مصر ... بعد مرور 100 يوم على رحيل الطاغية

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: انقضى مائة يوم على تنحى مبارك عن السلطة، وتنفس المصريون الصعداء بعد ما يناهز الثلاثين عاما من عهد شمولي محكم، كانت الكلمة العليا لرئاسة فقط، دونها تسقط جميع العبارات المقدسة.

فقد تجاوزت الثورة المصرية مطالب نشطاء الانترنت الذين دعوا للنزول الى الشارع للمطالبة بالاصلاح يوم 25 يناير كانون الثاني لتحقق عدة احلام كان الكثير من المصريين يعتبرونها شبه مستحيلة وأولها اسقاط النظام.

وحققت الثورة أولى نجاحاتها بتخلي الرئيس حسني مبارك عن الحكم بعد 30 عاما في السلطة يوم 11 فبراير شباط وتسليمها الى الجيش.

وتلى ذلك حل البرلمان بمجلسي الشعب والشورى وتعيين حكومة تسيير اعمال جديدة يحظى رئيسها عصام شرف بقبول في الشارع واجراء استفتاء على تعديلات دستورية وحل الحزب الوطني الحاكم ومحاكمة رموز للنظام السابق على رأسهم مبارك. لكن بعد مرور 100 يوم على انطلاق الثورة لا تزال هناك تحديات كثيرة تواجهها.

الانجازات والتحديات

حيث يقول حسن نافعة استاذ العلوم السياسية والناشط السياسي البارز "أهم انجازات الثورة هي سقوط رأس النظام وتقديمه للمحاكمة. لم يكن أحد يتوقع ان يقدم الرئيس ورموز نظامه للمحاكمة."

ويخضع مبارك للحبس على ذمة التحقيقات في تهم تتعلق بالفساد وقتل المحتجين ابان الثورة لكنه يقضي الحبس في مستشفى بمنتجع شرم الشيخ بسبب حالته الصحية حسبما تقول وسائل الاعلام الرسمية.

وقال نافعة في تصريحات لرويترز ان من نتائج الثورة كذلك "كشف كل هذا الكم الهائل من الفساد الذي يؤكد أن الثورة كانت حتمية وأن البلاد كانت ذاهبة الى مصير مقلق جدا."

وقال أيمن نور مؤسس حزب الغد والمرشح الرئاسي المحتمل "أهم النجاحات هو بداية تفكيك منظومة الفساد الضخمة التي حكمت مصر 30 سنة."

وقضت محكمة مصرية مؤخرا بالسجن لمدة 12 عاما على حبيب العادلي وزير الداخلية في عهد مبارك عن تهمتي التربح وغسل الاموال وتغريمه نحو 14 مليون جنيه (2.4 مليون دولار) ورد ومصادرة أكثر من تسعة ملايين جنيه أخرى. وهو أول مسؤول في حكومة مبارك يصدر عليه حكم في قضية فساد.

ولكن يرى المحلل السياسي نبيل عبد الفتاح أن أبرز انجازات الثورة التي كان من بين اسباب نجاحها اعتصام شارك فيه مئات الالوف واستمر 18 يوما في ميدان التحرير بوسط القاهرة وتجمعات حاشدة أخرى في عدد من المحافظات هو " كسر حاجز الخوف لدى المصريين من مواجهة السلطة السياسية". وأضاف في تصريحات "ساهمت الثورة كذلك في عودة الحريات الشخصية والكرامة الانسانية". بحسب رويترز.

وعانى دور مصر الاقليمي ومؤسستها الدبلوماسية من انكماش وتراجع ملحوظ في السنوات الاخيرة لكنها تمكنت من استعادة قدر من عافيتها واحراز عدة نجاحات بعد الثورة.

فقد نجحت مصر في انهاء حالة الانقسام بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين بعد اربع سنوات من عدم قدرتها على تحقيق المصالحة بين الجانبين في عهد النظام السابق واجريت مراسم الاحتفال بتوقيع اتفاق المصالحة بين الحركتين وباقي الفصائل الفلسطينية في القاهرة يوم الاربعاء الماضي الذي وافق اليوم المئة لانطلاق الثورة.

كما أعلنت اثيوبيا مؤخرا عن تأجيل التوقيع على الاتفاقية الاطارية الجديدة الخاصة بتوزيع مياه النيل والتي ترى مصر انها قد تضر بحصتها وذلك بعد زيارة قام بها وفد دبلوماسي شعبي مصري لاديس أبابا بهدف فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.

