العراق ومقتل بن لادن... ينهي القاعدة أم يعيد ترتيب أوراقها؟

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: قتل بن لادن... ليسدل الستار على شخصية ساهمت بشكل وآخر بتغيير وجه المنطقة إلى الأبد، ودفعت الى حراك عسكري لم يشهده العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لتكون نهايته بذات الهدوء الذي زامن بداية رحلته مع الفكر المتشدد.

الا ان مقتل بن لادن لا يشفي جروح الملايين من العراقيين، خصوصا ان فكره المتطرف وتنظيمه الدموي اثخن ولا يزال في اذاء ابناء ذلك البلد دون هوادة، مما الحق بهم ضررا معنويا وماديا غير مسبوق، سيما اسهام القاعدة في تأجيج الحرب الأهلية لسنوات، مستغلا الفراغ الامني الذي اعقب اجتياح القوات الامريكية للعراق مع انهيار الاجهزة الامنية في ذلك الوقت.

ويرى اغلب المحللين لشؤون الجماعات المتشددة، ان مقتل بن لادن مؤخرا على يد قوات الكومندوس الامريكي في باكستان، سوف يدفع خلايا الإرهاب النائمة الى القيام باعمال انتقامية على المدى القريب، فيما كشف آخرون ان تلك الجماعات تراعي في تخطيطها الإرهابي تأمين ديمومة هجماتها لامد طويل، متخذة من بعض المناطق الرخوة في العراق ملاذ لحراكها، يجنبها الوقوع في قبضة العدالة.

قد لا يكون له تأثير كبير

فقد قال مسؤولون أمنيون قد لا يكون له أي تأثير يذكر على تنظيم القاعدة في العراق الذي لا يزال بامكانه - رغم ما تعرض له من اضعاف - شن هجمات دموية خلال السنوات العشر القادمة. ويقول المسؤولون الامنيون ان تنظيم القاعدة في العراق وهو تنظيم محلي الى حد كبير ولا تربطه علاقات كبيرة بقيادة التنظيم ربما يسعى الان للانتقام لمقتل بن لادن الذي كان اكثر المطلوبين في العالم لكنه قد يصبح على المدى الطويل شوكة في جانب الحكومة العراقية اكثر منه قوة مزعزعة للاستقرار.

وقال كمال علي حسين وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات "لا يوجد شيء اسمه القضاء نهائيا على هذا التنظيم. هذا تنظيم عقائدي ولا يمكن القضاء نهائيا على فكر أو عقيدة."

وأصبح العراق جبهة في الحرب الامريكية على الارهاب عندما استقر تنظيم القاعدة فيه بعد غزو عام 2003 الذي أطاح بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين. ومع اعتبار القوات الامريكية قوة احتلال في نظر الكثير من العراقيين وجدت القاعدة في ذلك اساسا خصبا لتجنيد اعضاء للتنظيم. وانجذب الالاف من العراقيين السنة الى القاعدة وبعد ذلك لدولة العراق الاسلامية التابعة للتنظيم والتي تولت دور القيادة في العمليات المسلحة وقادت صراعا طائفيا أودى بحياة عشرات الالاف من الاشخاص.

وانقلب الكثير من المسلحين السنة في نهاية المطاف ضد القاعدة. وتشير تقديرات كمال الى ان التنظيم تضرر بنحو 50 في المئة لكنه حذر من أن العراق سيحتاج الى عشر سنوات على الاقل للحد بشكل كبير من انشطة هذا التنظيم.

ويقول القادة العسكريون العراقيون والامريكيون انهم ألحقوا اضرارا جسيمية بتنظيم القاعدة في العراق وقطعوا خطوط اتصاله مع بن لادن وقيادة التنظيم. وفي العام الماضي قتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق ابو ايوب المصري وقائد دولة العراق الاسلامية ابو عمر البغدادي في هجوم مسلح. لكن القاعدة سرعان ما اختارت زعيمين جديدين.

وقال اللواء فاضل برواري قائد قوات مكافحة الارهاب وهي قوة عراقية خاصة " لا مستقبل للقاعدة في العراق. نحن مصصمون على تدمير هذا التنظيم والقضاء عليه وعلى كل خلاياه مهما حصل. سنقاتلهم ونقضي عليهم حتى اخر رجل فيهم."

واضاف انه تم تدمير نحو 70 في المئة من قوة تنظيم القاعدة في العراق. وقال كمال ان القاعدة اثبتت نفسها رغم ذلك كقوة فتاكة. وأضاف ان تنظيم القاعدة في العراق الذي يتم تمويله محليا من خلال الابتزاز والخطف مقابل الفدي مسؤول عن نحو 70 في المئة من الهجمات في جميع انحاء البلاد. بحسب رويترز.

