالوا العام الماضي انهم سيراجعون 12 مادة في العلوم الاجتماعية ومن بينها القانون ودراسات المرأة وحقوق الانسان والادارة وعلم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس والعلوم السياسية لان محتوياتها تستند كثيرا الى الثقافة الغربية.

ودعا الزعيم الاعلى الايراني اية الله علي خامنئي في أغسطس اب الى تعديل هذه المواد الدراسية وقال ان العديد من مواد العلوم الانسانية تستند الى مباديء تقوم على المادية وليس التعاليم الاسلامية. ويتهم المسؤولون الايرانيون الغرب بمحاولة التأثير على جيل الشباب في ايران بأفكار غير اسلامية. ونتيجة الدخول على شبكة الانترنت ومتابعة القنوات الفضائية تكتسب الثقافة الغربية شعبية بين الشباب في ايران وهم عنصر مهم في البلاد حيث تصل نسبة من هم أقل من 30 عاما في ايران الى 70 في المئة والذين ليست لهم ذكريات عن الثورة الاسلامية التي قامت عام 1979 وأطاحت بالشاه المدعوم من الولايات المتحدة. بحسب رويترز.

وقال أبو الفضل حساني وهو مسؤول كبير في وزارة التعليم الايرانية في أكتوبر تشرين الاول ان الجمهورية الاسلامية لن تسمح بأن تدرس جامعاتها مناهج ترى أنها مغرقة في "الغربية."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/آيار/2011 - 5/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م