كما قطعت الدبلوماسية المصرية خطوات الى الامام على صعيد العلاقات مع ايران ودول الخليج وافريقيا. وقال نافعة "ما جرى في الخارجية المصرية تغيير حقيقي وطبيعي ومنطقي وليس تغييرا تكتيكيا بسبب انتهاء مشروع التوريث. فقد أصبحت المصالح الوطنية وليس مصالح النظام والتمهيد للتوريث هي المحور الذي تقوم عليه الخارجية في الوقت الراهن."

وكان أغلب المصريين يعتقدون أن مبارك يخطط لنقل السلطة الى نجله الاصغر جمال لكن الثورة قضت على هذه الفكرة كلية. وجمال وشقيقه الاكبر علاء محبوسان حاليا على ذمة التحقيقات بتهم تتعلق بالفساد وقتل المحتجين اثناء الثورة.

وقال عبد الفتاح ان من مكتسبات ثورة 25 يناير "عودة الاهتمام بقيمة ودور مصر الاقليمي وقوتها الناعمة في الاقليم وانها غير منفصلة عن الاتجاه العام لحقوق الانسان العالمية والحرية". وفي مقابل الانجازات هناك العديد من التحديات.

وقال نور المعارض البارز الذي سجن ابان عهد مبارك "سقط النظام السياسي وسقط ابرز القائمين عليه لكن الحقيقة أن الثورة لم تقم من أجل سقوط نظام بقدر ما قامت من أجل بناء نظام جديد أكثر ديمقراطية وأكثر احتراما للكرامة الانسانية ولحرية وحقوق الانسان في مصر."

وأضاف في تصريحات "اعادة بناء النظام الجديد مسألة تراوح مكانها لكن لم تتحرك في الاتجاه الصحيح حتى الان لان الاتجاه الصحيح هو الدعوة لجمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد... ثم يأتي بعدها انتخابات رئاسية ثم تأتي انتخابات برلمانية."

ووفقا لخارطة الطريق التي رسمها المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد من المقرر أن تجرى انتخابات برلمانية في سبتمبر أيلول المقبل تليها انتخابات رئاسية في وقت لاحق العام الجاري. وسيعمل البرلمان على تشكيل لجنة تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد.

واعتبر نور أن "أهم الاخفاقات (منذ انطلاق الثورة) أن بعض التشريعات التي صدرت لم تأت تعبيرا حقيقيا عن ارادة الثورة ولم تأت تعبيرا عن حوار مجتمعي حقيقي."

وقال نافعة "الثورة لم تكتمل بعد فالكل يدرك حجم الثورة المضادة. فقد قطع رأس النظام لكن الجسد ما زال قائما وعلى الشعب ان يتمتع بالنفس الطويل." وأطلق مصطلح "الثورة المضادة" على الافعال والانشطة التي يقوم بها أفراد أو مجموعات بهدف تشويه الثورة أو وضع العراقيل في طريقها.

وعانى الاقتصاد المصري من هزة في اعقاب الثورة وبات انعاشه من اهم التحديات. وتوقعت مجموعة معهد التمويل الدولي المصرفية العالمية يوم الثلاثاء أن ينزلق اقتصاد مصر الى الركود في 2011 مع هبوط النشاط الاقتصادي بشكل حاد في اعقاب الثورة.

وقال أسامة صالح رئيس الهيئة العامة للاستثمار في مصر أمس ان الاستثمار الاجنبي تراجع بمقدار 400 مليون دولار في الربع الاول من العام الحالي مقارنة مع نفس الفترة من 2010. كما تراجع القطاع السياحي المهم للدخل القومي بدرجة كبيرة جدا.

وتدعو الحكومة الى وقف الاحتجاجات الفئوية التي تعبر من خلالها مجموعات منفصلة من العاملين في الهيئات المختلفة عن مطالب معينة مثل زيادة الرواتب أو تحسين الوضع الوظيفي أو تغيير القيادات.

غير أن نافعة يرى أن الدعوات لانهاء المطالبات الفئوية ذات "نظرة خطرة وقصيرة المدى. فكلما نجحنا في استئصال الفساد كلما مهدنا لمصر جديدة وقوية وقادرة على النهوض بسرعة وبقاء القوى القديمة نفسها سيكون له اثار ضارة وكارثية."