ووجهت السلطات اصابع الاتهام للقاعدة في اسوأ هجوم وقع في الاونة الاخيرة عندما هاجمت مجموعة من الانتحاريين والمسلحين مبنى مجلس المحافظة في مدينة تكريت مسقط راس صدام حسين في مارس اذار الماضي مما اسفر عن مقتل 58 شخصا على الاقل واصابة ما يقرب من 100 اخرين.

وفي حين رحب الكثير من العراقيين بمقتل بن لادن الا ان بعض السنة يقولون ان ارثه سيبقى داخل الجماعات المسلحة العراقية. وقال سالم الحديدي من الموصل وهو مسلح سني سابق في الموصل المعقل الاخير للقاعدة في العراق " اسامة ابن لادن هو الاب الروحي لتنظيم القاعدة ولا اعتقد ان مقتله سيؤثر على العمليات المسلحة في العراق."

وتابع " القاعدة لديها روح المطاولة ومع مرور الوقت سيكون هناك عمليات نوعية لاثبات الوجود وفي اشارة الى ان ابن لادن لم يكن هو المخطط الوحيد والقائد الوحيد لتنظيم القاعدة."

وزير خارجية سعيد

من جهته قال هوشيار زيباري وزير خارجية العراق ان أسامة بن لادن "نال ما يستحق" وان قتل زعيم القاعدة ضربة لمعنويات أتباعه. وقال زيباري في مقابلة تنشرها صحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج يوم الخميس "بن لادن كان الرمز.. كان تجسيدا للشر. مقتله ضربة كبيرة لمعنويات الارهابيين.. التأثير النفسي سيكون كبيرا."

وتابع قائلا "نحن العراقيون وأعلنها صريحة سعداء لان بن لادن قتل. كان ارهابيا ونال ما يستحق." وأضاف أنه تم اضعاف القاعدة في العراق حيث سيطر متشددون على بعض المناطق العربية السنية بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003.

وقال زيباري "القاعدة فقدت القدرة على القيام بحملات ارهابية بشكل دائم. لم يعد بمقدور الارهابيين العمل من مناطق..محررة.. لم تعد لهم سيطرة على أي مدن -- الان يحتاجون الى شهر أو شهرين للتحضير لهجوم."

العراق يتوقع أعمالا انتقامية

في سياق متصل وضع العراق الجيش والشرطة في حالة تأهب قصوى تحسبا لشن عمليات انتقامية في واحدة من ساحات القتال الرئيسية لتنظيم القاعدة وذلك بعد أن قتلت قوات أمريكية زعيم التنظيم. وقالت مصادر امنية ان مرافق البنية التحتية لصناعة النفط ومحطات الكهرباء والجسور قد تكون أهدافا لهجمات المتشددين لاثبات ان مقتل ابن لادن لم يعطل العمليات في العراق وهي ساحة مهمة للتنظيم بعد مرور ثمانية اعوام على الغزو الذي اطاح بصدام حسين عام 2003.

وقال اللواء الركن حسن البيضاني رئيس هيئة اركان عمليات بغداد "اصدرنا الاوامر باتخاذ الحيطة والحذر وكثفنا العمل الاستخباري في الشوارع." وأضاف "نحن نتوقع 100 بالمئة وقوع هجمات لان مثل هذه التنظيمات تسعى لاثبات الوجود في مثل هذه الظروف."

ورحبت الحكومة العراقية بنبأ مقتل بن لادن على أيدي القوات الامريكية في منزل فخم بباكستان. وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ "الحكومة العراقية تشعر بارتياح كبير لمقتل اسامة بن لادن الذي كان مخططا وموجها للكثير من اعمال القتل للعراقيين وتدمير البلد والتسبب في الكثير من المشاكل للعراقيين."

وكان بوش قد زعم أن صدام على اتصال بالقاعدة وربما يهدد الولايات المتحدة بامداد التنظيم الذي يقوده ابن لادن بأسلحة دمار شامل. وفي عام 2002 زعم أيضا وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد أن واشنطن قدمت أدلة لحلفائها تثبت وجود صلة بين بغداد والقاعدة. وما زال للجيش الامريكي قوات قوامها 47 الف فرد في العراق.

وقال الكولونيل باري جونسون المتحدث باسم الجيش الامريكي "ندرك أن قتل بن لادن قد يؤدي الى رد فعل عنيف من القاعدة في العراق وتنظيمات متطرفة أخرى تتبع تنظيم القاعدة" ووصف ارتباط هذه الجماعات بتنظيم القاعدة بأنه فضفاض. ولم يشأ أن يعقب على أي تغييرات في العمليات نتيجة لمقتل ابن لادن.

وقالت المصادر الامنية العراقية انها تلقت معلومات استخبارات تفيد ان القاعد ستنفذ هجمات انتقامية وان الهجمات قد تستهدف الاسواق والمزارات الدينية ومرافق البنية التحتية. وقال ضابط كبير في مجال مكافحة الارهاب "نحن نتوقع ان يهاجموا اهدافا مثل مؤسسات النفط ومحطات الكهرباء والجسور في بغداد والبصرة ومناطق وسط الفرات." بحسب رويترز.

