دور التفكير العالمي في بناء الحياة الأفضل

إطلالة على فكر الفقيه الشيرازي

اعداد: مؤسسة الفقيه الشيرازي الثقافية

 

شبكة النبأ: هذه الأيام تحل علينا الذكرى الثالثة لرحيل الفقيه الفقيد آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (اعلى الله درجاته)، هذا الرحيل الذي خلف فجوة كبيرة في النفوس واثر حزن لا ينقضي ولا يندثر، لكن الفقيه الشيرازي خلف ارثا ثقافيا كبيرا مزج بين الاصالة والمعاصر، برؤية حداثوية تستند على ثوابت عقائدية رصينة، مما يؤسس لمنهج اصيل قادر على فهم الحاجات المعاصر ويحل الكثير من الازمات المتجددة خصوصا الشبهات الفكرية والعقائدية.

هذه الموضوع الذي اعدته مؤسسة الفقيه الشيرازي الثقافية يلقي الضوء على احد الجوانب المهمة في منهج الحياة ودور التفكير في صياغة دور الانسان، خصوصا ان الكثير من الازمات تنشأ بسبب اسلوب التفكير الفئوي الضيق:

رحلة في آفاق التفكير

رحلة الانسان مع الحياة، تبدأ بنقطة زمنية معروفة هي لحظة الولادة، وتنتهي عند نقطة أخرى هي لحظة الموت، وما بين هاتين النقطتين، يمتد تأريخ الانسان الذي يضم سيرته وانجازاته ودوره في الحياة، هناك من لا دور له في الحياة، بمعنى قد لا يُذكر له أي دور مهم، بسبب تقاعسه وضعف دوره في هذا المجال، وهناك إنسان آخر، يتحدث عن دوره أقرب الناس له، وابعدهم عنه، والسبب أنه ترك للآخرين، سيرة تدخلت في رسم مجرى التأريخ.

هذا الامر يبدو أنه مرتبط بنوع التفكير واتجاهاته، فكلما ضاقت آفاق التفكير وانحصرت في دائرة الذات، أو في دائرة الاهتمامات الشخصية، كلما كان الدور ضعيفا وفقيرا في آن واحد، والعكس يصح تماما، بمعنى كلما توسع تفكير الانسان وانفتحت آفاقه، كلما كان دوره كبيرا ومتميزا.

في هذا الصدد، يقول الفقيه المقدس آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته) في إحدى محاضراته القيّمة:

(إن منحى التفكير له تأثير كبير في حياة البشر، ذلك لأن الفكر يمثل القيادة وهذه القيادة لا يوجد لها تأثير في الاتجاه العام لحياة الأفراد فقط، وإنما في كل مفردة من مفردات حياتنا نحن البشر).

وتبقى الطاقات الفكرية مختلفة من إنسان الى آخر، تبعا لقدراته ومواهبه وقوة إرادته، وسعيه نحو تكوين البصمة المؤثرة التي يتركها في الآخرين، ولهذا فإن التباين في طرق التفكير تؤثر بصورة مباشرة في حياة الانسان وفي توجيه خطواته، إذ يؤكد الفقيه الشيرازي في هذا الصدد قائلا:

(إن الأفراد يختلفون في شعاع ومدى وحدود تفكيرهم، وهذا الإختلاف يؤثر أثراً بيّناً في كل خطوة من خطوات الفرد).

ويرى الفقيه الشيرازي، أن هناك أنواعا مختلفة من التفكير، هي التي تشكل طبيعة دور الانسان في الحياة، سواءً كان سلبيا أو إيجابيا، ومن أنواع التفكير التي ثبّتها الفقيه الشيرازي في هذا المجال ما يلي:

(النوع الأول: الأفراد الذين لهم تفكير -إن صحّ التعبير- شخصانيٌّ، فهو يفكر في ذاته، والذات عنده هي المحور وهي المنطلق والغاية والنهاية والإطار والهدف).

ويرى الفقيه الشيرازي أيضا أن (هناك تفكير عائلي، وتفكير قومي، وتفكير إقليمي وهكذا....).

ويمكن أن نلاحظ سعة الاطار الفكري، لكل نوع من انواع التفكير المذكورة، فالتفكير العائلي محصور بمصلحة العائلة فحسب، ولا يتجاوزها الى ما هو أبعد، وأهم، وهكذا الحال بالنسبة للتفكير القومي الذي ينحصر في حدود القومية، التي ينتمي إليها الانسان، فهل يصح أن يحصر الانسان تفكيره في حدود الذات أو العائلة أو حتى القومية ؟.

الجواب: إن التفكير كلما ضاقت وانحسرت مساحته، كلما كان تأثيره في رسم التأريخ أقل وأضعف، والعكس يصح تماما، حيث يتدخل التفكير الواسع في توجيه مسارات التأريخ نحو مصلحة الانسانية عموما، لذلك عندما يكون تفكير الانسان عالميا فلابد أنه يتمتع بعقلية واسعة تهدف الى مصلحة العالم أجمع، ويرى الفقيه الشيرازي في هذا الخصوص قائلا:

(أما التفكير العالمي، فهو أن يكون تفكير الانسان في حدود العالم، وإهتمامه في إطار العالم وهمّه همّ العالم).

لهذا ينبغي لدور الانسان أن يخرج عن حدود الذات، او العائلة، او القومية وما شابه، الى الحدود الأوسع وهي الحدود العالمية، إذ يؤكد الفقيه الشيرازي في هذا الصدد:

(ينبغي أن يكون التفكير كما أراده الله سبحانه وتعالى تفكيراً عالمياً)، ويضيف الفقيه الشيرازي أيضا: (يجب على الانسان أن يحاول أن يكون له تأثير في مجرى التاريخ).

وهذا ما يؤكد ضرورة إمتداد التفكير الى فضاءات لا تحدها الحدود الذاتي، أو العائلي، او القومي وغيره، وينبغي أن يتذكر الانسان دائما أنه معنيّ بالعالم أجمع، وينبغي أن يكون دوره مساعدا وفاعلا في إطار بناء العالم الأفضل للبشرية جمعاء، لأن الله تعالى لم يخلق الانسان لكي يحصر نفسه في خدمة نفسه، أو بيته، أو مدينته، أو حتى بلده، نعم يمكنه أن يفعل ذلك، لكن عليه أن يفهم بأنه مسؤول أزاء العالم كونه المكان الواسع الذي يخص الانسانية جمعاء.

http://mr-alshirazi.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 8/آيار/2011 - 4/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م