وبخلاف الاقتصاد ترى ميادة مدحت وهي مدونة وناشطة سياسية أن "من أهم التحديات التي تواجه مصر العبور بأمان من فترة المرحلة الانتقالية الى دولة مدنية حقيقية... هذا اصعب تحد." وأضافت في تصريحات لرويترز "الاخوان والسلفيون هم من يجنون ثمار الثورة ... فالاخوان يتحدثون وكأنهم الحزب الحاكم والسلفيون اصبحوا قوة ضاربة."

وكانت جماعة الاخوان المسلمين اكبر جماعات المعارضة واكثرها تنظيما في عهد مبارك ولعبت دورا فاعلا في الثورة لكن يرى مراقبون ونشطاء انها لم تكن صاحبة الدور الاكبر. وفي اعقاب الثورة برز التيار السلفي الى السطح بقوة بعد غيابه عن المشهد في النظام السابق وهو ما اثار حفيظة دعاة الدولة المدنية.

وانتقدت ميادة اداء المجلس العسكري ووصفته بأنه "مخيب للامال لانه ينفرد بصنع القرار." وأضافت "جرى تغيير اشخاص ولكن اسلوب ادارة البلاد كما هو. ومثالا على ذلك اختيار قيادات مثل المحافظين. وهناك حوار وطني يشبه الحوار الوطني الذي كان يديره النظام السابق مع الاحزاب." ومن التحديات كذلك حسبما يرى نافعة "الاستعداد للانتخابات المقبلة".

وأضاف "هناك امور سلبية من بينها الانقسامات العديدة في معسكر الثورة والتمييز بين ما هو رئيسي وما هو ثانوي. وعلى القوى التي صنعت الثورة الا تتعامل بمنطق التنافس فيما بينها بل بمنطق التعاون لبناء مجلس شعب يليق بالثورة وقادر على صياغة دستور جديد يلبي مطالبها."

ويرى عبد الفتاح أن هناك "غيابا لرؤى سياسية وقانونية وثقافية تربط بين التطور العالمي وما يحدث في مصر" كما يوجد "غموض في الصيغ والاراء والطروح من قبل السلطة الواقعية".

وشهدت مصر حالة من الانفلات الامني بعد اختفاء الشرطة في 28 يناير الذي أطلق عليه "جمعة الغضب" وباتت اعادة الامن تحديا رئيسيا للحكومة ووزير الداخلية الحالي اللواء منصور عيسوي.

وقال عبد الفتاح "هناك فجوة أمنية بين الواقع المؤسسي الامني وما يحدث من انفلات. من الضروري وقف ذلك والعودة الى اداء أمني عملي ومهني يعيد الامن الى ربوع مصر." وما بين الانجازات والتحديات تبقى الامنيات.

قال نور "كل ما نتمناه الان بعد مرور 100 يوم على الثورة المصرية ان تأخذ خطوات أكثر ثباتا في اتجاه الاصلاحات البنيوية سواء كانت دستورية او تشريعية وان تستمر عملية تفكيك منظومة الفساد الى أن تصل لمرحلة مهمة وهي رد الاموال المنهوبة التي سرقت من الشعب المصري."

وأضاف "100 يوم ليست مدة قصيرة لكنها ابدا ليست مدة طويلة لذا ما زال الامل يحدونا في تقدم حقيقي لتحقيق اهداف الثورة."

يجدون صوتهم بعد سنوات من القمع

وربما لاول مرة منذ أن أصبحت مصر جمهورية عام 1952 لم يعد أغلب الناس يخشون التعبير عن مطالبهم وهم يتوقعون من السلطات ان تستجيب.

وقالت رشا عبد الله رئيس قسم الصحافة والاعلام بالجامعة الامريكية "صوت المصري كان مقموعا على مدى 60 عاما تقريبا لكن الآن لاول مرة منذ سنوات طويلة يشعر المصريون أن صوتهم مهم."

وأضافت "هناك تعطش للتعبير وافتتان بفكرة أننا فعليا يمكن أن نحدث فرقا لذلك يتحدث الجميع الان في السياسة. لم يعد أحد خائفا." وظلت حرية التعبير غريبة على واحدة من أكبر دول الشرق الاوسط وأكثرها نفوذا.