ويقول مسؤولو الجيش الامريكي ان عمليات مكافحة الارهاب ضد تنظيم القاعدة في العراق قوضت تنظيمه وأضرت بالاتصالات بينه وبين قيادة القاعدة خارج البلاد.

خطط طويلة الأمد

فيما كشف قيادي سابق في دولة العراق الإسلامية، إحدى واجهات تنظيم القاعدة في العراق، أن عدد عناصر تنظيم القاعدة في العراق لا يتجاوز 1500 عنصر وأنه يمتلك خطط استراتيجية طويلة الأمد.

وقال الملا ناظم الجبوري في تصريح لصحيفة "المدى" المستقلة، نشرته اليوم الأربعاء، "إن تنظيم القاعدة، وبعد الضغط الذي تعرض إليه خلال الفترة الماضية، عمد على تحويل الطرق التي ينفذ فيها عملياته وفق خطط إستراتيجية طويلة الأمد وهو ما اعتمد عليه في عملياته بالشيشان وغيرها من المدن وهي احتجاز الرهائن وقتلهم".

وأضاف :"هذه العمليات الإرهابية تقام بأقل عدد من العناصر من أجل إيقاع أكبر عدد من الخسائر، وهذه العمليات بدأت تجني ثمارها وتوقع عددا كبيرا من الضحايا، خلال استهدافها لكل من كنيسة سيدة النجاة ومجلس محافظة صلاح الدين والتي هاجمها عدد لا يتجاوز العشرة إرهابيين، وأوقعوا العشرات من الضحايا ما بين قتيل وجريح".

وذكر الجبوري أن "أعداد تنظيم القاعدة في العراق لا يتجاوز أكثر من 1500 عنصر"، وأنها أجرت عملية مناقلة بينهم في المحافظات التي لا يزال لهذه التنظيمات دور فعال فيها. وقال إن "القوات العراقية لا تزال حتى اللحظة ليست لديها القدرة الكافية في مسك زمام الأمور، وبالتالي فإن العراق لا يزال بحاجة إلى وجود القوات الأميركية".

وأرجع تمركز التنظيمات الإرهابية في بعقوبة إلى طبيعتها الجغرافية حيث مساحات واسعة غير آهلة بالسكان، وكذلك ضعف انتشار القوات المسلحة فيها لاسيما في مناطق تلال حمرين، كما أنها مناطق حدودية وبالتالي يسهل تمويلها من دول الجوار، فضلا عن وجود تنوع طائفي في المحافظة.

عشرات القتلى والجرحى في سلسلة تفجيرات وهجمات

الى ذلك أفادت انباء بمقتل 16 شخصا على الأقل وجرح 37 أخرين في انفجار سيارة مفخخة مساء الثلاثاء في منطقة الدورة بالعاصمة العراقية بغداد. وقالت مصادر امنية عراقية إن السيارة انفجرت امام مقهى يعج بالزبائن ومعظمهم من الشباب الذين كانوا يتابعون مباراة لكرة القدم.

واوضحت المصادر ان المقهى يقع في جيب شيعي وسط الحي الذي تقطنه أغلبية من السنة، ويشار إلى ان الدورة كان معقلا لفترة للجماعات المسلحة.

ويعد هذا أول تفجير كبير في العراق منذ اعلان الولايات المتحدة انها قتلت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

وشهدت الدورة هجمات اخرى يوم الثلاثاء فقد ذكر مصدر أمني أن مديرة دائرة العقارات في امانة بغداد بسمة فتاح قتلت بانفجار عبوة لاصقة ثبتت على سيارتها على الطريق الرئيسي في الدورة. وجرح ثلاثة أشخاص بينهم شرطي في انفجار عبوة ناسفة استهدف دورية للشرطة.

كما قتل شخص واصيب اثنان بينهم مدير في وزارة التجارة يدعى حسن اسماعيل اثناء محاولة اغتيال فاشلة بتفجير عبوة ناسفة اعقبها اطلاق نار على طريق رئيسي جنوب بغداد.

يشار إلى ان التقارير أشارت إلى تراجع في وتيرة العنف بالعراق مقارنة بعام 2007 لكن الهجمات تتكرر من حين لآخر.

وفي سياق متصل قال جون بينر رئيس مجلس النواب الامريكي إنه ينبغي بقاء قوة امريكية صغيرة في العراق بعد نهاية العام الحالي الموعد النهائي لانسحاب القوات الأمريكية من العراق.

وأوضح بينر في تصريحات للصحفيين أان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تحدث عما أسماه بثغرات امنية في الحدود واجهزة الاستخبارات العراقية خلال زيارة زيارة النائب الأمريكي للعراق مؤخرا. وحث بينر إدارة الرئيس باراك اوباما على الحوار مع الحكومة العراقية للتوصل الى اتفاق لبقاء بعض القوات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/آيار/2011 - 4/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م