بدأ كتم أصوات المصريين في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. اشتهر عهد عبد الناصر بجهاز رقابي صارم و"زوار الفجر" من البوليس السياسي الذي كان يخفي المعارضين فلا يسمع عنهم بعد ذلك.

وعندما تولى أنور السادات الحكم في عام 1970 قام بتحرير الاقتصاد لكنه لم يحرر السياسة. وأبقى مبارك الذي تولى السلطة بعد أن اغتال اسلاميون السادات على السياسات القمعية ذاتها حتى انتهاء حكمه.

وقالت مريم ميخائيل وهي ربة بيت في الاربعينات من عمرها انها لم تجرؤ من قبل على الحديث عن السياسة. وأضافت "عندما أسترجع الماضي ادرك كم كنا جهلة وضعافا وخائفين." وتابعت "كلنا كنا نقول.. هذه ليست مشكلتنا. وتكيفنا مع القمع حتى انفجر الناس في النهاية."

واوضح تجل للحرية التي اكتشفها المصريون حديثا يظهر في الصحف القومية. فصحف مثل الاهرام والاخبار التي كانت مطبوعات مكدسة بالتملق لكل ما يقوله مبارك أصبحت الان تكتب عناوين تنتقد فيها الفساد الذي تورط فيه الرئيس وابناه وادارته.

وقال محمد زكي الصحفي بالتلفزيون الرسمي"أخيرا نقوم بتغطية ما يحدث بالفعل وليس ما يريد المسؤولون أن يسمعه الناس."

يصف المهندس محمد فتحي (30 سنة) نفسه بانه ثوري متفرغ. فمنذ اندلاع احتجاجات يوم 25 يناير كانون الثاني خرج الى ميدان التحرير أولا للمطالبة بالاطاحة بمبارك وهو الان يطالب بالقضاء على الفساد الذي يسود كل مناحي الحياة اليومية.

وقال "لا احد في مصر لديه أي فكرة عن حقوقه أو واجباته وكان الجميع يخشى المطالبة... رأيت ناسا يموتون من أجل هذا البلد. وأنا عازم على الاستمرار حتى تتحرر مصر تماما." ويخرج المصريون الى الشوارع كذلك لتحدي حكامهم بشكل لم يكن يجرؤ أحد عليه في عهد مبارك. بحسب رويترز.

فخرج مئات الاسلاميين من أعضاء الجماعة الاسلامية في مظاهرة نادرة من نوعها بالقرب من السفارة الامريكية في وسط القاهرة للمطالبة بالافراج عن زعيمهم الروحي عمر بعد الرحمن المسجون في الولايات المتحدة.

وخرجت احتجاجات كذلك في ثلاث محافظات على الاقل ضد تعيين ضباط شرطة سابقين في منصب المحافظ. وكانت الشرطة تراقب دون تدخل بدلا من أن تضرب وتعتقل المتظاهرين كما كانت تفعل في عهد مبارك.

وقال رئيس الوزراء الجديد عصام شرف في لقاء مع أهالي سيناء ان مطالب الشعب أوامر للحكومة وأكد على ان الحكومة يجب ان تستمع للشعب لانها منه.

وعلى الرغم من روح الدعابة التي يتمتع بها المصريون فهم يعرفون أن أمامهم طريقا طويلا يتعين قطعه قبل أن يتمكنوا من ممارسة حرية تعبير حقيقية خاصة فيما يتعلق بالحكام العسكريين الجدد.

وطوقت قوات من الجيش مسلحة ببنادق آلية عددا من الشبان في ميدان التحرير في وقت سابق هذا الشهر وفضت اعتصام متظاهرين يطالبون بالعودة للحكم المدني وبالاسراع بمحاكمة مبارك.

وقبل اسابيع حكم بالسجن على مدون لانتقاده الجيش. وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش ومقرها نيويورك ان مايكل نبيل (26 عاما) اتهم باهانة المؤسسة العسكرية ونشر معلومات كاذبة.

وقال جان فرانسوا جوليار من مراسلون بلا حدود "الاساليب التي يستخدمها الجيش المصري لا يبدو انها تطورت منذ سقوط مبارك."

وستكون الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في وقت لاحق هذا العام اختبارا مهما لمؤهلات مصر الديمقراطية. فقد بدأ ساسة مرموقون وشخصيات جديدة على الساحة وعديمة الخبرة في تشكيل تحالفات انتظارا لانتخابات حرة ونزيهة وهو أمر نادر في مصر.

ومن الاطراف المستفيدة بالكامل من حرية الحملات الدعائية جماعة الاخوان المسلمين التي كانت محظورة من قبل والتي يظهر زعماؤها باستمرار على شاشات التلفزيون وفي الصحف.

وحظي الاسلاميون الاكثر تشددا مثل السلفيين بظهور أكبر كذلك ما أثار مخاوف بين العلمانيين المصريين من ان يتحول بلدهم الى جمهورية اسلامية مثل ايران.

ورحبت رشا عبد الله بتنوع وجهات النظر وقالت "الان بعد رحيل الدكتاتور من الطبيعي ان تظهر انقسامات في الاراء السياسية الفردية." وأضافت "هذه هي السياسة فمرحبا باللعبة."

وقبل فترة وجيزة من رحيل مبارك قال رئيس جهاز المخابرات عمر سليمان الذي تولى منصب نائب الرئيس لفترة قصيرة في تصريحات لشبكة ايه.بي.سي نيوز ان المصريين ليسوا مستعدين للديمقراطية.

وحث باسم يوسف وهو جراح يدير الآن برنامجا كوميديا على الانترنت المصريين على اثبات خطأ وجهة نظر سليمان ورئيسه بقبول حق الجميع في حريه التعبير فرفع شعار لبرنامجه يقول "مش هاتشمت فينا يا ريس" مخاطبا مبارك.

متفائلون بالمستقبل

في سياق متصل أظهر أول استطلاع كبير للرأي في مصر منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك أن المصريين يتطلعون بثقة وحماس إلى مستقبل بلادهم وينتظرون أول انتخابات حرة ونزيهة في أواخر العام الحالي، ولكنهم لا يزالون منقسمون بشدة حول دور الإسلام في حياتهم العامة.

الاستطلاع أجراه مركز "بيو ريسيرش سنتر" واعتمد على أسلوب المقابلات المباشرة مع عينة ضمت 1000 مصري، ويعد أول استطلاع موثوق فيه بعد الانتفاضة، وبعد إلغاء الكثير من القيود التي كانت مفروضة على حرية التعبير قبل ذلك. ويمثل الاستطلاع أيضاأول تناول مباشر لمخاوف الغرب من احتمال أن تنجرف الثورة المصرية في اتجاه الإسلام الراديكالي.

وكشف الاستطلاع عن أن نسبة 30 في المئة من المصريين لديهم آراء إيجابية عن التيار الإسلامي المتشدد، وإن نسبة مماثلة تقريبا تعارض ذلك التيار، وهناك نسبة 25 في المئة من المصريين لديهم آراء مختلطة.

وكانت جماعة الإخوان المسلمين هي أحد الأمثلة التي شملتها الأسئلة بشأن التيار الديني. فكثيرون في الغرب افترضوا أن تلك الجماعة التي تحظى بأفضل قدر من التنظيم، ستتمكن سريعا من السيطرة على المسرح السياسي المصري، وعلى النحو الذي حذر منه الرئيس السابق حسني مبارك. وكشف الاستطلاع عن أن ثلاثة من بين كل أربعة مصريين لديهم آراء إيجابية عن الاخوان المسلمين.

ولكن هذا التأييد وضع الجماعة على قدم المساواة مع حركة 6 إبريل، وهي حركة شبابية تصنف في خانة الحركات التقدمية العلمانية، وقد لعبت دورا بارزا في تنظيم تحركات الكتل الشبابية أثناء الثورة. وكشف التقرير عن أن سبعة من كل عشرة مصريين لديهم آراء إيجابية عن تلك الجماعة.

وقالت نسبة لا تزيد عن 17 في المئة من المشمولين في الإستطلاع إنهم يرغبون في أن يقود الإخوان المسلمون الحكومة القادمة. كما أعربت نسبة تكاد تكون مماثلة عن رغبتها في أن يتولى حزب الغد الذي يقوده مرشح الرئاسة السابق أيمن نور تشكيل الحكومة الجديدة.

وأعرب واحد من كل خمسة من أفراد عينة الاستطلاع عن تأييده لحزب الوفد، وهو حزب ليبرالي علماني يقوده الآن رجل الأعمال السيد البدوي.

وقالت نسبة الثلثين على الأقل من المصريين إن القانون المدني ينبغي أن يكون مستمدا من أحكام القرآن الكريم، وذلك بالرغم من أن الدستور المصري الذي كان قائما حتى أيام قليلة بعد الثورة، ينص صراحة على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

وانتقد القيادي الإخواني صبحي صالح النتائج التي توصل إليها الاستطلاع، وقال إنها تنطوي على مبالغة في تقدير قوة الأحزاب الاخرى. ويقول إن الإخوان وحدهم هم من يتمتعون بنفوذ حقيقي في الشارع المصري استنادا إلى ما لديهم من تنظيم قوي وقاعدة فكرية ذات مبادئ واضحة للشعب المصري.

أما عمرو الشوبكي، المحلل السياسي بمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية، فقد علق على الاستطلاع قائلا إن نتيجته تعكس ميل المصريين الطبيعي إلى إهمال التناقضات بين التقليديين ودعاة الحداثة، ويشرح قائلا إن ذلك "يشرح السبب في أنه من الممكن أن يكون للمصري الواحد رأي إيجابي في حركة 6 إبريل وحركة الإخوان المسلمين في آن واحد. فعموم المصريين لديهم درجة عالية من القدرة على الموائمة بين الإسلام والأفكار الحديثة ولذلك فهم برغم كونهم محافظين إلا أنهم غير متطرفين".

أيضا كشف التقرير عن أن نسبة غالبة قدرها 54 في المئة من المصريين ترغب في إلغاء اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979. وتتفق تلك النتيجة مع الاعتقاد الشائع على نطاق واسع في الشارع المصري بأن إسرائيل لم تف بتعهداتها في الاتفاقية في ما يتعلق باحترام حقوق الشعب الفلسطيني.

ولكن نسبة تزيد عن ثلث المشاركين في الاستطلاع أبدوا حرصهم على الإبقاء على الاتفاقية، ولكن الاستطلاع أحجم عن سؤالهم عن السبب وراء ذلك الحرص ، كما أحجم عن سؤال بشأن ما إذا كانوا يعتقدون أن مصر مستعدة للتضحية بحالة السلام التي تعيشها مع اسرائيل منذ توقيع الإتفاقية.

ويقول صبحي صالح إنه يؤيد الإبقاء على الاتفاقية على أساس أن "هناك فرقا بين الشعور الشعبي تجاه اسرائيل والمصلحة السياسية. فالراغبون في الاحتفاظ بالاتفاقية تحركهم المصالح المصرية وليس معنى ذلك أنهم يحبون إسرائيل".

وكشف الاستطلاع عن أن الجيش المصري يتمتع بشعبية منقطعة النظير، وأن تلك الشعبية هي انعكاس للدور الذي قام به في الإطاحة بنظام حسني مبارك، وقال تسعة من كل عشرة مصريين إنهم راضون عن أداء المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر. ويعتقد المصريون بصورة راسخة أن الجيش قد وفر الحماية للثورة وأن النظام السابق كان بوسعه القضاء عليها في مهدها لولا التدخل الحاسم من جانب الجيش.

وحول المرشحين للرئاسة في مصر، كشف الاستطلاع عن إجماع واسع على أن عمرو موسى، الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري السابق، هو أبرز المرشحين لتولي هذا المنصب، حيث قال تسعة من كل عشرة من أفراد العينة أنهم يوافقون على توليه حكم مصر ليكون أول رئيس مدني لها منذ أكثر من نصف قرن.

ولكن في الوقت نفسه سجل 41 في المئة أنهم لهم آراء إيجابية عن أيمن نور رئيس حزب الغد والمرشح الحالي للرئاسة. وكذلك أبدى 57 في المائة رضاهم عن الدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمرشح الحالي للرئاسة.

ويقول عمرو الشوبكي إن الكتلة الرئيسية من مؤيدي عمرو موسى هي من الأغلبية الصامتة التي تضم المصريين الذين لم يخرجوا في الثورة ولكنهم شاركوا في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وهؤلاء يمثل الاستقرار شاغلهم الأول وهم يرغبون في تحسن أحوالهم الإقتصادية دون تغييرات سياسية أو أمنية عنيفة.

وفي ما يتعلق بالثورة كشف التقرير عن أن المصريين فخورون بثورتهم إلى أقصى حد، وبما حققته ويحدوهم أمل كبير في مستقبل أفضل.

فقد قالت نسبة الثلثين من المصريين إنهم راضون عن الطريقة التي تدار بها بلادهم كما أن ستة من كل عشرة مصريين قالوا إنهم متفائلون بشأن المستقبل.

وبالرغم من أن الانتخابات الحرة والنزيهة ستكون سابقة جديدة على مصر، إلا أن معظم الذين استطلعت آراؤهم أعربوا بدرجة أو أخرى عن اعتقادهم بأنهم أصبحوا يعيشون في بلد ديموقراطي.

وقالت نسبة 41 في المئة منهم إن الانتخابات القادمة ستجرى في مناخ من الديمقراطية الكاملة، وقالت نسبة 43 في المائة إن ذلك أمر محتمل جدا بينما قالت نسبة لا تزيد عن 16 في المئة إن الانتخابات النزيهة الحرة أمر مستبعد.

وقالت نسبة 54 في المائة من عينة الإستطلاع إن تشكيل حكومة ديموقراطية هو مكسب يستحق المغامرة من أجله بالاستقرار السياسي، بينما تبنت نسبة 32 في المئة منهم وجهة نظر معارضة لذلك ودافعت عن شعار الاستقرار الذي كان سائدا في عهد الرئيس السابق مبارك.

وحول أهم التطلعات التي يتمناها المصريون في المستقبل قالت أغلبية نسبتها 82 في المئة من العينة إنهم يرغبون في تحسين الظروف الإقتصادية، وأكدت نسبة 79 في المئة على أهمية إصلاح النظام القضائي، ثم نسبة 63 في المئة على ضرورة تحقيق الأمن، ونسبة مماثلة على حماية حرية التعبير، بينما اكتفى 55 في المئة بالتأكيد على نزاهة الانتخابات وحرية ممارسة الحقوق السياسية.

وأخيرا، قالت نسبة تقل بقليل عن 50 في المئة إنهم يعتقدون أن من الضروري السماح للأحزاب ذات الصبغة الدينية بالمشاركة الحكومة القادمة.

لا زالت تعاني من الفساد

من جهة اخرى حين اعتقد ملايين من المصريين ان الفساد والركود اللذين ابتلى بهما حكمه الذي دام 30 عاما سيزولان ايضا عندما اطيح بالرئيس المصري حسني مبارك من السلطة... لكن بعد مائة يوم من رحيل مبارك غير البعض رأيه.

وطالب متظاهرون مطالبين بالديمقراطية - احبطهم ارتفاع الاسعار وندرة الوظائف واستشراء الفساد - بالتغيير. وحتى الان لم يتغير سوى القليل في حياتهم اليومية بخلاف استطاعتهم طرح شكاواهم بعد سنوات من القمع مما قاد بعض المصريين للتساؤل الى متى سينتظرون قبل القضاء على ارث مبارك.

ولا يزال على من يتوقعون ان يصوغ المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد رؤية للمستقبل - باستثناء التعهد باجراء انتخابات - الانتظار فترة اطول ولا يزال مستمرا اسلوب اتخاذ القرار في عهد مبارك والذي اتسم بالغموض.

وكلما طالت فترة انتظار المصريين حتى يشعرون بتحسن الاحوال ونجاح الانتفاضة كلما طالت الفترة التي يستغرقها عودة الاستقرار لواحدة من أكبر دول الشرق الاوسط وأكثرها نفوذا.

وقال عادل سليمان مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية "أسقط المصريون رئيس النظام وليس النظام ذاته."

وصرح "لم يتغير النظام بعد ويحتاج لتغيير شامل. تحتاج بعض الامور اصلاحا سريعا والبعض الاخر يستغرق عقودا. ولكن ينبغي ان يكون هناك تغيير من أجل عودة الاستقرار وهذا امر صعب." بحسب رويترز.

والمشكلة التي تواجه المجلس الاعلى للقوات المسلحة حتى تجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية هائلة ويحتاج حلها عقودا على الارجح. ولكن محللين يقولون ان المجلس يمكن ان يساعد نفسه باستعجال الامور. واحدى القضايا الاكثر الحاحا ادارة عجلة الاقتصاد الذي يقيده قطاع عام ضخم وبرنامج دعم هائل.

وكان يتوقع ان ينمو الاقتصاد بنحو ستة بالمئة ويجتذب استثمارات مباشرة تبلغ 7.7 مليار دولار في السنة المالية 2010-2011 .

لكن توقعات النمو عدلت الى 2 في المئة بعد الانتفاضة ووصف وزير المالية الجديد سمير رضوان النسبة بانها غير كافية للمساهمة في تعافي الاقتصاد.

وقال رضوان ان الحكومة تعاني من ضغوط من أجل تلبية سريعة للمطالب "الهائلة والمتنامية" للحصول على وظائف وزيادة الاجور ومعالجة مشكلة معدل التضخم الذي يبلغ رسميا نحو 12 في المئة. وترتفع أسعار المواد الغذائية بما بين 16 و24 في المئة.

ومن شأن تعثر الاقتصاد ان يؤجج حالة من عدم الرضا في نهاية المطاف في بلد يقطنه 80 مليون نسمة وقد يؤدي لحالة من زعزعة الاستقرار.

وقال محمد يونس وهو نادل في فندق خمسة نجوم "حالة اقتصادنا مزرية والملايين يجدون بالكاد قوت يومهم والشبان يجلسون بلا عمل وكل ذلك بسبب مبارك وعصابته من اللصوص." وتابع "ينبغي ان تسعى الحكومة لتحسين الاوضاع سريعا لنشعر ان الامور تتحرك."

وذكر محللون ان سرعة التعافي الاقتصادي تتوقف على الاصلاحات السياسية والتي لن تتحقق بشكل جدي الا بعد انتخاب رئيس جديد. ولكن في الوقت الحالي ينبغي ان تعمل الحكومة الحالية سريعا والا خاطرت بابعاد المستثمرين.

وقال انجوس بلير رئيس الابحاث في بنك بيلتون مصر للاستثمار "نحن حاليا في فترة فراغ في انتظار تحقيق استقرار نهائي. بعد ما قيل.. ينبغي على حكومة تسيير الاعمال التركيز أكثر على تحسين مناخ الاستثمار."

ومبعث القلق الاخر للمستثمرين والمواطن المصري العادي هو الفساد المستشري الذي ساهم في اندلاع الانتفاضة. وحصلت مصر على 3.1 درجة على مؤشر الفساد لعام 2010 الذي تعده منظمة الشفافية الدولية. وتعني درجة صفر ارتفاع معدل الفساد بينما يعني الحصول على عشر درجات كاملة درجة عالية من غياب الفساد.

ويتعايش المصريون مع الفساد بشكل يومي لانجاز اي مصلحة مع الجهات الحكومية ويسخرون قائلين ان شيئا لم يتغير منذ العصر الفرعوني لذا يضطر معظم الناس لتقديم الرشى للموظفين العموميين.

ومازال رجال المرور يحصلون على مال لانفسهم بدلا من توقيع غرامة على السائقين المخالفين. ويقول المهندس المعماري محمد فتحي الذي لا يزال يتوجه لميدان التحرير كل يوم للتعبير عن استيائه من الفساد ان الجميع لا يزال يرتشي وان الاوضاع لم تتغير عما كانت عليه في عهد مبارك.

وتقول امنية حسين من منظمة الشفافية الدولية "لن يصلح سقوط زعيم واحد ضعف المؤسسات التي عجزت حتى الان عن تطبيق لوائح مكافحة الفساد."

ويحاول المجلس الاعلى للقوات المسلحة اظهار التزامه بمحاربة الفساد ويجري التحقيق مع الرئيس السابق شخصيا ونجليه والعديد من كبار المسؤولين والبعض تجري محاكمته.

ويقول نشطاء ان عودة حكم القانون - بدءا من احترام اشارة المرور وحتى الحق في محاكمة عادلة - بات ضروريا.

وقارن العالم المصري احمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في مقال نشرته صحيفة فايننشال تايمز بين تراجع مصر وبين الصين التي نجحت في انتشال مئات الملايين من الفقر خلال فترة حكم مبارك التي دامت 30 عاما.

وكتب زويل "لمصلحة الجميع.. الذين يرغبون في استقرار طويل الامد في الشرق الاوسط ان تنجح الثورات الديمقراطية السلمية في مصر ومناطق اخرى. عامل الوقت جوهري."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/آيار/2011 - 4/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م